بسم الله الرحمن الرحيم
منقول : محمد مصطفى قوصيني
معهد الادارة و القيادة في بريطانيا
00962795164831

اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرضومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت إله السماواتوالأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ـصلى الله عليه وسلم ـ حق، اللهم لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، فاغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم بك خاصمنا، وإليك حاكمنا، وبدينكرضينا، وإلى رحمتك رغبنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله على حينظلمة وغفلة من الناس، فبصر به من العمى، وهدى به من الضلالة، وأنار به من الظلمة،وأنقذ به من الهلكة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إخوة الحق و الإيمان : لازلنا مع أمراض القلوب ، فقد تحدثنا من قبل عن الرياء و الحسد و اليوم لنا جولة معمرض آخر لا يقل خطورة عن سابقيه ألا و هو داء" الكبر " أعاذني الله و إياكم منه ،فماالكبر ؟
تعريف الكبر : هو استعظام النفس ورؤيةقدرها فوق قدر الغير ، أو هو : استحقار الغير و ازدراؤه و استصغاره .
فالكبر منأمراض القلوب المذمومة شرعا وهو ينشأ من إعجاب الإنسان بنفسه في أمر من الأمور ،فمن الناس من يتكبر على الغير بعلمه أو بعبادته أو بحسبه أو بنسبه أو بجماله أوبماله أو بقوته أو بكثرة أولاده و أهله أو منصبه ، لأن الكبر معاشر الحضور مرض قلبيولكنه حين يتمكن من الإنسان فإنه يظهر في أعماله و أقواله و أفعاله .
وفي ذمالكبر وتعريفه ورد ت كثير من النصوص منها قوله تعالى: (( أليس في جهنم مثوىللمتكبرين )) الزمر 60 ، وقوله تعالى : (( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرضولن تبلغ الجبال طولا )) الإسراء 37 ، وقوله تعالى : (( و لا تصعر خدك للناس ولاتمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) لقمان 18 .
و عن عبد الله بنمسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إنالرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ؟ قال : إن الله جميل ـ كامل منزه عن النقصـ يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ـ رد الحق ودفعه وعدم قبوله من الناس ـ وغمط الناس ـاحتقار الناس ـ )) مسلم والترمذي ، وقوله ـ صلى اللهعليه وسلم ـ : (( إن أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجلسا يومالقيامة الثرثارون والمتشدقون و المتفيقهون ، قالوا : يا رسول قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيقهون قال: المتكبرون )).
وعنأسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال ، بئس العبد عبدتجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى ، بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى ،بئس العبد عبد عتى وطغى ونسي المبتدا والمنتهى ، بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدينبالشهوات ، بئس العبد عبد طمع يقوده ، بئس العبد عبد هوى يضله ، بئس العبد عبد رغبيذله )) الترمذي ـقَالَ اَبُوعِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ اِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَاِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّـ والطبراني .
معاشر الحضور : ينقسم المتكبرون إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : المتكبرون على الله: وهو أفحش أنواع الكبر ومثاله من يستكبرعلى عبادة الله أو السجود له أو من يدعي الألوهية ، وقد أخبرنا القرآن عن هذا النوعقال تعالى : (( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن ، أنسجد لما تأمرناوزادهم نفورا )) الفرقان 60 ، وقال تعالى عن فرعون : (( فقال أنا ربكم الأعلى )) النازعات 24 .
القسم الثاني : المتكبرون على الرسل : أيتكبر بعض الناس عن الانقياد لما جاءت به الرسل من الحق ، وقد أخبرنا القرآن عن قريشحين قالوا : (( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم )) الزخرف 31 ، ويقاسعلى ذلك مخالفة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ و محاربة سنته والاستهزاء بهاوتسميتها بالقشور ، عن سلمة بن الأكوع(( أن رجلا أكلعند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشماله ، فقال : كل بيمينك ، قال : لا أستطيع، قال : لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر ، قال : فما رفعها إلى فيه )) مسلم ، ماذا كانت نتيجة تكبره ؟ يبست يده ولم يستطع أن يرفعها .
القسم الثالث : المتكبرون على الناس: أي منيستعظم نفسه ويزدري ويستصغر غيره ، عن جندب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قالرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( قال رجل : واللهلا يغفر الله لفلان ، فقال الله عز وجل : (( من ذا الذي يتألى ـ يحلف على الله ـعلى أن لا أغفر لفلان ، إني قد غفرت له ، و أحبطت عملك )) مسلم .
معاشر الحضور : السؤال المطروح : ما هي نتائج الكبر؟
1-
استقرار الكبر فيالقلب : فقد يرى المتكبر نفسه أفضل من غيره فالكبر في هذه الحالة يكونمستقرا في قلب المتكبر فقط .
2-
ظهور الكبر فيالأفعال : فإذا تطور الكبر تعدى القلب إلى الأفعال ، ومن أمثلته ما يلي :
-
أن يصعر المتكبر وجهه عند رؤية من يرى أنه أحقر منه .
ـ أن يحب المتكبرقيام الناس له .
ـ أن لا يمشي إلا ومعه غيره من الناس وخلفه .
ـ أن يستنكفالمتكبر عن الجلوس بين يدي غيره من العلماء و إن كان يستفيد منه .
