تتسم هذه الأساليب باعتمادها البالغ على التفاعل بين المتدربين، وتركزها جميعها على التغيير السلوكي أو الاتجاهي، وليس على نقل المعرفة. وتستخدم هذه العمليات لتطوير الوعي بالذات وبالآخرين، من أجل تغيير الاتجاهات، ومن أجل التمرس على مهارات العلاقات الإنسانية في مجالات مثل القيادة، والاتصالات، والمقابلات الشخصية ومن أهم هذه الأساليب تمثيل الأدوار، التدريب علي الحساسية، تشكيل السلوك، والتحليل التعاملي.


§ تمثيل الأدوار:تعود جذور هذا الأسلوب الأصل إلى طرق المعالجة النفسية، حيث طوره عالم النفس النمساوي الأصل مورينو وأطلق عليه اسم السيكو دراما ليستخدم أساسا في العلاج النفسي وطبق لأول مرة في مجالات الإدارة في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين في محلات ميسيز الشهيرة بمدينة نيويورك. وتمثيل الأدوار هو تمرين في حل المشكلات يصمم للمساعدة في تنمية المهارات السلوكية، وفهم الدوافع الإنسانية، وتنمية مهارات الاتصال والعلاقات الإنسانية من خلال الممارسة.

وهنا تعطي المجموعة المشاركة في التدريب موقفا إداريا مستمدا من واقع الحياة الإدارية اليومية، يحتاج إلى اتخاذ قرارات معينة، وكذلك أوصافا لاتجاهات الشخصيات التي يحتويها الموقف. ثم يطلب من المتدربين تقمص أدوار تلك الشخصيات وأدائها أمام المتدربين ،دون حفظ لحوار معين أو إجراء أية بروفات. فمثلا قد يطلب من المتدربين أن يتصوروا أنفسهم مديرين يناقشون تقديرات الأداء المتدنية مع موظفيهم أو أن يقوموا بتمثيل دور المدير الذي يجري مقابلة شخصية للمتقدمين للوظائف، أو تمثيلا لأدوار المديرين في لجنة معينة. ويرتكز نجاح هذا الأسلوب على مدى اندماج المشاركين في الأدوار المحددة لهم، وتفاعلهم مع قرارات الآخرين، كما لو أنهم على رأس العمل فعلا.

ويستمر الأفراد في تمثيل الأدوار المرسومة لهم حتى يتوصلوا إلى حل يرضي معظم المشاركين. وقد يشترك بعض المتدربين ليكونوا مراقبين. وعقب كل جلسة من تمثيل الأدوار يشارك المراقبون في تحليل الموقف التمثيلي وتقويمه. ويقدمون تغذية عكسية عن مهارات الاتصالات، وأساليب الإشراف، والاتجاهات التي تم التعبير عنها في تمثيل الأدوار، ويقترحون التعديلات التي يلزم أن تحدث في سلوك المشاركين في التمثيل. وثمة أشكال عديدة لتنفيذ أسلوب تمثيل الأدوار ففي أحد الأشكال يطلب من المتدربين غير الموافقين على مفهوم معين أن يقوموا بتبادل الأدوار. حتى يكون الشخص أكثر إدراكا وتفهما لمشاعر الآخرين واتجاهاتهم. وفي شكل آخر يطلق عليه التمثيل المتعدد للأدوار، يشترك عدد كبير من المتدربين في تمثيل الأدوار، ويتم تقسيمهم إلى عدد من الفرق تقوم كل منها بتمثيل الموقف نفسه.
وبعد الانتهاء من التمثيل، يتحد المتدربون مرة أخرى ويناقشون النتائج التي تم التوصل إليها من قبل كل مجموعة. ومن الاستخدامات التي يستعمل فيها تمثيل الأدوار، ما يطلق عليه مواجهة الذات.

