تحديات إدارة توطين الوظائف في منشات القطاع الخاص: منظور إدارة الموارد البشرية
د. سعد بن مرزوق العتيبى
جامعة الملك سعود







بســم الله الرحمن الرحيم

تهدف المقالة التعرف على أهم القضايا والتحديات المتعلقة بإدارة توطين الوظائف في منشات القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية. أن الاهتمام بإدارة الموارد البشرية الوطنية بمنج حديث يشكل عنصراً أساسيًا لقدرة قطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية على المنافسة خصوصًا في ظل تسارع التحديات على المستوى المحلى والعالمي.
ويعتبر موضوع دراسة التحديات التي تواجه إدارة توطين الوظائف في المملكة العربية السعودية من الموضوعات الإدارية التي لم تحظى حتى الآن باهتمام الدارسين والباحثين. حيث تواجه منشات القطاع الخاص العديد من التحديات للوفاء بمتطلبات توطين الوظائف. ويتضح من خلال الاطلاع على الدراسات السابقة الخاصة بتوطين الوظائف وجود تحديات تواجه توطين الوظائف. ونستطيع تصنيف تلك التحديات لتحديات خارجية وتحديات داخلية. وتتصف العوامل الخارجية بشكل عام بأنها تقع خارج سيطرة المنشاة، وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على عملية توطين الوظائف. وتشمل المتغيرات والقوى الخارجية: الظروف الاقتصادية، الاعتبارات السياسية والقانونية، العوامل الاجتماعية والثقافية، والتكنولوجية. فالتغيرات في البيئة الخارجية سيكون لها دون أدنى شك تأثير على توطين الوظائف من خلال التحول من الإطار التقليدي الحالي إلى إطار حديث يتلاءم ومتطلبات القرن الحادي العشرين.
أما التحديات الداخلية فتشمل أسلوب القيادة وثقافة المنظمة وهياكلها وممارسات إدارة الموارد البشرية. ويشكل تشخيص والتعرف على تلك التحديات عنصراً أساسياً لإنجاح عملية توطين الوظائف. حيث سنركز خلال من خلال هذه المقالة على التعرف على التحديات الداخلية لتوطين الوظائف من منظور إدارة الموارد البشرية.
أن أحد أهم التحديات التي تواجهها منشات القطاع الخاص تفهم ما المقصود تحديداً بتوطين الوظائف. عادة ما يتم تعريف توطين الوظائف بزيادة أعداد العاملين السعوديين، ويتم إهمال أبعاد أخرى مثل الكفاءة والمؤهلات والقدرات. بينما مصطلح " الاستخدام الكامل والأمثل للعمالة الوطنية" الذي أستخدم من قبل مجلس القوى على ما يبدو أنة لم يتم استيعابه وفهمه بشكل جيد من قبل منشات القطاع الخاص. لذا أعتقد بأننا في حاجة لتبنى مصطلح أو مصطلحات حديثة لتتلاءم والتطورات والتغيرات في مكان العمل. أن مصطلح " الاستخدام الكامل والأمثل للعمالة الوطنية" يمكن أن يشكل إطار للممارسات وسياسات التوطين في منشات القطاع الخاص.
أن نجاح توطين الوظائف مرهون بالتزام وقناعة ملاك القطاع الخاص بفوائد توطين الوظائف. أحد التحديات التي يواجهها مفهوم توطين الوظائف يتعلق بالتعميم الخاطئ المبنى على تجارب شخصية. فلازال الكثير من ملاك القطاع الخاص مع الآسف يشير إلى ضعف أداء بعض من العمالة الوطنية كمثال لفشل عملية توطين الوظائف. لذا يمثل الالتزام والاستجابة الرمزية عوضاً عن الالتزام الجوهري والحقيقي تحدياً أساسياً لجهود توطين الوظائف. وفى حقيقة الأمر هناك عدد من العواقب في طرح موضوع توطين الوظائف على المستوى الرمزي. الأول، يسمح الطرح الرمزي لتوطين الوظائف لملاك القطاع الخاص على الاعتقاد بأنهم يدعمون ويشجعون توطين الوظائف، بينما في الحقيقة يشكل ذلك إهمالا للمواضيع الخطيرة التي تؤثر على منشئاتهم ومجتمعهم. أن الاستجابة الرمزية لتوطين الوظائف يعنى استفحالاً وتفاقماً للتوطين بينما يحاول ملاك القطاع الخاص أقناع أنفسهم بأنهم استجابوا للمشاكل الحقيقية التي تواجه التوطين.
ثانياً: بالرغم، من النوايا الحسنة، إلا أن منشات القطاع الخاص قد ترسل رسائل متضاربة للعاملين وتلك الرسائل قد تعزز وتدعم السلوكيات الغير ملائمة. وقد تصبح تلك السلوكيات الغير ملائمة جزء من الثقافة الرسمية للمنشاة.

