اتسمت الســنوات الماضية بتطورات وتحديات هائلة كان لها انعكاساتها الإيجابية على إدارة الموارد البشرية. فمنذ بداية 1980م ومفهوم التمكين يحظى باهتمام متزايد من قبل الأكاديميين والممارسين المهتمين بقضية الموارد البشرية. وفى ظل المتغيرات المتسارعة في بيئة الأعمال والضغوط المرافقة للمنافسة العالمية تولى المنظمات الاهتمام لتبنى المفاهيم الإدارية الحديثة لتحقيق الميزة التنافسية. وبالتالي ليست مفاجائة أن تلجا العديد من المنظمات للاهتمام بمواردها البشرية عن طريق تبنى مفهوم التمكين. ومفهوم التمكين يهتم بشكل رئيس على إقامة وتكوين الثقة بين الإدارة والعاملين وتحفيزهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار وكسر الحدود الإدارية والتنظيمية الداخلية بين الإدارة والعاملين ، أو كما يطلق علية في أدبيات الإدارة " هم " مقابل "نحن". فالشركات والمؤسسات الرائدة تدرك أن الاهتمام بالعنصر البشرى هو السبيل للمنافسة وتحقيق التميز. ولا شك أن الاهتمام بمفهوم تمكين العاملين يشكل عنصراً أساسياً للمؤسسات والشركات في العالم العربي خصوصاً في ظل التحديات والتغيرات المتسارعة. وفقا لذلك فان قطاع الأعمال في العالم العربي في حاجة ماسة للتغيير وتبنى ممارسات وسياسات تتلاءم مع المتطلبات والتطورات المعاصرة.
ويعتبر موضوع دراسة تمكين العاملين من الموضوعات الإدارية الحديثة والتي لم تحظى حتى الآن باهتمام الدارسين والباحثين. وعلى الرغم من شعبية تمكين العاملين إلا أن أدبيات التمكين تنزع إلى وجه نظر شاملة فيما يتعلق بالمفهوم على انه " ملائم لجميع المنظمات في مختلف الظروف" (Wilkinson, 1998:40). حيث تنحى تلك الأدبيات لتبنى وجه نظرAnglo-Saxon بالرغم من تزايد الاتجاه نحو عالمية الإدارة. ترجح أهمية الموضوع الذي تناقشه الورقة إلى أنة خطوة على الطريق للتعرف على مفهوم تمكين العاملين والتحديات إلى قد تواجه تطبيق هذا المفهوم في بيئة الأعمال العربية.

ما المقصود بالتمكين


أن تفهم ما المقصود بالتمكين، ومعرفة مختلف نماذج التمكين وخطوات التنفيذ تعتبر الخطوة الأساسية الاولى في الطريق للتمكين الحقيقى. ولا يختلف مفهوم التمكين عن غيره من المفاهيم الادارية الحديثة حيث تزخر الأدبيات بالعديد من التعاريف ( Conger, and Caning, 1988; Wilkinson, 1998). عرف Murrel and Meredith (2000) التمكين بأنة عندما يتم تمكين شخص ما ليتولى القيام بمسؤوليات أكبر وسلطة من خلال التدريب والثقة والدعم العاطفي. كما عرف Ginnodo ( 1997)التمكين بأنة عندما يقوم كل من المديرين والموظفين بحل مشاكل كانت تقليدياً مقصورة على المستويات العليا في المنظمة. بينما عرف Shackletor ( 1995:130) التمكين " فلسفة إعطاء مزيد من المسؤوليات وسلطة اتخاذ القرار بدرجة اكبر للأفراد في المستويات الدنيا " وقارن الكاتب بين التمكين والتفويض. فالتفويض عندما يقرر المدير أن يحول بعض صلاحيات عملة لشخص آخر لأسباب محددة، على سبيل المثال، المساعدة في تطوير المرؤوس، أو تفويض الأعمال ذات المخاطر المنخفضة. أما التمكين فيعنى توسيع المسؤوليات المتعلقة بالمهام الحالية دون الحاجة لتغييرها.
من خلال أدبيات التمكين، حدد اتجاهان عامان للتمكين في بيئة العمل: الاتجاه الاتصالى والاتجاة التحفيزى. ويقصد بالاتجاه الاتصالى في أدبيات التمكين العملية التي تتم من أعلى إلى أسفل ( Conunger, and Kanungo, 1988). ويعتقد أن التمكين يتم عندما تشارك المستويات العليا في الهيكل التنظيمي المستويات الدنيا في السلطة ( Spreizer, 1995; Wilkinson, 1999). وبالتالي، يتضمن التمكين ممارسات كإثراء الوظيفة، فرق الإدارة الذاتية، واستقلالية فرق العمل.
أما النموذج التحفيزى فيركز على اتجاه العاملين نحو التمكين ، التي تظهر في الكفاية، الثقة في القدرة على اداء المهام، الشعور بالقدرة على التأثير في العمل، حرية الاختيار في كيفية اداء المهام، الشعور بمعنى للعمل (Conunger and Kanungo, 1988).
أبعاد التمكين


