فريد منَّاع
(لا يمكن لفرد واحد أن يحقق الفوز وحده، كرة القدم لعبة جماعية، والمدافعون والمهاجمون على نفس القدر من الأهمية).

جريج برويت


سبق القول أن السلوك الإنساني يتأثر بمجموعة من العوامل الفردية، أي التي تتعلق بالفرد كالدافعية، والإدراك، والشخصية، والتعلم ...، وبالإضافة إلى ذلك يتأثر سلوك الفرد بالجماعات التي ينتمي إليها، ولذلك سوف نتناول الآن ديناميات الجماعة والعمل الفريقي (فرق العمل) في المنظمات.

ويرتبط كل منا بعدد من الجماعات، وأول هذه الجماعات هي أسرته، التي يتفاعل معها الفرد منذ ولادته، ويصبح لهذه الأسرة دورًا رئيسيًا في تشكيل وتوجيه سلوك أعضائها، ولكن بمرور الوقت يرتبط الفرد بجماعات أخرى في المجتمع، كالأصدقاء، والزملاء، وغير ذلك.

وتسهم دراسة الجماعات في تفسير كثير من الظواهر السلوكية في المنظمة والمجتمع، ومن أمثلة هذه الظواهر: التعاون والترابط بين الأفراد، أو الصراع والتنافس فيما بينهم، وبطبيعة الحال تلعب الإعتبارات الثقافية، والإجتماعية، والإقتصادية، والسياسية السائدة في مجتمع معين دورًا كبيرًا في تحديد دور الجماعات في هذا المجتمع.

ويمكن أن تصبح الجماعات قوة دافعة لتقدم المجتمع، وتساهم مساهمة كبيرة في رفع معيشة أفراده، أو العكس قد تصبح قوة مدمرة، إذا دخلت في صراعات ونزاعات فيما بينها.

ونذكر مثالًا على أهمية الجماعة وتأثيرها الكبير على الإنتاجية في اليابان، ففي الحضارة اليابانية تلعب الجماعات دورًا رئيسيًا وهام في حياة الإنسان الياباني، فاليابانيون يميلون بطبعهم إلى العمل في جماعات، وبالتالي يضعون قيمة عالية على عضوية الجماعات، والتفاني في المحافظة على تماسك وترابط الجماعات التي ينتمون إليها، ويتجسم هذا الإتجاه إلى تفضيل العمل الجماعي في اليابان في شكل تكوين جماعات لتحسين الإنتاجية، وزيادة جودة المنتجات اليابانية، وهذه الجماعات يطلق عليها "دوائر مراقبة الجودة".

مفهوم الجماعات؟

يعرِّف علماء الإجتماع الجماعات: بأنها كيانات تشمل اثنين أو أكثر من الأفراد المتفاعلين مع بعضهم البعض، والذين يجمع بينهم نمط ثابت من العلاقات، ويسعون لتحقيق أهداف مشتركة، ويعتبرون أنفسهم أعضاء بنفس الجماعة.

من التعريف السابق، يتضح أن الجماعات تتميز بالخصائص الآتية:

· ضرورة وجود عدد من الأعضاء لا يقل عن اثنين. · ضرورة وجود تفاعل، وإتصال مستمر بين أعضاء الجماعة، وأيضًا اعتماد تأثير متبادل فيما بينهم، وهذا يعني أن مجرد تجمع عدد من الأفراد في مكان واحد لا يشكل بالضرورة جماعة فيما بينهم، بل لابد من وجود تفاعل، ولذلك فأفراد الأسرة يكونون جماعة فالأب والأم والأبناء والبنات تنشأ فيما بينهم علاقات متصلة، وتأثير متبادل، فالإرتباط المادي والمعنوي متوافر فيما بينهم.

· لها تركيب أو بناء مستقر، ويقصد بذلك استمرارية العلاقات والتفاعل الإجتماعي بين أعضاء الجماعة لفترة طويلة نسبيًا، ومفهوم الجماعة في هذه الحالة يختلف عن التجمعات الطارئة، مثال ذلك التجمع لمشاهدة حادث معين في الشارع، أو التجمع في سيارة نقل عام أثناء ركوب السيارة.

· بينهم أهدف مشتركة.

· وأخيرًا فإن أعضاء الجماعة، يجب أن ينظروا إلى بعضهم البعض على أنهم يشكلون جماعة واحدة، فالجماعات تتألف من أفراد يعتبرون أنفسهم أعضاء في نفس الجماعة، ولديهم القدرة على التمييز بينهم وبين من هم ليسوا أعضاء بجماعتهم.

