لا يوجد مهنة إلا وفيها جزء من الإبداع. من صانع الحلوى الذي يخبز الحلويات إلى المحامي الذي ينظم مرافعته, إلى المدرس الذي يهيئ دروسه, إلى المسؤول التجاري الذي عليه أن يتصور خطة للاتصالات.لا شك أن هناك درجات ومراتب في الإبداع, لكنه لم يكن أبداً غائباً بالكامل في يوم من الأيام.

لقد غاب هذا الإبداع العادي عن ملاحظة اختصاصيي علم اجتماع العمل. الفكرة التي كانت سائدة خلال الثلاثين سنة المجيدة, هي أن التصنيع والنمطية الجامدة, واختصاص الوظائف قد ألغى العمل الحِرفي (المفترض أنه أكثر إبداعاً). وكان التخصص رديفاً لإلغاء الأنسنة, وتراجع الاستقلالية والإبداع. لقد كان ذلك واقعاً صريحاً, قد تم تحليله بشكل جيد من قبل جورج فريدمان أو اندري غورز، مع أن هناك كتاباً آخرين برهنوا عن مظهر آخر للأشياء. في بداية أعوام 1970, نشر ميشيل سيرتو جزئي "الاختراع اليومي" وكان بمساعدته فريق من علماء الإثنيات. تناول الفيلسوف حينها نقيض المفهوم التكراري والقطيعي لحياة الناس العاديين (وهي رؤية سائدة في العلوم الإنسانية) ليُظهر كنوز الإبداع المخفية وراء الأعمال التي هي سلبية ظاهرياً في الحياة اليومية. تناولت الاستقصاءات العمل المنزلي(فن الطبخ, زخرفة المنزل, إصلاح).

لم يتم مقاربة العمل لكن النظرة الجديدة يمكن أن تنقل إليه بسهولة. لم يلبث علماء الاجتماع حتى تأثروا به. في عام 2000 نشر عالم الاجتماع نوربرت آلتر, "التحديث العادي" وهو كتاب كلاسيكي حكم في نتائج العديد من الاستقصاءات واقترح تحليلاً لمختلف أشكال التحديث التي تكون غالباً غير مرئية في مشاريع الأعمال. من بين مختلف "الآليات المبدعة" كان يميز أشكال تخصيص وظيفة معينة (التي لم تكن يوماً تنفيذاً لتعليمات إنما تسير من خلال تكيفات وحتى من خلال مخالفات أو ما يسمى بخرق القانون), والإبداع الذي يتناول تنظيم العمل كما المنتج نفسه. وأحد المحاور الرئيسة في الكتاب تفيد بأن الموظفين (المأجورين) لا يستطيعون التقيّد بالقواعد المنصوص عليها كي يقوموا بمهمتهم, بل ينبغي عليهم أن يُدخلوا بشكل مستمر تحديثات صغيرة تسمح للنظام بالسير.