يحاول الإنسان منذ قديم الأزل أن يقدم تفسيراً متكاملاً للسلوك الإنساني، و تأتي الأديان السماوية لتقدم لنا نظريات متكاملة لتوجيه السلوك الإنساني، إلاّ أنّ الباحثين لم يستطيعوا حتى الآن وضعها في قالب متكامل يخدم العمل الإداري و المديرين.
إنّ التطور العلمي للسلوك التنظيمي لم يظهر إلاّ في بداية القرن العشرين و سوف نعطي مثالاً لنموذج من النظريات التي حاولت تفسير السلوك الإنساني في القرن السادس عشر و هو النموذج الميكيافيللي، ثمّ ننتقل إلى مجموعة الدراسات المنظمة و العلمية. فنبدأ بالنظريات الكلاسيكية في السلوك التنظيمي، و التي يبدأ بالإدارة العلمية لتيلر، ثـمّ نموذج العملية الإداريـة لهنري فـابول، ثمّ
النموذج البيروقراطي لماكس فيبر و بعد عرض النظرية الكلاسيكية نعرض نظرية العلاقات الإنسانية، ثمّ نظرية النظام المقترح، و النظرية الموقفية و تأثير العولمة على السلوك.
و أخيراً نعرض نظرية العلوم السلوكية أو النظرية الحديثة للسلوك التنظيمي.

¨ ميكيـافيللي:
تعتمد نظرية ميكيافيللي في تفسير السلوك الإنساني على أن سلوك الناس محفوف بعدم الثقة والشك، وأن الأسلوب المناسب للسيطرة على السلوك هو القسوة والخداع، أو أي وسيلة أخرى يمكن من خلالها السيطرة على هذا السلوك. وقد كتب ميكيافيللي كتابه « الأمير» في القرن السادس عشر لنيل رضا حاكم إحدى الأمارات الإيطالية. وفي هذا الكتاب وصف ميكيافيللي كيف يجب أن يتصرف

الأمير الكفء. وكان المبدأ الأساسي في هذا الكتاب هو» الغاية تبرر الوسيلة « وهذا يعني أن أي وسيلة تصرف حتى ولو كانت غير شريفة أو أخلاقية هي مشروعة، ويمكن الاعتماد عليها لتحقيق الغاية أو الهدف، وقد توالت نصائح ميكيافيللي للأمير الكفء بضرورة استخدام أساليب المكر والخداع والتدليس والدهاء والمناورة والمراوغة والمساومة، بجانب استخدام القهر والعقاب والردع كأساليب لإحكام الرقابة على تصرفات وسلوك المرؤوسين. و لا يمنح هذا من استخدام الحوافز والمكافآت، على أن يكون هذا في ظل استخدام أساليب الردع.
والغريب أن بعض هذه الأفكار موجودة جزئياً في بعض المديرين، أو بعض المنظمات على الأخص السياسي منها. كما يمكن القول أن العمل السياسي والمنظمات السياسية والسياسيين يتبعون العديد من مبادئ ميكيافيللي. كـما أن بعض المنظمات النـاجحة تلجأ من وقـت لآخر لأساليب غير
أخلاقية، وأساليب المراوغة والمناورة للحصول على عقد أو ميزة عن المنظمات الأخرى. إلا أنه يمكن القول بأن الاعتماد كلية على هذا الأسلوب لا يؤتي ثماره في الأجل الطويل.

¨ النظرية الكلاسيكية:
تشير النظرية الكلاسيكية إلى النظرية القديمة في تفسير السلوك الإنساني. ولقد افترضت النظرية الكلاسيكية مع اختلاف نماذج بأن الأفراد كسالى، وأنهم غير قادرين على تنظيم وتخطيط العمل، وأنهم غير عقلانيين، وإنهم انفعاليين، وأنه لهذه الأسباب فهم غير قادرين على أداء أعمالهم بصورة سليمة وفعالة. وعليه وجب السيطرة على هذا السلوك غير الرشيد، فباتت افتراضات هذه النماذج الكلاسيكية تؤمن بضرورة فرض نموذج عقلاني ورشيد وقوي على العاملين، وذلك في محـاولة السيطرة والتحكم في الـسلوك داخل المنظمات، وسيعرض فيما يلي لكل من نموذج الإدارة

العلمية، ونموذج العملية الإدارية، والنموذج البيروقراطي.

