المبحث السادس: الإدارة الدولية في ثلاثة نسق فرعية
[INTERNATIONAL MANAGEMENT IN THREE SUB-SYSTEMS]

تمهيد:
من أجل فهم طبيعة الخلاف والتعاون الاقتصادي الدولي وإدارتهما بشكل أفضل،هذا المبحث سيناقش الإدارة الدولية في ثلاثة نسق فرعية[IN THREE SUBSYSTEMS]للنسق الاقتصادي الأوسع والأشمل:
النسق الغربي للاعتماد المتبادل[INTERDEPENDENCE]،النسق جنوب شمال للتبعية[DEPENDENCE]،والنسق شرق-غرب للاستقلال(قبل انهيار وتفكك الكتلة الشرقية).
هذا التصميم لصورة الاقتصاد الدولي، علي هذا النحو ، هو عبارة عن تخطيط ورسم اصطناعي تحكمي،لأن التفاعل والمشاكل تتخطي وتتداخل وتتشابك[OVERLAP] من والي كل النسق الفرعية في العالم الواقعي.وعلي الرغم من، أن الإنبثاقات والمشاكل السياسية ،تختلف من حيث طبيعتها في أي من هذه النسق الثلاث،إلا أن مناقشة كل منها علي حدة تمكننا وتسمح لنا بالتركيز علي تلك الانبثاقات والمشاكل المختلفة..ولكي نفهم العلاقات الدولية الحالية،يتعين علينا أن نقتفي أثر مواقف المجموعات الدولية الثلاث،التي شكلت أضلاع مثلث النسق الدولي أثناء فترة الحرب الباردة،وهي: مجموعة الدول الغربية ،و مجموعة الدول الشرقية، ومجموعة الدول المستقلة حديثا-الجنوب حاليا. ونأمل من هذه المناقشات أن تقوي وتدعم و تعزز[ENHANCE] قدرتنا علي فهم طبيعة وعمل هذه النسق.

المطلب الأول :النسق الفرعي الأول : النسق الغربي للاعتماد المتبادل[INTERDEPENDENCE]

الولايات المتحدة،هي الدولة القوية التي قادت هذا النسق،ولعبت دورا كبيرا في توجيه السياسة الدولية إلى الوجهة التي تراها، وكان لها ما أرادت.لأنها كانت تتمتع بالمال والنفوذ،وتساهم بنسبة40% من ميزانية الأمم المتحدة،المنظمة التي لها حق التدخل في شؤون الدول الأخري،مما جعل الولايات المتحدة تنفذ سياستها المنحازة في كثير من الأحيان تحت غطاء المنظمة الدولية.هذا ولأن الغرب في مجموعه كان يساهم بنسبة 75%من ميزانية المنظمة،فان ذلك جعل الولايات المتحدة تتمتع بغطاء شرعي لاعلان وتنفيذ سياساتها لأنها تمول المنظمة الدولية الشرعية لحفظ السلام بثلاثة أرباع ميزانيتها.
وكيفما كان ذلك،فان النسق الغربي هو الذي يتضمن أو يشمل اقتصادات السوق المتطور لأمريكا الشمالية ، وأوربا الغربية ،واليابان . هذه الدول ثرية ،متطورة جدا ،ورأسمالية ،مؤيدة للرأسمالية [CAPITALISTIC] لها تفاعلها الاقتصادي الدولي الأعظم مع بعضها البعض ، ومتورطة مع بعضها البعض في نسق كثيف للتفاعل الاقتصادي المتبادل.
هذا النسق للتفاعل المتبادل هو مشكل الإدارة الرئيسي للنسق الغربي، منذ الحرب العالمية الثانية برز هناك تزايد كبير في تفاعل المجال المالي والنقدي الذي سببه الاستعمال العالمي المشترك للدولار الأمريكي ،والنتائج النقدية للشركات المتعددة الجنسيات ، وتدويل المؤسسات المالية ، وإنشاء أسواق العملة الأوربية والميثاق الأوربي [EUROBOND] (التعهد أو الالتزام) .وكان هناك توسع في التجارة الدولية يرجع إلي النمو الاقتصادي ولبرلة (ليبرالية) التجارة وتراجع تكاليف النقل والمواصلات ، واتساع أفق (رجال) الأعمال .أما التوسع الرئيسي في تجارة العالم ، في فترة ما بعد الحرب فكان سببه هو اقتصادات السوق المتطورة من جهة . ومن جهة أخري ،زاد تكثيف وتوسيع التفاعل بواسطة تدويل الإنتاج ،والتسويق علي نطاق دولي.
