آفات في الحوار
أما الحوار القائم بين كثير من المسلمين بعضهم مع بعض، ففيه عيوب وأخطاء نذكر منها :
.أولاً: رفع الصوت:
فكأن الإنسان في غابة تتهارش فيها السباع، ومن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب، فيرى أن انتصاره في الحوار لن يكون إلا عن طريق مبالغته في رفع الصوت على خصمه، والله تعالى يقول: (إِنَّ أَنْكَرَ الأََصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:19].
.ثانيًا: أخذ زمام الحديث بالقوة:
وذلك لئلا تدع للخصم فرصة يتحدث فيها، فيهدم بناءك الهش، أو يحطِّم حججك الزجاجية، أو يثير البلبلة في نفوس الناس.
وكأننا في ذلك قد أخذنا بمبدأ الكلمة التي قالها (دايل كارنيجي) في كتابه: "كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء"؛ إذ قال: إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك، ويسخروا منك عندما توليهم ظهرك وتتركهم، فإليك الوصفة: لا تعط أحدًا فرصة للحديث، تكلم بدون انقطاع، وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث، فلا تنتظر حتى يتم حديثه، فهو ليس ذكيًّا مثلك! فلماذا تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث، واعترض في منتصف كلامه، واطرح ما لديك.
.ثالثًا: تهويل مقالة الطرف الآخر:
إن البعض يهوِّلون أقوال الآخرين، ويحمِّلون كلامهم من الضخامة ما لا يخطر إلا في نفوس مرضى القلوب، لماذا؟ لئلا يتجرأ أحد على القول بمثل ما قالوا، أو نصرة ما ذهبوا إليه.
فيحاول المحاور -أحيانًا- أن يحيط القول المردود بهالة رهيبة فيقول: هذا القول كفر، وهذا فسق، وهذا بدعة، وهذا خرق للإجماع، وهذا مصادمة للنصوص الشرعية، وهذا اتهام للعلماء، وهذا قول حادث باطل لم يسبق إليه...، ويظل يهوِّل ويطول ويضخم العبارات، بحيث يشعر السامع أنه قول خطير، يجب البعد عنه، وعدم التورط في قبوله، أو الاقتناع بحجة من تكلم به.
وقد لا يكون القول كذلك.
نحن لا ننكر أن من الأقوال ما يكون كفرًا أو فسقًا أو بدعة، ومنها ما يكون مصادمة للنص، أو قولاً حادثًا لم يسبق إليه صاحبه، لكن هذه الأشياء كلها لابد حين يقولها الإنسان أن يثبتها بالدليل الواضح، أما مجرد إطلاق دعاوى فارغة في الهواء، فهذا لا يسمن ولا يغني من جوع.
.رابعًا: الاعتداء في وصف الطرف الآخر:
فتصفه بما لا يليق من الأوصاف؛ تأديبًا له وردعًا لأمثاله، فتقول: هذا جاهل سخيف حقير متسرع، وأضعف الإيمان أن تصفه بأنه ليس أهلاً لهذا الأمر.
ولا يكفي هذا فحسب؛ بل لابد من كشف نية هذا الإنسان، فتتهمه بفساد نيته، وسوء طويته، وخبث مقصده؛ بل قد تتهمه بأنه عدو مغرض للإسلام، أو محارب للسنة وأهلها، له أهداف بعيدة من وراء مقالته تلك، أو بأنه عميل للشرق أو الغرب، أو لقوى خارجية أو داخلية...
ونحن لا ننكر -أيضًا- أن من الناس من هو سيء النية والطويَّة خبيث المقصد، ومنهم من هو عدو للإسلام أو السنة؛ بل ومنهم من هو عميل للشرق أو الغرب، أو لقوى بعيدة أو قريبة، لكن حين تُطلق هذه الأشياء، فلابد من الدليل الواضح عليها، ولا يجوز أن نصادر عقولنا، ويُطلب منا أن نقتنع بشيء لم يُسَق عليه أي دليل.
فليس مقصود الحوار تناول شخص بعينه، اللهم إلا إن كان موضوع الحوار أو نقطة الحوار -أصلاً- هي الكلام عن هذا الشخص، فهذا باب آخر.