في الوقت الذي يطور الغرب منظومة التدريب للبشر باعتبارها عنصرا استثماريا يدعم التنمية الاقتصادية، لا زالت الكثير من المؤسسات العاملة بمنطقتنا العربية تعتبر التدريب مجرد تكلفة، وعبئا إضافيا على ميزانيتها، وأن هناك معوقات عديدة تعترض تحويله لقيمة مضافة حقيقة.

هذه الفجوة في النظرة للتدريب عكستها رؤى الخبراء العرب والأوراق الأجنبية المقدمة لمؤتمر الاتجاهات الحديثة في تدريب وتنمية الموارد البشرية الذي نظمه الاتحاد الدولي لمنظمات التدريب والتنمية بالقاهرة في الفترة 14-17 نوفمبر 2005.

ففي لقاء مع إسلام أون لاين.نت رأى الدكتور عبد الخالق المحتسب مستشار التدريب في أحد البنوك الإماراتية التدريب في العالم العربي يعني الرفاهية والراحة، وأحد المزايا التي يقدمها المدير لموظف قريب له، أو لديه علاقات جيدة برؤسائه، بصرف النظر عن احتياج هذا الموظف لتطوير مهاراته أو احتياج المنظمة لتدريبه.

فمؤسساتنا العربية -كما يقول المحتسب- تشترط أن يكون الموظف قد أمضى عدة سنوات في عمله، حتى يقدم له هذا الامتياز (التدريب)، وحتى في حالة نقل العامل لوظيفة أخرى يترك أمر تدريبه لرئيسه، في حين أن الغرب يحرص على تدريب أي موظف قبل نقله للوظيفة الجديدة التي يختارها، ولا يجبر عليها، كما هو الوضع عندنا.

وتظهر أهمية التدريب في الغرب في المساحات المخصصة له، والتي تصل لحد المباني ذات ال##### المتعددة، والمعدة بكل الإمكانيات والوسائل التعليمية الحديثة التي تساعد المتدرب على اجتياز فترة التدريب بالسرعة والجودة المطلوبة، حتى يظهر أثر هذا التدريب على عمله وإنتاجيته. في حين أن التدريب لدينا لا يزيد عن غرفة، بها بعض الإمكانيات البسيطة التي لا تساعد المدرب على وصول المعلومة الكاملة للمتدرب.

ويتفق د.عثمان الزبير المستشار بالمنظمة العربية للتنمية الإدارية مع ما سبق، معتبرا أننا في مرحلة التبشير بالتدريب، بمعنى أن العالم العربي لم يدرك بعد أهداف وأهمية التدريب، ولم توضع المعايير الجيدة لاختيار المدرب والمتدرب وبرامج التدريب المناسبة لاحتياجاتنا. فهذه الأساسيات التي تخطاها الغرب بمراحل، ما زلنا نتعثر في تحديدها، ومن ثم لم نستطع تطبيق الفكر التدريبي بالمنظور الذي يراه الغرب.

لدينا تكلفة لا استثمار

ولم تخرج النظرة للتدريب في العالم العربي عن مجهودات فردية غير مخططة، وغير واضحة الأهداف في هذا المجال، كما يقول إسلام سليمان نائب المدير العام لإحدى المؤسسات السعودية العاملة بمجال التدريب والتنمية البشرية.

ووفقا للخبير السعودي، ما زال الوطن العربي يدرب العاملين من أجل اللحاق بالفكر الغربي، دون معرفة الاحتياجات الحقيقية للعاملين بالمنظمات المختلفة، ومن ثم فالأمر عندنا مجرد ترفيه وتقليد للشركات العالمية. ويظهر ذلك في طريقة اختيار المنظمات العربية لبرامج التدريب التي تحتاجها، فالأمر لا يخرج عن مجرد تحديد عناوين البرامج، ولا يعبر ذلك عن احتياجات العاملين والمنظمة.

ويضيف أن المؤسسات العربية ترى في التدريب مجرد تكلفة تتحملها المنظمة دون الاستفادة منه، في الوقت الذي ترصد الشركات في أوربا وأمريكا ميزانيات ضخمة للتدريب، وتنظر إليه على أنه استثمار يحقق الأرباح المطلوبة منه في أقرب وقت، ولديها أدوات القياس تستطيع من خلالها معرفة كم الأرباح العائدة على المنظمة من تدريب العاملين لديها على برنامج معين.

أما عن تقييمه لشركات التدريب الموجودة بالمنطقة العربية والتي تزداد يوما بعد يوم، فيقول الخبير السعودي: العمل في مجال التدريب والتنمية البشرية (بيزنس) نشاط تجاري مثل أي نشاط يهدف الربح، ولكن الكثير من شركات التدريب في المنطقة العربية ليس لديها المتخصصون، ولا تمتلك الأدوات الجيدة للنجاح والمنافسة في هذا المجال.

