كن ابن من شئت


يقول تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) "الحجرات "

عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" صحيح البخاري "عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ..الحديث »."رواه ابوداود"العبية : الكبر والفخرلعمُركَ ما الإِنســـــــــانُ إِلا بدينهِ *** فلا تتركِ التقوى اتكالاً على النَّسَبْفقد رفعَ الإسلامُ سلمانَ فارسٍ *** وقد وَضَعَ الشِّرْكُ الشريفَ أبا لهبيقول أبو العتاهية:أَلاَ إنّما التَّقْوَى هو العزّ والكَرَمْ *** وحُبُّك للــــــــدّنيا هو الفقر والعَدَمْوليس على عبدٍ تَقِيٍّ نقيصةٌ *** إذا صحّح التّقوى وإِن حاك أو حَجْمولما فاخر أبا العتاهية رجل من كنانة، واستطال الكناني بقوم من أهله، قال أبو العتاهية:دَعْنَـــــــــــــي من ذِكْـــــــرِ أبٍ وجَدِّ ونَسَـــــــــــبِ يُعْلِيكَ سُورَ المجدِما الفخرُ إلا في التُّقَى والزُّهدِ وطــــــــــــاعةٍ تُعطي جِنَـــان الخُلْدِ
يقول: أ. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر : لو تفكر العبد لوجد أن الناس كلهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته ... والعامة تقول في أمثال هذا المعجب بآبائه : كالخصي يُزهـى بذكر أبيه ، وأبو لهب من هو في قربه وشرف نسبه ولم ينفعه ذلك ، وأبو إبراهيم وابن نوح لم ينفعهم شرف نسبهم وقربهم من أنبياء الله .

والإعجاب بالنسب لا يدفع جوعا ولا يستر عورة ولا ينفع في الآخرة ، فهو بحق ضعف عقل وقلة دين ، وقد قال شيخ الإسلام : فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة فلا يكون حظه استشعار فضل نفسه والنظر إلى ذلك فإنه مخطئ في هذا لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص ، فشرف النسب لا يدل على شرف الشخص.
أن معرفة المرء لعلو نسبه قد يؤدي به إلى ترك اكتساب الآداب والفضائل اتكالا على حسبه وما أحسن قول ابن الرومي :

وما الحسب الموروث لا درَّ درُّه ** بمحتسب إلا بآخر مكتسبْ
فلا تتكـــــل إلا على ما فعلته ** ولا تحسبن المجد يورث بالنسبْ
فليس يســـــــود المرء إلا بنفسه ** وإن عد آباء كراما ذوي حسبْ
وللمجـــــد قـــــــــــوم ساوروه بأنفس ** كرام ولم يعبــــــوا بأم ولا بــــأبْ



والعاقل من يكون عصاميا لا من يكون عظاميا كما قال المتنبي :

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ** وبجِدِّي سموت لا بجدودي
وما أصدق قول الشاعر :

حسبي فخاراً وشيمتي أدبي ** ولست من هاشم ولا العرب
إن الفتى من يقول ها أنذا ** ليس الفتى من يقول كان أبي


وقول الآخر :

كن ابن من شئت واكتسب أدبا ** يغنيك موروثه عن النسب
إن الفتى مـــــــــن يقول هـــــا أنذا ** ليس الفتى من يقول كان أبي


وقد كان والد أبي الفتح عثمان بن جني النحوي اللغوي المشهور عبدا روميا ، وقد عُيِّـر بذلك فقال :

فإن أصبح بلا نسب ** فعلمي في الورى نسبي
على أنــــــــي أؤول إلى ** قُــــــرُومٍ ســـــــــــــــادة نجب
قياصـــــــــــرة إذا نطقوا ** أرَم َّ الدهر ذو الخطب
أولاك دعا النبي لهم ** كفــــــــــى شرفا دعاء نبي


القَرْمُ : من الرجال السيد المعظم


ومما ينسب إلى علي رضي الله عنه :
لكل شيء زينة في الورى ** وزينـــــة المرء تمام الأدبْ
قد يشرف المرء بآدابه ** فينا وإن كان وضيع النسبْ



ويؤكد الشافعي هذا المعنى فيقول:
لا يعجبنك أثواب على رجــــل ** دع عنك أثوابه وانظـــر إلى الأدب
فالعود لو لم تفح منه روائحه ** لم يفرق الناس بين العود والحطب


والنسب مع الجهل لا يجدي شيئا كما قال الشاعر :
العلم ينهض بالخسيس إلى العلا ** والجهل يقعد بالفتى المنسوب
وما أحسن أن يجمع المرء بين شرف النسب وشرف العلم والأدب ويكون كعبدالله بن معاوية حين قال:

لسنا وإن أحسابنا كرمت ** يوما على الأحساب نتكل
نبنــــي كمـــــا كانت أوائلنا ** تبني ونفعل مثـــــــــل ما فعلوا

وقال الأصمعي : أنشدنا أبوعمرو بن العلاء لعامر بن الطفيل – قال :


إني وإن كنت ابن سيد عامر ** وفارسها المشهور في كل موكب
فما سودتني عامـــــر من وراثة ** أبـــى الله أن أسمو بــــــــــــأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي ** أذاهـــــــــا وأرمي من رماها بمنكب


وما أجمل ما قاله الرصافي في قصيدة (نحن والماضي) حيث يقول :

وما يجدي افتخارك بالأوالي ** إذا لم تفتخر فخرا جديدا
فما بلغ المقاصد غير ساعٍ ** يــــردد في غدٍ نظــــــرا سديدا
وأسس في بنائك كل مجدٍ ** طريف واترك المجد التليدا
فشر العاملين ذوو خمــول ** إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
وخير الناس ذو حسب قديم ** أقام لنفسه حســبا جديدا
إذاما الجهل خيم في بلاد **رأيت أسودها مسخت قرودا


يقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"الحجرات"