à أولاً: نموذج الإدارة العلمية.
كانت افتراضات هذا النموذج تعتمد أساساً على أن الأفراد كسالى وأنهم مدفوعون فقط من الناحية المالية، وأنهم غير قادرين على تخطيط وتنظيم الأعمال المنوطة بهم. لذلك فقد حاول رواد الإدارة العلمية، ومن أمثالهم فريدريك تايلور والزوجين فرانك وليليان جلبرت أن يفسروا السلوك الإنساني، ويتنبؤا به، ويسيطروا عليه من خلال الافتراضات السابقة المشار إليها، فظهرت محاولتهم المتمثلة في مبادئ الإدارة العلمية، والتي يمكن إجمالها في أنه يمكن السيطرة على سلوك الناس داخل أعمالهم من خلال تصميم مثالي للوظائف، ومن خلال حوافز أجرية [مالية]، و أنّه عن طريق الدراسة العملية للوظائف، يمكن تصميم طريقة وحيدة و مثالية للعمل، و تعتبر محاولات فريدريك تايلور أول
محاولة منظمة في هـذا المجال. و قد كانت هذه المحاولات في شكل مجموعة من التجارب الإدارية
في الشركات التي عمل بها، و تبلورت هذه التجارب و المحاولات في كتابه "مبادئ الإدارة العلمية" عام 1911 و هذه المبادئ هي:
1- يجب تجزئة وظيفة الفرد إلى مهام صغيرة و يجب معرفة أنسب الطرق لأداء كل مهمة.
2- يجب أن يختار الـفرد بطريقة تناسب العمل و يجب أن يـدرب علـيها بالطريـقة المصممة و السليمة كما في النقطة01.
3- يجب أن يتم تنظيم العمل في المنظمة بين الإدارة و العمال، و تضطلع الإدارة بمهام تصميم الوظائف و الأجور و التعيين، و يضطلع العمال بأداء و تنفيذ المهام الموكولة إليهم.
4- يجـب تـقديم المحفزات المادية للعاملين من خلال الأجور و الحوافز، هي ما يسعى إليه الفرد

أساساً من العمل، و يمكن دفعه للأداء من خلالها.
تلى ذلك محـاولات ناجحة من الزوجين فـرانك وليليان جليرت فيما يسمى "بدراسات الحركة و الوقت" و هي تلك الدراسات التي تقوم ببحث أنواع الحركات التي يؤديها العامل في عمله و وقت كل حركة، و يتبن من تحليل هذه الحركات أن بعضها يمكن حذفه و البعض الآخر يمكن دمجه أو اختصاره أو يمكن إعادة ترتيب الحركات بالشكل الذي يؤدي إلى أداء أسهل و أسرع. و استطاع الزوجان أن يكونا فريقاً فيما بينهما لدراسة الحركة و الوقت لكثير من الشركات. ففتح الزوج مكتباً للاستشارات الإدارية، و حصلت الزوجة على دكتوراه في علم النفس، و كان عنوان رسالتها " علم النفس الإداري" و ذلك في عام 1915م.
ومن الطريف أن يـذكر أبنـاء فرانك وليليان جلبرت أن والدهم كان يطبق نفس الدراسات داخل المنزل، فقد وجد أن إدخال زراير القميص في العراوى أسرع لو تم ذلك من أعلى "ويحتاج ذلك
ثلاث ثواني". وعندما حاول أن يطبق ذلك على حلاقة ذقنه استطاع أن يختصر المدة إلى 40 ثانية عندما استخدم ما كنتين للحلاقة وحركات معينة، إلاّ أنه للأسف كان عليه أن ينفق دقيقتين كاملتين لتضميد جراح ذقنه. وعلى هذا يمكن القول أن أسرع الطرق ليس في كل الأحوال أكفأها.
وباختصار يمكن القول بأن مساهمة نظرية الإدارة العلمية في أنها ركزت على ضرورة التخصيص في العمل، وضرورة الاهتمام بتصميم الوظائف والأعمال وضرورة الاختيار والتدريب والاهتمام بالحوافز النقدية.

