(جاهد لآخر نفس في حياتك).
ويليام شكسبير.
قرر طالب ياباني في عام 1938م أن يستثمر كل ما يملك في ورشة صغيرة، ليصنع محرك سيارة ويبيعه لشركة تويوتا، وبعد عمل مضنٍ متواصل، ترفض تويوتا شراء محركه؛ لأنه لا يتوافق مع مقاييس الشركة، عاد إلى دراسته ليتحمل سخرية مدرسيه وزملائه لفشله في صنع المحرك. وفي عام 1940م ينجح في تصنيع المحرك، وتوقع معه شركة تويوتا عقدًا طالما حلم بتوقيعه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتعلن الحكومة اليابانية دخول الحرب العالمية الثانية، ولذا رفض طلبه للحصول على الأسمنت اللازم لبناء مصنعه، فماذا يصنع؟ قام هو وفريقه باختراع طريقة مبتكرة لإنتاج الإسمنت اللازم لهم ومن ثم بنوا مصنعهم. ثم تأتي سنوات الحرب، ويتم قصف مصنعه مرتين، مما أدى إلى تدمير أجزاء رئيسة من هذا المرفق الصناعي، فكيف كانت استجابته؟ لقد جند فريقه على الفور وأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغة التي كانت المقاتلات الأمريكية تتخلص منها، والتي وفرت له المواد الأولية التي يحتاجها لها، وهي مواد لم تكن متوفرة في اليابان حينذاك، ويبدأ المصنع في العمل، ولكن زلزال يضرب المصنع، فيضطر إلى بيع ما تبقى منه لشركة تويوتا. بعد الحرب، تعاني اليابان من ندرة مريعة في مؤونات البنزين، فيقرر بطل قصتنا أن يركب محركًا صغيرًا لدراجته، وسرعان ما أخذ جيرانه يطلبون منه أن يصنع لهم دراجات، ولذا قرر أن يبني مصنعًا لصنع المحركات لاختراعه الجديد. غير أنه لم يكن يملك رأس المال اللازم، فأخذ يناشد أصحاب محلات الدراجات في اليابان وعددهم (18000) أن يهبوا لمساعدته، وأخذ يكتب خطابات لهم ليبلغهم بأنه يسعى للعب دور في إعادة إحياء اليابان من خلال قوة الحركة التي يمكن لاختراعه أن يوفرها، واستطاع إقناع (5000) من هؤلاء البائعين بأن يقدموا له رأس المال اللازم. غير أن دراجته النارية لم تبع إلا للأشخاص المغرمين جدًا بالدراجات، ولذا أجرى تعديلاً جديدًا لصنع دراجات أخف كثيرًا وأصغر من دراجته، وسرعان ما حققت الدراجة نجاحًا باهرًا. بعد ذلك بوقت قصير يفوز بجائزة إمبراطور اليابان، ومن ثم يبدأ بتصدير دراجاته النارية إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى أن صنع أول سياراته في السبعينيات من القرن العشرين، وحظيت هذه السيارات برواج واسع النطاق). لقد كان الالتزام بل والوفاء التام بهذا الالتزام هو الجزء الأهم في قصة ذلك المهندس الياباني، وهو الذي أوصله إلى إنشاء شركة سيارات يابانية معروفة حملت اسمه، وهي شركة "هوندا". فإذا أردت أن تغرس النجاح في نفسك فابدأ بقطع الالتزامات على نفسك والوفاء بهذه الالتزامات، اتفق مع نفسك واقطع عليها العهد أن تحافظ على فعل شيء معين ووف بهذا العهد والتزم به بالفعل فأنت بذلك تنمي ثقتك بنفسك، وتولد لديها قناعة بأنك تستطيع تحويل الكلام النظري إلى واقع عملي وأنك شخص إيجابي يختار الاختيار الأفضل ويأخذ القرار السليم ثم ينفذه ويلتزم بتنفيذه. يقول ستيفن كوفي: (إن الالتزامات التي نقطعها على أنفسنا أو لغيرنا، وتمسكنا بهذه الالتزامات، هو الجوهر وأكثر الوسائل وضوحًا للإعلان عن إيجابيتنا. وهكذا فإننا نكون بإزاء نهجين لجعل أنفسنا مسيطرين على حياتنا على الفور: إننا نستطيع أن نبذل وعدًا ثم نفي به، أو نستطيع أن نضع هدفًا ونعمل من أجل تحقيقه. وبقطع الالتزامات والوفاء بها، حتى الالتزامات البسيطة، فإننا نبدأ في تكوين استقامة باطنية تخلق لدينا الوعي بالتحكم في الذات والشجاعة والقوة لتقبل المزيد من المسئولية تجاه حياتنا، وببذل الوعود وإيفائها لأنفسنا وللآخرين فإن أمانتنا تكبر شيئًا فشيئًا). إن الزام النفس بما نقطعه عليها من عهود ومواثيق لهو الطريق إلى القوة الذاتية الحقيقية وإلى ذرِّ الرماد عن جمرة الإيجابية المشتعلة داخل أنفسنا. الالتزام، لماذا؟ 1. طريق النجاح: الالتزام هو أهم سبل النجاح والتميز، ومن ثم لا يمكن للإنسان أن يحقق المبادرة الفاعلة وينجح في تلك المبادرة، ويصبر على نتائجها إلا بالالتزام، فكما يقول زيج زيجلير: (يفشل الناس أحيانًا، ليس بسبب نقص القدرات، ولكن بسبب النقص في الالتزام). 