د. فائز صالح جمال
السبت 28/04/2012
رفع تكلفة العمالة الوافدة قرار له تداعيات!!
نشرت هذه الصحيفة على صدر صفحتها الأولى يوم الاثنين الماضي 2/5/1433هـ خبرا عن قرار بإلزام مؤسسات القطاع الخاص بدفع 200 ريال (شهرياً) عن كل عامل وافد يزيد على عدد العاملين السعوديين فيها وذلك مقدماً وبشكل سنوي عند إصدار رخصة العمل لمصلحة صندوق تنمية الموارد البشرية. و أن مصدرا مسئولا قال بأن هذا القرار يستهدف العمل على زيادة تكلفة العمالة الوافدة من خلال رفع تكاليف إصدار و تجديد الرخص (وأي أدوات أخرى لتعزيز موارد الصندوق ما يمكنه من دعم برامج السعودة في القطاعات المختلفة).
عند تأمل القرار يظهر لي عدة أمور ؛ الأول: أنه يناقض أهدافاً اقتصادية واجتماعية. الثاني: أن هناك تحميلاً للمواطنين نتائج معالجة الأوضاع التي خلقتها القرارات الحكومية السابقة من خلال تحميل القطاع الخاص المسئولية لأنه بدوره سوف يجيرها للمستهلك لخدماته. الثالث: أنه تكرار لأمر مجرّب غير ناجح ، فقد بدأت فكرة زيادة تكلفة العمالة الوافدة منذ أكثر من عشر سنوات (زيادة رسوم التأشيرات من 50 إلى 2000ريال و رسوم الإقامات من 150 إلى 500 و فرض رسم صندوق تنمية الموارد البشرية 150ريالا) ولم تنجح في تحقيق نسب أعلى من السعودة ، و إنما في زيادة التكاليف و ارتفاع الأسعار.
أما تناقض القرار مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية فيتجلى أكثر ما يكون فيما سوف يسببه من موجة جديدة من التضخم و ارتفاع الأسعار يدفع ثمنها الأكبر المواطن ذو الدخل المحدود. في حين أن انخفاض تكلفة العمالة من المزايا النسبية للاقتصاديات الكبرى ، فكيف نتخلى عنها في حين أنها وراء نجاح الصين مثلاً في استقطاب كبرى الشركات الصناعية في أمريكا و أوروبا لنقل مصانعها إليها ، و في نجاحها في اكتساح أسواق العالم لانخفاض أسعارها بسبب انخفاض تكاليف العمالة لديها. و في ظل هذا الفهم سوف يتضرر قطاع الصناعة ، لأن ارتفاع تكاليف العمالة سوف يؤدي إلى إغلاق بعض المصانع التي تنتج منتجات لها بدائل خارجية تُنتج بكلفة أقل من كلفة انتاجها محلياً ، و للعلم فإن كل مصانعنا تواجه هذه المنافسة كون أسواقنا مفتوحة.
و ثاني القطاعات المتضررة في تصوري قطاع السياحة فهو يعاني حالياً من انصراف المواطنين إلى السياحة الخارجية ، نتيجة لارتفاع أسعار الخدمات السياحية الداخلية ، فما بالنا بعد تطبيق القرار و هو قطاع يعتمد بشكل أساسي على العمالة الوافدة.
و أما في جانب تحميل المواطن نتائج معالجة أوضاع خلقتها قرارات حكومية سابقة (مخرجات التعليم مثلاً التي لا تتوافق مع حاجة سوق العمل) يتمثل في تمويل صندوق تنمية الموارد البشرية من خلال فرض مبالغ على العمالة الوافدة لصالح الصندوق ، لأن هذه المبالغ سوف يجيرها القطاع الخاص لا محالة لمشتري منتجاته و خدماته ، وهو ما تفرضه طبيعة عمل القطاع الخاص. بينما الواجب الاكتفاء بما تم فرضه سابقاً و أي زيادة في مصارف الصندوق عن موارده يتم تغطيتها من ميزانية الدولة أسوة ببقية الصناديق التنموية الأخرى التي يتم تخصيص المليارات لها سنوياً.
و من تداعيات مثل هذه القرارات غير المنظورة التشجيع على المزيد من التستر التجاري ، لأن المتستِّر لن يتأثر بها لأنه سوف يحمّلها على العمالة الوافدة نفسها ، بينما ستتحملها الشركات و المؤسسات العاملة بدون تستر وهي المتضرر من مثل هذه القرارات بارتفاع التكلفة.
ولكن في كل الأحوال علينا أن لا ننسى أن العمالة المتستر عليها تُعد في عداد التجّار و بالتالي سوف يجيرون التكلفة للمشتري برفع أسعار ما يبيعونه من منتجات وخدمات.
و لذلك علينا أن نتأمل تداعيات القرارات التي تُصدرها بعض الجهات قبل إصدارها. و الله ولي التوفيق.