à ثانيا: نموذج العملية الإدارية.
تـشابهت الافتراضـات التي استندت إليها الـعملية الإدارية مع تلك الافتراضات التي استندت

إليها الإدارة العلمية حول تفسير السلوك الإنساني، إلاّ أن الأسلوب الذي يمكن أن تتبعه المنظمات للسيطرة والتحكم في السلوك الإنساني، اختلف عن الإدارة العملية. فإذا كانت الإدارة العلمية تركز على وجود تصميم مثالي أو حل لأداء العمل مع الحوافز الأجرية، فإن نموذج العملية الإدارية كان يفترض أنه يمكن السيطرة على السلوك الإنساني من خلال العملية الإدارية والقواعد والأوامر. أي أنه من خلال تصميم محكم للعمليات الإدارية كالتخطيط والتنظيم وإصدار الأوامر والتوجيه والرقابة، وأيـضاً مـن خلال وضع الإجـراءات واللوائح والضوابط المحددة للأداء يمكن السيطرة على السلوك الإنساني.
وكان من أشهر رواد العملية الإدارية مديراً لشركة مناجم في فرنسا يدعى هنري فايول، الذي قسم العملية الإدارية إلى خمسة أنشطة هي: التخطيط والتنظيم والأمر والتنسيق والرقابة.
وبناءاً على هذه الأنشطة استطاع أن يضع 14 مبدأ يمكن من خلالها الاضطلاع بأنشطة الإدارة على خير وجه.
وفيما يلي نذكر المبادئ الأربعة عشر:
1- تقسيم العمل والتخصيص: يمكن تحسين العمل من خلال تقسيم العمل بين الناس بحيث يكونون متخصصين فيه، أو تعيين متخصصين للقيام به.
2- السلطة والمسؤولية: وتعني السلطة الحق في إصدار الأوامر أما المسؤولية فتعني مقدار المساءلة الناجمة عن التمتع بحق إصدار الأوامر.
3- الضبط والربط: إن أفضل الطرق للحصول على الضبط والربط هي أن يطبق المدير أنظمة الجزاء والعقاب في حالة حدوث أخطاء على أن يتم التطبيق بصورة عادلة.

4- وحـدة الأمـر: تعني أن كل فرد يحصل على أوامر من فرد واحد.
5- وحدة الهدف: وتعني أن كل وحدات التنظيم لابد أن تساهم أنشطتها في تحقيق أهداف المشروع.
6- أولوية المصالح العامة على المصالح الشخصية: وهذا يعني أنه عندما تتعارض مصالح المنظمة مع مصالح الأفراد، تأتي مصالح المنظمة في ترتيب متقدم.
7- عـوائـد العاملين: يجب أن يكون الأجر والمستحقات مناسبة لكل من العاملين والمنظمات.
8- الـمركـزية: إن التعامل مع الأفراد يمثل نوع من اللامركزية، في حين يمثل استخدام السلطات الإدارية نوعاً من الحقوق المتمركزة لدى المديرين.
9- التسلسل الرئاسي: لابد من وضوح التبعيات الرئاسية باعتبارها خطوط السلطة والاتصالات بين الرؤساء والمرؤوسين، وعلى كل منهما أن يتبع هذه الخطط بدقة في عملية الاتصالات.
10- الـنظــام: على الموارد مثل الخامات والأفراد والأدوات أن تكون في مكانها في الوقت المناسب لكي توفر استخداماً أمثل.
11- الـعــدالـة: لابد من توفير معاملة عادلة لكل العاملين.
12- استقرار العمالة: لابد من توفير العمال بطريقة سليمة حتى يمكن التقليل من احتمال تسربهم.
13- الـمبـادأة: لابد من تشجيع المبادأة والابتكار لضمان تطوير المشروع.
14- تنمية روح الجماعة: يجب تنمية روح الجماعة والتوافق بين العاملين.

