المطلب الثاني
تجاوز المدير لغرض الشركة في شركات الأموال (المساهمة)

إن مجلس الإدارة هو الجهة التي تقوم بإدارة الشركة المساهمة تبعا لنظامها، ويجب أن يتقيد به إلا في الحالات التي تأذن له الجمعية العامة.

وتلتزم الشركة غالبا بتصرفات مجلس الإدارة حتى إذا كانت تصرفاته متجاوزة لسلطته، إلا إذا استطاعت الشركة إثبات أن الغير المتعامل مع الشركة يعلم أن مجلس الإدارة قد تجاوز بتصرفه غرض الشركة أو كان التصرف من الصعوبة بمكان عدم العلم به.
ولا يعد مجرد نشر نظام الشركة وشهره كافيا للعلم به، علما بأن مجلس الإدارة أو من بمثله أو ينوب عنه يجدب أن يلتزم بكل ما ورد في نظام الشركة.

كما أن على رئيس مجلس الإدارة التقيد بسلطته المنصوص عليها في نظام الشركة كقاعدة عامة. وتلتزم الشركة بتصرفاته أمام الغير حتى ولو لم تدخل في غرض الشركة ما لم يثبت أن الغير يعلم بذلك أو كان يجب علية أن يعلم.

وتتقيد سلطات رئيس مجلس الإدارة أيضاً بالسلطات المقصورة على مجلس الإدارة مثل الإذن بالكفالات والتأمينات المقدمة بواسطة الشركة.

من ناحية أخرى لا تلتزم الشركة بتصرفات المدير العام في مواجهة الغير إلا في حدود التفويض المخول له بموجب نظام الشركة أو بناء على قرار مجلس الإدارة.

ويكون الأمر كذلك بالنسبة لعضو مجلس الإدارة المنتدب الذي يجب أن يتقيد في ممارسته لإدارة الشركة بغرضها وذلك أثناء إشرافه ورقابته على تنفيذ قرارات المجلس.

وبناء عل ذلك، إذا تجاوز العضو المنتدب حدود السلطة الممنوحة له من مجلس الإدارة فأبرم تصرفاً خارج عن اختصاصه ولم يكن قد فوضه المجلس في إجرائه فإنه يكون مسؤولا عن ذلك أمام الشركة وأمام الغير.

فإذا تصرف العضو المنتدب بالبيع في المنجم الذي تأسست الشركة أصلا لاستغلاله دون أن يكون مفوضاً في ذلك تفويضا صحيحاً ولو نفد هذا العقد في حق الشركة لأدى إلى تصفيتها لانقضاء محلها بخروج المنجم من ذمتها، وبالتالي فإن عضو مجلس الإدارة المنتدب لا يؤذن له مطلقا بالتصرف في أصول الشركة أو بالتصرف بما يتعارض وغرض الشركة الذي أنشئت من أجله.
وبما أنه لا يجوز لمجلس الإدارة القيام بالتصرف في أصول الشركة فإنه من باب أولى لا يجوز له التفويض في ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

أما فيما يتعلق بحماية الغير حسن النية نصت المادة (55/1) من القانون المصري رقم 159 لسنة 1981 على أنه "يعتبر ملزما للشركة أى عمل أو تصرف يصدر من الجمعية العامة أو مجلس الإدارة أو إحدى لجانه أو من ينوب عنه من أعضائه فى الإدارة أثناء ممارسته لأعمال الإدارة على الوجه المعتاد، ويكون للغير حسن النية أن يحتج بذلك في مواجهة الشركة، ولو كان التصرف صادرا بالتجاوز لسلطة مديرة أو لم يتبع بشأنه إجراءات المقررة قانونا".

