في هذه المقالة نحاول الوقوف علي بعض أساسيات التخطيط ومفاهيمه من منطلق التوجيه القرآني والنبوي ، ثم واقع التطبيق في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم ، وكيف مارسه ، وخاصة ونحن في ظلال ذكري هجرته المباركة صلي الله عليه وسلم وذلك في مقالة تالية.



التخطيط وثقافة المسلم:


وبداية وقبل المضى في صلب الموضوع أود أن أشير إلى أن الكثيرين من المسلمين الآن ينظرون إلى التخطيط باعتباره ضرباً من ضروب التنجيم أو الخوص في الغيب، وكأنه في الخلفية الثقافية لغالبية المسلمين من المحرمات..

وأما الصنف الآخر الذي ليس لديه هذا الفهم الخاطئ للتخطيط ، فإننا نجد أنه يفتقد إلى الممارسة الصحيحة له ، وقلما نجيده أو حتى نمارسه في مظاهر حياتنا المختلفة ؛ سواء ما كان منها على المستوى اليومي المتكرر ؛ ويندرج تحته كل ما أطلق عليه الآن "إدارة وتخطيط الوقت" أو ما هو على مستوى ممتد وهو ما أطلق عليه التخطيط الإستراتيجي وكلاهما من الأمور الواجبة التي يأثم المسلم بتركها وعدم ممارستها في كافة شئون حياته باعتبارها من تمام أداء ما أنيط به من واجبات ومهام ، وباعتبار أنه مسئول عن واجب الاستخلاف في الأرض ، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولعل أحد أهم أسباب ما نعانيه من تخلف على مستوى حياة العالم الإسلامي عموماً والعربي خصوصاً هو ما يعانيه من تخلف إداري واضح ، ليس فقط على مستوى الممارسة وإنما أيضاً على مستوى التعلم والتدريب والتربية.
فلا يكفي فقط أن نمارس ، وإنما يجب أن تكون ممارسة على أساس من العلم والمعرفة ، ولا يكفي التدريب والتعلم على الكبر ، وإنما يجب أن يتم في مراحل الحياة الأولى من خلال ما يمكن أن نطلق عليه "التربية الإدارية" تلك التي تدعم السلوك الإداري المعتاد والصحيح لدى كل فرد حتى تصبح حياته العادية وممارساته اليومية متمشية مع السلوك الإداري الصحيح بشكل سهل وتلقائي غير متكلف ولا مستغرب ، كما هو حال معظمنا في البلاد الإسلامية الآن، عكس ما هو كائن في بلاد الغرب، مما جعلها تأخذ بزمام القوة والحضارة، ونحن نأخذ بزمام التخلف والتأخر، خاصة وأن الإدارة سنة من سنن الله سبحانه وتعالى لتمام الاستخلاف والتمكين في الأرض.
فما هو المقصود بالتخطيط:

إن التخطيط بمعناه الشامل عبارة عن عملية تنبؤ بالمستقبل في أي أمر أو مجال من المجالات.