أنواع الجماعات:


جماعات رسمية جماعات غير رسمية
· يتم تأسيسها وتصميمها بشكل معتمد من قبل المنظمة؛ لتوجيه أعضائها نحو هدف تنظيمي هام. · العضوية فيها إجبارية. · وتنقسم الجماعات الرسمية إلى: أ*. جماعات الأوامر (الرئاسة): · تتبع التسلسل الرئاسي. · تظهر على الخريطة التنظيمية، مثل الأقسام، والإدارات. · تتميز بالدوام النسبي. ب*. جماعات المهام: · تصمم بغرض تحقيق مهمة محددة. · تضم أعضاء من مواقع تنظيمية مختلفة. · قد تكون مؤقتة، مثل اللجان، والمجالس. · تنشأ وتنمو بشكل طبيعي وعفوي. · عضوية اختيارية دون أي توجيه من إدارة المنظمة. وتنقسم الجماعات الغير رسمية إلى: أ*. جماعات المصالح: تجمعهم مصلحة مشتركة، مثل النقابات، الإتحادات، الجمعيات، النوادي. ب*. جماعات الصداقة: تجمعهم مصلحة مشتركة معنوية، أفراد ينجذبون (جاذبية مشتركة) لبعضهم البعض، مثل العصبة، والشلة.

أسباب الإنضمام إلى الجماعات:


1. إشباع المصالح أو الغايات المشتركة.

2. تحقيق الأمان للأفراد.

3. إشباع الحاجات الاجتماعية.

4. إشباع حاجات التقدير وتحقيق الذات.

مراحل تطور ونمو الجماعات: (دورة حياة الجماعات)


مثلما أن الأطفال ينمون بأشكال محددة خلال الأشهر الأولى من حياتهم، فإن الجماعات أيضًا تميل إلى إظهار علامات مستقرة نسبيًا من النضج والنمو مع مرور الوقت، ومن خلال الآتي، نعرض نظرية شائعة "نموذج توكمان" تلقي الضوء على خمس مراحل رئيسية لنمو الجماعات:

1. الأعضاء يبدأون في التعرف على بعضهم البعض، ويسعون لإرساء قواعد أساسية لتعاملاتهم.

2. الأعضاء يبدأون في مقاومة سيطرة قادة الجماعة، ويظهرون نوعًا من السلوك الرافض لهم.

3. الأعضاء يعملون مع بعضهم البعض، ويكونون علاقات ومشاعر وثيقة فيما بينهم.

4. الأعضاء يعملون بشكل متناغم؛ سعيًا لأداء مهامهم على النحو الأمثل.

5. الجماعة قد تنفض أخيرًا، إما بعد تحقيقها أهدافها، وإما لأن أعضائها قد هجروها.

يعتبر هذا النموذج مجرد إطار عامل لتطور الجماعات، لماذا؟


1. قد تكون الجماعة في أي مرحلة، في أي وقت من الأوقات.

2. يتفاوت الزمن الذي تستغرقه الجماعة في مرحلة ما، من جماعة إلى أخرى.

3. لا توجد حدود فاصلة قاطعة بين المراحل المختلفة. (يمكن أن تندمج المراحل مع بعضها، وليست دائمًا بهذه الدرجة من الوضوح كما أشارت إليها النظرية)

4. قد تندمج أكثر من مرحلة في خطوة واحدة، وأنه من الجائز أن تندمج أكثر من مرحلة في خطوة واحدة، ولا سيما عندما تواجه الجماعة ضغوطًا بضرورة إنجاز مهام ما قبل موعد نهائي محدد.

5. إن الطبيعة الديناميكية المتغيرة للجماعات، لا تمكِّن من التنبؤ الصحيح لترتيب التطور عبر المراحل المختلفة.

بناء أو هياكل جماعات العمل:

كما سبق أن أوضحنا إن وجود هيكل أو بناء مستقر، هو أحد الملامح الرئيسية للجماعات بمفهومها الصحيح، وعندما يتحدث علماء الإجتماع عن هيكل الجماعة، فإنهم يعنون العلاقات المتبادلة بين الأفراد الذين تتكون الجماعة منهم، والخواص التي تجعل أداء الجماعة منتظمًا وقابلًا للتنبؤ، وفيما يلي سوف نعرض لأربعة جوانب هامة لهياكل الجماعات، وهي بالترتيب: الأدوار، الأعراف، المكانة، والترابط.

1. الأدوار: (القبعات العديدة التي نرتديها)


فمن أهم العناصر الهيكلية التي تميز الجماعات، ميل أعضائها للعب أدوار محددة (وغالبًا متعددة) في التفاعلات الإجتماعية، ويمكننا تعريف الأدوار بأنها السلوكيات المحددة التي نتوقع أن تميز تصرفات شخص ما في سياق إجتماعي محدد.