وهنا يشاهد المتدرب شريط فيديو لأدائه، وفي أثناء المشاهدة يتم تحليل أدائه ومناقشته من قبل المدرب والمتدربين الآخرين. ويتيح هذا الأسلوب للمشاركين التعلم من خلال الممارسة، وتطبيق المعرفة النظرية التي اكتسبوها فيما سبق على حالات واقعية، وذلك من خلال توفير الفرصة لتجربة واكتشاف الحلول للمشكلات المتعددة التي تقع على رأس العمل، والتدرب على السلوكيات المتعلقة بالعمل في حالات لا تؤثر فيها الأخطاء في سير العمل، أو في العلاقات الشخصية .كذلك يتعلم المشاركون من خلال التحليلات المختلفة التي يقدمها المدربون والمتدربون الآخرين عنهم على فهم أعمق لذواتهم، وتنمية مهارتهم السلوكية.

وذلك من خلال الإحساس بالأدوار المختلفة التي من المتوقع أن يقوموا بها على رأس العمل، وتفهم وجهات النظر المختلفة ، وجعلهم أكثر حساسية تجاه الآخرين. وهكذا فمن خلال تقمص دور المرؤوسين يغدو المديرون أكثر تفهما لوجهة نظر مرؤوسيهم، كذلك فإن المرؤوسين من خلال تقمص دور المديرين يصبحون أكثر فهما وتقديرا لدوافع المديرين. إلا أنه من جهة أخرى قد يشعر الأفراد بالسخافة والصبيانية، أو الحرج للقيام بالتمثيل أمام الآخرين. ولكن عندما يبدؤون بالتمثيل فإنهم في الغالب ينمون إحساسا بالدور ويحاولون أن يتقمصوا فعلا دور الشخص الذي يمثلونه.


§ تدريب الحساسية:يطلق على هذا الأسلوب أحيانا تدريب المختبر أو مجموعة تي أو مجموعات المواجهة، وفيه يتفاعل الفرد مع عدد من الأفراد ضمن مجموعة، لمدة من الزمن، ويكون هدفه الأساس تحسين مهارات التعامل مع الآخرين، وتطوير مهارات العلاقات الإنسانية، من خلال تنمية حساسية المشاركين وجعلهم أكثر فهما لأنفسهم وللآخرين ويتم تحقيق ذلك من خلال تشجيع المتدربين على الانفتاح ومشاركة تجاربهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وإدراكهم مع بعضهم بعضا.

وفي الواقع فإن كثيرا من الأفراد لا يفهمون لماذا يشعرون ويتصرفون بالطريقة التي يشعرون ويتصرفون بها، كما أنهم لا يعرفون كيف يشعر الآخرون نحوهم، وكثيرا ما يكونون غير حساسين لمدى تأثير سلوكهم على الآخرين . فعلى سبيل المثال فقد يوجه المدير الأوامر لمرؤوسيه وينتقدهم دون أن يدرك تماما من يهابه منهم أو يكرهه. فإذا أتيحت الفرصة لمثل هذا المدير المشاركة على الحساسية، فمن المتوقع أن يكتسب تبصرات مهمة عن نفسه، وعن تأثيره على الآخرين.

ويختلف تدريب الحساسية عن مجموعات العلاج النفسي، التي يكون هدفها الغوص في أعماق الدوافع الداخلية للأنا، بينما يكون التركيز في تدريب الحساسية على السلوك الظاهر وليس على افتراضات عن الدوافع، ولا يحتاج الأفراد فيه إلى الرجوع إلى الماضي لتحليل أثر الأحداث الماضية في حياتهم، فالحالة الراهنة للأفراد في الوقت الحاضر أكثر أهمية مما حدث لهم في الماضي. وبصفة عامة فإن التدريب على الحساسية يستهدف تحقيق عدد من الأهداف من أهمها تزويد المتدرب بالمهارات التي تساعده على فهم كيف، ولماذا يتصرف نحو الآخرين بالطريقة التي يتصرف بها، والطريقة التي من خلالها يؤثر فيهم. وتزويد المتدرب بالمهارات التي تساعده على فهم لماذا يتصرف الآخرون بالطريقة التي يتصرفون به. وتحسين مهارة الاتصالات، من خلال تعليم المشاركين كيف يصغون فعليا إلى ما يقوله الآخرون، بدلا من التركيز على الرد عليهم. وزيادة فهم الفرد لكيفية عمل المجموعات، والعمليات التي تمر بها تحت ظروف معينة، وتحسين مهارات التفاعل الجماعي بشكل عام.
وتشجيع القدرة على التحمل والفهم لسلوك الآخرين والاختلاف معهم دون حمل مشاعر سلبية. وتوفير الإطار الذي يمكن للفرد من خلاله تجربة طرق جديدة للتفاعل مع الآخرين، والحصول على تغذية عكسية عن كيفية تأثير هذه الطرق فيهم.

