ل فكرت يومًا أن تكتب كلمة (نجاح) أو كلمة (سعادة) على محرك البحث الشهير (Google)؟ هل تعلم أنك لو كتبت كلمة (النجاح)، فستحصل على ما يقارب الـ 3 ملايين صفحة باللغة العربية، وما يوازي 300 مليون صفحة باللغة الإنجليزية، وبالمثل تقريبًا مع كلمة السعادة؟! وها أنا ذا أدعوك ـ عزيزي القارئ ـ إلى طريق مضمون نحو السعادة والنجاح بإذن الله، فكما تقول كارول كازجيل: (كلما فكرت أكثر في الشكل الذي تريد أن تكون عليه حياتك، تكون فرصتك أكبر في وضع خطة تجلب لك السعادة). وليس السعادة فحسب، بل النجاح وحتى الربح، فقد (أجرى اثنان من الأساتذة في معهد ستانفورد للأعمال، هما جيمس كولنز وجيري بوراس دراسة حول ما إذا كانت الشركات ذات الرؤية تجني فائدة مالية من هذه الرؤية. كان محور الدراسة توجيه أسئلة إلى نحو 170 مديرًا رفيعي المنصب في شركات أمريكية بغية تحديد 20 شركة كانا يعتقدان أنها شركات ذات رؤية أكثر من غيرها، تبين نتيجة الدراسة أن الشركات ذات الرؤية قد تفوقت في أدائها على أداء وول ستريت بمعدل وسطي قدره 50 عاملاً). إن سلوكنا في الحياة اليومية ما هو إلا المظهر الخارجي لمحاولة التأقلم مع أحداث أو تحديات أو مشكلات نحياها، واستخدامنا للسلوكيات المختلفة يكون محاولة دائمة للإحساس بتحكم قوي في تلك التحديات. ويرى علماء النفس أن ذلك التحكم ينبني على أمرين، وهما: -الإحساس بامتلاك القدرات والإمكانات. -والإحساس بالمسئولية عن تلك الأحداث. وهي أمور تعتمد بشكل كبير على الرؤية التي يحيا الإنسان لأجلها في الحياة. فإن كان رؤية الإنسان في حياته أن يحصل على درجة الأستاذ في علم الاقتصاد، فسترى أن تلك الرؤية مبنية على قيمة أهمية علم الاقتصاد لبناء الأمة والنهضة بالمجتمع وإفادة الآخرين. هذه الرؤية تصبح المحرك القوي الذي يدفع الإنسان في الحياة، وبالتالي ترفع من إحساس الإنسان بمسئوليته وتقديره الصحيح لقدراته وإمكانياته وثقته بنفسه. ومن ثم يشعر بقدرته على التحكم في الظروف المحيطة، مما يدفعه لإزالة العقبات والتحديات التي تعترض طريقه بقوة وثقة، حتى يصل في النهاية إلى مبتغاه. صناعة الحياة على مرحلتين: إن صياغة الحياة، وصياغة الرؤية الملهمة للمستقبل ليست أمرًا هينًا يستغرق دقائق من أجل إنجازه، فإن بناء ناطحة سحاب عملاقة لا يتم بين عشية وضحاها، فكيف بحياة إنسان يتقلب بين النجاح والفشل وبين الحزن والفرح وبين الانتصار والهزيمة وبين الأمل واليأس في نفس اليوم؟! ولكي تصنع رؤيتك لابد وأن تمر بمرحلتين؛ الأولى هي مرحلة الخلق الذهني (تصميم ناطحة السحاب)، والثانية الخلق المادي (بناؤها على أرض الواقع). وهذا ما أكده ستيفين كوفي عندما يقول عن الرؤية: إنها (عادة تعتمد على مبدأ أن كل الأشياء يجري صنعها مرتين، فهناك الخلق الذهني أو الشق الأول، وهناك الجانب المادي وهو الشق الثاني). إذًا هما مرحلتان لصناعة الحياة ولمعرفة إلى أين نحن ذاهبون؟ المرحلة الأولى: مرحلة التصميم: وهي مرحلة الرؤية الملهمة المرحلة، وهو ما سنتناوله من خلال هذه المقالة ومقالات قادمة. الثانية: مرحلة التنفيذ: وهي مرحلة ترتيب الأولويات وإدارة الوقت بفاعلية، وهو ما سنتناوله من خلال مقالات قادمة إن شاء الله. هكذا تقطع الخشب: ويضرب ستيفين كوفي مثالاً على صناعة الرؤية ومراحلها، فيقول: (فعلى سبيل المثال فأنت عندما تعتزم بناء منزل فإنك تقيمه في ذهنك بكل تفاصيله قبل أن تدق مسمارًا واحدًا في مكانه، كما أنك تحاول أن تصل إلى إحساس واضح بنوع المنزل الذي تريده. فإذا ما كنت بحاجة إلى منزل للعائلة فإنك تخطط لوجود غرفة تصلح مكانًا طبيعيًّا لجمع شمل الأسرة، كما أنك سوف تعمل على وجود أبواب متحركة وفناء خارجي للعب الأطفال، فأنت تعمل مع الأفكار، ويظل عقلك نشطًا حتى تصل إلى صورة واضحة لما تريد أن تقيمه. وبعد ذلك تنتقل بالأمر إلى صورة التصميم المعماري وتطوير خطط للبناء، ويتم كل ذلك قبل أن تلمس سطح الأرض، ولو تجاوزت الشق الأول وتجاهلته وشرعت في العمل على الفور في الشق الثاني فإن هذا الجانب المادي سوف يكلفك تعديلات عالية التكلفة قد تصل إلى ضعف قيمة المنزل الحقيقية. وقد تصدق هنا القاعدة التي يتبعها التجاوز وهي: قم بقياساتك مرتين لتقطع أخشابك مرة واحدة). فالاهتمام بتصميم الرؤية أولاً شيء ضروري قبل الدخول في معترك الحياة والانشغال بالجزئيات والإغراق فيها، ولا يكون ذلك إلا بوضع نموذج أو تصور لما تريد أن تكون عليه حياتك. فندق الأحلام: (إذا أردت أن تسافر إلى أي بلد في العالم، فإنك بلا شك تكون قد رتبت تذاكر سفرك وإقامتك مع أحد مكاتب السفريات في بلدك، ولا شك أن هذا المكتب قد اقترح عليك عدة فنادق فخمة محلاًّ لإقامتك، لابد أن يكون قد اقترح عليك أن تسكن في أحد فنادق سلاسل هيلتون العالمية، صاحبة الاسم العريق والخدمات المتميزة، وصاحبة النجوم الخمسة التي تزين مداخلها. لقد كان كونراد هيلتون مولع بامتلاك الفنادق، ولكن بعد الكساد الاقتصادي سنة 1929م لم يعد الناس يسافرون، وحتى وإن سافروا لم يكونوا ينزلون في فنادق هيلتون، وبحلول عام 1931م كان دائنوه يهددونه بتنفيذ الحجز، كانت مصبغته غارقة في الدين، وكان يقترض المال من حمال الأمتعة حتى يستطيع أن يأكل. وفي تلك السنة العسيرة عثر كونراد هيلتون على صورة لفندق "والدروف" بأدوراه الاثنين والأربعين، وبمطابخه الستة، وطباخيه المائتين، وغرفه الألفين، ومشفاه الخاص، وقطاره الخاص الواقف في قبو الفندق... "والدروف" الذي يمتد في سماء مدينة مانهاتن في نيويورك. قص هيلتون تلك الصورة من المجلة وكتب عليها (أعظمهم على الإطلاق)، ووضع صورة "والدروف" في محفظته، وعندما أصبح له مكتب مرة ثانية، وضع صورة "والدروف" تحت زجاج مكتبه، بقيت الصورة أمامه حتى عاد يستعيد صعوده ويمتلك مكاتب أكبر، ولكنه لم ينس أن يضع تلك الصورة الغالية تحت زجاج المكاتب التي حل بها، وبعد 18 سنة من الرؤية الواضحة، وفي عام 1949م اشترى كونراد هيلتون فندق والدروف). 