ويظهر ذلك في البرامج التي يدرب المتدربون عليها، والتي أغلبها برامج غربية لا تناسب الواقع والعقلية العربية، وكان الأولى بهم عمل دراسات جيدة لاحتياجات السوق تخرج منها بالبرامج المناسبة لاحتياجات المنظمات العربية.

الجامعات السبب

ويلقي د. عبد الباري درة رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي لمنظمات التدريب والتنمية باللوم على الجامعات العربية التي تقاعست عن تطوير منظومة التدريب عبر الدراسات والبحوث، بما يناسب ظروف وثقافة واحتياجات كل دولة عربية، فلم يعد النقل والتقليد للغرب يفيد.

ويشير إلى أن العالم العربي يجهل قيمة الثروة البشرية، وتنمية المواطن، فأولى خطوات تنمية الثروة البشرية هو الإصلاح السياسي والديمقراطية، فالإصلاح الاقتصادي يلزمه إصلاح سياسي، حتى يشعر المواطن بأهميته وقيمته في المجتمع ومن ثم يشارك في تنميته مهاراته.

أين الثقافة الجماعية؟

الأوراق الأجنبية في المؤتمر سعت لمناقشة سبل رفع الكفاءة التدريبية عبر فهم سيكولوجية وثقافة المتدرب، واختيار البرامج التدريبية المناسبة له ولثقافته.

فقد اعتبر البروفسور دونالد ستينر خبير الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية في ورقته أنه يجب التفرقة بين الثقافتين الغربية والعربية، لأن قيم العمل الجماعي هي المهيمنة على المؤسسات الغربية، بينما الفردانية تصيغ قيم العمل بالمنطقة العربية، رغم أن الإسلام يدعو للتعاون الجماعي. ومحصلة ذلك من وجهة نظر ستينر هو إنتاجية أعلى في الغرب.

ومن وجهة نظر الخبير الأمريكي فإن عدم استخدام الألقاب بين العاملين في منظمات الأعمال الغربية يساعد على تنمية العلاقات الودية بينهم، بينما استخدام هذه الألقاب في المؤسسات العربية يخلق حاجزا نفسيا بين العاملين ورؤسائهم.

ويضيف ستينر قائلا: ليس معنى كلامي تقليد الثقافة الغربية بكل ما فيها، ولكن فهم ثقافة المجتمع والعمل بها مع تطويرها تدريبيا، بما يناسب احتياجات العمل.

ويدلل الخبير الأمريكي على رأيه قائلا: في اليابان حققت ثقافة العمل في مجموعة نتائج جيدة، عندما أخذها اليابانيون من الغرب وطوروها، بما يناسب ثقافة مجتمعهم، حيث شعرت المجموعة أنها مسئولة عن العمل، فأخرج كل فرد ما لديه من مهارات وإمكانيات، ومن ثم خرج العمل على أفضل ما يكون.

ثروة المشاعر

ولأن التراكم الرأسمالي والنمو الاقتصادي لا يقوده رأس المال العيني فقط، لذا يقول الدكتور هابيرت رامربسد مستشار التدريب في هولندا في ورقته: إن التراكم المعرفي من خلال تنمية رأس المال البشري أصبح هو جوهر عملية التنمية والرافعة الرئيسية لها.

ومن هنا تحرص الدول والمؤسسات على تنمية الكوادر البشرية والارتقاء بمستوى مهاراتها، وصارت القدرة التنافسية الدولية تقاس بكفاءة العنصر البشري ومستوى إنتاجيته كما يرى رامربسد. ورغم ذلك لا زالت المنطقة العربية تركز على قوة المال وتتجاهل الثروة البشرية التي تمتلكها، كما لا تعمل على إطلاق هذه الثروة، فالمعرفة داخل عقولنا، وكل منا يمتلك المهارات والقدرات التي تختلف عن غيره.

ولكن يبقى السؤال: كيف نستطيع إخراج هذه المهارات لينطلق المارد من قمقمه؟.

الإجابة على هذا السؤال -من وجهة نظر رامربسد- تكمن في إحساس الفرد بسعادة وهو يؤدي عمله، وتأتي هذه السعادة من وجود حافز ودافع قوي على العمل والنجاح. ويختلف هذا الحافز باختلاف ثقافة المجتمع والأفراد، فعلى كل مؤسسة أو منظمة أن تجد الطريق لإسعاد موظفيها، كي تحصل على أفضل ما لديهم من طاقات وإنتاج، وهذا لن يتم إلا عبر صياغة برامج تدريبية تراعي خصوصية الثقافات.