لكل عصرٍ صرعاته العلمية والثقافية، وإحدى أهم صرعاتعصرنا بلا شك هي الشبكة العنكبوتية. التي نستخدمها عبر الاتصال بشبكة الإنترنت،بكل تطبيقاتها المختلفة في مجالات في الثقافة، والإعلام، والترفيه، والصحة،والخدمات الحكومية، ويأتي المجال التعليمي في قمة المجالات التي تحظى باهتمام كبيرفي الوقت الراهن، في الدول المتقدمة ودول العالم الثالث على حد سواء. بل ويبدوالتنافس كبيراً بين ضفتي الأطلسي، بين دول الاتحاد الأوربي، ودول أمريكا الشماليةفي هذا المجال. فالأوربيون يخشون من الهيمنة الأمريكية على مجال التعليمالإلكتروني، وسيطرت الشركات التجارية عليه، كما سيطرت على الإنترنت برأيهم،ويرغبون بأن تكون لهم كلمة في الأسس التي يقوم عليها هذا النوع التعليم. ولذلكقاموا بإنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات والمجموعات البحثية التي تجري الأبحاثفي مجال التعليم الإلكتروني، وأنفقوا عليها بسخاء. ظهر التعليم الإلكتروني المتصل بشبكة الإنترنتبوجه خاص، استجابة للتغيرات الاجتماعية والثقافية في عصر العولمة. فالحواجز التيأزالتها شبكة الإنترنت، فتحت للمرء آفاقاً جديدة ومكنته من الوصول إلى مصادرمختلفة للمعرفة وهو جالس في بيته أو مكتبه. وأصبح بإمكانه إلى حد كبير التغلب علىالعوائق المحلية، مثل نقص المصادر العلمية، أو قلة المتاح منها للجمهور، أو صعوبةالتنقل (كما هو الحال بالنسبة للمرأة مثلاً)، أو عدم وجود عدد كافٍ من المقاعدالجامعية. كما أنه بالنسبة للعاملين بدوام كامل، أعطتهم فرصة لكي يواصلوا تطويرقدراتهم وهم على رأس العمل، وهو أمر ضروري في عصر التطورات المتلاحقة، وهذا الكمالهائل من المعلومات الجديدة كل يوم. فكثير مما تعلمناه في المدرسة والجامعة،سيصبح منتهي الصلاحية وبحاجة إلى تجديد في فترة قصيرة، خاصة في مجالات بعينها مثلتقنية المعلومات. والتعليم الإلكتروني نوعٌ من أنواع التعليم المختلفةالتي عرفتها البشرية عبر تاريخها، ولكن يخطئ من يظن بأنه الحل السحري لكل المشكلاتالتعليمية. بل إنه (من ناحية المنهج والمحتوى وطريقة التدريس) يعاني من السلبياتذاتها التي يعاني منها التعليم التقليدي. فإذا كان المنهج الدراسي في أساسهمتخلفاً عن الركب العلمي، أو مشوشاً وغير مكتمل، فإن نسخ هذه المعلومات ولصقها علىالشبكة العنكبوتية سوف لن يقدم لنا تعليماًأفضل. وقد تنبه الباحثون في مجال التعليم الإلكتروني، إلىأن مجرد توفير المادة العلمية على الشبكة، بالطريقة ذاتها التي تعرض بها في كتابمعروض، لا يعد فتحاً علمياً، ولا يؤدي إلى استغلال أمثل للطاقات الهائلة الكامنةالتي تتيحها الشبكة. ولذلك أصبح التركيز على جعل هذا التعليم أكثر فائدة ومتعة فيآن، وذلك عن طريق التعليم باستخدام الوسائط المتعددة مثل الصوت والصورة والحركة(ملفات الفلاش)، والتعليم التفاعلي (InteractiveLearning). وهذا الأخير يؤدي إلىإشراك الطالبة في عملية التعلم، فهي تتعلم عن طريق المشاركة في حل المعضلةالبرمجية أو الحسابية، ويستجيب البرنامج لردودأفعالها. بل وتدور الأبحاث في الوقت الراهن حول التعليمالمتكيف (AdaptiveLearning). وهو نوع من التعليممصمم للتكيف مع قدرات الطالب الفرد ( مثل كونه مبتدئ، متوسط، أو متقدم)، أو مجموعةبعينها من الطلاب، (مثل الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة)، أو استجابة للصفات المميزةللطالبة، أو للطريقة التي يرغب أن يتعلم بها الطالب. مثلاً هناك نوعية من الطلبةتستوعب أكثر عن طريق قراءة النصوص ورؤية الأمثلة، وآخرون يفضلون شرحاً مبنياً علىالصور والصوت والعرض التفاعلي. ويتم ذلك عن طريق تجميع معلومات عن الطالب (بطرقمختلفة)، وحفظها في ملف خاص، ويتم عرض المادة العلمية وفقاً