à ثالثاً: النموذج البيروقراطي.
يفترض النموذج البيروقراطي أن الناس غير عقلانيين وأنهم انفعاليون في أدائهم للعمل. مما جعل الاعتبارات الشخصية هي السائدة في العمل، وأن الاعتبارات الموضوعية والحيدة والعقلانية

اعتبارات غير واردة وغير موجودة في أداء العمل. ولذا انعكس ذلك على تفسير النموذج البيروقراطي لكيفية السيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات، حيث تقول النظرية بأن ذلك سيتم من خلال وجود نظام صارم للقواعد والإجراءات داخل المنظمة.
يعتبر ماكس فيبر أكثر العلماء قرباً من الاتجاه البيروقراطي في دراسة الإدارة والتنظيم. ولقد اتخذها الاتجاه من ملاحظته لسوء استخدام المديرون لسلطاتهم، وعدم الاتساق في أسلوب الإدارة دون وجود قواعد حاكمة للسلوك، ولهذا بنى ماكس فيبر نظريته في البيروقراطية على المبادئ التالية:
1- التخصيص وتقسيم العمل: هو أساس الأداء الناجح للأعمال والوظائف.
2- التسلسل الرئاسي: ضروري لتحديد العلاقات بين المديرين ومرؤوسيهم.
3- نـظـام الـقواعـد: مطلوب لتحديد واجبات وحقوق العاملين.
4- نـظـام الإجراءات: ضروري لتحديد أسلوب التصرف في ظروف العمل المختلفة.
5- نظام من العلاقات غير الشخصية: مطلوب لشيوع الموضوعية والحيدة في التعامل.
6- نظام اختيار وترقية العاملين: يعتمد على الجدارة الفنية للقيام بالعمل.
ويلاحظ أن هناك نزعة من قبل المنظمات إلى استخدام هذه المبادئ، وذلك بنمو وزيادة حجم هذه المنظمات. ومبادئ البيروقراطية في حد ذاتها ليس فيها ما يعيبها، إلاّ أنه عند التطبيق نجد أن العاملين يخافون من التصرف لأن المشكلة محل التصرف لم يتم تغطيتها بواسطة قاعدة أو إجراء. كما قد نجد البعض غير مستعدين للمبادأة أو الابتكار بتصرف جديد، لأن ذلك قد يتعارض مع أو يكسر قاعدة من قواعد المنظمة.
لهذا تبدأ عيوب النظام البيروقراطي في الظهور وأهم عيوب النظام البيروقراطي هي:

1- تضخم الأعباء الروتينية.
2- عدم الاعتناء بصالح المنظمات من قبل العاملين، واهتمامهم فقط باستيفاء الإجراءات.
3- شعور العاملين بأنهم يعاملون كالآلات وانتقال نفس الشعور لمن يتعامل معهم.
4- تـشابه في شكل السلوك وتـوحده بسبب الالتزام بالإجراءات، مما يؤدي إلى تحجر السلوك وصعوبة الأداء.
5- القضاء على روح المبادأة والابتكار والنمو الشخصي.

¨ نظرية العلاقات الإنسانية:
أدى النقد الموجه إلى النماذج المختلفة للنظرية الكلاسيكية إلى ظهور اتجاه جديد يهتم بالعلاقات الإنسانية، فعلى النقيض من النظرية الكلاسيكية، افترضت نـظرية العلاقـات الإنـسانية أن الإنسان مخلوق اجتماعي، يسعى إلى علاقات أفضل مع الآخرين، وأن أفضل سمة إنسانية جماعية هي التعاون وليس التنافس. وبناءاً عليه انعكس على كيفية تفسير السلوك الإنسـاني والتنبؤ به والتحكم فيه
في نظرية العلاقات الإنسانية.
ويمكن تلخيص أهم مبادئ النظرية الكلاسيكية الحديثة أو نظرية العلاقات الإنسانية في ما يلي:
1- يتأثر الناس في سلوكهم داخل العمل باحتياجاتهم الاجتماعية.
2- يشعر الناس بأهميتهم وذواتهم من خلال العلاقات الاجتماعية بالآخرين.
3- أن التخصص وتقسيم العمل والاتجاه إلى الآلية والروتينية في العمل تفقد هذا العمل جوانبه الاجتماعية مما يؤدي إلى الملل والسأم.
4- يتأثر الناس بعلاقاتهم الاجتماعية وزمـلائهم فـي العمل أكـثر من تأثرهم بنظم الرقابة الإدارية

