الثقة عنوان نجاح للتعامل في أي فريق عمل يريد النجاح والتميز، وكذلك فهو مقوم من أهم مقومات القيادة الفعالة، ومن أهم ركائز التعامل المتميز بين المدير وموظفيه.
يقول روبرت كريتيندون: (يريد العاملون أن يشعروا أن لديهم قدراً كافياً من الأمان، أنهم لن يفقدوا عملهم في أية لحظة، فعندما يقوم بعض المديرين بتخويف العاملين وهم يقبعون في مكان مريح، فلا تتوقع أن تنال غير الأداء العدواني من أي عامل يخاف من العقاب عند وقوعه في أول خطأ. ولذا؛ يقول أرنولد بيكهام: إذا لم يرتكب العامل أي خطأ فهذا معناه أنه لا يعمل كثيراً) [عدة المدير الجديد، روبرت كريتيندون، ص(83)]، ولكن الأهم هو: ما هو حجم الخطأ المسموح به؟ فقد يسبب خطأ أحد الموظفين خسارة مائة ريال، ولكنه ينال العقاب الشديد على هذا الخطأ، بينما قد يتسبب أخر في خسارة آلاف الريالات فيعاقب بعقاب أقل من الأول. وهنا تطالعنا ـ عزيزي القارئ ـ مجموعة من المعايير والتي نحكم من خلالها على الخطأ المغتفر، ومنها قيمة الفرد بالنسبة للمنظمة، وثقة مدرائه فيه وفي أدائه، وسجله السابق، فكل خطأ هو تجربة للتعليم، وفرصة للمدير كي يظهر قدراً من الثقة في موظفيه. فكل خطأ هو تجربة تعليمية ولكنه أيضاً فرصة للمدير كي يظهر ثقته في الموظفين، فكما يقول روبرت كريتيندون: (إن العاملين لديك على استعداد للسعي إليك والاقتراب منك، إذا أظهرت ثقتك بهم) [عدة المدير الجديد، روبرت كريتيندون، ص(83)]. التفويض ممكناً: كثيراً ما يرفض بعض المديرين تفويض أشخاص آخرين لإنجاز بعض الأهداف، وذلك لاعتقادهم الخاطئ بأن ذلك يستنفد كثيراً من الوقت ومزيد من الجهد، وأن باستطاعتهم هم أنفسهم أداء العمل بشكل أفضل، غير أن التفويض الفعال للآخرين ربما يكون هو النشاط الوحيد المتاح الأعظم قوة والأشد فاعلية، حيث أنه يتيح للمديرين أن يركزوا طاقاتهم على أنشطة أخرى ذات فاعلية كبرى، كما يرفع من درجة ثقة الموظف في نفسه، وإحساسه بثقة مديره به، وهو شعور عظيم لا يضاهيه شعور آخر. وهذا ما دفع رجل مثل جي سي بيني (J.C.Penney) ـ والذي يملك سلسلة من متاجر التجزئة تحمل نفس الإسم ـ أن يقول: (إن أفضل وأحكم القرارات التي اتخذها في حياته على الإطلاق كان (دعه يعمل) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(240)]. ولذا؛ يقول ستيفن كوفي (المنتج ـ ويقصد الشخص الذي يعمل بمفرده ولا يفوض غيره في العمل ـ يستطيع أن يستثمر ساعة واحدة من الجهد وينتج وحدة واحدة من النتائج دون أن يفقد شيئا من كفاءته، والمدير من ناحية أخرى يستطيع أن يستثمر ساعة واحدة من الجهد وينتج عشر أو خمسين أو مائة وحدة من خلال التفويض الفعال) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(240)]. التفويض هو المفتاح إلى الإدارة الفعالة: هناك نوعان رئيسيان من التفويض هما: التفويض الآمر والتفويض بالمسؤولية. أولاً: التفويض الآمر: وهو ما يعني أن يقول المدير لموظفيه: اذهب لهذا، توجه لذاك، افعل هذا، افعل ذلك، وأخبرني بما تم، ويحكي ستيفن كوفي قصته مع هذا النوع فيقول: (ذهبت مع أسرتي للتزلج على الماء، ووجدت نفسي منخرطاً في صيغة التفويض الآمر، كان ابني ـ وهو متزلج ماهر ـ على متن زلاجة يشدها قارب كنت أتولى