بات ما يعرف برأس المال الفكري في عصرنا الراهن يستقطب الاهتمام المتزايد من قبل إدارة الموارد البشرية والقيادات الستراتيجية للمنظمات الطامحة الى صياغة وتنفيذ خططها الهادفة الى التطور والنجاح الدائم في عالم تتقاذفه تحديات العولمة وضرورة تحقيق الميزة التنافسية خلال مناخاتها المعقدة ومتغيراتها السريعة التي لايرقى الى مواكبتها و لايتكافأ مع تحدياتها الديناميكية سوى أصحاب العقول المتوقدة من المبدعين والموهوبين والخبراء ذوي التأهيل العلمي العالي .


ذلك فإن الحكومات والدول المتقدمة أخذت تتسابق بشكل محموم ومصيري في استثمار المزيد من الأموال والموارد في تنمية ثرواتها البشرية والمعرفية وتعتبر ذلك خيارها الاستثماري الرابح دائما و الذي لايخيب ابدا.
فهذه الحكومة الصينية مثل بارز والتي (تستوعب جامعاتها أكثر من 17 مليون طالب جامعي يدرسون العلوم والهندسة فقط وسيتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات خلال السنوات الأربع المقبلة بهدف تنمية أقوى وأضخم جيش من الموارد البشرية عالية التأهيل والمهارات المتقدمة.. كذلك فإن الصين قد استثمرت أكثر من 60 مليار دولار في مجال البحوث والتطوير) استنادا الى تيد فيشمان Ted C.Fishman مؤلف كتاب (الصين شركة عملاقة يتحدى صعودها اميركا والعالم2008 ( ) ان المنظمات المعاصرة تنظر الى مواردها البشرية على انها أغلى الموارد وأكثر الموجودات قيمة وحري بدولنا النامية التيقظ لهذه المؤشرات والمعطيات الخطيرة وتوظيفها عملا فعلا ولاسيما بتخصيص الموازنات المالية التي تتوازى أهميتها المتصاعدة مع تصاعد منحنى الثورة المعرفية والمعلوماتية وإفرازات اقتصاد المعرفة في العالم المتقدم. فرأس المال البشري استنادا الى الدكتور احمد علي صالح والدكتور عادل حرحوش الصــــــادر عن المنظمة العربية للتنمية الإدارية (رأس المال الفكري .. طرق قياسه وأساليب المحافظة عليه 2003) يعد مفتاح الإدارة الستراتيجية المحدد للتنمية وعندما تحدث فجوة بين رأس المال البشري وباقي رؤوس الأموال لابد ان ينصب التفضيل والاهتمام على البشر إعدادا وتدريبا وتكريسا للخبرة ودعما للقدرة الإدارية ، وحيث يتكامل الإعداد البشري يصبح من السهل والميسور زيادة القدرة التنموية في استخدام باقي رؤوس الأموال أفضل استخدام ولذلك فان الدولة الناشطة في مجال التنمية تضع أمامها هدفا ستراتيجيا هو تطوير كفاية رأس المال البشري.
وتحضرنا هنا مقولة مارشال Marshall الشهيرة ان أثمن ضروب رأس المال هو ما يستثمر في البشر ويتميز بميزة عظيمة هو أن مهاراته المعنوية تتجدد مع تغيرات العصر ولن يندثر إلا بتوقف عمره الزمني " أي انه لايخضع لقانون المنفعة المتناقصة الذي يطبق على السلع المادية .
أما رأس المال الفكري Intellectual Capital ( I/C) فهو من أحدث المواضيع وأعظمها قيمة في العلوم الإدارية المعاصرة وهو كما يؤكد المفكر ستيوارت Stewart أصبح أهم مكونات الثروة القومية وأغلى موجودات الشركات والمنظمات الأخرى) كما أنه اشار في كتابه (رأس المال الفكري.. الثروة الجديدة للمنظمات) الى ان المعرفة الفكرية والمعلومات والملكية الفكرية والخبرة التي يمكن وضعها في الاستخدام لتنشيء الثروة .. وقد صنفه الى رأس مال هيكلي، ورأس مال بشري، ورأس مال زبوني.. إذ ان هذه العناصر الثلاثة تحدد مكوناته. وهو استنادا الى هاميل Hamel قدرة متفردة تتفوق بها المنظمة على منافسيها وتتحقق من تكامل مهارات مختلفة وتسهم في زيادة القيمة وهي مصدر من مصادر الميزة التنافسية واستنادا الى ويبستر Webster فإنه صفة للقياديين التحويليين تمثل قدرتهم على تحويل البحث الى التصنيع بنجاح عال يساهم في بقاء المنظمة في عالم المنافسة لأمد بعيد واستنادا الى كيلي Kelley فهو يتكون من العاملين الذين يمثلون النجوم اللامعة والعقول المدبرة الذين يصعب إيجاد بديل لهم وينظر اليه الدكتور سعد العنزي على انه المعرفة المفيدة التي يمكن توظيفها واستثمارها بشكل صحيح لصالح المنظمة لذلك فإن من ابرز عناصر رأس المال الفكري هي:
انه جزء من رأس المال البشري:
- انه مجموعة العاملين التي تمتلك قدرات معرفية وتنظيمية عالية- يهدف الى توليد أفكار جديدة.