وفي جلسات التدريب على الحساسية يجتمع المتدربون عادة في مجموعات صغيرة لعدد من الساعات في اليوم لعدة أسابيع. وكثيرا ما تتم الاجتماعات في مكان مريح، بعيدا عن ضغوط العمل والحياة اليومية. وقبل بدء الجلسات تلقي على المتدربين محاضرة عن عملية الحساسية وعناصر التعلم والنمو في الحالات الجماعية.

وعقب هذه المحاضرة التمهيدية، يكون دور المدربين سلبيا في التفاعل الذي يحدث بين أعضاء المجموعات، حيث يتركون مسؤولية المناقشة والنمو تقع على عاتق أعضاء المجموعات. ولا يكون هناك جدول محدد أو صيغة معينة للمناقشة، ويتم تحديد جدول الأعمال بأي شيء يريد الأفراد الحديث عنه. فالمهم أن هناك شيئا تتم مناقشته، وأن يشارك كل شخص بنشاط في المناقشة، ويشجع المشاركون على إعطاء تغذية عكسية لبعضهم بعضا عن مشاعرهم الشخصية وردود فعلهم لما يحدث في المجموعة. وفي العادة يبدأ الأعضاء بمناقشة أنفسهم وكل شخص آخر، مشيرين إلى مواطن القوة والضعف.

ويتعلم أعضاء المجموعة تدريجيا أن يكونوا أكثر أمانة في اتصالاتهم، وتصبح المحادثات صريحة ومفتوحة، وعاطفية للغاية، وحتى عدوانية، وتغدو مشاعر الغضب أو العدوانية هذه موضع التركيز الرئيس للمناقشة. والحقيقة أن تدريب الحساسية يهدف إلى تهيئة الجو الآمن الذي يمكن فيه كشف المشاعر ومشاركتها فالأفراد في العادة يكونون مقيدين بيئيا بأن لا يشاركوا بمشاعرهم الحقيقية، وتدريب المجموعات يهدف إلى تشجيعهم على إطلاق العنان لمشاعرهم .

إذا عندما يتم كبح المشاعر فإنها تكبت في الذات، ولكن عندما يتم إطلاقها والإفصاح عنها ومشاركتها مع الآخرين، فيمكن تفهمها من قبل الذات ومن قبل الآخرين.

ونتيجة لهذه المكاشفة، يتم التغيير في السلوك بصورة إيجابية. وتتوالي الأسئلة على شتى أشكالها أخذا وردا بين المشاركين، في جو مشحون بالانفعالات: لماذا غضب نزار عندما قلت أني شديد الاعتماد على السكرتير؟ لماذا يتهم خالد سميرا أنه ضعيف الشخصية؟ لماذا يترك محمود حمدانا يسيطر عليه؟ وأحيانا يصرخ المشاركون على بعضهم البعض، وفي أحيان أخرى يبكون أو يتعانقون، وفي كثير من الأحيان تنمو علاقة عاطفية بين أعضاء المجموعة. ومن المفترض أن يتعلم المشاركون عن أنفسهم ويخرجون من التجربة بشخصية أكثر تكاملا وفاعلية وحساسية أكير لحاجات الآخرين.
ويشير مؤيدو هذا الأسلوب إلى أن المشاركين يعمقون من فهمهم لحقيقة سلوكهم وسلوك الآخرين واتجاهاتهم. إضافة إلى ذلك، تتاح الفرصة للمتدربين لتجربة طرق مختلفة للسلوك وتحديد أيها الأنسب.