قيادته، وأعطيت آله التصوير لساندرا لتلتقط لنا بعض الصور. ونظراً لأن العدد المتبقي في الفيلم كان محدوداً، فقد أخبرتها منذ البداية أن تحرص على انتقاء اللقطات غير أنني أدركت بعدها أنها غير ماهرة في استخدام آلة التصوير، فحرصت على أن أكون أكثر تحديداً في توجيهاتي، وطلبت منها التأكد من وجود الشمس في مواجهة القارب والانتظار حتى لحظة قفز ابننا في أعقاب دوامة الماء خلف القارب أو لدى دورانه ولمسه بكوعه. غير أنني كلما سيطر على التفكير في محدودية اللقطات المتاحة وافتقار زوجتي لمهارة التصوير، وجدت نفسي أكثر اهتماماً، وأخيراً قلت لها: (ساندرا، ما عليك سوى الضغط على الزر حين أخبرك بذلك، هل هذا واضح؟)، ثم أمضيت الدقائق القليلة التالية وأنا أصرخ: (التقطيها، التقطيها، لا تلتقطي، لا تلتقطي)، لقد كنت خائفاً من أنني لو لم أوجه كل حركة في كل ثانية، فلن تكون النتيجة جيدة. لقد كان ذلك مثالاً حقيقيّاً للتفويض الآمر، الإشراف على كل خطوة في وسائل العمل، وينحو كثير من الناس لهذا النوع من التفويض، ولكن ما هو الناتج الفعلي لهذا الأسلوب؟ وكم يبلغ عدد الأشخاص الذين يمكن أن تشرف عليهم أو تخضعهم لإدارتك إذا كان عليك أن تكون ضالعاً في كل خطوة يتخذونها؟) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(242-243)]. وهناك بالقطع وسيلة أفضل، وسيلة أكثر فعالية لتفويض الأمر للآخرين، وهي التفويض بالمسئولية. ثانيًا: التفويض بالمسؤولية[مستفادة من كتاب العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(240- 253)]: يركز التفويض بالمسؤولية على النتائج بدلاً من الأساليب، وهو يمنح الناس اختيار الأسلوب ويجعلهم مسؤولين عن النتائج، ومع أنه يستغرق وقتاً في البداية، فإن استثمار الوقت يعد جيداً، وبإمكانك زيادة قوة الفاعلية، من خلال إتباع التفويض بالمسؤولية. ويشتمل التفويض بالمسؤولية على التزام وتفاهم متبادل واضح وصريح فيما يتعلق بالتوقعات وذلك في خمسة مجالات: 1. النتائج المرجوة: ينشئ فهماً واضحاً ومتبادلاً فيما يراد إنجازه مركِّزاً على "ماذا" وليس "كيف" والنتائج وليس الأساليب، ويضع تقرير جودة عما يمكن أن تكون عليه النتائج ومتى يمكن تحقيقها. 2. الخطوط الإرشادية: حدد الإطار الذي ينبغي على الشخص العمل خلاله، ويجب أن تكون هذه الحدود أقل ما يمكن، غير أنه يجب أن تتضمن أي قيود صارمة، وإذا كنت عارفاً بالمسالك التي تؤدي إلى إخفاق العمل، فقم بتحديدها، كن نزيها وواضحاً أخبر الشخص أين تكون المزالق وأين يتربص الوحوش. 3. الموارد: حدد المصادر البشرية والمالية والفنية أو التنظيمية التي يمكن للشخص أن يستفيد منها لتحقيق النتائج المرجوة. 4. المحاسبة: ضع المعايير القياسية للأداء والتي سيتم استخدامها في تقييم النتائج والأوقات المحددة لتقديم التقارير وإجراء التقييم. 