حددLashely and McGoldrick (1994) أربع أبعاد للتمكين يمكن أن توفر وسيلة لوصف أو تحديد هيئة التمكين المستخدم في إي منظمة. وفيما يلي عرضاً لهذه الأبعاد باختصار:
البعد الأول : المهمة ( Task)
يهتم البعد الأول بحرية التصرف التي تسمح للفرد الذي تم تمكينة من اداء المهام التي وظف من أجلها. إلى إي مدى يسمح للفرد المكن من تفسير الجوانب الملموسة وغير الملموسة في المنظمة كرضا العاملين على سبيل المثال.
البعد الثاني: تحديد المهمة ( Task allocation)
البعد الثاني يأخذ بعين الاعتبار كمية الاستقلالية المسؤول عنها الموظف أو مجموعة الموظفين للقيام بمهام عملهم. إلى إي مدى يتم توجيههم، أو يحتاجون للحصول على إذن لإنجاز المهام التي يقومون بها؟ إلى إي درجة توضح سياسات وإجراءات المنظمة ما يجب القيام به، ومن ثم تدرك الموظفين يقومون بانجاز المهام؟ إلى إي مدى هناك تضارب بين مسؤولية الاستقلالية والأهداف المرسومة من قبل المديرين لتحقيق الأداء الفعال ؟
البعد الثالث: القوة ( Power)
يأخذ بعين الاعتبار الشعور بالقوة الشخصية التي يمتلكها الأفراد نتيجة تمكينهم. ما المهام التي يقوم بها الأفراد الممكنين؟ إلى إي مدى السلطة التي يمتلكها الفرد محددة في المهام؟ إلى إي مدى تقوم الإدارة بجهود لمشاركة العاملين في السلطة وتعزيز شعورهم بالتمكين؟
البعد الرابع: الالتزام (Commitment)
يأخذ بعين الاعتبار اكتشاف الافتراضات عن مصادر التزام الأفراد والاذعان التنظيمى لأسلوب محدد للتمكين.
البعد الخامس: الثقافة ( Culture)
بعد الثقافة يبحث إلى إي مدى ثقافة المنظمة تعزز الشعور بالتمكين. إلى إي مدى يمكن وصف الثقافة كبيروقراطية، موجة للمهمة، الأدوار، أو التحكم.
نماذج التمكين


لبلوغ أو الاقتراب من التمكين تحتاج كل منظمة أن تتفهم التمكين وفقاً لظروفها ومحيط البيئة الداخلية والخارجية. وتظهر مراجعة للأدبيات أمثلة لمختلف نماذج التمكين والتي يمكن أن تساعد على تحليل وفهم مفهوم التمكين. سوف يعرض الباحث أهم النماذج التي تفسر التمكين، ومنها:
نموذج Conger and Kanungo (1988 )


عرف Conger and Kanungo التمكين كمفهوم تحفيزى للفاعلية الذاتية. وتبنى الكاتبان نموذج التحفيز الفردي للتمكين حيث تم تعريف التمكين " كعملية لتعزيز الشعور بالفاعلية الذاتية للعاملين من خلال التعرف على الظروف التي تعزز الشعور الضعف والعمل على إزالتها والتغلب عليها بواسطة الممارسات التنظيمية الرسمية والوسائل الغير رسمية التي تعتمد على تقديم معلومات عن الفاعلية الذاتية". واقترح الكاتبان أن التمكين مماثل لمفهوم القوة حيث يمكن النظر له من زاويتين. أولاً: يمكن النظر للتمكين كمركب اتصالي – فالتمكين يدل ضمناً على تفويض القوة. ويمكن النظر للتمكين أيضا كمركب تحفيزى. فالتمكين يدل ضمناً وبكل بساطة على اكثر من معنى المشاركة في القوة أو السلطة، ويظهر ذلك جلياً في التعريف الذي تبناه الكاتبان. ولتقرير مستوى التمكين في إي منظمة، حدد Conger and Kanungo خمس مراحل لعملية التمكين، وتتضمن:
المرحلة الأولى: تشخيص الظروف داخل المنظمة التي تسبب في الشعور بفقدان القوة بين العاملين. ويمكن تصنيف هذه العناصر إلى عوامل تنظيمية كالتغيرات التنظيمية الرئيسية، المناخ البيروقراطي، الضغوط التنافسية، ضعف نظام الاتصالات، والمركزية العالية في توزيع للموارد. أما عناصر أسلوب الأشراف ونظام المكافآت فتشمل التسلط، السلبية، التحديد الاعتباطي للمكأفات، ضعف قيم التحفيز، وغياب الإبداع. وتشمل عناصر تصميم العمل غياب وضوح الدور، ضعف أو غياب التدريب والدعم الفني، نقص السلطة المناسبة، عدم التحديد المناسب للموارد، الأهداف الغير واقعية، محدودية الاتصال بين القيادات الادارية والعاملين، الروتين الشديد في العمل، وضعف التنوع في العمل ( Conger, and Kanungo, 1988).
أن الحاجة لتبنى التمكين تكون ضرورية عندما يشعر العاملين بضعفهم وعجزهم داخل التنظيم. ولهذا لابد أن تعمل الإدارة على التقصي والتعرف على الأسباب التي أدت إلى ذلك الشعور. وعندما يتم التعرف على تلك الظروف يمكن للمنظمة أن تتبنى استراتيجية للتمكين لازلة تلك الظروف.
المرحلة الثانية: استخدام أساليب إدارية مثل الإدارة بالمشاركة ومتطلباته كتحديد الهدف، إثراء الوظيفة، والمكافات المرتبطة بالآداء. ويجب أن يكون الهدف من استخدام تلك الاستراتيجيات ليس فقط لاأزلة الظروف والعوامل الخارجية المسببة لشعور العاملين ولكن يجب استخدامها أيضاً وبشكل رئيس في تزويد المرؤوسين بمعلومات عن فعاليتهم الذاتية.
المرحلة الثالثة: تقديم معلومات عن الفاعلية الذاتية للعاملين وذلك باستخدام أربع مصادر: المكاسب الغير فعالة، التجارب المنجزة، الإقناع اللفظي، والاستثارة العاطفية.
المرحلة الرابعة: ونتيجة لاستقبال المرؤوسين لتلك المعلومات سيشعر المرؤوسين بالتمكين من خلال الزيادة في الجهد المبذول، وتوقعات الأداء، والاعتقاد بفعاليته الذاتية.
المرحلة الخامسة: التغيير في السلوك من خلال إصرار ومبادأة المرؤوسين لإنجاز أهداف المهمة المعطاة.
اختصاراً، يرى الكاتبان التمكين" العملية التي من خلالها يعتقد الفرد أن فاعليته الذاتية تتحسن". أن تمكن تعنى أن تسعى على تقوية اعتقاد الفرد بفاعليته الذاتية أو تعمل على أضعاف أو التقليل من اعتقاد الفرد بفقدانة للقوة( Conger and Kanungo, 1988).
نموذج Thomas and Velthouse ( 1990 )