وكلما أصبح المشاركون أكثر انفتاحا على بعضهم بعضا، فإنهم يثقون ببعضهم ويتقبلون وجهات النظر الأخرى، كما يتعلمون الأخذ والرد، واتخاذ القرارات الجماعية دون حاجة إلى اللجوء إلى سلطاتهم الرسمية. وقد يجد بعض الأفراد هذه التجربة مثبطة، وفي بادئ الأمر سخيفة. كذلك فإن بعضهم يجادل أن الصراحة المطلقة والانتقاد الشخصي قد يؤذي الأفراد أكثر من أن يساعدهم. فضلا عن أن التأثير العاطفي لبعض الأفراد قد يكون محبطا، وقد يلجأ بعض الأفراد إلى التهكم من أشخاص معينين ويجعلونهم موضعا للسخرية.
والأهم من ذلك فقد لا يتفق هذا التدريب مع بيئة العمل، الأمر الذي يؤدي إلى اكتساب المشاركين القدرة على الانفتاح والتلقائية، بينما تستمر المنظمة في العمل بالأسلوب التقليدي، ومن ثم يعاني الموظف العائد من التدريب (إلا إذا كان في موقع سلطة لفرض المنظور الجديد على المنظمة) من صدمة ثقافية، أو يجد أنه من الضروري إعادة بناء دفاعاته من أجل البقاء. وفي الواقع فإن التدريب على الحساسية يكون أكثر فاعلية عندما يتم العمل على تكامله في جهد طويل المدى.


§ تشكيل السلوك:يقوم أسلوب تشكيل السلوك على نظرية التعلم الجماعي لباندورا التي تؤكد أن الفرد يتعلم السلوك بصورة غير مباشرة من خلال مراقبة الآخرين ومحاولة الإقتداء بسلوكهم، عندما يكون ذلك مناسبا، ومن ثم تقل الحاجة إلى التعلم عن طريق التجربة والخطأ. ويربط هذا الأسلوب عددا من الأساليب التدريبية معا في نظام متكامل للتدريب ويكون التركيز فيه على تنمية المهارات الإشرافية، ومهارات العلاقات الشخصية . ويمكن وصف هذا الأسلوب من خلال أربع خطوات التقليد، التمرين، والتغذية العكسية، ونقل التدريب.

ü التقليد: يشاهد المتدربون فيلما أو شريط فيديو, ممثلين يؤدون بعض المهام التي تتعامل بصورة فاعلة مع بعض المشكلات الإدارية، مثل ضعف الأداء، أو كثرة الغياب، أو المعنويات المنخفضة ويتم تسليط الضوء على السلوكيات الرئيسية في هذا الأداء الناجح، حتى يمكن للمتدرب تشرب هذا السلوكيات.

ü التمرين: بعد مشاهدة الفيلم يقوم المتدرب بالتمرن على السلوك المرغوب فيه. وفى هذه الحالة لا يقوم المتدربون بتمثيل أدوار، وإنما يتدربون على سلوك حقيقي سيستخدمونه في العمل، وهو السلوك الذي شاهدوه في الفيلم.

ü التغذية العكسية: يقوم المدرب والمتدربون الآخرون بتزويد المدرب بتغذية عكسية عن السلوك الذي تم التدرب عليه، ويتم إخباره بمدي قدرته على تقليد السلوك المحاكي . ويعد التعزيز الجماعي الذي يوفره الآخرون للأداء الناجح جزءاً مهما من العملية التعليمة ، حيث تزيد ثقة المتدرب في تشرب السلوك المحاكي .

ü نقل التدريب: ويرجع هذا إلى عدد من الأساليب المصممة للتيقن من أن السلوك الذي تم تعلمه في دورات المحاكة ينتقل ويتبع في العمل ويتم تعزيزه بالصورة المناسبة .

