لقد تعرفنا من قبل إلى العوامل المرتبطة بالرضا الوظيفي، والتي تم تصنيفها على النحو التالي:
- عوامل مرتبطة بذات الفرد.
- عوامل مرتبطة بعلاقات العمل.
- عوامل مرتبطة بظروف العمل.

وهي عوامل تحمل بين طياتها عناصر مثل الأجر والترقية والمكافآت والاتصال وساعات العمل وأوقات الراحة والعلاقة بين العمال... والتي تعتبر حوافز بإمكانها أن تكون إيجابية أو سلبية، فإن كانت إيجابية فإنّها حتما تحقق درجة من الرضا لدى العمال، وإن كانت سلبية فإنها تبعث على الاستياء والتذمر، ومن هنا فللحوافز علاقة مباشرة بالرضا الوظيفي، حيث تعتبر المتغير النسبي (المستقل) والرضا المتغير التابع أو النتيجة.

المطلب الثاني: العلاقة بين الرضا الوظيفي والأداء:
كان الاعتقاد شائعا في أعقاب نشر نتائج دراسات الهاوثورن أنّ الاتّجاه النفسي للعاملين أو رضاهم عن العمل يؤثر على إنتاجيتهم وأدائهم للعمل وكذلك على جوانب أخرى من سلوكهم في العمل. لقد حمل كتاب وباحثو مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة لواء هذه الفكرة، وقاموا بتأكيدها وتبريرها في كتاباتهم وبحوثهم، ولقد قام هؤلاء بتقديم هذه العلاقة، ليس باعتبارها مجرد علاقة بين متغيرين هما الأداء والرضا، وإنّما باعتبارها علاقة نسبية بين الرضا كمتغير نسبي، والأداء كمتغير الأثر أو النتيجة، وتبرير هذه العلاقة النسبية يقدمه هؤلاء الكتاب في صورة تفسير مبسط يقوم على فكرة أن الفرد الذي يرتفع رضاه عن عمله، يزداد بالتالي حماسه للعمل ويزداد إقباله عليه، ويزداد امتنانه لوظيفته وللمنظمة، فترتفع بذلك إنتاجيته وأداؤه وبالعكس، فإن الفرد الذي ينخفض رضاه عن عمله يقل نتيجة لهذا حماسه للعمل، ويقل إقباله عليه، وتقل أيضا مشاعر الامتنان والولاء للوظيفة وللمنظمة فتقل نتيجة لذا إنتاجيته وأداؤه.
إن هذا التفسير يدمج في الواقع بين مشاعر الرضا والدافعية للأداء وبذل الجهد في العمل، فهذا التفسير يعني أن الرضا والدافعية هما نفس الشيء، فزيادة الرضا معناه زيادة الدافعية والعكس بالعكس، ولقد كانت العلاقة بين الرضا والأداء محورا للعديد من الدراسات التجريبية التي تمّت في أعقاب دراسات الهاوثورن، فقد اتجهت اهتمامات عديد من الباحثين إلى محاولة اختيار هذا الافتراض الذي ذاع وانتشر في الأربعينات وأوائل الخمسينات وذلك من خلال دراسات تجريبية تقيس كلا من المتغيرين لدى عينات مختلفة من العاملين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد قام " برايفيلد " و" كروكيت " " Brefield et crockete " عام 1955باستعراض وتقييم النتائج و الدراسات التجريبية التي أجريت على العلاقة بين الرضا والأداء، ووصلا إلى استنتاج كان ضربة للمفاهيم التي كان كتاب مدرسة العلاقات الإنسانية منهمكين في نشرها وتأكيدها في ذلك الوقت، فلم يجد برايفيلد وكروكيت ما يؤكد وجود هذه العلاقة، حيث كانت معاملات الارتباط بين مقاييس الأداء ومقاييس الرضا لدى عينات العاملين محل الدراسة منخفضة، وكانت في كثير من الحالات غير ذات دلالة إحصائية، واستنتج الباحثان من هذا أن الفرض بوجود علاقة بين الرضا والإنتاجية بصفة عامة لا تؤيّده النتائج التجريبية. ونبّه الباحثان إلى أنّ سلوك العاملين يخضع لقانون الأثر، الذي يعني أن قيام الفرد بسلوك معين أو تكراره له، يتوقف على الآثار التي تترتب عليه بالنسبة له، وما إذا كانت هذه الآثار طيبة أو سيئة، وبناءا عليه فإن العلاقة بين الرضا والإنتاجية أو الأداء لا يمكن أن توجد إلاّ في حالة واحدة، وهي عندما يكون أداء الفرد محققا لحصول الفرد على حوافز ذات قيمة بالنسبة إليه، أي عندما يكون الأداء هو المسار الذي يحقق له أهدافا هامة ذات قيمة ومنفعة. وطبيعي أنّ مثل هذه الحالة تتواجد فقط عندما يكون هناك نظام للحوافز والفوائد ( الأجر، مكافأت، خدمات، ومعاملة...الخ) تعطي بناءا على ما يحققه الفرد من أدائه، بحيث تكون مشروطة به، ومتوقفة عليه، فعند تحقيق الفرد لأداء عال في ظل نظام حوافز مشروطة كهذا، يحصل الفرد على حوافز وعوائد نتيجة أدائه العالي، فتزداد بذلك إشباعاته ويزداد بالتبعية رضاه.
أمّا عند تحقيق الفرد لأداء منخفض في ظل نظام الحوافز المشروطة بالأداء، فإن حوافزه وعوائده ستكون قليلة، ورضاه بالتالي منخفضا.
إن المعنى المتضمّن في استنتاج برايفيلد وكروكيت هو أنّ العلاقة بين الرضا والأداء وإن وجدت فهي شرطية، أي توجد عندما تعطي حوافز وعوائد العمل بناءا على الأداء الفعلي للفرد، وفي هذه الحالة الخاصة لا يكون الرضا سببا في الأداء وإنما العكس، ففي هذه الحالة يكون الرضا هو نتيجة للأداء حيث أن الإشباعات التي تحققها الحوافز والعوائد التي يحصل عليها الفرد تنتج كأثر أو نتيجة لمستوى الأداء الذي حققه الفرد، فاستحق أن يحصل على هذه الحوافز أو العوائد.
لقد أشار " مارش " و" سايمون " " March et Simon " إلى هذا المعنى تقريبا عندما أوضحنا أن الأفراد في العادة لا يربطون بين العوائد التي يحصلون عليها وبين مستوى أدائهم للعمل. ففي كثير من الحالات يعتقد الأفراد العاملون أن عوائدهم لا ترتبط بمستوى إنتاجيتهم، حيث أنّ هذه العوائد تعطى على أسس ليس لها صلة بالإنتاجية، وبالتالي فما لم يصحح هذا الاعتقاد بناءا على شواهد معينة مستنبطة من الحالة الخاصة التي تربط فيها العوائد المختلفة بالإنتاجية، فإنّ جهدهم وإنتاجيتهم ستحكمها عوامل أخرى خلاف الرضا بل إن "مارش" و"سايمون" يذهبان في تحليلهما إلى أنّه حتى في هذه الحالة الخاصة التي توجد فيها علاقة، لا تتحرك دافعية الفرد للإنتاج والأداء إلاّ نتيجة لشعور بنقص في الإشباع أي بالاستياء. فيحاول الفرد سدّه ومعالجته من خلال الأداء إذا توقع وتصوّر أن الأداء سيقود إلى حصوله على عوائد ذات قيمة، قد لا تقود بالضرورة إلى تحقيق الرضا، فهذا الرضا تتوقف درجته على متغيرات أخرى مثل قيمة العوائد الفعلية التي حصل عليها، وكذلك على مستوى طموح وتوقعات الفرد السابقة لحصوله على العوائد.