هذه الأشكال وأشكال أخري لتوسيع التفاعل أفضت إلي درجة هامة من الاعتماد المتبادل الذي يعني أن الفاعلين الدوليين أو الإجراءات في جزء من النسق كان لها القدرة علي التأثير في فاعلين أو أحداث في جزء آخر منه.لذلك ،فإن السياسة الاقتصادية في بلد معين أو أحداث معينة ، تصبح حساسة باستمرار للسياسات الاقتصادية و الأحداث أو التطورات لأعضاء آخرين من النسق السياسة النقدية والتجارية . وسياسة الاستثمار في بلد ما في النسق الغربي الآن ،لها تأثير علي السياسات النقدية والتجارية ، والاستثمارية في بلدان أخري في النسق .لذلك ففي أي وقت عندما تبحث الحكومات وتسعي لرقابة أكثر علي اقتصادياتها الوطنية تكتشف هذه الحكومات أن اقتصادياتها مفتوحة أكثر فأكثر وعرضة للتأثير الخارجي . ويلاحظ هنا أن بعض البلدان الغربية تكون حساسة أكثر فأكثر للتأثير من غيرها من البلدان الأخرى.
الولايات المتحدة خاصة استطاعت أن تراقب تأثير الاعتماد المتبادل ، أفضل من بعض الأمم الأخرى التي حاولت جاهدة القيام بذلك ولم تفلح ،فيما فلحت فيه الولايات المتحدة جزئيا بسبب المظهر الدولي للاقتصاد الأمريكي ، وجزئيا بسبب القوة الاقتصادية الأمريكية.
علي الرغم من، المشاركة في الازدهار الاقتصادي ،فإن الاعتماد المتبادل خلق مشاكل سياسية وجعلها تطفو علي السطح .ببساطة ، نجد أن الاعتماد المتبادل قد نمي بسرعة أكبر من وسائل إدارته وتنظيمه ،فظهر ذلك علي أنه مشكل حقيقي ، علي اثر أو في أعقاب تطبيق وتنفيذ سياسة الاعتماد المتبادل مثل هل توجد هناك وسائل فعالة لتسيير العلاقات الاقتصادية الدولية،من منظور الدولة الواحدة؟هل الاعتماد المتبادل يتسبب في التدخل في شؤون السياسة الداخلية ؟وهل في استطاعة الأمة مراقبة اقتصادها؟ .حقا هذا التفاعل الأكبر ،كان يزيد من قلق العضو في هذه العلاقات الإعتمادية المتبادلة حيث يتعين علي متخذي القرارات الوطنية التغلب عليه ،لأن الأشياء المقلقة تنبع ليس فقط من داخل الاقتصاد، لكن أيضا من خارجه .الاعتماد المتبادل أيضا ،كان يخلق قوى تتدخل في الإجراءات التقليدية للسياسة الاقتصادية الوطنية .هذا الإضعاف للإجراءات السياسية ، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في فترة دولة الرفاهية عندما تكون الحكومات الوطنية أكثر رغبة في وتواقة إلي مراقبة اقتصاداتها الوطنية .لذلك فإن الاعتماد المتبادل يضعف الإدارة الوطنية .
وهناك تعقيدات أخري التي تكثف أو تعمق الورطة التي يضع الاعتماد المتبادل الدول المتطورة فيها ،لأن اقتصاديات الأمم الغربية لا تجري بطريقة مرنة .التضخيم ،ونمو اقتصادي بطئ ونظر [ SLUGGISH] وفي أوقات متكررة راكد، ومعدلات بطالة عالية ،كما تلعن بعض الدول الرأسمالية المتقدمة .
وعندما نستعين بآراء الاقتصاديين وصانعي السياسة، فيما يتعلق بكيف يجيبون بطرق أفضل، علي حل هذه المشاكل،فإننا نجد أن الإجماع علي السياسات الاقتصادية الكينزية التي قادت (أو وجهت) التوسع الغربي الكبير، بعد الحرب العالمية الثانية، يتحتت [ERODING] .وبالتالي فان نفعية أو منفعة الحكومات التدخلية، تتطلب سياسات إدارية تناقش هذه الأمور باستمرار، بجانب الحقائق النقدية الممكنة ،وما يطلق عليه [ الاقتصاد ذو جانب-العرض ،بالإنجليزية: -SIDE ECONOMICSTHE SO C ALLED SUPPLY] ...
