الوفاء و الامانة
بقلم محمد مصطفى
معهد الادارة والقيادة -بريطانيا
00962795164831
من مكارم الأخلاق:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً للقضاء وعنده أهلالرأي والعلم من كبار الصحابة إذ أقبل شاب قد تعلق به اثنان، وجذباه بعمامة فيعنقه، وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين.. فأمر عمر بالكف عنه، وقال: ما قصتكما
معه؟

قالا: خرج والدنا إلى حديقة له ليتنزه، فقتله هذا الشاب.
فنظرعمر إلى الشاب نظرة مرهبة، وقال: قد سمعت دعواهما فما هو جوابك؟وكان الغلام ثابتالجنان

فقال: جئت يا أمير المؤمنين إلى هذا البلد، بنياق لي، فندّ بعضهاإلى حديقة أبيهما، وقد تجاوز شجرها الحائط، فتناولته ناقة بمشفرها، فطردتها عن تلكالحديقة وإذا شيخ قد برز وفي يده حجر، فضرب به الناقة فقتلها، فتناولت الحجر عينه،وضربته به فمات، هذه قصتي،

فقال له عمر: أما وقد اعترفت بما اقترفت، فقدوجب عليك القصاص.


فقال الشاب: رضيت، لكن إن رأيت أن تؤخر في ثلاثة أيامحتى أؤدي أمانتي فذاك لك، فإن لي مالاً مدفوناً خص به أبي قبل موته أخي الصغير، ولاأحد يعلم به غيري، فأريد أن أسلمه إليه ثم أعود إليك، وافياً بالعهد، وإن منالحاضرين من يضمنني على كلامي هذا، وتفرّس الشاب في وجوه من في المجلس، وأشار إلىأبي ذر رضي الله عنه، وقال: هذا يضمنني.

فقال أبو ذر: أنا أضمنه يا أميرالمؤمنين إلى ثلاثة أيام، فرضي عمر بذلك،
وأذن للشاب بالانصراف.
وكادتتنقضي مدة الإمهال ولم يحضر الشاب

فقال الخصمان: يا أبا ذر لن نبرح مكاننا،حتى تأتينا به للأخذ بثأر أبينا، وقال عمر: والله إن تأخر هذا الغلام عن موعدهلأقضين فيك يا أبا ذر.
وبينما الناس يموجون حزناً على أبي ذر، إذ أقبل الشاب،ووجهه يتصبب عرقاً،
فقال: قد أسلمت الصبي إلى أخواله، وأطلعتهم على ماله، ثماقتحمت هاجرة الحر، ووفيت وفاء الحر.

فتعجب الناس من صدقه، ووفائه وإقدامهعلى الموت، وقال بعضهم: ما أكرمك من شاب وفيّ.


فقال الشاب: إنما وفيتكي لا يقال ذهب الوفاء بين الناس، والله قد أمر الوفاء بالعهد، ولن نبتعد عن أمرالله.


فقال أبو ذر رضي الله عنه: وأنا يا أمير المؤمنين لما قصدنيوأعرض عن الآخرين ضمنته، وما رأيته من قبل، فلم أخيّب قصده فيّ كي لا يقال: ذهبالفضل والمروءة من الناس.

وعندئذ تحرك حب الخير، والعفو عند الشابين فنطقاوقالا: قد وهبناه دماا بينا، لكي لا يقال: ذهب المعروف من الناس، فاستبشر عمربالعفو عن هذا الشاب، وعرض عليهما دية أبيهما، من بيت مال المسلمين، فامتنعا وقالا:
إنما عفونا عنه ابتغاء مرضاة الله، فلا نتبع إحساننا منّاً ولا أذى.. فسرّالجميع بهذا..