ويمثل تقبل حقيقة أن التوطين الفعال أكبر من مجرد موضوع الإذعان لأنظمة ولوائح السعودة من التحديات المستقبلية التي تواجهها منشات القطاع الخاص. لقد حاولت الأنظمة الخاصة المتعلقة بتوطين الوظائف وضع إطار يمكن من خلاله أن تتبنى منشات القطاع الخاص إدارة توطين الوظائف. وبالرغم من ذلك، وبكل وضوح فالأنظمة واللوائح لا يمكن بمفردها أن تحدث تغيراً جوهرياً في هذا الموضوع، وإلا لأمكننا ملاحظة تحسن وتطور ملحوظ وسريع في عملية توطين الوظائف. ويدرك أصحاب الأعمال بشكل رئيس قصور الأنظمة لوحدها في تحقيق جهود توطين الوظائف.
حيث يعتقد بعض القائمين على توطين الوظائف أمكانية الوصول إلى مستوى التوطين المطلوب بإتباع الأساليب والطرق التقليدية ( التوظيف، والتدريب). الاعتقاد السائد لدى هؤلاء الأفراد إمكانية تحقيق توطين الوظائف من خلال فرض نسب محددة على منشات القطاع الخاص. بينما يعتقد رجال الأعمال في بعض منشات القطاع الخاص أن التوطين يتحقق من خلال الأقوال غير المقترنة بالأفعال.
أن التفكير بهذا المنطق وبمثل هذا الشكل لن يحل مشكلة توطين الوظائف بل يزيد المشكلة تعقداً وتأجيلا. وقد أوجد هذا الفكر عدم ثقة العمالة المواطنة بمصداقية بعض القائمين على التوطين ورجال الإعمال. وهذا أخطر ما يمكن. أن استمرار هذا الشعور لدى العمالة المواطنة يجعلهم لا يصدقون بعد ذلك أي جهد صادق يبذل في سبيل تحقيق التوطين.

أن توطين الوظائف قرار استراتيجي يهدف إلى الاستثمار الطويل الأجل في العنصر البشرى الوطني. ويتوقف نجاح تبنى هذه الفلسفة على قناعة وإيمان الإدارة العليا بفوائد توطين الوظائف. ويتم تحقيق ذلك من خلال ربط جهود توطين الوظائف بالأهداف الإستراتيجية للمنشات. فجهود توطين الوظائف لا ينبغى أن تتم بمعزل عن هذه الأهداف الإستراتيجية. وحتى يتسنى لمنشات القطاع الخاص الإسهام في تنمية الموارد البشرية في المملكة العربية السعودية عليها أن تبدأ في تغيير نهجها التقليدي في إدارة توطين الوظائف لتأخذ بعداً استراتيجيا طويل المدى.
أن ما يبذل حالياً في أغلب إدارات الموارد البشرية من جهود لتوطين الوظائف يتم بأسلوب إدارة الأفراد، حيث التركيز على الأنظمة واللوائح والاجراءات والرقابة، أما التوجه الاستراتيجي فأنة يتطلب دون أدنى شك أن يتم ربط توطين الوظائف بالتوجهات الإستراتيجية للمنشاة.

