قطاع العمل في الشؤون: صراعات.. محسوبيات.. وتجارة إقامات

الكويت : استغلال العمال من جهات يفترض بها حمايتهم مشروع الميكنة لم يحل المشاكل


الكويت : استغلال العمال من جهات يفترض بها حمايتهم زحام المراجعين في إدارات العمل مستمر











حمد الخلف


يعيش قطاع العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حالة مستمرة من الجزر الذي لا مد له، حيث إن السلبية هي الطاغية في غالبية ادارات القطاع، ولا صوت فيها يعلو فوق صوت المحسوبية والواسطة، وفي أحيان كثيرة الرشوة والمصالح الشخصية.
ويمر القطاع حاليا بمرحلة غريبة، يصلحُ أن نطلق عليها مرحلة «اللاعمل»، حيث من اللافت للنظر أن نسبة الانجاز في غالبية ادارات العمل انخفضت أخيرا بشكل كبير، حتى أصبح وجود بعض الموظفين أو رؤساء أقسام أو حتى مراقبين ومديرين «زي عدمه» والعوامل في تكريس هذا الوضع كثيرة.
والسبب في تكريس هذا الوضع هو مرور قطاع العمل بمرحلة متأزمة بين القياديين فيه، الى جانب عدم وجود قرارات حازمة في الوزارة لوقف هذه العلاقة التي أدت الى تدني مستوى الانجاز، بسبب الخلافات الظاهرة للعلن بينهم، فكل قيادي «يتصّيد» على زميله، وبهذا الوضع، فإنهم انصرفوا عن الانجاز الى تصفية الحسابات، واستمرار هذه الحالة من دون تدخل من القائمين على الوزارة، يعني ازدياد التدهور في القطاع.


تدخل القياديين

ويعاني القطاع والعاملون فيه على مختلف المستويات من تدخلات القياديين في الوزارة، وأعضاء مجلس الأمة في جميع خطواته، لاسيما في حركة التدوير وتسكين الشواغر والوظائف الاشرافية، وقد أدى هذا الوضع الى وجود صف من المسؤولين دون المستوى المأمول، الى جانب وجود نقص في أعداد الموظفين في ادارات معينة، في الوقت الذي تعاني فيه ادارات أخرى من تكدس الموظفين فيها.
كل ذلك الى جانب عدم وجود القدر الكافي من الحزم لمحاسبة الموظفين المقصرين، بسبب الواسطة والمحسوبية التي يتعامل بها القياديون في الوزارة لحماية المحسوبين عليهم، والتعدي على صلاحيات مديري الادارات بترك حرية اختيار مساعديهم ورؤساء الأقسام في اداراتهم، مما أدى الى خلق حالة من التصادم فيما بينهم، لأن هؤلاء المسؤولين يعلمون أن المدير ليست لديه الصلاحية لمحاسبتهم.
وفي الفترة الأخيرة تزايد الأمر في القطاع سوءا، منذ بدء الحديث عن نية الوزارة باجراء عملية تدوير ونقل واسعة، وكثر الحديث والإشاعات عن آلية التدوير والأسماء، مما أدى الى توقف عجلة العمل بشكل كبير جدا، حيث إن المسؤولين في بعض الادارات تشددوا في التدقيق في المعاملات حتى وصل بهم الأمر الى وقف العمل حتى لا يأتي من بعدهم من يحاسبهم عليها.
تعطيل القوانين

وهذا الوضع في الوزارة أدى إلى وجود حالة من عدم الاستقرار نتج عنها تعطيل كثير من القوانين والقرارات المهمة ومن ضمنها قانون هيئة القوى العاملة، كما أدت تدخلات النواب في تسكين الوظائف الإشرافية إلى وجود عدد كبير من التظلمات في صفوف الموظفين وخلق حالة من التذمر، بسبب وضع أشخاص غير أكفاء في تلك المناصب، وهو ما جعل كثيراً من الموظفين ورؤساء الأقسام يصرحون بأنه لو استمر الوضع كما هو فإنهم سيقدمون على طلب نقل من القطاع أو من الوزارة.
ويتبين ان التدخلات من قبل القياديين في الوزارة والنواب أدت إلى إصدار قرارات في مصلحة المتنفذين وليست للمصلحة العامة، وذلك لتمرير معاملاتهم وحمايتهم من العقوبات التي قد يواجهونها، إضافة إلى عدم السماح للمسؤولين والمختصين في العمل من الإدارات بالمشاركة في وضع وصياغة القرارات والتعميمات واللوائح المنظمة لسير العمل، مما أدى إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة واستلزم ذلك إجراء التعديلات المستمرة عليها، وحماية كثير من تجار الإقامات من العقوبات التي يفترض ان تقع عليهم.