والحوافز المادية.
5- على الإدارة أن تأخذ المبادئ الأربعة السابقة في الحساب عند تصمم سياساتها في التعامل مع العاملين، على أن تظهر هذه السياسات اهتماما بمشاعر العاملين.
ولقد تأثرت كثير من سياسات المنظمات بهذه المدرسة في تكوينها للسياسات التي تتعامل بها مع العاملين، ومن أمثلة هذه السياسات أنظمة المشاركة في اتخاذ القرارات وأنظمة الشكاوى ووضع أسس لحلها، وأنظمة الاقتراحات، والرحلات والحفلات الاجتماعية.
وما يعيب هـذه النظرية أنها تغالي في استخدام العلاقات الإنسانية، الأمر الذي قد يصل إلى التدليل أو الإفساد، كما أن هـذه النظريـة لم يثبت بالتجربة أن لها تـأثير واضـح وفعال على إنتاجية العاملين.

¨ نظرية النظام المفتوح:
أدرك علماء التنظيم والإدارة أن المنظمات ليست ساكنة، بل متحركة، فهي تحصل على مواردها من المجتمع، ومن خلال عمليات وأنشطة المنظمة تقوم بتحويل هذه الموارد إلى نواتج يحـصل عليها المجتمع مـرة أخـرى. وهي ما تسمى "النظام المفتوح" "Open System".







نـظريـة الـنظـم

ويمكن تـطبيق فـكرة النـظام المفتوح على أي شيء تقريباً. فيمكن مثلاً أن نقول أن العمال > كمدخلات < يؤدون عملهم > كعمليات < من أجل الحصول على أجورهم > كمخرجات <. أيضاً يمكن الـقول أن المنظمة تـعرض مـواردها البشرية > كمدخلات < إلـى التدريب والتطوير> كمعليات < حتى يمكن الحصول على أداء عالي > كمخرجات<.

¨ النظرية الموقفية:
ذكرنا سلفاً أنه ليس هناك طريقة واحدة مثلى لأداء العمل، وحينما نتحدث عن السلوك الإنساني في داخل العمل يكون الأمر أكثر تشابكاً، حيث لا يمكن تفسير السلوك الإنساني والتحكم فيه والتنبؤ به من خلال عنصر واحد. فعلى سبيل المثال لا يمكن القول أن المعاملة الطيبة ستؤثر إيجابياً في كل العاملين، فهذه المعادلة وحدها لا تكفي. كما أنه لا يمكن القول أن القيادة الديمقراطية وحدى ستؤدي إلى نتائج إيجابية في الأداء، والغريب أن القيادة التسلطية قد تؤدي أحياناً إلى نتائج إيجابية.
ولهذا ظهرت النظرية الموقفية، والتي ترى أن السلوك الإنساني يتأثر بالعديد من العناصر الموجودة في الموقف الخاص بهذا السلوك. ويوضح الشكل التالي العناصر الخاصة بالموقف والتي تؤثر على سلوك الإنساني داخل المنظمات.





الـنظـريـة الـموقـفية

ويوضح أن هناك عناصر في الفرد مثل: إدراكه، وعمره، وجنسه، وتعليمه ومهارته، وحاجاته، وشخصيته، واتجاهاته النفسية تؤثر في سلوكه داخل المنظمة.
كما أن هناك عناصر في الجماعة مثل: التماسك، والتعاون، والصراع، والاتصالات والقيادة تؤثر في سلوك الفرد والجماعة داخل المنظمة. وأيضاً تلعب عناصر في المنظمة مثل: شكل الهيكل التنظيمي، والتنسيق، والسلطة، ودرجة المركزية، وأنظمة الإدارة المستخدمة في التأثير على سلوك الفرد والجماعة داخل المنظمة. ويضاف إلى هذا كله أن هناك عناصر في البيئة تؤثر أيضاً في سلوك الفرد والجماعة مثل: العادات والتقاليد، والدخل القومي، والظروف الاقتصادية والسياسية.
وعليه يمكن القول أن المدير الناجح لكي يؤثر بنجاح على مرؤوسيه عليه أن يأخذ كافة عناصر الموقف الفرد، والجماعة، والمنظمة، والبيئة في الحسبان عند تدخله بالتأثير في سلوك مرؤوسيه. إن النتيجة الآمنة هنا تقول أن سلوك الناس لا يمكن أن يكون حصيلة لعنصر واحد فقط، بل هو محصلة لعناصر أخرى تتداخل مع بعضها للتأثير على هذا السلوك.