فإن كانت العوائد قليلة بالنسبة لما كان يتوقعه وما كان يطمح في الوصول إليه، فإن مستوى رضاه قد لا يكون بالضرورة مرتفعا، حتى في ظل تحقيقه لأداء مرتفع، معنى هذا أن الرضا عندما يتحقق كنتيجة للأداء المرتفع في ظل نظام الحوافز والعوائد المشروطة بالأداء، يمكن كذلك العوائد التي حصل عليها الفرد لا تكون بالعدد والنوعية التي تتوافق وما كان يتوقعه الفرد ويطمح في الحصول عليه.

وباستعراض الدراسات المعاصرة حول العلاقة بين الأداء والرضا، فإن معظم النماذج النظرية الحديثة تقدم فروضا أكثر تعقيدا من ذلك الفرض المستنبط الذي قدمه كتاب العلاقات الإنسانية.

ويعتبر النموذج النظري للباحثان " لبورتر " و " ولولر " " Porter et ľaular " أكثر هذه النماذج قبولا الآن ويقود هذا النموذج على مجموعة افتراضات حول محددات الأداء، وحول محددات الرضا، فالأداء وفق نموذج "لبورتر" و "ولولر" يحدده الجهد المبذول في العمل متفاعلا مع قدرات الفرد وإدراكه لمكونات ومتطلبات دوره الوظيفي، أما الجهد المبذول فيحدده قيمة العوائد ودرجة توقع الفرد لحصوله عليها إذا ما بذل الجهد المطلوب.

واضح هنا أن الرضا لا يعتبر محددا مباشرا للأداء أو حتى الجهد المبذول في العمل، والرضا إن أثر على متغيرات تحدد الجهد المبذول، فهو يؤثر عليها بطريقة غير مباشرة. فتأثيره إذا في نموذج "لبورتر" و "ولولر" يقتصر على قيمة و منفعة العوائد المتوقعة.
فالإشباع الذي تحققه عوائد معينة والرضا الذي يتحقق منها من واقع خبرات الفرد السابقة يؤثر على تقييم الفرد لقيمته ومنفعة العوائد بناء على هذه الخبرات السابقة.

أما الرضا فيتحقق بناء على قيمة ما يحصل عليه الفرد من عوائده وتقديره لمدى عدالة هذه العوائد.

أما العوائد التي يحصل عليها الفرد فهي تحدّد على أساس ما يحققه الفرد من أداء، إن كان المعيار المطبق في إعطائها يربط بين أداء الفرد والحوافز والعوائد التي تعطى له من قبل المنظمة. وبالتالي فإن تأثّر رضا الفرد بأدائه يتم من خلال ما يعطى للفرد نتيجة لأدائه، أي من خلال متغير وسيط هو العوائد التي سيستخدمها الفرد لإشباع حاجاته. وفق هذا النموذج فإن خبرات الفرد بالمعيار الذي تعطى على أساسه العوائد ودرجة أخذ هذا المعيار بالأداء وانجاز العمل كأساس لهذه العوائد، يؤثر على التوقعات المستقبلية للفرد فيما يتعلق بالآثار المترتبة على بذله للجهد في العمل وقيامه بتحقيق مستوى أداء معين، فإن كان معيار العوائد هو الأداء فإن توقعات الفرد للحصول على مزايا ومكافآت وعوائد أخرى بناء على ما يبذله من جهد وما ينتج عن هذا الجهد من أداء ستكون عالية.