تحايل على القانون

ويعاني القطاع من التخبط في كثير من القرارات التي يسعى من خلالها إلى إيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها، إلى جانب تداخل الاختصاصات بين إداراته، فعلى سبيل المثال عندما تقوم إحدى إدارات العمل أو إدارة التفتيش بإيقاف معاملة معينة أو إغلاق ملف إحدى الشركات يقوم بعض القياديين بالتحايل على ذلك عن طريق تحويل الأمر إلى لجنة المنازعات في إدارة علاقات العمل ليتم إصدار قرار مختلف عن طريقها وتمرير المعاملة، علماً بأن هذه اللجنة مختصة بالنظر في الخلافات بين العمالة وأصحاب العمل، ولكنها تحولت إلى لجنة لتمرير المعاملات المخالفة لقانون العمل والقرارات الوزارية.
وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن وجود الربط الإلكتروني بين إدارات العمل نفسها وبينها وبين باقي الجهات ذات العلاقة، ولكن ذلك الربط غير موجود على أرض الواقع، وهو ما يستغله بعض ضعاف النفوس في تمرير معاملاتهم والتلاعب في الإجراءات.

تجارة الإقامات

ومنذ سنوات طويلة تزايد حديث الوزارة والقياديين فيها عن حربهم ضد تجارة الإقامات وسعيهم الجاد لتخليص الكويت والعمالة من شرها، ولكن الأمر على أرض الواقع يختلف تماماً عن ذلك، حتى وان قل الأمر كثيراً عن السابق ولكنه ما زال موجودا، وان استطاعت الوزارة إغلاق الشركات الوهمية الضخمة ولكن التلاعب مستمر وتجارة الإقامات موجودة.
يذكر ان هناك لجنة ثلاثية متخصصة تضم وزارات الشؤون والبلدية والتجارة، يفترض بها ان تقوم بجولات مفاجئة على الشركات للكشف عن تجارة الإقامات وباقي المخالفات، ولكن ليس هناك تفعيل لهذه اللجنة، ونجد أن الشؤون «نايمة بالعسل» في كشفها لتجارة الإقامات، في الوقت الذي تنشط فيه جولات البلدية والداخلية لملاحقة المخالفين.
إضافة إلى ذلك، فإن للموظفين في إدارة تفتيش العمل صلاحية الضبطية القضائية التي تمكنهم من الكشف على الشركات وتحرير المخالفات ضدها، حتى يصل الأمر إلى إغلاق ملفها في الشؤون وتعطيل مصالحها، ولكن الأمر في إدارة التفتيش لا يختلف كثيرا عن اللجنة الثلاثية، فليس هناك تفعيل أو تطبيق فعلي لها.
والغريب عن هذا الأمر أننا لم نسمع يوما من الأيام عن كشف الوزارة عن تلاعب إحدى الشركات وتجارتها بالإقامات وتحويلها إلى النيابة، على الرغم من انتشارها بشكل كبير، والجديد في موضوع التجارة بالإقامات لم يقتصر على المؤسسات الصغيرة، بل انتقلت العدوى إلى الشركات الكبيرة، حيث يعمد العاملون في تلك الشركات (مندوبون ومديرو موارد بشرية) إلى وضع إقامات لعمالة الشركة، ليست بحاجة لهم بمقابل مادي. والمقابل يختلف باختلاف جنسية العامل والدرجة الوظيفية التي تمنح له، فمثلا هناك جنسيات لا يتعدى تصريح العمل لها 400 دينار، بينما يصل مع جنسيات أخرى إلى 1000 دينار، إلى جانب المميزات الأخرى مثل حصول العامل على مهنة مندوب، ولها سعر خاص، لأنها تمكنه من الحصول على «ليسن».