· الـعولـمة وأثـرهـا عـلى الـسلـــوك:
أصبحت العولمة حقيقة نعيش فيها، حيث ترى شركات أجنبية تعمل في بلادنا، كما أن شركاتنا تصدر وتستورد من الخارج، بل وتعمل في دول أخرى. وعليه فمن السهل أن تجد مديري الشركات الأجنبية يرأسون موظفينا وعمالنا. كما أن مديري شركاتنا يرأسون عمال وآخرين أجانب، ويتعاملون في التصدير والاستيراد مع مديرين وموظفين أجانب. أليس من الواجب إذن معرفة كيف يختلف سلوك الناس باختلاف حضاراتهم.
فإذا كـانت تستورد من اليابان، وتود أن تحصل على سعر لا يوافق عليه المصدر الياباني فإنه

لن يقول لك "لا" بل سيتبسم لك ابتسامة صفراء لا تفهمها. وعليك إذن أن تكون خبير بذلك. وإذا وددت أن تتحدث مع مديرة أمريكية في حفل استقبال فقد تلاحظ أنها تقترب منك بصورة ودية بحيث تكون المسافة بينكما قليلة ومربكة لك، وهو ما يعتبر طبيعي هناك، ولكنه لا يعتبر طبيعي في بلادنا. والكثير من الأمثلة يمكن أن تفصح على أن سلوك الناس يختلف باختلاف الحضارة. وأن على المدير أو الموظف أو العامل أن يأخذ الحضارة في حسبانه عند التصرف أو محاولة فهم تصرفات الآخرين.
وفيما يلي بعض التطبيقات الهامة الدالة على تأثير العولمة أو اختلاف الحضارات على سلوك الناس داخل المنظمات:
1- عندما يعمل تحت إمرتك عمال أجانب، أو تعمل أنت تحت إمرة مدير أجنبي، فعليك أن تعلم أنك ستجد أن عليك فهم سلوك الآخرين بناءاً على خلفياتهم وحضاراتهم، وعليك أن تعلم أن العمل في حضارة أجنبية يمثل صدمة حضارية
2- عندما تقوم ببعض الأعمال في الخارج مثل التصدير والاستيراد فعليك أن تأخذ في الحسبان سلوك الناس في الخارج الذين تستورد منهم أو تصدر لهم.
3- عندما تتفاوض مع أجانب لعقد صفقة أعمال معينة، عليك أن تأخذ حذرك وتكون مرناً في سلوكك وأيضاً في فهم الآخرين والتعامل معهم.
4- عندما تتصل بأجانب عليك أن تستخدم بجانب لغتهم أنواع أخرى من اللغة الخاصة بالتعبير مثل: الإشارات ولغة العيون والجسم واليدين في محاولة لتوصيل رسالتك.
5- عند اتـخاذ الـقرارات يجب أن تلاحظ أن نمط اتخاذ القرارات يختلف باختلاف الحضارات ففي

اليابان يحبون اتخاذ القرار بشكل جماعي وتصعيده للأعلى للاعتماد، بينما يحبون في الولايات المتحدة النمط الفردي في اتخاذ القرار.