18 عامًا وكونراد هيلتون يعمق من رؤيته، ويرسم لفندق أحلامه صورة في ذهنه، ويضع صورة ذلك الفندق في محفظته، ويجتهد في تحويل تلك الأحلام إلى حقيقة، فرؤية المرء في حياته ليست وليدة اليوم والليلة بل هي وليدة السنوات الطوال والعمل الدؤوب. مفترق الطرق: وربما يتعجب البعض بل ويستنكر أن ينفق الأوقات والمجهود الذهني من أجل رسم رؤيته في الحياة، ويرى أن استثمار ذلك الوقت وإنفاق ذلك المجهود في العمل والإنتاج أهم بكثير، ولكن لابد لهؤلاء أن يدركوا أن (تقاعسنا عن تطوير وتنمية إدراكنا بمسؤوليتنا عن الشق الأول من صناعة الأشياء؛ سوف يؤدي إلى تمكن أناس آخرين وظروف خارج دائرة تأثيرنا من تشكيل معظم نواحي حياتنا بسبب هذا الإهمال). فليس أمامنا إلا خياران لا ثالث لهما، إما أن ينفق الأوقات في خلق ذهني وإعداد نفسي لتحقيق الرؤية، وإما أن يترك نفسه للظروف تجرفه كيف شاءت، وتحركه كما أرادت، فيصبح هو جزءًا من رؤية الآخرين وأحلامهم؛ وذلك لأن (الذين فقدوا الرؤية الواضحة لمستقبلهم كأنهم ألقوا أنفسهم في تيار نهر جارف، فهم مندفعون معه لا يعرفون وجهتهم. لقد فقدوا دفة القيادة وسلموا أمرهم لهذا التيار المندفع يوجههم كيف شاء، حتى إذا ما سار التيار بهم بعيدًا بعيدًا، وأصبحوا على مفترق طرق كثيرة لهذا التيار، حاروا في أي مجرى يسبحون؟! ومع أي ماء يدفعون؟! أي مجاري الأنهار ستكون الآمنة؟! وأي منها يدفعهم إلى شلال الموت؟! لقد علموا الآن يقينًا أنهم فقدوا السيطرة). تضييق الفجوة: (نشأ هاورد هيل في ولاية ألاباما الأمريكية، وكان نبالاً بارعًا فاز بـ 286 دورة رماية متتالية ـ وفي الواقع هو لم ينهزم في مباراة قط ـ حتى أنه اضطر إلى التقاعد؛ لأن أفضل نبالي العالم رفضوا التنافس على المرتبة الثانية، قتل هاورد فيلاً بقوس وسهم، ونمرًا نبغاليًّا بقوس وسهم، وجاموسًا أفريقيًّا بقوس وسهم، قتل قرشًا طوله 6 أمتار على عمق خمسة أمتار تحت الماء. ومن براعته في الرماية أنه يقف على مسافة 15 مترًا ويصيب وسط الهدف، ثم يأخذ السهم التالي فيفلق به السهم الأول، لكن هل تصدق أني قادر في ظرف ثلاث دقائق أن أجعلك أيها القارئ تفوز على هذا البطل؟! فكر كيف؟! سنأتي ونعصب عينيه، ثم نجعله يدور حول نفسه أربعين مرة، وبعدها نأمر هاورد هيل أن يطلق سهمه، ثم نأمرك أيها المتحدي أن تطلق سهمك أيضًا، فأي السهمين سيكون أقرب إلى الهدف؟ بلا شك سينهزم هاورد برغم المهارات العالية التي يملكها؛ لأن الهدف قد حُجب عنه، وسهمك أيها المتحدي سيكون الأقرب برغم مهاراتك المتواضعة في الرمي). إن قصة هاورد موجهة إلى كل من يظن أن الإمكانيات البشرية وحدها تكفي للنجاح، أو أن سجل الإنجازات السابقة يشفع لصاحبه وهو يسير نحو الفاعلية، بل إن الرؤية الواضحة ستضيق الفجوة بين صاحب الإمكانيات الذي يفتقد الرؤية، وصاحب الرؤية الذي يسعى في اكتساب الإمكانيات التي تحقق رؤيته. المرآة المجنونة: هل ذهبت من قبل إلى مدينة الملاهي، ووقفت أمام تلك المرآة المجنونة؟! تلك المرآة التي تكبر الصغير وتصغر الكبير؟! إن بداخل كل منا مرآة، ومقدار اقتراب كل منا من قمة الفاعلية يتحدد على مدى قرب تلك المرآة المجنونة من