القيادة الإدارية الأسس والنظريات:-
لا شك أن سر تقدم الدول وأسباب نجاحها في عالمنا اليوم يرجع إلى مجموعة من العوامل اجتمعت فكانت مساهماتها وبصماتها واضحة تخلق نوع من التمايز في القدرات والإمكانيات بين الدول. فوجود قيادات إدارية واعية لمهامها ولقواعد وأنظمة لإدارة العلمية الحديثة والتي مكنتها من التحكم بعوامل الإنتاج للوصول إلى مانحن عليه اليوم من عالم متقدم ودول نامية ودول العالم الثالث أو مادون... فلم تأت ِهذه التقسيمات بشكل عفوي أو نتيجةً للصدفة وإنما أسهمت الفوارق الاقتصادية و البنيوية و الاجتماعية والثقافية والعلمية في خلق نوع من التمايز كحقيقة لا يمكن تجاهلها. فعملية الإنتاج (Management Process)( السلعي / الخدمي ) تتضمن عدة عناصر على المدير تنفيذها، وتعتبر حلقات مترابطة لا يمكن فصل بعضها عن بعض وأن امتلكت الاستقلالية بذاتها ولهذا فهي تجتمع كلها مع باقي عوامل الإنتاج لتحقيق هدف وجود أي تنظيم وتنحصر الوظائف الإدارية في خمسة وظائف رئيسية هي:-
1- التخطيط (Planning).
2- التنظيم (Organizing).
3- التوظيف (Staffing).
4- التوجيه (Directing).
5- الرقابة (Controlling).
ويعد التوجيه من أهم العناصر التي تحافظ على ضمان سير العناصر الباقية كما خُطط لها ولأنه يعتمد على ثلاث مهام رئيسية هي القيادة Leadership والاتصالات Communications والتحفيز Motivation وتعد القيادة ركيزتها الأساسية فلو اجتمعت كل عوامل الإنتاج وتوفرت كل العناصر الباقية من تخطيط وبيان للأهداف وتنظيم وتحديد الوظائف وشاغلها ...الخ ولم تتهيأ القيادة الإدارية الناجحة، فمما لاشك فيه أن هذه العملية ستصل برمتها إلى نقطة قد تتقاطع فيها المهام وتتداخل، مما يسبب إرباك في حركة العمل وسينعكس ذلك على فشل التنظيم في تحقيق أهدافه.
لقد أصبح لموضوع القيادة أهمية كبيرة، خاصة في الوقت الحاضر، وقد تطورت أساليبها بتطور المجتمعات وتُظهر الدراسات والأبحاث التي صدرت في شأن موضوع القيادة، أن أساس التقدم والتطور والنمو في ميادين الحياة المختلفة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسلوب القيادة المُتبع ومدى فهم سيكولوجية الجماعات ومدى التأثير فيهم وتحقيق التعاون الكامل بينهم وفهم هدف الجماعة وتحقيقه وتحمل المسؤولية في متابعة هذا الهدف.
كما أن القيادة يمكن تنميتها، وتنمية ممارستها بأسلوب علمي متى عُرفت عناصرها وأنماطها ومقوماتها وحلّلت الظروف المحيطة بالموقف أو الهدف الذي تسعى الجماعة إلى تحقيقه.
لذلك ومع بروز أهمية هذه الوظيفة وللأثر الفاعل الذي يمكن أن تتركه في مختلف المجالات أصبحت الحاجة ُملحّة للحصول على قائد إداري يتحلى بصفتين رئيسيتين هي ألقدره على استيعاب الآخرين والتأثير فيهم والمعرفة الكاملة بأنماط وقوانين وأهداف العمل أي الملكات الشخصية للفرد نفسه، إضافة إلى معرفته بطرق الإدارة الحديثة لذلك يسعى الباحث من خلال هذا المبحث إلى بيان حركة القيادة التاريخية، صفات القائد، الفروق الأساسية بين القائد والمدير والرئيس، وأهم أنماط القيادة، والنظريات الأساسية المتعلقة بالأخير.