وعادت المادة (57) من القانون الجديد في فقرتها الأولى وأكدت ذلك بالقول بأنه لا يجوز للشركة أن تتمسك في مواجهة الغير حسن النية من المتعاملين معها بأن نصوص عقد الشركة أو لوائحها لم تتبع بشأن التصرف، أما في الفقرة الثانية فنصت كذلك على أنه كما لا يجوز لها (أى الشركة) أن تحتج بأن مجلس إدارتها أو بعض أعضائه أو مديري الشركة أو غيرهم من الموظفين أو الوكلاء لم يتم تعيينهم على الوجه الذي يتطلبه القانون أو نظام الشركة ما دامت تصرفاتهم في حدود المعتاد بالنسبة لمن كان في مثل وضعهم في الشركات التي تمارس نوع النشاط الذي تقوم به الشركة".

وبناء على ما تقدم فإن تجاوز مجلس الإدارة أو من ينيبه لغرض الشركة يرتب مسؤولية مجلس الإدارة في مواجهة الشركة كما يرتبها أمام الغير، مع الأخذ في الحسبان حسن أو سوء نية هذا الغير.

وكذلك في القانون الفرنسي فقد تكون الشروط النظامية المقيدة لسلطات المديرين في شركات الأموال غير نافذة في مواجهة الغير إذا كان حسن النية، بمعنى أنه لا يعلم ولا يفترض فيه العلم بهذه الشروط ، كما أنه لا يحتج بالنصوص التي تقيد من سلطة تمثيل الشركة أمام الغير. وتتعهد الشركة أمام الغير بالتزامها بالقرارات التي يصدرها المجلس حتى ولو كانت غير مرتبطة بغرض الشركة ما لم يثبت علم الغير بها.

مدى التزام الشركة بتعديل غرضها بمناسبة اندماج أو تحول الشركة:
ترددت المحاكم الفرنسية في القول بضرورة تعديل الغرض في حاله اندماج شركة في آخري لها غرض مختلف، وكذلك في حالة تحويل الأصول ورأس المال الكلي إلى شركة أخرى.

ثار التساؤل عن مدى إمكانية تعديل غرض الشركة في حاله صدور قرار من مجلس الإدارة بحوالة الأسهم، ينتج عنه أيلولة الرقابة إلى شركة في مجموعة منافسة لهذه الشركة.

إن القضاء يقبل نفاذ التحويل خاصة عندما يكون غرض الشركة يسمح بذلك - كقاعدة عامة – بمعنى يجيز تحويل المشروع إلى آخر لاستغلاله في غرض الشركة.

غير أن بعض الأحكام تذهب إلى عدم جواز تحول المشروع من نشاط إلى آخر يؤدى إلى اختفاء غرض الشركة بواسطة تصرف المدير فقط باعتبار أن هذا القرار يكون اختصاصا مقصورا على الشركاء بقرار يصدر من جمعية غير عادية.

هل يجوز للمدير أن يقوم ببيع العقارات أو المحال التجارية المملوكة للشركة بالمخالفة للسلطات التي يقررها النص؟
لاحظ الكتاب أن غرض الشركة الوارد في النظام يتفق مع الغرض الفعلي، ولكنه أوسع من هذا الأخير ويشمله تماماً، وبذلك فإن الغير لا يجوز له أن يتمسك بمبدأ حمايته في الحالة التي يكون فيها التصرف متجاوزا للغرض الوارد في النظام مع عمله بذلك، وهذا الوضع يحسم المشكلة المتعلقة بالتفرقة بين الغرض الفعلي والغرض الأساسي.
إذا قام المدير ببيع أحد أصول الشركة أو ممتلكاتها بالمخالفة للسلطات القانونية فيجب دون شك إعلام جماعة المساهمين أو على الأقل الجهاز الجماعي لشركة المساهمة، وبدون ذلك يكون البيع غير نافذ في مواجهة الشركة ولذلك يجب أن تصاغ قيود سلطة المديرين بدقة متناهية وتترتب على ذلك مسؤولية المدير المخالف أو عزله.