للمعلومات في هذاالملف الذي يجري تحديثه بشكل دوري. وهكذا يمكن أن يدرس المادة نفسها طالبان، لكنتقدم المعلومة لكل منهما بطريقة مختلفة. وهنا تبرز أهمية التعليم الإلكتروني، حينيقدم لنا شيئاً أفضل لا يستطيع التعليم التقليدي أن يجاريه، فالمعلم لا يستطيع أنيشرح الدرس بطريقتين مختلفتين كلياً في الوقت ذاته، بينما العكس صحيح بالنسبةلنظيره الإلكتروني. ولكن لا يزال هذا النوع من التعليم محدود الفائدة، بسبب الكلفةالعالية لإنتاج محتوى بهذه الطريقة. والآن هل التعليم الإلكتروني بديلٌ للتعليمالتقليدي، وهل هو مناسبٌ للجميع؟ هو لا، إذا كنا نتحدث عن تعليم إلكتروني بالمطلق(وليس كوسيلة مكملة لشرح الأستاذ)، وإذا كنا نتحدث عن طلبة المدارس والجامعات.فالتعليم ليس مجرد مادة علمية تسكب في عقول الطلبة، بل هي معايشة يومية، واحتكاكبالأتراب والمعلمين، وتكيفّ مع الجو التعليمي بشكل عام. وبالرغم من وجود تقنياتالدردشة، و المدونات، والمنتديات الإلكترونية، والتي يمكن أن تساهم بشكل جيد فيعملية تبادل الخبرات والمعلومات، إلا أنها لا يمكن ان تكون بديلاً 100% عن الحضورلقاعات الدراسة. خاصة إذا كنا نتحدث عن التعليم الأساسي، ونسبة كبيرة من التعليمالجامعي لمرحلة البكالوريوس، بينما تبدو أكثر مناسبة لطلاب الدراساتالعليا. فالعامل الأهم في التعليم الذي لا يقوم على الحضوروالانتظام في صف دراسي، هو أن نجاحه يعتمد بشكل أساسي على الدافع الذاتي للتعلم،والخاص بكل طالب على حده. فالطالب القادر على تنظيم وقته، والطالبة التي لديهارغبة داخلية هائلة للتعلم بأي ثمن، قد يجدان هذا النوع من التعليم الذي هوإلكتروني بالكامل مفيداً للغاية. وهذه غالباً صفات تتواجد في الطلبة الأكبر سناً،كطلبة الدراسات العليا، وكالمتدربين وهم على رأس العمل، وهذا الأخير يعرف بالتعليمالمستمر مدى الحياة (Life LongLearning). بينما قد يصعب علىطالب الثانوية العامة مثلاً أن يقاوم اللعب بالكرة، مقابل الجلوس وحيداً أمامالشاشة كل يوم ليفهم معضلة رياضية أو تجربة كيميائية لوحده ودون وجود معلم، ومبدأثواب وعقاب، ومشاركة زملائه من حوله. ويأتي السؤال من الجمهور،إذن هل نقدم على هذا النوع من التعليم أم لا؟ بالنسبة للطالب أو الطالبة، فقراراللجوء لهذا النوع من التعليم بشكل كامل للحصول على درجة علمية وليس فقط دراسةدورات قصيرة، يجب أن يُبنى على عدم وجود بدائل أخرى تقليدية لدراسة هذا المنهجبعينه، أو للدراسة عموماً، ويفضل أن يكون لدى مقدم هذا النوع من التعليم، وجودفيزيائي على أرض الواقع، لأنه أكثر مصداقية. وإذا كانت الجامعة أو المؤسسةالتعليمية توفر أيضاً مكاتباً محلية، حتى لو اقتصر الحضور إليها مرة واحدة خلال فترةالدراسة لأداء الامتحانات مثلاً، فهذا يجعلها بلا شك أفضل بكثير من المنهج الآخرالذي هو 100% على الإنترنت، إذا كان مستوى المادة العلميةمتقارباً. ولذلك لا يجب على الحكومات أن تنظر للتعليمالإلكتروني على أنه بديلٌ على إنشاء الجامعات، وتوفير المقاعد الدراسية للطلبةوالطالبات. فالتعليم الإلكتروني الجيد، والذي تمت صياغة أدواته ومحتوياته بالتعاونبين التربويين ومختصي علوم الحاسبات جنباً إلى جنب، له فوائد كثيرة، ويفتح آفاقاًجديدة للمتعلم. إلا أنه يجب أن ينظر إلية كرافد من روافد المعرفة الحديثة، وعلىأنه مكملٌ لشرح الأستاذ، وللمصادر العلمية المتوفرة في المكتبات، لا كبديلكلي يتم الاستغناء به كلياً عن الجامعة التقليدية. وهو مناسب للاستزادة منالمعرفة، خصوصاً للشخص البالغ، الذي أنهى تعليمه الجامعي، ولدراسات تخصصات بعينهايناسبها هذا التعليم، وله مستقبل واعدٌ في مجال التدريب، لكن لا ينبغي أن يطلبلذاته، بل للقيمة المعرفية الجديدة التي يمكن أن يقدمها.