2. فوق الحواجز: فالالتزام والوفاء به حتى الممات هو الضمان للقفز فوق حواجز وعقبات المبادرة والفاعلية، فكما يقول جون مكسويل في كتابه لليوم أهميته: (في أي وقت تقطع على نفسك عهدًا، فإن العهد سيواجه تحديات كثيرة). 3. أراك على القمة: وحتى تصل إلى القمة في التميز، فإليك نصيحة دكتور روبرت شولر في كتابه قوة الأفكار، حين يقول: (ابذل قصارى جهدك وابدأ صغيرًا، ولكن فكر على مستوى كبير عليك باجتياز العواقب واستثمر كل ما عندك، وكن دائمًا مستعدًا للتصـرف وتوقع العقبات، ولكن لا تسمح لها بمنعك من التقدم). قاهر المانش: (كان هناك طفل في العاشرة من عمره فقد ساقه اليسرى في حادث سيارة وأصبح كل أفرادالعائلة في حالة حزن على ما حدث له، وكان أصدقاؤه ومدرِّسوه في المدرسة يعاملونه بطريقة مختلفة؛ لأنه معوَّق، فقرر الطفل ترك المدرسة وإكمال دراسته بالمنزل. وكانالطفل مولعًا بالسباحة وفي أحد الأيام عندما كان يسير على ضفة النيل بالقاهرة لاحظأن هناك مجموعة من المعوقين يتدربون على السباحة في نادٍ خاص لهذه اللعبة، وبالحديث معهم اتضح أنهم يشتركون في مسابقات سباحة للمعوقين، وبدون تردد انضم لهذا الفريق وبدأ معهم في التدريب. وفي عام 1978م، حصل على الميدالية الذهبية وأصبح من أبطال مصرللسباحة، وقاده تحمسه المتأجج للعودة إلى المدرسة وحصل على درجات ممتازة وبدأ أيضًا في ممارسة رياضات أخرى للمعوقين. وفي عام 1980م، اشترك في الألومبياد الخاصةبالمعوقين وكان مندهشًا لمستوى المهارات التي وصل إليها المتسابقون الآخرون، وفيعام 1981م حدثت نقطة تحول في حياة هذا الشاب فقد قرر أن يعبر بحر المانش "القنال الإنجليزي" ونصحه من حوله بعدم القيام بهذه الخطوة؛ لأن درجة الحرارة كانت 3 درجات فقط، وهناك تيار قوي في هذه المنطقة مما يشكل خطورة كبيرة عليه. ويومها، قال له النقاد: إن المسافة لعبور القنال تتعدى الـ 30 كيلو متر، وأن كثيرًا من الأبطال الذين كانوا في أتم صحة قد فشلوا في عبور هذه المسافة، وقيل له أيضًا: إنه ما زال صغير السن ووزنهأقل من 60 كيلو جرام وإنه معوق، وإنهم لا يعتقدون أن في استطاعته عبور المانش وأنهذا مستحيل. ولكن الشاب لم يعبأ برأيهم بل عاهد نفسه على أن ينجح في محاولتهللعبور، وفي يوم من الأيام عرض عليه أن يشترك في سباق لعبور القنال الإنجليزي "المانش" بشرط أن يتحمل هو جميع المصاريف وبدون تردد وافق على الفور. وفيعام 1982م، بدأ في فترة تدريب لمدة 6 أشهر ثم دخل تجربة التأهل للسباق وكانت أدنى سرعة مطلوبة هي 3.5 كيلومتر/ ساعة، ورغم أن سرعة الشاب كانت فقط ثلاث كيلو مترات فيالساعة إلا إنه أقنع اللجنة المسؤولة بقبوله للاشتراك. وأخيرًا سافر إلىإنجلترا، وبدأ في التدريب المكثف لمدة أربع ساعات يوميًّا، وكان كل شيء على ما يرامحتى قبل السباق بيومين، فقد أحس بألم شديد في أذنه ولا يستطيع الاشتراك بسببه في السباق، وطلب الشاب من الطبيب أن يستأصل الكيس الدهني، وفعلًا تم إزالته بعمليةجراحية، وطلب الطبيب من الشاب أن يلتزم بالراحة لمدة أسبوع على الأقل مما يعني أنهلن يشترك في السباق، وشعر الشاب بأن حلم حياته على وشك الانهيار، ونصحه من حوله بأنيلتزم بنصائح الطبيب وأن ينتظر حتى السباق التالي. ولكن الشاب قرر بإصرار أن يشترك في السباق مهما كانت النتيجة وقامت اللجنة المشرفة على السباق بتعيين حكمخاص لمراقبة حالة الشاب خلال السباق. وبدأ الشاب عام 1982م، رحلة مصيره على شاطئ دوفر في إنجلترا وبعد 12 ساعة و39 دقيقة وصل للشاطئ الفرنسـي، وبإنجازه لهذا النجاحرغم الحالة الشرسة للمياه والمتاعب الكثيرة التي واجهته كان هو أسرع من أي سباح آخر حتى الذين في أعلى لياقة وتمام الصحة والجسم وأصبح بذلك أول شخص معوق يعبر المانش.
وبعد أن فاز بهذا السباق قال: أنا الآن أتساوى مع أي سباح آخر، بل أي شخص آخر وأستطيع أن أقوم بأي عمل يقوم به أي شخص آخر وفي استطاعتي أن أنجزه حتى بطريقةأفضل).
ومن هنا يمكننا تعريف الالتزام بأنه قوة دافعة تجعل الظروف الصعبة تحديات تذكي الهمم وتشعل الحماسة، وليست عقبات تعترض طريق المبادرة والفاعلية، فهي باختصار قوة تدفعنا لإنجاز الأعمال العظيمة والمواظبة والاستمرار عليها.