ويطغى على الساحة الحاجة لتبنى الممارسات الإدارية الحديثة للإسراع بجهود توطين الوظائف. ويمثل مفهوم إدارة الموارد البشرية ركناً أساسياً يمكن أن يدفع جهود توطين الوظائف للأمام، ويرتكز هذا المفهوم على فلسفة مؤداها أن العنصر البشرى يحقق ميزة تنافسية للمنشاة. وتركز فلسفة إدارة الموارد البشرية على عدة عناصر ومنها:-
1. التركيز على الحصول على رضا وولاء العاملين باعتبار العنصر البشرى هو المحور الأساسي لتحقيق معدلات أداء مرتفعة وربحية عالية.
2. ربط الأهداف الإستراتيجية للمنظمة بإدارة الموارد البشرية.
ولا شك أن الاهتمام بإدارة الموارد البشرية بمفهومها الحديث يشكل تحدياً حقيقياَ لنجاح منظمات الأعمال في المملكة العربية السعودية خصوصا في ظل التحديات والمتغيرات المتسارعة في بيئة تلك المنظمات. وبما أن مفهوم إدارة الموارد البشرية عبارة عن فلسفة يتحتم على منظمات قطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية تبنى سياساتها وممارساتها؛ فان الأخذ بتلك الفلسفة يعتمد بدرجة رئيسية على اتجاه ونظرة أصحاب منظمات قطاع الإعمال نحو العنصر البشرى وأهميته. ومما لاشك فيه أن نجاح جهود توطين الوظائف يتوقف على سياسات وممارسات إدارة الموارد البشرية في منظمات القطاع الخاص.
ويقصد بها العمليات المتعلقة باستقطاب الأفراد وتدريبهم وتطوير قدراتهم والمحافظة عليهم بما يحقق أهداف المنشأة والفرد. لقد ظلت تلك الحلقة مفقودة خلال السنوات الماضية في مناقشتنا ودراستنا المتعلقة بتوطين الوظائف، مما أدى إلى عدم فاعلية الطرح والتطبيق. وتم تناسى العوامل البيئة الداخلية لمنظمات القطاع الخاص والتي أثرت ولا زالت تؤثر على فاعلية توطين الوظائف. وقد أحدث عدم الاهتمام والتركيز الفعلي على تلك العوامل والتي من أهمها ( نظرة وأتجاة ملاك القطاع الخاص نحو العمالة الوطنية، سياسات وممارسات التوظيف، ضعف التهيئة والتدريب، غياب التقويم الموضوعي للأداء، وضعف الرواتب والحوافز) عقبة في سبيل تحقيق التوطين.
وتشكل التغيرات في سوق العمل خاصة ارتفاع مستوى البطالة بالإضافة للتغيرات الدايموغرافية في السكان ودخول المرأة لسوق العمل وزيادة أعداد خريجين الجامعات الراغبين العمل في القطاع الخاص ضغط على منشات القطاع الخاص لإعادة النظر في افتراضاتهم فيما يتعلق بإدارة الموارد البشرية. وكذلك ستجبر العولمة واستجابة المنظمات للتغيرات في البيئة التنافسية لإعادة التفكير مليئا عن مدى ملائمة الأسلوب التقليدي لإدارة الموارد البشرية وتوطين الوظائف لاحتياجات تلك المرحلة.
وتبرز الحاجة لإعادة النظر في ممارسات وسياسات إدارة الموارد البشرية لمواجه تلك التحديات وإيجاد أساليب أفضل لاجتذاب العمالة الوطنية والمحافظة عليها. ويواجه مديري إدارة الموارد البشرية تحدى حقيقي في أقناع المستويات الإدارية العليا بفوائد برامج توطين الوظائف. حيث أن لدى ملاك القطاع الخاص قلق بخصوص تكلفة التوطين والآثار المحتملة على الإنتاجية والربحية.
ونعتقد أن الثقافة التنظيمية ذات العلاقة بمفهوم التغيير الجذري قد تكون مواتية ومتوافقة مع متطلبات توطين الوظائف عندما تدرك إدارة المنشاة وتكون على قناعة تامة بأن إدارة التوطين تحتاج إلى تغيير جذري، والتغيير الجذري ليس مجرد إحداث ترميم أو إصلاح، ولكنة تحول جذري في فلسفة وأسلوب توطين الوظائف.
إذا عملية إدارة توطين الوظائف بحاجة لطرح موضوع التغيير الجذري في فلسفة ورؤية القطاع الخاص للعنصر البشرى لكي يمكن الانتقال بمفهوم إدارة توطين الوظائف إلى أفاق أرحب وأشمل. والقائمون على توطين الوظائف بحاجة ملحة لتفهم توطين الوظائف في إطار وبيئة قطاع الأعمال. وبكل تأكيد، فكما تشكل الموارد البشرية مورد مهم من موارد اى منشاة وتربط بالأهداف الإستراتيجية فعملية توطين الوظائف ينبغي أن ينظر لها من منظور استراتيجي. حيث يجب النظر لتوطين الوظائف كوسيلة لتحقيق أهداف وغايات المنشاة وليس غاية بحد ذاتها. فالأنشطة التي تتبناها المنشاة لتنفيذ برنامج لتوطين الوظائف لابد أن يرتبط مع أهداف المنشاة. وهذا الترابط كما أسلفنا بين أهداف المنشاة وإدارة توطين الوظائف أساسي لنجاح واستمرار عملية توطين الوظائف في اى منشاة.
من أجل تطوير قدراتها التنافسية يتحتم على منشات الأعمال في المملكة العربية السعودية أن تتخلى عن أسلوبها الحالي لإدارتها لمواردها البشرية وتتبنى المفهوم الحديث لإدارة الموارد البشرية للإسراع بجهود توطين الوظائف.