· حركة القيادة التاريخية:
بلا شك إن ما وصل ألينا عن التأريخ القديم للقيادة كان واضحاً فالنظرة للقائد تقوم على مبدأ الملك، والإله، والمسّير والمسيطر على كل الأمور والموجّه لتحركاتها والمرشد لقراراتها، أصاب وان أخطاء, حكيم في كل ما يقول وقد وصلت الحالة إلى استخفاف القادة لعقول المنقادين إليهم بدعوتهم لعبوديتهم وتأليههم أمثال فرعون وغيره في التاريخ القديم والحديث !!!.
فنظرة (أفلاطون) عن المدينة الفاضلة بأنها تلك المدينة التي تتألف من أولئك الذين يعرفون. فالمعرفة هي الأساس الصحيح الأوحد ولا مدينة إلا بالعلم ولا حكومة أو قيادة إلا بالعقل والفلسفة. مدينة تقوم على التكافل والتضامن، لا على الخوف والقهر. الكل فيها يُدرك إمكاناته وصلاحياته وواجباته والقائد هو العارف الحكيم الفيلسوف الذي تقترن لديه الفلسفة بالعقل والعدل، ومحورها الفضيلة قولاً وفكرًا وفعلاً ([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]).
لذلك كانت نظرة أفلاطون متفائلة متفلسفة يحكمها شعور العالم الفاضل ذو الحس المرهف الذي تحدد أفكاره مجموعة من القيم الإنسانية التي تنظر إلى القائد على انه فرد من المجتمع يخرج من خلالهم ما يميزه عنهم معرفته وعلمه وعقله وقدرته على استيعاب الآخرين... فأن تميز عنهم ولكنه بالتالي سيرشدهم إلى ما ينفعهم ويمنعهم عما يضرهم.
وقد اختلفت الشعوب في رؤيتها وفلسفتها للقيادة فمنهم من صنفها من الدرجة الأولى وهم الصينيون حسب ترتيب البشر واليابانيون الذين كانوا يحرمون النظر للإمبراطور القائد أما بالنسبة للرومان فأمنوا بالديمقراطية وحكم الشعب وليس الإمبراطور سوى وكيل للشعب" وعموما فقد تباينت الشعوب في رؤيتها وفلسفتها للقائد.
لذلك لم تتعد شخصية القائد كونه أسطوري ذو معرفة خاصة خارجة عن نمط تفكير الجميع وتتفجر عنه العبقرية حتى في أخطائه.
تعد بداية الثورة الصناعية نقلة نوعية في الرؤية العامة للموارد البشرية عموماً و للقيادات خصوصاً في تلك الفترة فهي مرحلة هجينة تحمل في طياتها تلك النظرة القديمة لمفهوم القائد و محاولة ارتداء ثوب الحداثة لا لشئ ولكن لظروف الفترة من خلال توسيع المعارف والمهام الإدارية وتعددها من جهة و كذلك أتساع الإعمال وأنماطها من جهة أخرى وغيرها من الأسباب التي فرضت على المالك طلب الاستشارة والعون والمساعدة في أداء وظائفه ساعياً بذلك لتحقيق أهداف التنظيم بصورة عامة.
فحركة الإدارة العلمية وما قبلها فرضت نوع جديد من التعامل ظهر بدايةً في كتابات (اندرو في عام 1835) في كتابه ( فلسفه التصنيع ) ولقد سبقه في ذلك المضمار (روبرت أون في عام 1771) ونظرته الجديدة كقيادي حيث كان الصالح العام للعاملين هدفه الأساس وكذلك كتابات (أدم سميث في عام 1776 ) في كتابه ثورة الشعوب مروراً (بفردريك تايلور) الأب الحقيقي إلى حركة الإدارة العلمية وصولا إلى حركة العلاقات الإنسانية والتي نادت بالمشاركة والموائمة بين جميع الإطراف أفراداً وجماعات وقيادات على حد سواء وأن تركيز حركة الإدارة العلمية على التنظيم وسلسلة القيادة والسلطة، ونطاق الإشراف، اجتمعت هذه المدارس لتنتج لنا نظرية X ، Y وصولا إلى نظرية Z اليابانية التشاركية وغيرها ([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]).