قام Thomas and Velthouse بإكمال العمل الذي أنجزه Conger and Kanungo فبنى نموذج التمكين الادراكى cognitive. وعرفا التمكين كزيادة في تحفيز المهام الداخلية والتي " تتضمن الظروف العامة للفرد التي تعود بصفة مباشر للمهمة التي يقوم بها التي بدورها تنتج الرضا والتحفيز" . وأشارا إلى أن التمكين يجب أن يبدأ من الذات ونظام المتعقدات. ويتضمن نظام المتقدات كيفية النظرة للعالم الخارجي ومفهوم الذات الذي يشجع السلوكيات الهادفة وربطها مع أهداف ومنهجيات التمكين التي تطبق في المنظمة. وحدد الكاتبان أربع أبعاد نفسية للتمكين حيث شعرا أنها تمثل أساساً لتمكين العاملين.
Sense of impact التأثير الحسي أو الادراكى. ويقصد بالتأثير الحسي" الدرجة التي ينظر للسلوك " على انه يمكن أن تعمل اختلافا" فيما يتعلق بانجاز الهدف او المهمة التي بدورها تحدث التأثير المقصود في بيئة الفرد". ويقيم التأثير بالاعتقاد بأن الفرد يمكن أن يؤثر في عمل الآخرين وكذلك القرارات التي يمكن أن تتخذ على كل المستويات.
Competence الكفاية. " ويقصد بها إلى إي درجة يمكن للفرد أداء تلك الأنشطة بمهارة عالية عندما يقوم/تقوم بالمحاولة". فالأفراد الذين يتمتعون بالكفاءة يشعرون بأنهم يجيدون المهام التي يقومون بها ويعرفون جيداً بأنهم يمكن أن يؤدوا تلك المهام بأتقان أن هم بذلوا جهداً. فالكفاية شعور الفرد بالإنجاز عند ادائة أنشطة المهام التي اختارها بمهارة. والشعور بالكفاية يتضمن الإحساس بأداء المهام بشكل جيد، والجودة في أداء المهام.
meaningfulness إعطاء معنى للعمل. " تهتم بقيم الهدف أو المهام التي يتم الحكم عليها من خلال معايير أو أفكار الفرد". ويشمل إعطاء معنى للعمل مقارنة بين متطلبات دور العمل ومعتقدات الفرد كاعتقاد الفرد مثلاً أن المهام التي يقوم بها ذات قيمة لة. فإعطاء معنى للعمل تعنى أن يشعر الفرد بالفرصة بممارسته مهام لإغراض نبيلة . فالشعور بالمعنى للعمل يمثل إحساسا أن الفرد في طريق يستحق جهده ووقتة، وأنة يؤدى رسالة ذات قيمة.
Choice " تتضمن المسؤولية المسببة لتصرفات الفرد". الاختيار أن يشعر الفرد بالفرصة في اختيار المهام ذات المعنى له وأدائها بطريقة تبدو ملائمة. وهذا الشعور بالاختيار يوفر شعوراُ أن الفرد حراً في اختياره، والإحساس بأنة قادراً على استخدام حكمة الشخصى والتصرف من خلال تفهمة للمهمة التي يقوم بها.