استغلال المراجعين

ومن أبرز أشكال الفساد في إدارات العمل إنه في كثير من الأحيان يتعمد الموظفون وبعض رؤساء الأقسام تعطيل مصالح المراجعين بلا مبرر أو سبب حقيقي، بل إن السبب في تعمد التأخير يعود للموظف نفسه، وإذا أحسنا النية فنقول إن السبب هو تذمر الموظفين من ضغط العمل وكثرة عدد المراجعين وعدم رغبتهم في الإنجاز، ولكن في الحقيقة هناك سبب آخر وهو موجود ومنتشر بقوة في غالبية إدارات العمل.
انه رغبة الموظف في استغلال المراجع، ويختلف هذا الاستغلال ونوعيته ودرجته من موظف إلى آخر ومن مراجع لآخر، فعلى سبيل المثال نجد أن الاستغلال من قبل بعض الموظفين في إدارتين اثنتين يكون عن طريق تعطيل المعاملات عمدا، حتى يأتي صاحبها بواسطة لهذا الموظف لينجزها، وبالتالي يستغل الموظف موقعه حتى «يتجمل» على الناس.
واستطرادا في الحديث عن هذه النوعية من الاستغلال سمعنا عن بعض الموظفين الذين لهم طموح سياسي أو انتخابي في المستقبل البعيد، يطلبون نقلهم إلى تلك الإدارات حتى ينجزوا معاملات بناء على الواسطة التي يجبرون صاحب العمل عليها، وبذلك كثرة الواسطات تزيد من انتشاره، وتجعل له صيت بأن « فلان يخلص معاملاتنا ويستاهل الصوت».

مكاسب شخصية
أما عن الإدارات الـ 3 الأخرى، فإن الوضع فيها يختلف، بحيث يتعمد بعض موظفيها تعطيل المعاملات وخلق الأعذار مقابل مكاسب شخصية، إما مقابل مادي، وهذا لا يتم إلا في المعاملات الصعبة ومع المراجعين «الوافدين» الذين يضمنهم الموظف، أما القسم الآخر من الموظفين المستغلين، وهم الأكثر عدداً، فهم يحاولون الاستفادة قدر المستطاع من الخدمات التي تقدمها الشركات والمؤسسات صاحبة المعاملة أو الحصول على السلع والمنتجات التي تنتجها أو تستوردها تلك الشركة مقابل إنجاز معاملتها.
وقد ساهمت إجراءات قطاع العمل في تكريس هذا الوضع في إدارات العمل، خصوصاً بعدما شددت وصعبت من إجراءاتها في إنجاز المعاملات، وعلى رأس تلك الإجراءات وقف إصدار تصاريح العمل الجديدة في إطار حملة الوزارة لمحاربة تجارة الإقامات، ولكن هذا الإجراء وغيره أدى إلى سلبيات أخرى كثيرة، مثل تعمد تعطيل إنجاز المعاملات وقلة أعداد العمالة المعروضة في السوق المحلي، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها واستغلال بعض تجار الإقامات لهذا بحيث يطلبون مبالغ مرتفعة للسماح للعامل بالتحويل.

تقدير الاحتياج والتجديد
ويعاني قسم تقدير الاحتياج في إدارات العمل من عدم وجود قرارات تنظيمية له توضح آلية العمل فيه، وهي الملاحظة التي ذكرها ديوان المحاسبة في تقريره عن وزارة الشؤون، ويكاد يكون قسم تقدير الاحتياج هو عامل النجاح الأساسي في القطاع، فمتى ما استطاعت «الشؤون» السيطرة عليه نجحت في منع التلاعب في أعداد العمالة بكل شركة، وبالتالي السيطرة ومنع تجارة الإقامات.
أما قسم التجديد فإن التأخير هو السمة الملازمة له، حيث إن المعاملة التي تنجز في 10 دقائق ينجزها كثير من الموظفين في ساعتين من دون أسباب لهذا التأخير، إلى جانب كثرة الأخطاء في ادخال البيانات مثل الاسم ورقم الجواز، وبتعديلها فإن المراجع يدفع دينارا رسوما في كل تعديل.