ـ أن لا يعملفي بيته عملا بيده أو يحمل متاعه إلى بيته .
ـ أن يتزين للناس باللباس والثيابللشهرة .
ـ أن يجتهد العالم المتكبر في مناظرة غيره وإظهار نقصه لا سيما أمامالناس وطلاب العلم ليظهر لهم أنه أفضل من غيره .
ـ أن يفرح العالم المتكبر إذاظهر خطأ عالم آخر في مسألة ، ……الخ .
3-
ظهور الكبر فيالأقوال : ومنأمثلة ذلك :
-
أن يدعي المتكبر بلسانه العلم أو العمل .
ـ أن يقول المتعبد المتكبر مثلا من هو فلان وما عمله ثم يثني على نفسه ويشكرها .
ـ أنا أصوم في الشهر كذا يوم و أصلي في اليوم كذا ركعة .
ـ قصدني فلان بسوءفأصابته المصيبة الفلانية من ضياع مال أو مرض أو هلاك ولد .
ـ أن يقول العالمالمتكبر أنا أعلم بعلوم كثيرة ودرست على الشيخ الفلاني ، فمن أنت ؟
معاشر الحضور :ونظرا لخطورة هذا المرض فقد تطرق إليهالحكماء والشعراء ، ومما ورد فيه :
*
قال أحد الحكماء : "من برئ من ثلاث نال ثلاثا : من برئ من السرف نال العز ، ومن برئ منالبخل نال الشرف ، ومن برئ من الكبر نال الكرامة " .
قال ابن مسعود : " كفى بالمرء إثما إذا قيل له : اتق الله ، قال : عليكنفسك ".
استأذن رجل كان إمام قوم عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ إذا سلم من صلاته ذكرهم ، فقال : " إنيأخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا " .
قال ابن المعتز : " لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال استعانوا بالكبر ليعظمصغيرا ، ويرفع حقيرا ، وليس بفاعل ".
وقال شاعر : يا مظهر الكبر إعجابا بصـورتــه **** انظر خلاك فإن النتن تـثـريـب
لو فكر الناسفيما في بطـونـهــم **** ما استشعر الكبر شبان ولا شـيب
هل في ابن آدم مثل الرأسمـكرمة **** وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل و أذن ريحـها سـهـك **** والعينمرفضة والثغر مـلعـوب
يا ابن التراب و مأكول التراب غدا **** أقصر فإنك مأكول ومـشـروبمعاشر الحضور : من أراد مؤنسا فاللهيكفيك ، و من أراد حجة فالقرآن يكفيك ، و من أراد عظة فالموت يكفيه ، و من أرادالغنى فالقناعة تكفيه .
كن غني القلب و اقنع بالقليل **** مت و لاتطلب معاشا من لئيم
لا تكن للعيش مجروح الفؤاد **** إنما الرزق على اللهالكريـــــم
و من لم يكفه هذا و لا ذاك فنار ربهيوم القيامة تكفيه ... البر لا يبلى و الذنب لا ينسى و الديان لا يموت ، اعمل ماشئت يا ابن آدم فكما تدين تدان ، و يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون )) ، فلنتب إلى الله جميعا عسى أن نكون من المفلحين .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
الخطبة الثانية: الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام علىالمصطفى .
معاشر الحضور : ما هو علاج الكبر ؟
1-
معرفة الله : ويعني ذلك أنيتعلم المسلم والمسلمة علم التوحيد و حينئذ يعلم أن العظمة والكبرياء لا يليقان إلابالله تعالى ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( قال الله عز وجل : (( العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعنيفي واحد منهما فقد عذبته )) ) مسلم .
2-
معرفة النفس : أي أن يعرف الإنسان نفسه ،ومن تفكر فيمعاني الآية (( قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه ،من نطفة خلقه فقدره ، ثمالسبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء أنشره )) عبس 17-22 ، لعرف أن هذهالدنيا ليس في داره فرح وسرور فضلا عن أن يتكبر ، وفيما يلي نذكر أحوال الإنسانالثلاث :
ح1- مبدأ الإنسان : كان في العدم ثم أوجدهالله وخلقه من نطفة مذرة ـ جمادا لا يسمع ولا يبصر ـ .
ح2- وسط أمر الإنسان : فالإنسان في مدة حياته ضعيف غايةالضعف يمرض كرها ويجوع كرها ويعطش كرها ويموت كرها ، و لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا، فبالجملة هو ذليل و لا يليق الكبر به .
ح3-آخرأمرالإنسان:وهو الموت فيصير جيفة منتنة قذرة يستقذره كل إنسان ثم يخرج إلىأهوال القيامة والحساب العسير.
3-
التواضع للهوللخلق : وذلك بالإيمان والصلاة التي تشتمل على السجودلله وفي ذلك استقرار التواضع في القلب ، والمواظبة على أخلاق المتواضعين ولنا فيرسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ المثل الأعلى إذ كان : يحلب الشاة ، ويخصف النعل ،ويرقع الثوب ، و يأكل مع خادمه ، ويشتري الشيء من السوق ، ويصافح الغني والفقير ،لين الخلق ، جميل المعاشرة ، رقيق القلب ، ……..) ، قال ـ صلى الله عليه وسلم : (( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلاعزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )) مسلم والترمذي .

جعل عمر بنالخطاب في طريقه إلى الشام بينه وبين غلامه مناوبة ، فكان يركب الناقة ويأخذ الغلامبزمام الناقة ويسير مقدار فرسخ ثم ينزل ويركب الغلام ويأخذ عمر بزمام الناقة ويسيرمقدار فرسخ ، فلما قرب من الشام كانت نوبة ركوب الغلام فركب الغلام و أخذ عمر بزمامالناقة ، فاستقبله الماء في الطريق فجعل عمر يخوض في الماء ونعله تحت إبطه اليسرىوهو آخذ بزمام الناقة ، فخرج أبو عبيدة بن الجراح وكان أميرا على الشام وقال : " يا أمير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك فلا يحسنأن يروك على هذه الحال " ، فقال عمر : " إنما أعزنا الله بالإسلام فلا نبالي من مقالة الناس " .
*
وقال شاعر
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحاتالماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفســـــه **** إلى طبقات الجو وهووضيع

فاتقوا الله عباد الله