خصائص الفكر، فيُمكن إجمالها في خمس خصائص:
1- الفكر هِبَة ربَّانية:
فهو مِنحة من الله، بل إنها من أجَلِّ النِّعم، فقد ميَّز الله بها الإنسانَ عن الحيوان، كما أنه جعل العقل مناط التكليف، فمن فقَد عقله - (أداة التفكير) - فلا تكليف عليه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِع القلمعن ثلاثة: عن النائم حتى يَستيقظ، وعن الصبي حتى يَحتلم، وعن المجنون حتى يَعقِل))[2].

2- كل إنسان يفكر:
قد نظنُّ أن بعض الناس لا يُفكِّر لموقف يمرُّ به، والحقيقة أن الموقف لم يدفعه نحو التفكير، ولم يكن كافيًا من أجْل دفْعه نحو التفكير، والدليل على ذلك أن الشخص نفسه تجده في مواقفَ أخرى من أحسن الناس تصرُّفًا، فالفاشل دراسيًّا لا بد أن يكون ناجحًا، أو لديه القدرة على النجاح في أشياءَ أخرى، والذي لم يَنجح في موقف ولم يُحسن التصرف، تَجده من أفضل الناس في مواقفَ أخرى، فكم من المخترعين والمفكِّرين والمبدعين، كانوا غير ناجحين في غير ميدانهم!

وثَمَّة أمرٌ آخر، وهو العدل الربَّاني، فالله - سبحانه وتعالى - من صفاته العدل، ومن مُقتضيات العدل: توزيع المواهب والقدرات بين أبناء البشر، وعدم حِرمان البعض من كل المواهب والقدرات، إلا فيما تَقتضيه الحكمة الربَّانية للمجانين أو المتخلفين عقليًّا.

3- لا يعلم تفكيرَك إلا اللهُ:
إذا كنتَفي مجلسٍ ما، فحاوِل أن تُخمِّن فيمَ يفكِّر كلُّ واحد من الموجودين؟! قد تستطيع معرفة كثيرٍ من الأشياء عن المقابل لك، لكنَّك من الصعب جدًّا أن تعرِف فيمَ يفكِّر؟ فقد يجلس أمام الأستاذ أو المحاضر أكثر من 50 شخصًا، ولا يستطيع أيٌّ منهم أن يتعرَّف على ما في تفكير القريب منه، فضلاً عن البعيد، بل حتى الأستاذ أو المحاضر لا يستطيع أن يَجزم بمعرفة ما يدور في رأسك!

إنه سرٌّ رباني، فالحكمة الربانية اقتضَت أن يستطيع كلٌّ منا أن يَحتفظ بتفكيره الخاص، ويستطيع أن يُظهر لك خلاف ما يدور في رأسه، ومن أوضح الأمثلة على ذلك في الصلاة، فالكثير يَشكو السرحان في الصلاة، فهو يَسمع شيئًا، ويُفكر في شيء آخرَ، بعيد كل البُعد عن الموضوع الذي يَسمعه، ومن هنا كانت أول صفات المؤمنين الفالحين: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2]، فالله وحده فقط هو الذي انفرد بعلم ما يفكِّر فيه الإنسان.

فهناك أربعة مستويات:
1- العلَن، وهو ما تُظهره للجميع.
2- السر، وهو ما تُسِرُّه لبعض الناس، وتتحدَّث فيه بصورة خفيَّة؛ حتى لا يطَّلع عليه البقية.
3- السر الخاص، وهو ما تُحدِّث به نفسك.
4- الأخفى، وهو ما أُخْفِي على ابن آدمَ مما هو فاعله قبل أن يَعلمه.

4- الفكر قابل للتغيير:
من أبجديَّات الحساب والجزاء: الاختيار، فلا حساب على إجبارٍ، ولا عقوبة على إكراهٍ، وإن كان الفكر هبة ربَّانية، فإن الله أوجَب على العباد أمورًا، وطلب منهم تحقيقها وَفْق منهج محدَّد مهما كانت طريقة تفكير العبد، وهذا يعني بلا شكٍّ أن الإنسان يمكن أن يُغيِّرَ تفكيرَه إلى ما يريد الله، والعكس صحيح.

قد يكون التفكير صعبًا، ولكنه ليس مستحيلاً، والتاريخ البشري القديم والحديث خيرُ شاهدٍ على القدرة على تغيير التفكير، وتوجيهه نحو هدفٍ معيَّن، ولعل سيرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من أوضح الأمثلة على ذلك.

5- الفكر يتطوَّر:

جمود التفكير - (الفكر) - من أكبر أسباب ضَعف التطوير في مختلف جوانب الحياة، كما أن تطوير التفكير من أبرز سِمات أهل التقدُّم بمختلف صوره؛ لذا نجد أن الغرب والشرق وأهل الصناعات بالذات (وحتى العلوم الإنسانية)، يجتهدون كثيرًا في دراساتهم نحو تطوير التفكير وسبُل النهوض به، ويَبتكرون برامجَ ونظريات من أجل ذلك، فمهارات التفكير وبرامج الكورت[3] وغيرها كثير، كلها تَهدف إلى ذلك، ولا ريبَ أن ما نَعيشه من تقدُّم مادي ورُقي إنساني، هو من نتائج تطوير التفكير، فطريقة التعامل مع الحياة ومع المشكلات ومع المستقبل وطرق الابتكار، فهذه القضايا وغيرها قد تغيَّرت وتطوَّرت، وأصبح النظر إليها مختلفًا عما كان عليه سابق البشرية.