ويتدرج برنامج التدرب من المشكلات المبسطة إلى الأكثر تعقيدا . حيث يتعلم المتدرب السلوكيات والحلول في تسلسل يتدرج من في الصعوبة، بحيث يجيد الخطوات الأولية قبل الانتقال إلى المستوي الأعلى. ويشمل هذا التدريب نطاقا واسعا من المهارات الإدارية . فمثلا يمكن استخدامه لتدريب الرؤساء المباشرين على معالجة التعاملات بين الرؤساء والمرؤوسين، بما في ذلك الاعتراف بجهود المرؤوسين وتقديرها، والتأديب، والمبادرة بالتغيير، وتحسين الأداء الضعيف.

كذلك يمكن استخدامه لمساعدة مديري الإدارة الوسطي على التعامل بصورة أفضل مع حالات العلاقات بصورة أفضل مع حالات العلاقات الشخصية، مثل إعطاء التوجيهات، أو مناقشة مشكلات الأداء أو مناقشة عادات العمل السيئة، ومراجعة الأداء. وكذلك يمكن استخدام هذا الأسلوب لتعليم الموظفين والرؤساء تقديم النقد وتلقيه، وتقديم المساعدة وتلقيها، وتوفير الاحترام والثقة المتبادلة. ولقد أظهرت عدد من البحوث أن التدريب عن طريق الاقتداء بالسلوك يفوق في فاعليته وسائل التدريب الأخرى . كذلك أظهرت تلك الدراسات أنه وسيلة فاعلة على المهارات الإشرافية الأساسية.


§ التحليل التعاملي:هو أسلوب لتحسين سلوكيات الأفراد على رأس العمل وبالذات مهارات الاتصال بطريقة راشدة، من خلال فهم دوافعهم ودوافع الآخرين بشكل أفضل .

فالتحليل التعاملي يرمى إلى تحليل التعاملات الشخصية أو الاتصالات الشخصية بين الفرد والآخرين، وإلى تمكينه من تحليل أي موفق شخصي قد يجد نفسه فيه بشكل أفضل، وذلك من مساعدته على إجابة أسئلة مثل لماذا أقول ما أقول لهذا المرؤوس؟ ولماذا يقول ما يقوله لي؟ وقد قام إيرك بيرن عالم النفس الأمريكي، في كتابه المشهور (ألعاب يلعبها الناس) بتطوير هذا الأسلوب، ثم قام توماس هاريس بتعميقه في كتاب (أنا بخير –أنت بخير) ثم تقدم المفهوم بشكل أكبر في كتاب ماريل ودورثي جونغرارد (ولدت لأنتصر) وفى العادة يتم التبادل بين الأفراد من خلال حالات الأنا لديهم ، التي تتكون من أنماط الخبرات والمشاعر التي يطورها الشخص في أثناء نموه، وتنعكس على سلوكه الظاهر. ففي حين أنه لا يمكن ملاحظة حالات الأنا نفسها بصورة مباشرة، إلا أن السلوك الناتج عنها يمكن ملاحظته .

وعندما يكون الشخص في حالة أنا معينة، فإنه يتصرف وفقا لحالة الأنا تلك . وتؤثر حالات الأنا في سلوك الأفراد، لاسيما عند تفاعلهم مع الآخرين . ولاستخدام التحليل التعاملي، من الضروري أن يكون الشخص قادرا على تحليل حالة الأنا المعينة التي يكون فيها، وكذلك حالة الأنا للشخص الذي يتعامل معه. ويري رواد التحليل التعاملي أن شخصية الإنسان مكونة من ثلاثة أجزاء، تسمى حالات الأنا، هي الطفل، والراشد، والوالد. وتظهر مرحلة الأنا الطفولية عندما يشعر الأفراد أنهم يتصرفون تصرفات طفولية.

فالتعبير العفوي عن المشاعر الداخلية للفرح والإحباط، أو الأفكار الخلاقة، وكذلك التعبير عن الأماني والرغبات، كلها أمثلة لحالة الأنا الطفولية . ويمكن التعبير عن حالة الأنا الراشدة عندما يفكر الأفراد بطريقة منطقية وناضجة، ويقومون بجمع المعلومات وتقويم النتائج المحتملة، قبل اتخاذهم للقرارات. أما حالة الأنا الأبوية فيمكن ربطها بكيفية معاملة الآباء لأبنائهم. ويمكن النظر إلى القواعد والقوانين، والتقاليد، ومحاولة إظهار الطريقة الصحيحة لعمل الأشياء، وتوفير الحماية، على أنها أمثلة لحالة الأنا الأبوية.