وقد تبين لنا مما سبق القضاء والفقه أجمعا على أن الشركة مسؤولة عن خطأ المدير واعتمدا في قرارهما هذا على فكرة الخطأ المشروع، لأن الغير أخطأ ولكن خطأه ليس مقصوداً، كما اعتمد على فكرة المدير الفعلي الذي تعاملوا معه كمدير ولم يعملوا بتركة العمل أو على فكرة النيابة الظاهرة.

وفي ذلك تنص المادة (107) من القانون المدني المصري "إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان وقت التعاقد انقضاء النيابة، فإن أثر العقد الذي يبرمه حقا التزاما يضاف إلى الأصل أو خلفائه". وظاهر النص يفيد أن حسن النية يشترط في كل من الجانبين، إلا أن الفقه يري أن العبرة أساسا هي بحسن نية الغير، بحيث يسري أثر التصرف في حق الشركة (الأصيل) حتى ولو كان رئيس مجلس الإدارة أو العضو المنتدب (الوكيل المفترض) سيئ ما دام النائب الذي تعامل معه كان حسن النية.

وقد حددت المادة (58/1) من قانون 159 لسنة 1981 معنى سوء النية بنصها على أنه "لا يعتبر حسن النية في حكم المواد السابقة من يعلم بالفعل أو كان بمقداره أن يعلم حسب موقعه بالشركة أو علاقته بها بأوجه النقص أو العيب فى التصرف المراد التمسك به في مواجهة الشركة".

وأضافت المادة (58) في فقرتها أنه "لا يعتبر الشخص عالما بمحتويات أية وثيقة أو عقد لمجرد نشرها أو شهرها بإحدى الوسائل المنصوص عليها في هذا القانون".
وأضافت المادة (58) في فقرتها الثانية أنه "لا يعتبر الشخص عالما بمحتويات أية وثيقة أو عقد لمجرد نشرها أو شهرها بإحدى الوسائل المنصوص عليها في هذا القانون".

وبناء على ذلك يكون الغير إثبات حسن النية بالنسبة للتصرفات التي تمت في مواجهة الشركة والتي كانت على خلاف الإجراءات القانونية. ويعد الغير سيئ النية إذا كان على علم أكيد بأن المدير الذي أبرم العقد معه أو قام بالتصرف ليس مختصاً بذلك أو على الأقل كان متجاورا لسلطته.

وكذلك يمكن اعتبار الشخص سيئ النية إذا كان بإمكانه العلم بسلطة المدير وذلك لسبق تعامله مع الشركة في مثل هذه التصرفات أو كان شخصا ذا خبرة في أمور إدارة الشركات. وللعلم لا يعد نشر أو شهر هذه الاختصاصات دليلاً كافياً للعلم بها، بمعنى أن نشرها لا يعد حجة على الغير ويذهب إلى ذلك قضاء محكمة النقض المصرية.

ويكون للغير حسن النية أن يثبت بكافة الطرق والوسائل عدم علمه بمدى اختصاصات مجلس الإدارة أو رئيسة وعضو مجلس الإدارة المنتدب، أو عدم علمه بالقيود الواردة على الجهات المختصة بإدارة الشركة والتي وقع التصرف معه على خلافها أو إخلالا بها.

ومن ناحية أخري يكون للشركة دعوى على المدير بما دفعته من تعويضات نتيجة تصرفه المخالف لغرض الشركة، وسنبحث أساس الرجوع على الشركة تفصيلا عند البحث في الفصل المتعلق بالدعاوي.

يلاحظ أن الكتاب لم يبحثوا في التأمين ضد مسؤولية المديرين، غير أن القواعد العامة لا تمنع من ذلك، إذ يجوز التأمين ضد الأخطاء التي تقع من المديرين أثناء إدارتهم. ولكن من الطبيعي يجب استبعاد الأخطاء العمدية والأفعال الجنائية التي تندرج تحت طائلة قانون العقوبات.