ـ لايتركز في مستوى منظمي دون غيره.
وتنبع أهمية رأس المال الفكري من كونه أكثر الأصول قيمة في القرن الحالي وفي ظل اقتصاد المعرفة اذ انه يمثل القوى الفكرية العلمية القادرة على إجراء التعديلات والتكييفات الأساسية على ابرز مفاتيح التطور والتقدم في أعمال المنظمات والمؤسسات. وإن الكثير من الشركات لاسيما الشركات الاستشارية والمهنية المتخصصة والشركات الرقمية Digital ليس لها رأس مال مادي كبير وإنما رأس مالها الحقيقي يتمثل في أصولها الفكرية المعرفية بشكل أساسي. كما أن مركز الثقل في توليد القيمة والثروة انتقل من عمل الأشياء الى العمل المعرفي.. من الموارد الطبيعية الى استغلال الأصول الفكرية.
وقد ذهب الدكتور احمد صقر عاشور الى " ان الجهود التنموية التي بذلت في المنطقة العربية في مجالات الاستثمار المعرفية والفكرية وتنمية طاقات الإبداع ماتزال متواضعة وينبغي إعطاء جهود التنمية البشرية والتدريب مضمونا ستراتيجيا يلبي احتياجات تنمية طاقات الإبداع والتعلم المؤسسي وقيمة رأس المال المعرفي للمجتمع ومؤسساته .. فضلا عن تعزيز الإفادة من جهود التنمية البشرية من خلال تحقق تكاملها مع نظم وسياسات الموارد البشرية في المنظمات . ولكون رأس المال الفكري من المعطيات المعرفية غير الملموسة فيصعب جدا قياسه بهدف إدارته والتعامل معه.. ولكن من ابرز اساليب التعامل معه كما جاء في كتاب الدكتور نجم عبود نجم (ادارة المعرفة والستراتيجيات والعمليات 2008 ) ما يأتي:
القيمة النسبية كهدف نهائي وليس هدفا كميا:
بطاقة الدرجات المتوازنة Balance Score Card - BSC وتقوم على أربعة عناصر هي : منظور أصحاب المصلحة ـ الزبون وذوي العلاقة، ومنظور عمليات الأعمال، ومنظور توليد القيمة، ومنظور التعلم والنمو، و التي ترتبط بالرؤية الستراتيجية للمنظمة.
- نماذج القدرة من خلال مراقبة وتصنيف سلوكيات العاملين الناجحين واحتساب القيمة السوقية لمخرجاتهم.
أداء المنظومة الفرعية
- المعايرة Benchmarking التي تستلزم تحديد الشركات المتميزة القائدة في رافعة أصولها ومن ثم تحديد كيفية تقييمها ومعايير ذلك ومن ثم مقارنة ذلك استنادا لهذه المعايير مع أداء الشركات المعنية وتشخيص الفجوة وتحديدها بغية اجراء التعديلات والتصحيحات المطلوبة.
- قيمة الأعمال مراجعة عملية الأعمال.
- مصرف المعرفة تقييم حقوق ملكية العلامة.
- القيمة غير الملموسة المحسوبة بمقارنة عائد الشركة على الأصول مع متوسط العائد على الأصول على مستوى الصناعة التي تعمل فيها الشركة.
- الاقتراض المصغر والذي يكون ضمانة غير ملموسة.
- التقرير الملون وهي طريقة تكمل الكشوف المالية (التي تعطي صورة اسود وأبيض) مع معلومات إضافية (تضيف الألوان) كمقاييس رضا الزبون وقيمة قوة العمل المدربة.
- إن عصر إدارة المعرفة طرح مفهوم رأس المال الفكري المعرفي بشكل غير مسبوق ولكي يأخذ هذا الأمر أبعاده التطبيقية العملية التنظيمية كان لابد من التعبير عنه على وفق أساليب قابلة للقياس والتحديد، من خلال رؤية شاملة لكل الأصول الفكرية التي تتوزع في جميع أقسام ووحدات وأفراد الشركة أو المنظمة متمثلا برأس المال الصريح بالوثائق وقواعد المعلومات والحواسيب ، والضمني في عقول المختصين والخبراء والموهوبين من صناع المعرفةKnowledge-Workersالذين يشكلون بحق الثروة غير الناضبة المتجددة والعقل المدبر المبدع والمنتج لديالكتيك الأفكار وتطبيقاتها بمنظور ستراتيجي يؤشر خيار المستقبل بلا منازع.