الصورة الحقيقية، التي تضع كل أمر في نصابه الصحيح. ولكن معدل جنون تلك المرآة وانحرافها عن الصواب يتحدد بقوة رؤية كل منا لنفسه ولحياته ولمستقبله، فكما تقول كارول جازكيل: (امتلاك رؤية قوية للمستقبل يساعدك على أن تنظر إلى بقية حياتك من منظور صحيح كما سيجعل الضغوط اليومية والعقبات الصغيرة تبدو أقل أهمية). زمام القيادة: اتَّخَذَ القرار بالسفر من الأسكندرية إلى القاهرة، وعَلِمَ أن عليه أن يقطع ما يقارب 220 كم، حتى يصل إلى مبتغاه، ركب سيارته، وبدلاً من أن يتجه شرقًا، اتجه غربًا لمسافة 220 كم، ولكنه وجد نفسه على مشارف مدينة مطروح، وليس في القاهرة، لقد أدى الهدف بشكل صحيح، فقد سار 220 كم، ولكنه لم يؤد الهدف الصحيح أصلاً، وهو الوصول إلى مدينة القاهرة. وهذا هو الفرق بين القيادة والإدارة، فإن (الإدارة هي أداء الأشياء بشكل صحيح بينما القيادة هي أداء الأشياء الصحيحة). لذلك كانت الرؤية ضرورة لتوجيه جهود الشخص إلى الوجهة الصحيحة، حتى تصب أعماله في صالح الهدف المنشود، وفي حالة فقدان الرؤية الواضحة تتبعثر الجهود ولا تذهب في الاتجاه الصحيح. لو افترضنا أن أمنية شخص ما أن يكون أفضل طبيب لأمراض العيون والرمد في بلاده، وحصل على ماجستير في طب العظام بتقدير امتياز، هل يمكننا أن نصف بأنه الفعل الأمثل والأصوب؟! بالطبع لا، فقد بذل مجهودًا متميزًا ليحصل على ذلك التقدير، ولكنه بذل المجهود في الطريق الخطأ، الذي لا يوصله إلى مقصوده، وما ذاك إلا لانعدام الرؤية لديه. ويمكننا التفريق بين الإدارة والقيادة من خلال الجدول التالي:
قصة حياةقائد لحياته قصة حياةمدير لحياته
ـ الرغبة في التفوق. ـ الرغبة في أن تمر الحياة بسلام.
ـ ناجح. ـ عادي.
ـ ولد ناجحًا في يوم ناجح سنة 1980م. ـ ولد عاديًا في يوم عادي سنة 1980م.
ـ كانت درجاته الدراسية مرتفعة. ـ كانتدرجاته الدراسية مقبولة.
ـ قضى أربعين سنة في خدمة الأمة، شغل عددًا من المراكز الريادية، اغتنم الفرص، وطور نفسه ومواهبه، وشارك الناس في الأشياء الناجحة. ـ قضىأربعين سنة في خدمة الظروف، شغل عددًا من المراكز المتواضعة،لم يخض أبدًا مخاطرة، أو يغتنم أي فرصة، ولم يطور مواهبه، ولم يشترك مع أحدفي شيء نافع.
ـ شعاره المفضل "أينقص الدين وأنا حي؟". ـ شعارهالمفضل "لادخل لي في هذا".
ـ عاش 70 سنة مليئة بالنجاح والكفاح بعزم وإصرار، فعاش ناجحًا ومات وبكت عليه الأمة؛ فولد سنة 1980م، ومات سنة 2050م ، وبقي ذكره في قلوب الناس كما بقي مسكه وعبيره. ـ عاش 70 سنة دون هدف أو خطة أو عزم أو تصميم، فعاش عاديًّا، ومات موتة عادية، ولم يشعر به أحد؛ فولد سنة 1980 م، ومات حيًّا سنة 2000م، ودفن 2050م.
وأخيرًا نستطيع القول وفق ما سبق من أن الرؤية الواضحة تنقلك من مرحلة إدارة جزئيات حياتك، إلى قيادة تلك الحياة، وهي من أهم خطوات الطريق نحو الفاعلية، فكما يقول ستيفين كوفي: (إن الفاعلية ـ وحتى البقاء نفسه ـ لا يعتمدان على ما نبذله من جهد كبير، ولكن على ما إذا كان هذا الجهد يسير في الطريق الصحيح).