ومن أمثلة بعض الأدوار الرئيسية التي تلعب في الجماعات:


1. الأدوار الموجهة نحو المهام:


· المبادر/ المساهم (يقترح بعض الحلول لمشاكل الجماعة).

· الباحثون عن المعلومات (يسعون لجميع الحقائق اللازمة).

· عارضو الآراء (يشاركون الآخرين في آرائهم للوصول إلى أفضل المقترحات).

· الشاحن يحث الجماعة على العمل، كلما لاحظ فقدان الحماس.

2. الأدوار الموجهة نحو العلاقات:


· المنسق (يتوسط في الصراعات داخل الجماعة).

· أصحاب الحلول الوسط (يعدلون آراءهم للوصول إلى التناغم الكامل بين الأعضاء).

· المشجعون (يحمسون الآخرين ويمتدحون أفعالهم الإيجابية).

3. الأدوار الموجهة نحو النفس (الأنانية):


· المقاومون (يرفضون التجاوب وتقديم التنازلات، ويعارضون الجماعة في كل شيء).

· الساعون للتقدير الشخصي (يحاولون باستمرار جذب الأنظار لإنجازاتهم الشخصية).

· المتجنبون (ينعزلون عن الجماعة ويرفضون الاختلاط بأعضائها).

2. الأعراف (القواعد غير المنطوقة للجماعات):


إن نشوء الأعراف هو واحد من الخواص، التي تساعد الجماعات على الأداء بشكل منتظم ومتوقع، ويمكننا تعريف الأعراف، بأنها قواعد غير رسمية متفق عليها، تحكم سلوكيات أعضاء الجماعة الواحدة.

والأعراف تختلف عن القواعد التنظيمية، في أنها ليست رسمية ولا مدونة كتابيًا، وأحيانًا يكون أعضاء الجماعة على غير علم أصلًا بوجود هذه الأعراف، التي تحكم وتنظم سلوكياتهم، ولكن الأعراف الجماعية في كل الأحوال لها آثار عميقة على سلوكيات وتصرفات الجماعة، فهي مثلًا قد تحث العاملين على الاتسام بالأمانة والولاء للمنظمة.

والأعراف نوعان رئيسيان: الأول هو الأعراف الإرشادية (وهي تحدد السلوكيات المستحب، أو المفروض القيام بها في مواقف معينة)، والثاني هو الأعراف التحذيرية (وتشير إلى السلوكيات، التي يجب على أعضاء الجماعة اجتنابها).

3. المكانة (الوجاهة الإجتماعية لعضوية بعض الجماعات):


فهي تعتبر واحدة من أهم العوائد المحتملة الناتجة عن هذه العضوية، ومن ثم فهي من أهم الدوافع العضوية أيضًا.

وداخل أغلب المنظمات، يمكننا بسهولة التمييز بين نوعين من المكانات الإجتماعية هما المكانة الرسمية والمكانة غير الرسمية، ويشير مصطلح المكانة الرسمية إلى محاولات التمييز بين درجات السلطة الرسمية الممنوحة للعاملين من قبل منظمتهم، مثل مسميات الوظائف (مدير، نائب مدير، وغير ذلك)، والأشياء المحجوزة مقدمًا باسم الفرد (مثل أماكن انتظار السيارات، أو المقاعد حول طاولة الاجتماعات المخصصة دائمًا لمديرين أو أشخاص بعينهم).

وتشير المكانات غير الرسمية إلى الوضع الإجتماعي الجيد نسبيًا، الذي يتمتع به أشخاص ذوو سمات خاصة، غير منصوص عليها رسميًا من قبل إدارة المنظمة، فعلى سبيل المثال، من الشائع أن الموظفين الأكثر خبرة والأكبر سنًا يتمتعون في أغلب المنظمات بمكانات إجتماعية أفضل من تلك التي يتمتع بها زملاؤها الأقل خبرة أو سنًا.

4. الترابط (العمل بروح الفريق):


من أوضح محددات بناء أية جماعة هو مدى ترابطها، والترابط أو التماسك هو مدى قوة ورغبة الجماعة في البقاء والعمل مع بعضهم، ومتقبلين لأهداف جماعتهم ومستعدين للعمل بجد على تحقيق هذه الأهداف.

وأشارت الأبحاث، أنه كلما زادت حدة التهديدات، أو المنافسة الخارجية التي تواجه الجماعة، طالت المدة الزمنية التي يقضيها أعضاء الجماعة مع بعضهم البعض، وكلما كانت الجماعة أصغر حجمًا من حيث عدد أعضائها، وأخيرًا كلما كانت الجماعة تتمتع بتاريخ طويل من النجاح.