يزداد الاهتمام بالموارد البشرية كقوة تنافسية في جميع المؤسسات التي تسعى للفوز والمنافسة في أسواق هذا القرن الجديد , ولهذا فإن مهارات التعامل مع الآخرين تعد من أهم المهارات المطلوبة في مدير وقائد المستقبل بالدرجة الأولى , وفي كل العاملين في عالمنا المتشابك بالدرجة الثانية , فمن السهل علينا جميعاً أن نتعامل مع الأشخاص الودودين البشوشين , ولكن المحك الحقيقي هو القدرة على التعامل مع اللحظات الصعبة وحالات الغضب والتوتر التي نعيشها مع الآخرين , واستخراج أحسن ما فيها لمصلحة الطرفين . فضلاً عن التعامل مع الأنماط المختلفة من الشخصيات الإنسانية التي نواجهها كل يوم في بيئة العمل .

تتأرجح أنماط السلوك البشري بين قطبين متناقضين تماماً , وهما العدوانية والعنف من ناحية "القطب الموجب" والسلبية الشديدة واللامبالاة من ناحية أخرى "القطب السالب" وبينهما درجات مختلفة من السلوك المتدرج من الاعتدال إلى الإيجابية أو السلبية . والأشخاص الطبيعيون هم الذين يتعاملون بثقة واعتدال وتوازن في الظروف الطبيعية , ويحتلون المنطقة الوسطى في التعبير عن النفس والتعامل مع الآخرين . وهي منطقة واسعة وفيها مجال كبير للمناورة والابتكار والتميز . حينما يتعرض أي شخص لضغوط خارجية فإنه يلجأ للمبالغة في سلوكه . فإن كان انطوائياً , فإنه يصبح أكثر سلبية ورغبة في الانعزالية ,وإن كان شديد الثقة بالنفس فإنه يميل إلى التعبير عن نفسه بصوت أعلى وعدوانية أكثر . وعادة ما تنشأ الضغوط حينما تتعرض الأهداف التي سعى لها أي شخص للخطر , فيضطر للمبالغة في سلوكه كمحاولة للدفاع عن الهدف الذي يسعى إليه . وفي المحيط الذي يعيش فيه البشر , تنحصر الأهداف التي يسعى إليها الناس في محورين أساسين هما : محور العمل ومحور العلاقة بالآخرين . في جانب العمل تتركز الأهداف في هدفين رئيسين هما : 1- إنهاء العمل بأسرع طريقة أو 2- إنهاء العمل بأحسن طريقة . وفي جانب العلاقة بالناس يتلخص الهدفان في : 1- مجاراة الناس ومسايرتهم أو 2- الحصول على ثنائهم وانتزاع إعجابهم . حينما يتعرض الهدف الذي يسعى إليه أي إنسان للتهديد فإن سلوكه الطبيعي يتغير تبعاً لدرجة تحكمه في نفسه ؛ فيميل إلى المبالغة سواء في الاتجاه السلبي أو الاتجاه العدواني تبعاً للبناء السيكولوجي لشخصيته . وحينما تخرج الضغوط أسوأ ما في الناس فهي تحولهم إلى أنماط سلوكية يصعب على الآخرين التعامل معها . وفي بيئات العمل وفي كل الثقافات هناك أناس مراسهم صعب ويشق على أي إنسان التعامل معهم بارتياح . فقد تجد نفسك مضطراً للعمل مع شخص كسول , وقد يعتريك الشك بأنه هذا النمط جزء من الطبيعة البشرية ويصعب تغييره , الأمر الذي يصيبك بالإحباط ويجعلك تفقد السيطرة على الأمور من حولك . ولكن تذكر أنك ستجد دائماً الخيار المناسب للتصرف في الأوقات الحرجة . وفي واقع الأمر , فإنك عند التعامل مع أحد الأنماط السلوكية المتعبة , يمكن أن تختار واحداً من الخيارات الأربعة التالية : 1- أن ترضى بالأمر الواقع وأن لا تفعل شيئاً : في هذه الحالة تحاول أن تتأقلم مع الشخص الصعب دون أن تتصرف أو تشكو لشخص آخر لا يستطيع أيضاً أن يفعل شيئاً . ولكن عدم فعل أي شيء أمر خطير لأن الإحباط والغضب يتراكم مع الوقت ويؤدي للانفجار . كما أن الشكوى لمن لا يستطيع أن يفعل شيئاً يخفض من روحك المعنوية و يقلل الإنتاجية , ويؤجل اتخاذ إجراء فعال في الوقت المناسب . 2- أن تهرب من المشكلة : يجب أن تؤمن بأنه من المستحيل إيجاد حلول لكل المشكلات التي تواجهها . فهناك مشكلات لا تستحق عناء البحث عن حلول لها . فالهروب من المشكلة يعتبر حلاً معقولاً عندما تصبح مواجهة الشخص (المشكلة) أمراً غير معقول . فعندما يزيد كل ما تحاول أن تقوله أو تفعله من تعقيد المشكلة , يصبح الابتعاد هو الحل الوحيد , لاسيما إذا بدأت تفقد السيطرة على الأمور . ولكن قبل أن تنسحب عليك أن تفكر في الخيارين التاليين : 3- أن تنظر للشخص الصعب نظرة مختلفة : حتى لو استمر الشخص في تصرفاته غير السوية , فإنه بإمكانك محاولة تفهم الدوافع التي أدت به إلى هذا السلوك . ومن المعروف سلوكياً أن تغييرنا لأنفسنا أسهل بكثير من تغييرنا للآخرين : أولا:ً لأن تغييرنا لأنفسنا قد يؤدي إلى تغيير تصرفات الآخرين تجاهنا . وثانياً: لأن هذا التغيير قد يؤدي إلى تحريرنا من ردود الأفعال التقليدية التي كنا نمارسها . ولأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , فإن تغيير السلوك ضرورة لابد منها لتوفير الإرادة والمرونة لاختيار الحل الرابع والأخير . 4- أن تعامل الشخص المزعج بطريقة جديدة : عندما تخرج أفضل ما لديك في معاملة الناس , فإنهم سيحاولون إخراج أفضل ما لديهم لمعاملتك . فكما أن هناك أناساً يستطيعون إزعاجك , وأن هناك أناساً يستطيعون إسعادك , فإنه بإمكانك أيضاً أن تزعج الآخرين أو أن تسعدهم .
ومن الواضح هنا أنه من الأفضل طبعاً أن تلجأ إلى الحلين الأخيرين , بحيث تنمي مهاراتك في التعامل مع الآخرين وتصبح الشخص الذي يلجأ إليه الجميع والذي يشق طريقه في الحياة والمؤسسة بثقة واعتداد بنفسه واعتدال في تصرفاته . ولكن لابد أولاً من أن تتعرف على الأنماط السلوكية الصعبة التي عادة ما تواجهنا في حياتنا اليومية ثم تتعلم خطوة بخطوة كيفية التعامل معها . وهناك عشرة أنماط سلوكية يمكن من خلالها تصنيف الشخصيات الإيجابية والسلبية التي تقابلنا في حياتنا العملية واليومية .