حالات
أحد المراجعين (وافد) أمام إدارة عمل أجابنا على سؤالنا حول تقييمه لعمل إدارات العمل قائلا: بصراحة بعض الموظفين في الإدارة مثل «المنشار طالع واكل نازل واكل»، بحيث انهم لا ينجزون المعاملات في كثير من الأحيان إلا بمقابل، لافتا إلى أن معاملته هي تحويل كرت الزيارة إلى تصريح عمل.
وبعد حوارنا معه اكتشفنا أنه حصل على كرت الزيارة لزوجته مقابل 600 دينار من قبل أحد تجار الإقامات، حيث اشترط عليه التاجر أن يدفع هذا المبلغ حتى يستخرج له كرت زيارة، وفي حال رغبته في تحويل كرت الزيارة إلى تصريح عمل فعليه دفع 200 دينار لذلك.
من جهته، أكد علي، وهو مندوب، أن تجارة الإقامات ما زالت موجودة ولم تستطع «الشؤون» إيقافها، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها مثل الميكنة وكشف الرواتب، حيث استطاعت شركات كثيرة التلاعب من خلال كثير من الإجراءات.
وأوضح أن تجارة الإقامات لم تقتصر على الشركات الوهمية فقط، بل ان كثيراً من الشركات الكبيرة دخلت على خط تجارة الإقامات عن طريق تواطؤ مدير الموارد البشرية في تلك الشركات مع المندوبين، بحيث يستغلون الاعداد الزائدة عن الحاجة في تقدير الاحتياج، مثلاً لو قدرت إدارة العمل لإحدى الشركات 50 عاملا ولكن الشركة اكتفت بـ 40 عاملاً فقط، فإن بعض الشركات أو مندوبيها يستغلون ذلك بوضع إقامة لـ 10 عمال ويتقاضون مقابل ذلك مبالغ كبيرة تتراوح ما بين 400 و1000 دينار، وذلك حسب الجنسية والمهنة في تصريح العمل.
وكشف لنا أحد المراجعين أن أبواب تجارة الإقامات كثيرة جدا وأن العامل الذي يريد الوصول إليها لن يجد صعوبة، مشيرا إلى أن أحد التجار المعروفين وضع له مكتباً متخصصاً لتجارة الإقامات بالقرب من شبرة الخضار القديمة، موضحا أن هذا التاجر يضع الإقامة ويتقاضى مبلغ 300 دينار لوضع الإقامة ثم 120 سنويا لتجديدها.

نظام الميكنة
نظام الميكنة الذي بدأت به وزارة الشؤون في قطاع العمل، وتسعى لتعميمه على باقي القطاعات، والذي يراد منه أن يكون بمنزلة المسمار الأخير في نعش تجارة الإقامات، ولكن ذلك الهدف لم يتحقق، بحيث لم يستطع النظام منع تجارة الإقامات، مع وجود كثير من الأخطاء والقصور في النظام.

7 من قبيلة
كشف أحد الموظفين أن إدارته تضم 7 رؤساء أقسام من قبيلة واحدة، تم تعيينهم جميعا في فترة زمنية واحدة، وهي الفترة التي كان فيها عضو مجلس الأمة من تلك القبيلة، وهو ما أدى إلى تكريس الشللية والواسطة في الإدارة.

ازدواجية في التعامل
خلال انتظارنا للدخول لمقابلة مدير إحدى إدارات العمل، كانت سكرتيرة المدير تبدي اهتماما بالغا بسؤال المراجعين «المندوبين» عن حاجتهم، وتسعى بجد لإنجازها، في الوهلة الأولى أعتقدت أنها موظفة مثالية، وتسعى لخدمة المراجع، ولكن بعد دقائق قليلة تغيرت معاملتها 180 درجة مع مراجعين (أصحاب عمل)، وتعذرت لهم بأن المدير «مو فاضي»، وحينها تذكرت أنها سألت المراجع المندوب الذي يمثل مؤسسة سفريات عن أسعار التذاكر، وطلبت منه الحجز لها، وهنا عرفت السبب في الازدواجية في التعامل.

مزاجية
كشف مسؤول في إحدى الإدارات أن العقوبات التي تفرض على الشركات والرموز التي توضع على الملفات تكون وفق المزاجية في كثير من الأحيان، بحيث يضعها المسؤول ومن ثم يزيلها بمكالمة تلفونية واحدة.

شللية
تعاني بعض إدارات العمل من الشللية والمحسوبية في تعاملها مع الموظفين فيها، حيث طغت الخلافات فيها على الإنجاز، وبسيطرة عدد من المسؤولين في الإدارة عليها يتم تهميش الآخرين، فتنجز معاملاتهم الخاصة، ومعاملات المقربين منهم، في حين تعطل وتؤخر معاملات الآخرين، بالإضافة إلى عدم التزام هؤلاء المسؤولين «المسيطرين» على الإدارة بالدوام، فنجد أن غالبيتهم لا يعمل في اليوم أكثر من ساعتين، فدوامهم يبدأ في الـ 10 وينتهي 12 ظهرا.

حوافز
يفتقد العاملون في قطاع العمل إلى وجود الحوافز المادية والمعنوية التشجيعية، أسوة بتلك التي تصرف عادة للقطاعات المشابهة له في مختلف الوزارات ذات طبيعة العمل الصعبة، والتي تتطلب التعامل المستمر مع المراجعين.