وبمعناه الإداري المحدد هو:
"تحديد الوسيلة أو الأسلوب المناسب لتحقيق هدف مستقبلي، في ضوء الظروف المحيطة والإمكانات المتاحة"
في القرآن:
أشير إلى التخطيط بالمعنى السابق في أكثر من موضوع منها على سبيل المثال قوله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون" الحشر(18)
وهذه الآية فقط توجه الذين آمنوا إلى تقوى الله وتأمرهم بين يدي ذلك أن تنظر كل نفس ما قدمت لغد وليس هناك أوضح من ذلك في وجوب النظر المستقبلي لكل ما تقدمه لغد لنفسك على أي مستوى من المستويات.
وهذا النظر معناه :
التأمل والتدبر والدراسة والإعداد والفحص والإحصاء لكل ما سوف تتخذه من تصرفات أو قرارات أو أعمال أو مهام وانعكاسها على ما يحقق لك النفع والمصلحة في الدنيا والآخرة.
وأما الغد:
فهو هنا يشير إلى المستقبل من تقسيماته ، فهو الغد القريب جداً ، والمتوسط ،والبعيد على المستوى الدنيوي ، وفي كل أمر من أمور الحياة.
وهو الغد الممتد في ضمير الغيب ما بعد الحياة الدنيا ليصل إلى حياتك الأخروية باعتبار أن لكل تصرف من تصرفاتك في أي لحظة من لحظات حياتك انعكاس على ذلك الغد الذي تقف فيه بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهو يحصى عليك ويسجل ويكتب ثم تراه في كتابك يوم القيامة .وهذا هو المعنى الشامل للتخطيط وهو ما يجعل منه وصفا فريدا ومتميزا في حياة المسلم وهو ما يربط كل تصرفاته برباط واحد وهو رباط الإيمان والتقوى الذي يغلف أي عمل أو تصرف يقدم عليه ، ولذلك نجد أن وضع الأمر بالتخطيط للغد هنا بين الإيمان والتقوى من جهة وختام الآية،"أن الله خبير بما تعملون" خير دليل على شمولية وعمومية الأمر التخطيطي هنا لكل معنى من معاني الحياة في كل موقف وتصرف ووظيفة وعمل وتخصص ومجال من المجالات ذلك التخطيط المبارك لكونه مغموساً وملفوفاً في منظومة القيم الإسلامية الممتدة، والأخلاق الإيمانية العملية التي تحيل كل التصرفات إلى عملية عبادة وتسبيح وصلاة للمولى عز وجل ، وهذا ليس إلا للمسلم الحق ، ولعل غياب هذا المعنى الشامل هو الذي يفسر كثير مما نرى من مظاهر الفساد الإداري والتردي الإنتاجي والسلوكي والأخلاقي وانعكاس ذلك في النهاية على القدرة التنافسية Competitive Advantage للأمة ومؤسساتها وشركاتها وأفرادها.
توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم

في أحد توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم التي روت عنه:

"إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته ، فإن كان رشداً فأمضه ، وإن كان غياً فانته عنه"
ولعل هذا التوجيه النبوي وغيره من التوجيهات الكثيرة يوضح أهمية التفكير المسبق قبل الإقدام على أي عمل حتى لا يندم الإنسان أو يخسر نتيجة لقرار متسرع غير مدروس.

التخطيط بين الاستخارة والاستشارة:

بل أنه صلى الله عليه وسلم يحدد عاملين أساسيين للتخطيط قلما ينتج عنهما فشل أي خطة وقرار مستقبلي وهما:

• الاستشارة
• الاستخارة.
حيث ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : "لا خاب من استخار ولا ندم من استشار"
ولذلك يصبح من تمام أمر التخطيط أن يراعي ما يأتي:
1. تجميع كافة البيانات والمعلومات المتاحة عن الموضوع الذي يراد اتخاذ قرار بشأنه والتخطيط له.
2. الرجوع إلى مصادر موثقة والتثبت من المعلومات التي يتم جمعها حتى تكون حقائق وليس مجرد تخمينا أو ظنون أو أوهام.
ويدعم هذا المنحي ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أراد أن يستوثق عن أحد الناس فقال له ائتني بمن يعرفك "يشهد له" فجاء برجل فأثنى عليه كثيراً.
- فسأله عمر رضي الله عنه: هل تعرفه؟ - قال: نعم.
- فقال:هل سافرت معه؟ - قال:لا.
- فقال رضي الله عنه:وهل أنت جاره؟ - قال:لا.
- قال:وهل تعاملت معه بالمال؟ - قال:لا
- قال:لعلك تراه في المسجد يطيل السجود والركوع والدعاء. - قال: نعم.
- قال: إذن أنت لا تعرفه ، وقال للرجل: اذهب وائتني بمن يعرفك."
في هذا الموقف يتبين لنا أن عمر رضي الله عنه لم يشأ أن يبني قراره عن الرجل بمجرد الشكليات والظواهر والأحكام التي تصدر عن غير معلومات حقيقية يقينية تجريبية من مصادر معتمدة يحق لها أن تكون مصادر يعتمد عليها.
ولعل هذا الأمر يغيب عن الكثيرين منا في تخطيطهم أو اتخاذهم للقرارات المختلفة طناً منهم أن الأمر لا يحتاج إلا إلى استخارة أو استشارة ، بينما الواقع والشرعي أن يسبق الاستخارة والاستشارة قيام الشخص بتجميع كافة البيانات والمعلومات والحقائق الممكنة عن الموضوع.
ولا يركن إلا المصادر السهلة، ولا إلى البيانات الظنية غير اليقينية وليتأكد من صدق وحقيقة كل ما سوف يعتمد عليه من بيانات تخطيطية: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"
فالتبين هنا مطلوب وفي آخر كل أمر طالما سوف يبني عليه خطة، فنا بني على باطل فهو باطل، وغير مقبول أصلاً الشروع في عمل بلا تخطيط، ولا في تخطيط بلا معلومات ولا معلومات بلا يقين وتبين.
3- الاستشارة:
والاستشارة هنا تعتبر من صميم النط القيادي الفعال الذي سبق أن تناولناه في مقالة سابقة، والذي يعتبر انعكاساً لما أمر به القرآن:
"وشاورهم في الأمر"
"وأمرهم شورى بينهم"
والتخطيط هو أحد أهم المجالات التي تتحول الشورى فيها من مجرد أمر نظري إلى واقع عملي قابل للتطبيق والممارسة.
ولا يخفى علينا ما أصبح من الأمور المؤكدة في أدبيات الإدارة المعاصرة حين التحدث عن التخطيط الفعال بالإشارة إلى اعتبار المشاركة (الشورى) من أهم وسائل تفعيل التخطيط.