باختصار، يجب علي القادة الغربيين مواجهة المشاكل التي يخلقها الاعتماد المتبادل لاقتصادياتهم ، عندما يظهر أن مستقبل هذه الاقتصاديات غير مؤكد .تحت هذه الشروط (الظروف) يمكن أن يجد القادة صعوبة في الإجابة بقوة وفاعلية، لتحدي النتائج السلبية للاعتماد المتبادل .
يمكن للسياسيات أن تسهل الأمور ،عند ما تبحث الحكومات عن إجابات لحل هذه ،لأن تعقد المسائل أو القضايا الاقتصادية الداخلية، إلي جانب المشاكل التي يضعها الاعتماد المتبادل قد تؤدي إلى زيادة وتعميق الشرخ الاقتصادي الدولي.
ومهما يكن فان ،القادة الباحثين عن دواء شاف للأزمات الداخلية في بلدانهم ، يمكنهم أن يديروا دفة القوة في اتجاه نحو الحلول الوطنية.إلى جانب التقليل من الاتصالات الاقتصادية الدولية التي تصعب من مهامهم وواجباتهم .في نفس الوقت ،نجد أن ، الإدارة الدولية إدارة غير مؤهلة [INADEQUATE]. والهياكل الحالية والقادة الحاليين غير كفؤيين ،لكي تحصل منهم استجابة إلي/ أو رد فعل علي التوعك والانزعاج ،الذي أصبحت تعاني منه الرأسمالية المتقدمة، أو مراقبة الاعتماد المتبادل .لذلك كان النسق الاقتصادي الدولي الغربي يبدو وكأنه أصبح عند مفترق طرق ،كما يؤكد ذلك أحد المحللين :
’’البلدان المتقدمة ذات اقتصاد السوق،تصل الآن إلي نقطة أين يواجد اختيار أساسي أو قاعدي :إما التحرك إلي الأمام، إلي أشكال جديدة للإدارة الجماعية للمشاكل التي لا يستطيعون حلها علي انفراد، أو الضغط علي فرامل نمو الاعتماد المتبادل، وبواسطة اجراءات تحكمية أكثر أو أقل لوضع المشاكل مرة أخري في نطاق مجال المراقبة الوطنية‘‘.


المطلب الثاني :النسق الفرعي الثاني: النسق جنوب شمال للتبعية[DEPENDENCE


لم يؤد الاستقطاب الدولي ،بعد الحرب العالمية الثانية،إلى نشوب الحرب الباردة بين الغرب والشرق،فحسب بل أدي أيضا،إلى خلق تجمع دولي ثالث،هذا التجمع لم يجد أية مصلحة في أن يكون طرفا في أي من التجمعين اللذين سبقاه في الظهور .ومما لاشك فيه ،كانت المنظمة الدولية هي المنبر الرئيسي لبروز تكتل الدول المستقلة حديثا ،لعرض وطرح مشاكلها أمام العالم كله.
لذلك، فالنسق الفرعي الثاني للتفاعل الاقتصادي الدولي، هو النسق جنوب شمال للعلاقات بين اقتصاديات السوق المتطورة واقتصادات دول العالم الثالث الأقل تطورا من الناحية الاقتصادية كإفريقيا، وأسيا وأمريكا اللاتينية.ليس مثل النسق الغربي ،الذي كان يتكون تقريبا من فعاليين دوليين متشابهين ومتساويين نسبيا .نسق العلاقات جنوب-شمال يعتبر نسقا للتنوع واللاتساوى ،بين بلدان الشمال و بلدان الجنوب، خاصة فيما يتعلق بمعيار الدخل الوطني الإجمالي لكل فرد . ففي سنة 1981 نجد أن ،اقتصادات دول السوق المتطورة، كان لها حوالي 8,855$ لكل فرد من الناتج الوطني الإجمالي ، فأن البلدان الغير متطورة كان لها حوالي772$ لكل فرد من الناتج الوطني الجمالي.
