مرحلة ما بعد التصحيح .. التحدي الأكبر أمام وزارة العمل

طلعت زكي حافظ
بعيدا عن المجاملة والمدح غير المبرر، فإن ما بذلته وزارة العمل من جهود حثيثة خلال الأشهر القليلة الماضية لتصحيح أوضاع العمالة الوافدة المخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة وبمساندة أمنية كبيرة من قبل وزارة الداخلية، أمراً يستحق الثناء والإشادة، ولا سيما حين النظر إلى النتائج المبهرة التي تحققت خلال فترة وجيزة جداً من الزمن.لعله من المهم جداً تدعيم هذا الثناء والإطراء على تلك الجهود بالنظر إلى ما تحقق من نتائج خلال فترة المهلة التصحيحية الأساسية وما تبعها من فترة تمديد، حيث تمكنت وزارة العمل خلال فترتي المهلة التصحيحية، من تصحيح أوضاع أكثر من 3.9 مليون وافد من المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل مِنْ المُنْشآت والعمالة والأفراد وذلك حتى تاريخ 27/8/1434هـ. وقد تجاوز أعداد عمليات تصحيح نقل الخدمة 1.1 مليون عملية في حين قد تجاوز أعداد عمليات تصحيح تغيير المهنة 1.6 مليون عملية خلال الفترة ذاتها.إن ما قامت به وزارة العمل من جهود تصحيحية لأوضاع العمالة الوافدة المخالفة لنظامي العمل أو الإقامة أو كليهما، سيسهم بفاعلية في خلق بيئة عمل سليمة وعادلة وفي الوقت نفسه متكافئة من حيث فرص العمل المتاحة في السوق للمواطنين والمقيمين على حد سواء. كما أن حركة التصحيح تلك ستعمل على فتح فرص عمل للمواطنين من الشباب والشابات التي كانت تشغلها العمالة الوافدة غير النظامية، ولا سيما حين النظر بأن هناك أكثر من 700 ألف عامل مخالف لنظامي العمل والإقامة قد غادروا البلاد طواعية لعدم رغبتهم في تصحيح أوضاعهم غير النظامية.وتجدر الإشارة إلى أن حملة التصحيح قد صاحبتها جهود مماثلة لا تقل من حيث الأهمية بهدف إصلاح سوق العمل المحلي والارتقاء بأدائه والقضاء على التشوهات التي ظل يعاني منها لفترة طويلة من الوقت، التي انعكست بدورها على انخفاض نسب التوطين بعدد كبير من القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية، باعتبار أن السوق لم يكن جاذباً لعمل السعوديين، بل طارداً لهم، بسبب وجود عمالة وافدة غير نظامية تقبل مستويات متدنية من الأجور وتعمل في مجالات عمل متعددة بصرف النظر عن المعرفة والخبرة في مجال العمل، طالما أنها تحقق لها العائد الذي يمكنها من الاستمرار بالبقاء في السعودية، ما انعكس سلباً على مستوى نوعية وجودة الخدمات المقدمة في السوق.ومن بين الجهود المماثلة التي صاحبت حملة التصحيح، إقرار وزارة العمل برنامج ''حماية الأجور''، الذي يستهدف التزام الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع الخاص من صرف أجور جميع العاملين والعاملات لديها ''السعوديين والوافدين'' في أوقاتها المحددة دون تأخير وبالقيمة المتفق عليها. ومن بين الجهود المصاحبة أيضاً، إطلاق الوزارة مبادرة بعنوان ''فلنتعاون للتوطين''، بهدف تشجيع القطاع الخاص على النمو من أجل إيجاد فرص وظيفية تستوعب أبناء وبنات الوطن، وأيضاً لتحفيز شباب وشابات الوطن للخوض في شتى مجالات العمل طالما أن الوطن يحتاج إليها، وتحقق للشاب والشابة العائد المادي المناسب الذي يجنبه السؤال ويكسبه احترام المجتمع.ولكن وعلى الرغم من تلك الجهود التي بذلتها وزارة العمل، التي استهدفت جميعها القضاء على ظاهرة العمالة المخالفة لنظامي العمل والإقامة، إلا أن نجاح تلك الجهود وقدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة منها، سيظل أمراً مرهوناً باستمرارها وعدم التراخي أو التهاون مستقبلاً في التعامل مع ملف العمالة السائبة والمخالفة لنظامي العمل والإقامة بدرجة الحزم والإصرار والعزيمة نفسها، بغية عدم تكرار المشهد المأساوي الذي كان يعيشه سوق العمل المحلي والبيئة الاقتصادية الوطنية، الذي تسبب في انتشار الجريمة وفي وضعف أداء السوق وعدم القدرة على تحقيق نسب توطين الوظائف التي تستهدفها الدولة في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية.إن الأمر يتطلب كذلك استمرار وزارة العمل في تبني برامج تثقيفية للشباب والشابات حول أهمية العمل الشريف وكيف يمكن للشاب أو الشابة من تحقيق النجاحات المأمولة والمنشودة، هذا إضافة إلى ضرورة تبني تطبيق خطة وطنية على مستوى البلاد، تعمل على إعادة تأهيل الباحثين عن عمل التأهيل الجديد الذي يمكنهم من مواكبة متطلبات سوق العمل بالكفاءة المطلوبة، إضافة إلى تمكينهم من أداء الأعمال التي كانت تؤديها العمالة الوافدة بدرجة الكفاءة نفسها إن لم يكن بمستوى أفضل. خلاصة القول، إن الجهود التي بذلتها وزارة العمل خلال الفترة التي منحتها الدولة للعمالة الوافدة المخالفة لنظامي العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعها، لا بد لها أن تستمر ولا تنتهي بانتهاء فترة التصحيح، وذلك لضمان استمرارية خلو سوق العمل من العمالة المخالفة والسائبة، ما يتطلب استمرار عمليات التفتيش لرصد المخالفات والتعامل بالصرامة المطلوبة. كما أن الأمر يتطلب من وزارة العمل والجهات التعليمية الأخرى المعنية بالأمر، إعداد الشباب والشابات الراغبين في العمل، الإعداد الجيد الذي يلبي متطلبات واحتياجات سوق العمل، بحيث لا يشعر المواطن أو المقيم بأي نوع من القصور في الخدمات التي تقدم في السوق أو حتى بالانخفاض في مستوى الجودة والنوعية.