¨ نظرية العلوم السلوكية:
نتيجة للعيوب التي ظهرت في نظرية العلاقات الإنسانية أو الكلاسيكية الحديثة حاول بعض العلماء تطويرها بالشكل الذي يسمح باستخدام كل الجوانب السلوكية للناس لإعطاء تفسيرات أكثر دقة للأداء الناجح في الأعمال. فبينما ركزت نظرية العلاقات الإنسانية على الاهتمام بمشاعر الناس لدرجة المبالغة والتدليل والإفساد، فإن النظريات الحديثة تحاول أن تعطي تفسيرات واقعية، مع الاعتراف بالجوانب الإيجابية والسلبية لكل من سلوك الأفراد وسلوك الإدارة، وذلك حتى يمكنها استخدام كل الطاقات السلوكية للناس في أعمالهم. ومن رواد هذه الفكرة كريس إرجيرس، ودوجلاس ماكجريجور ورنسيس ليكرت، وابراهام مازلو، وفريديريك هرزبرج، والعديد من علماء السلوك وعلماء الإدارة المعاصرين.
ويمكن تجميع آراء هؤلاء المساهمين وتلخيصها في المبادئ الآتية:
1- يختلف الناس في حاجاتهم: فالبعض منهم تسيطر عليه الحاجات المادية، والبعض الآخر تسيطر عليه الحاجة للتقدير أو تحقيق الذات. وقيام المنظمة بمساعدة الأفراد في إشباع حاجاتهم يساعد في إبراز طاقاتهم وإمكانياتهم إلى أبعد حد.
2- يسمى الأفراد لأن يكونوا ناضجين وناجحين في العمل: وهم يبرزون طاقاتهم لكي يشعروا بالكمال والنجاح، وذلك إذا كان العمل مصمماً ومهيئاً ومساعداً على النجاح.
3- يسعى الأفراد لأن يكونوا منضبطين في العمل: ولكن الرقابة المباشرة التي قد تفسد أو تؤذي هذا

الشعور بالانضباط الذاتي. وعليه فإن الرقابة غير المباشرة من قبل الإدارة، مع إشعار الناس بأنهم مسؤولين عن أعمالهم، يمكن أن يعمق الإحساس بالانضباط الذاتي، ويشيع حالة من الرقابة الذاتية على العمل ونتائجه.
4- يتميز الناس بأن لديهم قدر من الحماس والدافعية الداخلية للعمل بالأداء المميز: ويمكن للمنظمات أن تستفيد من هذه الرغبة في العمل والإنجاز، وذلك بتوفير أعمال وظروف مواتية لإبراز طاقات العمل والإنجاز.
5- تتضافر عناصر أخرى تؤثر في سلوك الأفراد في عملهم: ومن أهمها طريقة الفهم، وأسلوب اكتساب السلوك، والاتجاهات النفسية، والقدرات وأسلوب الاتصال بالآخرين، والقدرة على القيادة، وعلى المدير أن يأخذ كل هذه العناصر في الحسبان عند إدارته للآخرين.
6- يسعى الفرد لتحقيق تقابل وتماثل بين أهدافه وبين أهداف المنظمة التي بها: فإن لم يكن هناك تـعارض بين هـاتين المجموعتين من الأهداف، انطلقت الطاقات السلوكية والقدرات الفردية لتحقيق هذه الأهداف.
7- يختلف سلوك الأفراد حسب الموقف الذي يتعرضون له: وأيضاً يختلف نمط تصرف الإدارة مع الأفراد حسب الظروف. فقد يفضل نمط القيادة الصارم والتسلطي مع أفراد متسيبين، بينما يفضل أن يكون النمط ديمقراطياً مع أفراد منضبطين، والعبرة تعتمد على طبيعة الموقف والظروف.
8- يختلف السلوك الفردي والإداري من دولة لأخرى أو من حضارة لأخرى وعلى من يمارس أعمال في عدة حضارات أن يراعي الاختلافات في سلوك الناس من حضارة لأخرى.
9- إن اعتراف المنظمات بالمبادئ الثانية السابقة: يعني اقتناعها بضرورة وضع ممارسات وسياسات


إدارية تتماشى مع هذه المبادئ، ومن ضمن هذه الممارسات والسياسات الإدارية المرنة في تصميم العمل، ووضـع أنظمة لتفويض السلطات وتنمية الـمهارات في ممارسة السلطة المفوضة، وغيرها من الممارسات.
وبالرغم من أن هذه النظرية تقدم مجموعة من المبادئ التي أثبتت التجارب أنها ناجحة. إلاّ أنه مازالت هناك عناصر أخرى في العملية الإدارية والمنظمات التي لم تغطيها النظرية فقد اهتمت النظرية بالجوانب السلوكية مع إقفال العمليات الإدارية والتنظيمية.