هناك أيضا عدم تساوي في النمو السنوي لنصيب كل فرد أو شخص ،بين الشمال والجنوب، وفيما بين بلدان الجنوب نفسها. نجد أن نصيب الفرد من الدخل الوطني من الناتج العالمي الاجمالي أثناء العقود الزمنية بين 1960و1970و1970و1980 لا فقرPOOREST44 أمة قد [نما بمعدل سنوي مقداره 6.1 % فقط و 2.4% بالتتالي . وخلال نفس هذه الفترات نجد أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي للدول الصناعية قد نما بمعدل 3,6% و2,4% .أما في باقي الدول النامية التي صنفها البنك الدولي بأنها بلدان ذات دخل متوسط [MIDDLE INCOME]، في الواقع ،فان نصيب الفرد فيها من الناتج الوطني الإجمالي،قد نما بسرعة أكبر من معدل الشمال بنسبة سنوية قدرت ب 3,5% و3,1% أثناء ال1970 وبدايات 1990 بالتتالي. مع ملاحظة أن بعض أمم العالم الثالث، كان يشار إليها أحيانا بأنها [بلدان صناعية جديدةlatest industrialized countries ] لأنها كانت تتمتع بمعدل نمو مرتفع و استثنائي.ولأن نصيب الفرد فيها من الناتج الإجمالي ، قد نما بمعدل معتبر بنسبة6,0% من 1960إلي 1982 .وكيفما كان ذلك النمو ، فان كثيرا من البلدان النامية كانت تبدوا وكأن وضعياتها صارت تتحسن في الدخل. لكن وفي حالات عديدة ،بقيت الهوة تتسع بين دول الشمال و بلدان الجنوب.
بلا مواربة أو أدني شك ،فان المشكل الرئيسي لهذا النسق هو ظاهرة التبعية. في حين نجد أن، حالةالاعتماد المتبادل تكون الحساسية فيها متبادلة بين الدول ،أما في حالة التبعية فانها تعني تفاعل اقتصادي متبادل غير متساو بصورة مرتفعة ،كذلك نجد أن الحساسية هي الأخري تكون غير متساوية بشكل مذهل .تطهر التبعية عندما يكون لبلد جنوبي مستوي رفيع من التفاعل الاقتصادي مع دولة شمالية، وعندما يكون ذلك التفاعل له أهمية كبري بالنسبة للاقتصاد الوطني، وبالتالي فان البلد الجنوبي سيتأثر بفاعلين [ACTORS] أو أحداث في دولة شمالية . البلد الشمالي ،من جهة أخري ،ليس له مستوى عال أو تفاعل اقتصادي ذو أهمية نوعية مع الدولة الجنوبية ،وهو (أي البلد الشمالي) لا يتأثر بفاعلين أو أحداث في البلد الجنوبي.
وكيفما كان ذلك، فان الاعتماد المتبادل هو علاقة متماثلة متناسقة نسبيا[SYMMETRICAL] ،والتبعية هي علاقة غير متماثلة وغير متناسقة .التبعية دائما، تأخذ اما شكلا واحد أو تأخذ عدة أشكال .يمكن أن تكون تبعية تجارية[TRADE DEPENDENCY] لأن معظم البلدان الجنوبية يحصلون علي نسبة كبيرة من عائدات انتاجاتهم الوطنية الإجمالية من التجارة مع البلدان الشمالية. ولأن معظم بلدان العالم الثالث لها سوق داخلية صغيرة، فهي تعتمد علي الأسواق الشمالية من أجل تصريف (أو بيع) منتجاتها . لذلك فهي حساسة لطلب الشمال وهذا ما يؤثر بشكل محسوس في مبادلاتهم التجارية الدولية.
أبعد من ذلك،فان نسبة كبيرة من صادرات الدول الجنوبية تتركز أحيانا في منتج أول واحد أو عدد قليل منه الشئ الذي يقوي الحساسية للطلب الأجنبي، عن طريق جعل البلد في غير مأمن من التذبذبات في طلب المنتج الرئيسي . أيضا ،هناك نسبة عريضة من تجارة البلدان الجنوبية توجه أحيانا إلي سوق شمالي خاص (بعينه) .الذي مرة أخري ، يؤكد و يبرز حساسية البائعين وعدم مأمنهم من شروط الطلب أو ظروفه لتلك السوق الفريدة من نوعها .وبالرغم من محيط التبعية التي تعيش فيه البلدان الجنوبية الا أنه قد تتواجد بها بعض، قطاعات التصدير القوية، التي تتمثل في بعض المنتجات مثل الصلب، والقماش التي تفت عضد المجهودات التي تتوخي بعض التقدم المتعثر . لأن الصناعات القوية أساسا توجد في الشمال. التبعية التجارية ،إذن ، تتميز بتبعية الاقتصاد الجنوبي واعتماده علي التجارة مع الشمال، وبالمستويات المرتفعة للحساسية للعوامل التي تؤثر علي التجارة بين الشمال والجنوب .