برزت بعد ذلك مدرسة أدارة الموارد البشرية الحديثة والتي جاءت بمفاهيم متعددة حول العاملين والقيادات وطريقة التعامل معها فنظرتهم إلى القيادة على أنها المسئولة عن توجيه الإفراد العاملين باتجاه أداء إعمالهم ورفع معنوياتهم وزيادة دافعيتهم للعمل ([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]). لذلك يرى (ألنعيمي، 2006) في كتابه المدير القائد والمفكر الإستراتيجي أن مفهوم القائد الاستراتيجي يرتبط بالدور الذي يمارسه في التأثير على الآخرين وقيادته لهم لاستناده إلى حالات تحقيق التفاعل والرضا بين الإفراد والمجموعات إلى جانب توفير الإمكانات والمستلزمات المطلوبة التي تعينهم على أنجاز الأهداف المشتركة. ويتركز مفهوم القيادة الإدارية غالباً بالدور الإنساني والمساهمة في تعزيز العلاقات وترسيخ الولاء التنظيمي للعاملين في المنظمة أو الإفراد في المجموعات وفرق العمل ([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]).
مما تقدم يمكن القول أن القيادة في رحلتها التاريخية تحركت بثلاث مراحل رئيسية:-
1-مرحله ما قبل الثورة الصناعية وامتازت هذه الفترة للقائد بالنظرة الطقوسية، العبودية والدكتاتورية والتسلطية والعبقرية والمُسددة من قبل السماء فهي لا تخطأ وأن أخطأت فهي لا تتعدى الرشد والصواب.
2-مرحلة الثورة الصناعية وهي مرحلة هجينة لم تخلو من الصفات المذكورة في المرحلة الأولى ولكن ضغوط الانفتاح واتساع وتطور الأعمال والمهام فرض عليها نوع من المرونة وطلب المشورة والمحاورة وخلق نوع من المشاركة أي مرحلة المزج بين الدكتاتورية والديمقراطية.
3-مرحلة ما بعد الثورة الصناعية وقد تفجرت الإبداعات العلمية والفكرية متمثلة بدراسات ومدارس نتج عنها فكرة أو نظرة جديدة للقيادة وقدراتها وفاعليتها من خلال قدرة القائد على الاندماج والتعايش والتأثير ومشاركة الآخرين في أعمالهم وأرائهم فظهور فكرة القائد الميداني والقائد التحولي والقائد الفاعل والقائد الرشيد والتي كانت من نتاج هذه المراحل أي إنها بحداثتها أكّدت على الدور الإنساني ألتشاركي للمعرفة مع الآخرين لخلق قيادة إدارية فاعلة.
من كل ذلك يمكن القول انه ليس من الضروري أن تخلو أي مرحلة من تلك المراحل من تداخلات مع ما سبقها، أي أن مرحلة ما قبل الثورة الصناعية مثلا والتي امتازت بالدكتاتورية ليس من الضروري أن تخلو من ممارسات ديمقراطية أو تشاركيه ولكن ما كان سائد في تلك المراحل هو ما ذكر كملخص للمراحل التاريخية المذكورة أعلاه كما إن المرحلة التي نعيشها اليوم وما تحمله في طياتها من شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير، إلا أنها أنجبت قيادات دكتاتورية أساءت من حيث تشعر أو لاتشعر إلى المفاهيم الإنسانية الراقية متمثلة في المشاركة وحرية التعبير والإبداع.