5. النتائج: حدد ماذا سيحدث خيراً أو شراً بناء على نتائج التقييم، وقد يشمل ذلك المكافآت المالية، الجوائز العينية، المناصب الوظيفية المختلفة، والنتائج الطبيعية المرتبطة بالهدف الشامل للمؤسسة. خطوات عملية للتفويض الفعّال[كتيب الجيب إدارة الأداء، بام جونز، ص(38-44)]: هذه العملية التي تشتمل على خمس خطوات؛ من أجل التخطيط لتفويض المهام سوف تعطيك طريقة لإنجاز العمل، وكذلك لتطوير الموظفين وتحفيزهم على التوصل إلى أفكار جديدة، وهذا بدوره سوف يولد مزيداً من الثقة داخل الفريق ويؤدي إلى مناخ من النجاح: 1- تحليل المهمة: - حدد المهام التي من غير المحتمل أن تعمل على إتمامها كلها بنفسك، وقم بتفويض جزء منها أو بتفويضها جميعاً. - هل هناك أي مشروعات بعيدة المدى يمكنك تفويضها، فيما لا تزال هذه المشروعات في مرحلة التطوير؟ - كيف يمكنك أن تضمن أن الشخص الذي فوضت إليه المهمة سوف يمتلك القدر المناسب من السلطة والمسؤولية لإنجاز المهمة؟ - هل يمكنك أن تربط بين تفويض المهام والتدريب والتطوير؟ 2- تحليل الشخص: - من هم أعضاء الفريق المناسبين أكثر من غيرهم لتفوض إليهم المهمة؟ - ما العمل المخصص لهم؟ هل لديهم المصادر والمعرفة والمهارات اللازمة لإنجاز المهمة؟ - هل تتناسب هذه المهمة مع العمل الذي يؤدونه بالفعل؟ - ما الفائدة التي ستعود عليهم من أداء هذه المهمة؟ هل ستساعدهم على التطور أو تمدهم برؤية أكبر أو توفر لهم فرص للتدريب؟ - حاول أن تمدد طاقات هؤلاء الأشخاص إلى أقصى حد ممكن، ولكن بدون أن تنهكهم تماماً، إن التحديات التي يوفرها تفويض المهام يمكن أن تكون محفزة، ولكن، إذا تم التعامل معها بشكل سيئ، يمكن أن تكون سبباً للتوتر. 3- وضع نظام للمراقبة: - قم بإشراك الشخص الذي ستفوض له المهمة في وضع نظام المراقبة. - اتفق مع الشخص الذي ستفوضه على الأهداف والغايات المراد تحقيقها من وراء هذه المهمة. - ربما تحتاج إلى تقسيم المهمة إلى مراحل أو مهام فرعية. - كلا الطرفين بحاجة إلى الوضوح بشأن ما يتم تفويضه، وما لا يتم تفويضه. - حدد معايير واضحة للنجاح بحيث يعرف كل منكما ما هي معايير الجودة المطلوبة، وكيف أن تبدو النتيجة النهائية. - اتفقا على أوقات معينة لمراجعة التقدم، وهذا سوف يختلف طبقاً للمهمة، ولمدى ما يتحلى به الشخص من ثقة بالنفس. 4- تهيئة المناخ: - استمع إلى الأفكار التي يقدمها لك الشخص الذي تفوض له المهمة، فغالباً ما سيكون لديه منظور جديد للموقف. - حافظ على قنوات الاتصال مفتوحة بينكما في كل الأوقات، وبالتالي يستطيع الرجوع إليك إذا صادفته أي مشكلات. - امتدح مجهوداته وامنحه التقييم على طول الطريق، وبالتالي يشعر بالتقدير، وتأكد من أن ينسب إليه الفضل عندما يقوم بإنجاز العمل المطلوب. - لا تتدخل في عمله بين فترات مراجعة الأداء، فأنت بحاجة إلى بناء الثقة بينكما وإظهار أنك تستطيع منحه السلطة - قم بتهيئة فرص لتدريبه وتطويره عند الضرورة، وبالتالي تصبح لديه المهارات والقدرات اللازمة لإتمام المهمة. 5- مراجعة التقدم: - راجع بانتظام التقدم الذي يحرزه الشخص في إنجاز المهمة. - قم بإعطائه الدعم والإرشاد. - اطرح عليه أسئلة دقيقة لمساعدته على التفكير في حلول للمشكلات بدلاً من تزويده بكل الإجابات والحلول. - عندما يتم إنجاز المهمة، راجع التقدم الذي تم إحرازه في مقابل معايير النجاح التي تم وضعها سلفاً. - راجع ما تعلمه، وحدد أي مهارات وقدرات جديدة اكتسبها، وأي أهداف جديدة للتعلم في المستقبل. - اطلب منه تقييماً لدورك أنت، وانظر إن كان هناك أي شئ آخر يمكنك فعله في المستقبل لتحسن من مهاراتك في تفويض المهام.