والشكل الثاني للتبعية هو في مجال الاستثمار .لأن نسبة كبيرة من الاحتياطي المحلي للاستثمار في بلدان العالم الثالث مملوك أحيانا من قبل المستثمرين الشماليين. ويرغب المستثمرون الخارجيون دائما في السيطرة علي القطاعات الرئيسية للإنتاج ومراقبتها، خاصة قطاع إنتاج المواد الخام[RAW MATERIAL PRODUCTION]،صناعة التصدير ،القطاعات الاقتصادية الفعالة،الاستثمار الجديد.
شكل ثالث للتبعية هو التبعية المالية.في بعض الحالات كان المثال الصارخ هو منطقة الفرنك الفرنسي[THE FRANC ZONE]-عملة البلد الجنوبي التابع مرتبطة مباشرة بعملة البلد الشمالي المهيمن،وعن طريق هذه الوسيلة تستطيع أن تدير أو تؤثر تأثيرا بالغا في السياسة النقدية الداخلية والخارجية الخاصة بالبلد الجنوبي.
وتظهر التبعية المالية عندما يكون ذلك البلد المتخلف يعاني من وجود صعوبات في ميزان مدفوعاته مما يظطره للجوء الي الاعتماد علي المساعدات الخارجية بغية تصحيح موازين مدفوعته عن طريق صندوق النقد الدولي.الجهاز الذي يصبح بعد ذلك هو الجهة التي تحتفظ بحق مساعدة البلد المعني في تحديد سياسته الاقتصادية الداخلية والخارجية.
عدد معتبر من البلدان المتخلفة ،في سبعينات القرن الماضي واجهت فواتير بترولية كبيرة جدا، مما قادها الي محاولة تحاشي القيود الموضوعة من طرف صندوق النقد الدولي، وذلك بالتوجه بطلباتها مباشرة الي البنوك التجارية الخاصة لتمويل موازين مدفوعاتها .لكن هذا التصرف ازدادت معه حدة مديونية[INDEBTEDNESS] العالم الثالث أو مدينيته لهذه للبنوك التجارية الخاصة ،التي وصلت دائنيتها لبعض الدول في عام 1982 الي ما ينيف عن[$ 346Billion] بليون دولار. وهي مؤشر آخر لتبعية الجنوب المالية للشمال.
المساعدة أيضا تخلق التبعية؛لأن المساعدة الاقتصادية الخارجية لبلدان الجنوب تتركز في غالب الأحيان علي مصدر شمالي واحد .وهذه الصفة تسمح بالتلاعب لأن هذا التصرف قد يأخذ مجراه(مع وجود المضاربة والتصرف المناور وبخاصة بأساليب وطرق غير قويمة و غير شريفة).أما الادارة وصنع واتخاذ القرار فيصبح أمرهما خارج متناول يدالبلد الذي يتلقي المساعدات ان كانت مشروطة .أبعد من ذلك،يمكن للمساعدة أن تعزز هيمنة تجارة واستثمار البلدان الشمالية.
هذه التبعيات -التجارية والاستثمارية والنقدية ’’والمساعداتية‘‘ عادة ما تعزز بأصناف أخري من العلاقات كالروابط الثقافية ،والمعاهدات والأحلاف ،وغيرها من الروابط السياسية الغير رسمة .ويمكن أيضا أن تعزز بوروابط عسكرية تتراوح من المساعدة العسكرية إلي التدخل العسكري. بمعان سياسية ،نجد أن البلد الجنوبي التابع ، معرض في الصميم لادارة شؤونه من قبل الدول الشمالية المهيمنة .المثال الأكثر وضوحا هو أن ادارة الدول المتأخرة (الأقل نموا) كانت تستوطن في المؤسسات الاقتصادية العظمي للشمال مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للانشاء والتعمير، والاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة، والمؤسسات التي أنشأتها الدول الصناعية المتقدمة ،التي تعكس تأثيرات قوتها المهيمنة .