والاستشارة التي يتم فيها مشاركة الآخرين في عملية التخطيط واتخاذ القرارات تزيد من جودة وفعالية التخطيط من عدة جوانب أهمها :
أ#- توسيع دائرة البيانات والمعلومات والحقائق المجمعة.
ب#- الوقوف على حقائق البيانات التي تم جمعها أصلاً.
ت#- إبداءْ كافة الملاحظات والآراء التي تكمل جوانب الموضوع وتزيده وضوحاً فالرأي الواحد ليس كالاثنين، والاثنين ليس كالثلاثة فكلما زادت مساهمة الأفراد في الإعداد لعملية التخطيط كان ذلك أدعى إلى كماله وشموله لكافة الزوايا والجوانب ومراعاة كافة الاحتمالات وإصابته للواقع ، وبعده عن الاستغراق في المثاليات والافتراضات النظرية.
ث#- الاستيفاء الفني ومراعاة الجوانب الفنية والعملية التي يعيشها الأفراد في المستويات الأدنى بشكل يومي وفعلي، ومن ثم فالشورى تراعي الجانب الفني وتستكمله.
ج#- الجانب النفسي:
حيث يشعر الأفراد بأهميتهم وبأنهم ليس مجرد تابعين منفذين أو آلات عضلية بلا عقول تفكر وتبدع وإنما يشعرون بما يجب أن يشعر به كل عامل في أي موقع من أنه نشارك وشريك وفاعل وإيجابي.
فالقرار الذي تم اتخاذه و الخطة التي تم إقرارها بهذه الصورة تكون نتاج جهد ومساهمة الجميع، ومن ثم يشعرون بأنها خطتهم أو قرارهم وليس مفروضاً عليهم، ومن هنا يكونوا أكثر حرصاً وحماساً للعمل على نجاحها.
ح#- الإبداع والابتكار:
ليس هناك شئ يشيع ويفجر الطاقات الإبداعية لدى الأفراد مثل إتاحة الفرصة الكاملة والحقيقية لهم للمشاركة في التخطيط واتخاذ كافة القرارات ولعلنا نلاحظ مثال على ذلك بشكل واضح في وضع خطة الدفاع عن المدينة ضد هجوم الأحزاب، والتي سوف يكون لنا عندها وقفة متأنية لاستخلاص الكثير من الدروس والعبر وأشير هنا فقط إلى فكرة حفر الخندق باعتبارها فكرة مبتكرة قلبت خطة المشركين المهاجمين رأساً على عقب.
4- الاستخارة:
والاستخارة هنا تأتي كأمر أساسي ومتمم بعد إجراء كافة الخطوات السابقة والأخذ بكافة الأسباب الموصلة للنجاح .
فالاستخارة تراعي جوانب يستحيل مراعاتها في التخطيط، وذلك لأن التخطيط يعتبر أمراً مستقبلياً فإنه يكون في النهاية لا يعدو أن يكون احتمالاً، والاحتمال لا يمكن أن يكون يقيناً ولكن يظل دائماً بين الصفر والواحد الصحيح.
ومهما تطور العقل البشري ومخترعاته فلا يوجد حتى الآن من يستطيع أن يتكهن بالمستقبل بشكل يقيني ومؤكد.
ولذلك فإن المؤمن يستكمل هذا الجانب بالاستخارة الصادقة لله في الأمر وبآدابها حيث يتم بناءاً على الاستخارة التوجيه النهائي للمضي في الأمر أو الانتهاء عنه، وذلك قبل البدء فيه أصلاً . ومن ثم لا يكون خيبة ولا يكون ندم قط لمسلم يخطط في ظل هذه العوامل.
5- المرونة:

لا شك أن من الأمور المهمة المتصلة بفعالية التخطيط هو ما يتعلق بالتغير الذي يمكن أن يحدث في الظروف أو الافتراضات التي بنى عليها التخطيط. والذي يفترض ثبات الأحوال التي يتنبأ بها ويضع الخطة على أساسها يكون كمن لم يقم بالتخطيط أصلاً ، بل إنه سيواجه بالفشل في أول تغيير يمكن أن يحدث في هذه الظروف.

ويتحول من المبادرة إلى رد الفعل، ومن التخطيط إلى الارتجال. "فإن ثبات الحال من المحال"
لذا واجب على المخطط أن يكون لديه منذ البداية بدائل متعددة وأن يكون هناك احتمال لكل موقف وافتراض، تماماً مثلما وضع الرسول صلى الله عليه وسلم خطة غزوة مؤتة حينما قال زيد بن حارثة هو الأمير على الجيش فإن أصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أصيب فعبد الله بن رواحه.ثم ترك الأمر بعد ذلك للمسلمين يتصرفون في ضوء الموقف.
ولعل أوضح مثال لما يسمى الآن بالتخطيط بالسيناريوهات باعتباره أحدث صيحة في التخطيط هو ما نراه في هجرتهصلى الله عليه وسلم .(وهو ما سوف نتناوله بشكل أكثر تفصيلاً في موقع آخر بإذن الله).
وبصفة عامة يراعي في التخطيط المرونة بافتراض الظروف المختلفة والعمل لكل منها بشكل مسبق، وكذلك ألا تعتبر المخطط نفسه وحيداً في الميدان فيكلم نفسه ويرد عليها. وهو للأسف حال الكثيرين الآن. وإنما عليه أن يجر حواراً تخطيطياً مع منافسيه أو أعدائه (سيناريو) ويضع في ضوئه خطته (ماذا لو....؟) وهو من أرقى درجات التخطيط.
6- وضع آليات الرقابة والمتابعة:
يغيب عن الكثيرين من الذين يقومون بالتخطيط الاهتمام بآليات الرقابة والمتابعة إلا بعد أن ينتهي العمل أو تحدث مشكلة أثناء القيام به فيبدأ الاهتمام بالمتابعة والرقابة ، بل إن الرقابة لا تعدو في معظم الأحيان مفهوم التفتيش وضبط أحد متلبس بالخطأ ثم معاقبته.
وهذا المفهوم في الحقيقة بعيد كل البعد عن المعنى الإداري للرقابة والمتابعة.
فكل عمل تخطيطي يقوم به الإنسان لا بد من رقابة ومتابعة تكمله، إلا تحول التخطيط مع الوقت إلى مجرد أمنيات وأفكار نظرية تبتعد كثيراً عن واقع التطبيق.
وللرقابة الفعالة عدة أركان أهمها:
 وجود نظام حاكم للرقابة وقائم عليها .
 تصميم معايير إنجاز يتم بناءاً عليها تحديد مدى ما حدث من نجاح أو فشل بدلاً من الاعتماد على الحكم الشخصي والهوى.
 تصميم مقاييس للتأكد من مدى موافقة ما يتم تطبيقه لما تم تخطيطه في ضوء المعايير المسبقة. وأن كل ما سبق يتم تحديده مسبقاً قبل البدء في أي عمل تنفيذي. وعلى قدر تصميم معايير بسيطة وسهلة الاستخدام ، تكون فعالية النظام الرقابي. ولعل عبقرية الإداري في الرقابة تتجلى بشكل واضح في مدى قدرته على تصميم مقاييس من هذا النوع الذي يتوافر فيه مواصفات السهولة والفهم والبساطة في الاستخدام.
وبالرغم من أن المقالة لن تتعرض تفصيلاً لموضوع الرقابة إلا من زاوية ارتباطها بالجانب التخطيطي باعتباره موضع اهتمامها ، فأنني أود أن أشير أن للرقابة مكانة راقية في الإسلام بكل ما تحمله من أركان وضمانات نجاح متقدمة ومتميزة ويكفى لنا أن تتذكر الآتي كدلالة على ذلك:
1. هناك معايير لأداء كل مسلم في كل عمل ما الذي يجب عليه فعله ومالا يجب وبشكل واضح ومحدد على مستوى العمر ، أو العام أو الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو الليلة.
2. أن كل ذلك يتم تسجيله فوراً "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
3. أن هناك نظام متكامل للمتابعة والتسجيل والإحصاء ثم العرض والمناقشة وتلقى كل ذلك بشكل مكتوب يوم الدين .
4. التأكيد على ذلك في أكثر من موضع في القرآن مثل: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كتم تعملون"
5. أن دوائر الرقابة تتسع لتشمل:
 دائرة المولى عز وجل.
 رسوله صلى الله عليه وسلم.
 سائر المؤمنين.
 العرض عليه يوم الدين فينبئ بكل عمل.
6. أن ذلك يجعل من النظام الرقابي نظاماً فريداً وشاملاً لا يدانيه أي نظام آخر ، خاصة وأنه يشمل دوائر إذا تم تفعيلها من قبل أي مدير تجعل الرقابة الذاتية في أعلى درجاتها ومن ثم تحقيق أعلى درجة من الالتزام والإتقان النابع من تقوى المرء ومراقبته لله عز وجل ومحاسبته لنفسه "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً"
7. التوجيه النبوي: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم" ولعل هذه المبادئ وما أيدها من تطبيق عملي في هدى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته المهديين لخير دليل على ضرورة الاهتمام بموضوع الرقابة على الوضع الإداري الصحيح والدقيق ومنذ بداية عملية التخطيط كأحد أركانها المتممة وبكل ما سبق أن أشرنا إليه من مقومات خاصة بها، وعدم ترك هذا الأمر لمجرد الاجتهادات والأهواء والأحكام الشخصية التي تتقلب وتختلف حسب المزاج مما يحول العمل إلى تباين آراء وأهواء واختلاف نفوس ووجهات نظر، وبعداً عن الحقيقة والكفاءة التي حث عليها الإسلام ووجهنا للعمل بها والسعى لتحقيقها.

ولعلنا بعد هذه الوقفة القصيرة حول مفهوم من مفاهيم الإدارة في الإسلام قد أشرنا إلى بعض المبادئ المهمة التي فتح الله علينا بها ولا ندعي الإحاطة بكل ما يمكن أن يكون عليه التخطيط في تراثنا الإسلامي العظيم وإن كان الأمر يحتاج منا إلى وقفة خاصة لنستعرض بعض مواقف وحالات عملية للتخطيط في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما نرجو من الله أن يعيننا على إنجازه في مرة قادمة بإذنه.