المطلب الثاني
المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في القانون الإنجليزي

نشأت جرائم الشركات على أساس أن القانون يري أن الشخص المعنوي شخصا قانونيا مستقلا عن الأشخاص الطبيعية المكونة له كالمساهمين أو المديرين فيها، إذ إن الأشخاص الطبيعية والأشخاص المعنوية- أى الشركات - يعترف بها القانون الإنجليزي على أن لها حقوقا لدى الآخرين عليها التزامات في مواجهتهم، ولكن ليست للشركة السلطات المخولة للشخص الطبيعي كاملة فهي لا تتزوج كما أن أهليتها في التعاقد مقيدة بعدم تجاوز غرضها.

بناء على ذلك فإنها لا تسأل في حالة القتل والحالات المشابهة له، لآن ذلك من الاستحالة وقوعه من الشخص المعنوي.

ولكن من الأهمية أن نشير إلى أنه على خلاف ذلك تسأل الشركة كشخص معنوي عن القتل الخطأ كالوفاة الناتجة عن حدوث تصادم طائرات أو غرق سفينة أو احتراق قطار، ولكن يشترط لذلك حدوث إهمال جسيم من جانبها، فبالتالي لا يستلزم ذلك القصد الجنائي أو علم الشركة وإدراكها بأن الفعل من الممكن وقوعه، ولكن في المقابل قد تسأل الشركة عن العلوم والإدراك لإمكانية حدوث الفعل نيابة عن مديريها.

وقد ذهب القاضي Bingham إلى أن الشركة مسؤولة عن التعويض فقط، وهذا لأن القتل الخطأ لا يلزمه توافر الإدارة، وهذا أمر يمكن إثباته نحو الشركة وليس هناك ما يحول دون ذلك، بناء على ذلك يتقرر عليها التعويض.

وفي الواقع هناك تساؤلان يثوران فيما يتعلق بمسؤولية الشركة جنائيا:
الأول: هل يكمن للشركة أن تتمسك بتجاوز المدير لغرض الشركة كدفاع عن مسؤوليتها الجنائية؟
عندما يرتكب المدير جريمة ما أثناء أدائه أعمال الشركة الداخلة في غرضها تكون الشركة في هذه الحالة مسؤولة، ولكن إذا ارتكب الجريمة أثناء قيامه بأعمال الشركة المتجاوزة لغرضها فإن الشركة يكون لها التمسك بعدم مسؤوليتها ما لم تكن قد أجازت ذلك العمل صراحة.

أما التساؤل الآخر فهو: ما مدى مسؤولية الشركة في الحالات التي يتعين إثبات القصد الجنائي فيها مع الأخذ في الحسبان أن الشركة لا تملك العقل؟
تسأل الشركة في هذه الحالة لأن نشوء المسؤولية الجنائية عن بعض الجرائم يكتفي بتوافر العناصر المكونة للقصد الجنائي، كالإهمال أو التقصير في المراقبة على موظفي الشركة قصدا جنائيا لأنه كان السبب الرئيسي لوقوع الجريمة.

وأعتقد أن القانون الإنجليزي كان صائبا في التفرقة بين القتل المقصود والقتل الخطأ، حيث جعل الشخص المعنوي مسؤولا في حالة القتل الناتج عن الحوادث، وذلك قياسا على مسؤولية شركات التأمين.