بالمعني الواسع ،نجد أن القرارات الاقتصادية للدول الشمالية المتقدمة، كانت تؤثر علي أنماط وعمليات التنمية الاقتصادية للبلدان الجنوبية التابعة لكيلا ينفرط عقد التبعية للشمال،وبهذا الصدد فان السياسات الزراعية ،والتجارية، والنقديةللبلدان الشمالية تؤثر بطريق مباشر علي مثيلاتها من سياسات الدول الجنوبية . لذلك نجد أن البلدان الأقل تطورا [THE LESS DEVELOPED COUNTRIES] تشعر بالغبن بأن النسق الدولي غيرشرعي [ ILLEGITIMATE] ،لأنهم ليس لهم فيه مداخل لصنع واتخاذ القرار، ولأنهم أقصوا من تسيير شؤونه.
هذا البناء السياسي للنسق الدولي ،يعني أيضا أن القرارات التسييرية التي تصنع وتتخذ بواسطة البلدان الشمالية تعكس فقط مصالح ،ورغبات، وأهداف الشمال،ولا تعكس مصالح ،ورغبات، وأهداف البلدان الجنوبية. وهذا يضيف بعدا آخر لتبعية الشعور الذي يتحسسه قادة وشعوب البلدان النامية .وأنها وصلت الي حلبة التعاون والصراع متأخرة ،وهي الآن لا تشارك في الإدارة فقط ،بل ولا تشترك أيضا في موارد وفوائد النسق الدولي الذي ظهر الي الوجود في غيابها .، وبالتالي وجود هذا النسق يسرق منها الكثير، ويخلد حالة التبعية كامر واقع.أي أن تأثير التبعية يظهر كتخليد للتبعية والتخلف. لذلك ، فإن من مصلحة البلدان المتخلفة :الاشتراك في إدارة النسق. ومن ثم يصبح هو الوسيلةالتي تستفيد منها إلي حد ما .لأن هدفها الرئيسي هو تغيير نسق التبعية .
وعندما حلت بداية 1974 ،ومصادفة مع شروع نسق بريتون وودز في التحلل ، واكتشاف بعض بلدان الجنوب لفعالية سلاح النفط، بدات الدول المتخلفة تركز وتولي العناية بمجهود التفاوض ،من أجل انشاء نظام دولي جديد يكون أكثر عدلا وانصافا . بالنتيجة ، تقدم الجنوب باقتراحات شاملة [comprehensive] للقواعد التي تحكم العلاقات الاقتصادية الدولية.
كانت، هذه التغيرات المأمولة تشتمل علي اقتراح اصلاحات تجارية ونقدية ،وزيادة مقادير المساعدة، ومراقبة الشركات المتعددة الجنسيات، إلي جانب بعض الترقيات الأخري، التي كانت تهدف في الأساس ،الي تصحيح وضع اللاتماثل واللاتناسق[THE ASYMPTRIES] في النسق الاقتصادي الدولي.
ومنذ الدورة السادسة، الخاصة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في ربيع 1974 ، نجد أن كل المنظمات الدولية الكبري، استهلكت وقتا كبيرا ،خصص لمناقشة بعض المسائل والأقتراحات لتعديل طبيعة وهيكلة النسق الاقتصادي الدولي ليصبح أكثر مساواة وعدلا . لكن ،هذه المماطلات، ثبت أنها كانت تبطن هدفا مراوغا ومتحيزا ،علي الرغم من بعض الاستجابات المحتشمة لجزء من مطالب دول الجنوب.وتم ذلك في صورة بعض التعديلات ،غير أنه لم يحدث أي تحرك تجاه إعادة بناء هيكل الاقتصادي العالمي .ونجد أن، ما كان يطلق عليه حوار شمال- جنوب (أو العكس) استمر (لبعض الوقت)ثم فقد الرغبة في مواصلته. واستمرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تداول كذلك (لبعض الوقت) دون أية نتيجة تدكر لها أو عليها ..هذا ما نستخلصه من محاولة تتبعنا لحالات واشكليات التبعية. وسعي بلدان العالم الثالث ومحاولاتها لإدارة هذه المعضلة من جهة،ومن جهة اخري مواصلة المفاوضات المتلكئة الخاصة بإنشاء نظام اقتصادي دولي جديد[ A NEW INTERNATIONAL ECONOMIC ORDER] .