والحالات الثلاث للأنا ضرورية من أجل أن تكون الشخصية متكاملة النمو، وليس هناك حالة أفضل من غيرها، بل إن الشخص الذي يعمل بصورة رئيسة من منطلق حالة أنا واحدة فقط، سيواجه مشكلات اتصالية وعاطفية كبيرة. وخلال أي من هذه المراحل الثلاث يمكن للشخص يتبنى اتجاهات مختلفة تماما نحو نفسه، ونحو من يتعامل معهم. فقد يكون الشخص في حالة الأنا الأبوية مشرفا (بخير) وذلك حينما يقدم الدعم للآخرين ويحاول تقويمهم وإصلاحهم، بدلا من مجرد الاكتفاء بتوجيه النقد إليهم. كذلك فقد يكون الشخص مشرفا (بخير) في حالة الأنا الراشدة، وذلك حينما يستجيب للآخرين ويكون تحليلا. كذلك يمكن للشخص أن يكون مشرفا بخير في حالة الأنا الطفولية، وذلك حينما يكون متعاونا، ومستعدا لمساعدة الآخرين، وتقديم أفكار خلاقة.

وفى الحقيقة فإن الأفراد يعبرون عن مشاعرهم الحقيقية نحو أنفسهم، ونحو الآخرين من خلال كونهم إما بخيرـ أو ليسوا بخير سواء أكانوا يتعاملون مع مرؤوسين أم رؤساء. كما أنهم يعكسون مشاعرهم نحو الآخرين من خلال كونهم (بخير أو ليسو بخير). علاوة على ذلك فإن التحليل التعاملي يحدد التصنيفات الأربعة التالية للموافق الحياتية الممكنة فيما يتعلق بالذات والآخرين :

ü أنا بخير – أنت بخير. (أفضل الحالات، تقبلا للنفس وللآخرين).

ü أنا بخير _ أنت لست بخير. (إلقاء اللوم على الآخرين وعدم الثقة بهم).

ü أنا لست بخير – أنت بخير. ( عدم الثقة بالنفس مقارنة بالآخرين).

ü أنا لست بخير – أنت بخير. ( أسوأ الحالات، يعبر عن اليأس ).

ومن خلال فهم الحالات الأنا، وكذلك اتجاهات ( بخير ولست بخير) يمكننا تفهم الأساليب المختلفة التي يستخدمها الناس في اتصالهم بالآخرين. وفى وقت أو في آخر فإننا جميعا نسلك سلوكا يمثل الحالات الثلاث للأنا ، سواء بطريقة إيجابية أم سلبية. والأمثلة التالية تساعد على توضيح هذه النقطة :

ü مارأيك في كأس من العصير؟ ( حالة طفولة - بخير).

ü متى ستنتهي المعاملة التي في يدك؟ ( راشد - بخير).

ü من الأفضل لك أن تحسن من أسلوب تعامل (أبوي – لست بخير).

ü لا تقل أبدا، ستكون الأمور على ما يرام ( أبوي - بخير) .

ü أين تكمن العلة حسب اعتقادك؟ ( راشد - بخير).

ويتميز هذا الأسلوب أنه يساعد الفرد على تفهم نفسه، والآخرين، وتحليل سلوكه في الموافق المختلفة، الأمر الذي يساعده على بناء الثقة في نفسه، وتجنبه للجوانب السلبية في سلوكه، وتحسين علاقاته مع الآخرين. إلا أن هذا الأسلوب، من ناحية أخرى، لم يخضع لتقويم موضوعي شامل يحدد مدى نجاحه أو فاعليته، وكل ما تركز عليه نتائج التطبيق هو قبول المتدربين واستحسانهم له.