المطلب الثالث :النسق الفرعي الثالث:
[ THE EAST-WEST SYSTEM OF MANAGEMENT]
أو النسق الشرقي-غربي للاستقلال ، قبل انهيار وتفكك الكتلة الشرقية.
النسق الفرعي الاقتصادي الدولي الأخير ، هو ذلك النسق الذي كان يوجد بين الشرق والغرب، الذي ميز علاقات الشرق غرب التي كانت تتصف بأنها علاقات استقلال [IS ONE OF INDEPENDENCE]، لأن المشاركين في هذه العلاقات كان لهم تفاعل وتبادل وتأثير قليلين جدا، علي بعضهما البعض .مثلما كان الحال، بين اقتصادات السوق المتطورة للغرب، والاقتصادات المخططة للدول الاشتراكية ، لأوربا الشرقية والأتحاد السوفيتي .التي كان قادتها ينظرون الي الامم المتحدة،علي أنها معقل للغرب ،وأن قائدته الولايات المتحدة تستخدمها لصالحها ولصالح تنفيذ سياستها ضد الاتحاد السوفيتي ومن يدور في فلكه،عن طريق عزله دوليا واحكام سياسة الاحتواء ،التي كانت الولايات المتحدة قد بدأت تنتهجها لمواجهته،خاصة بعد الاعلان عن مشروع مارشال،ثم تأسيس الحلف الاطلسي،التصرفات أكدت نواياها العدائية ضده.
أدت الحرب الباردة بعد ذلك، إلي عزل كل نسق عن الآخر .ووجهت الولايات المتحدة الغرب ،لخلق مجموعة متنوعة، من الحواجز الجمركية القانونية والادارية، أمام الأتجار مع الشرق .في حين أن الشرق اتبع سياسة اقتصادية ،وعزلة سياسية في نطاق كمنويلث اشتراكي .إعادة تعزيز الاستقلال السياسي، كانت هي التوجه لإعطاء صفات متباينة لبنيات غير متماثلة.ومن ثم، فان تأكيد حالة هذا الاختلاف بين النسقين الاقتصاديين ،أدت إلي الاستقلال الاقتصادي للشرق عن الغرب .مما تطلب انشاء مؤسساتها الاقتصادية المنفصلة الخاصة بها. علي سبيل المثال: فان الدول الاشتراكية لم تشارك في صندوق النقد الدولي للإنشاء والتعمير . تجارة شرق-غرب كانت صغيرة الحجم ،ولم يحدث أن كانت هناك تدفقات للرأسمال أو الاستثمار .إذا بقي النسق مستقلا. ولما زال هذا النسق من الوجود ، فإن الرغبة في مناقشة نسق الإدارة الشرقي-الغربي ستتلاشي.
لكن في السنوات الحديثة ،نجد أن الأسس(أو القواعد) السياسية والاقتصادية للاستقلال والعزلة، قد تحولت وتبدلت وتغيرت،ابتداء من ظهور سياسة الوفاق 1970 ،والقضايا (والاشكاليات) الاقتصادية الجديدة في الشرق، أدت إلي بروز بعض المجهودات لزيادة التفاعل الاقتصادي، بين الشرق والغرب. وعلي الرغم من، هبوب الرياح الساخنة التي هبت علي العلاقات بين الشرق والغرب، بعد الاجتياح السوفيتي لأفغانستان في سنة 1979، والازمة البولونية سنة1981 ،فان القوانين استمرت في التغير، والسياسات استمرت هي الأخرى تعدل، والتفاعل الاقتصادي التجاري أصبح يأخذ مكانه في العلاقات الاقتصاديةبين المعسكرين ،هذا الي جانب بعض، المغامرات المشتركة. وبقاء استمرار عضوية بلدان شرقية في مؤسسات غربية. ان المسألة،في حقيقة الأمر هي :كيف كانت محاولة الطرفين للاقتراب من بعضهما البعض، والابتعاد عن الاستقلال ،الذي ميز العلاقات بين النسقين،والتحويل بخطي سريعة تجاه الاعتماد الاقتصادي الدولي، الذي كانت خاتمته، إنهيار وتلاش النسق الشرقي وذوبانه في النسق الدولي العام .