النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: لا تنس وضع الغطاء

#1
الصورة الرمزية رانيا رونى
رانيا رونى غير متواجد حالياً مستشار
نبذه عن الكاتب
 
البلد
مصر
مجال العمل
تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
المشاركات
1,525

لا تنس وضع الغطاء

لا تنس وضع الغطاء

شكا لي صديق من بعض تصرفات ابنه الشاب التي تثير سخطه عليه وأعيته الحيل معه لكي يقلع عنها ! وأصغيت باهتمام شديد لما ينكره صديقي على ابنه من سلوكيات وعادات خاطئة ، فروى لي عن أنه شاب "مستهتر" و "غير منظم" .. و"غريب الأطوار" مما يثير قلقه ومخاوفه بشأن مستقبله ونجاحه في الحياة ، أما علامات استهتاره وغرابة أطواره كما حكاها لي الأب الصديق فهي أنه لا يلتزم أبدًا "باللائحة الداخلية" غير ...المكتوبة لنظام الحياة داخل البيت في حين يلتزم بها الأبوان وشقيقته الصغرى وشقيقه الطفل ،و على حين يرجع الجميع من أعمالهم أو مدارسهم فيخلعون أحذيتهم بجوار باب الشقة ويضعونها في الدولاب المخصص لذلك ، فإن فتانا الشاب يخلع حذاءه في أي مكان ، ويلقي بجوربه عليه ، وقد بح صوت أبيه وأمه من رجائه كل يوم أن يضع حذاءه في دولاب الأحذية !، وعلى عكس ما تفعل أخته أو أخوه ، فإنه يخلع ملابسه أيضًا ويلقيها في أي مكان حيثما اتفق مع أن الشماعة إلى جواره ويستطيع بغير عناء أن يعلق ملابسه عليها ليحافظ على النظام في بيته ، أما في الصباح وحين ينهض من نومه فإنه يغسل أسنانه بالفرشاة ولا يمكن أبدًا مهما كررت عليه أمه أبوه الرجاء أن يعيد غطاء أنبوبة معجون الأسنان إلى مكانه أبدًا مع أنه يعرف أن تركها مفتوح يؤدي إلى جفاف المعجون وتلفه ! كما أنه يرجع من كليته متلهفًا على تناول طعام الغداء ، وبدلاً من أن يشارك الأسرة غداءها حول المائدة كما يفعل الأبناء "الصالحون" فإنه يملأ طبقه مما يحتاج إليه من طعام ، ويجلس على الأرض ويتناوله بتلذذ شديد عازفًا عن الجلوس إلى المائدة مع باقي أفراد الأسرة ومبررًا ذلك بأنه يستريح هكذا .. ويفعل نفس الشيء أيضًا حين يستذكر دروسه ، فلا يجلس إلى المكتب المخصص له وإنما يذاكر دروسه في أي مكان من الشقة جالسًا على الأرض أو فوق السرير ، أو مضطجعًا على "الفوتيل" وكلما طالبته أمه بالجلوس إلى المكتب لأن هذا أفضل من الناحية الصحية أجابها بأنه "سعيد هكذا" .

ومع أنه متوسط القامة أو يميل إلى القصر ، إلا أنه يرفض نصيحة أبويه بتجنب ارتداء الملابس الواسعة المتهدلة عليه حتى لا يبدو فيها مثل "فطوطة" الذي يرتدي ملابس أخيه الأكبر ، ويفضل دائمًا الملابس المتهدلة ؛ لأنها مريحة ولأنه أيضًا "يستريح هكذا" ولا يرى بأسًا في أن تبدو ملابسه واسعة بغض النظر عن اتفاقها مع مودة الملابس الشبابية أو تعارضها معها ، كما أنه يكره ارتداء البدلة الكاملة مع أن لديه بدلتين اشتراهما أبوه له لحضور المناسبات العائلية وأفراح الأسرة ، ويكره ارتداء ربطة العنق ، كراهية التحريم وفشلت معه في محاولات أبويه لإقناعه بارتدائها في مناسبة مهمة كفرح أحد من الأهل كما أنه متقلب الهوى والمزاج أيضًا .. ففي كل سنة له هواية جديدة تستغرقه وينشغل بها حتى يظن الأهل أنها قد أصبحت هوايته الأساسية ، فإذا به يزهدها في الصيف التالي وينبهر بهواية جديدة ونشاط آخر ، وبعض هواياته غريبة وغير مألوفة ، فأحيانًا يجمع أغطية زجاجات المياه الغازية ، وأحيانًا يجمع علب السجائر الفارغة مع أنه لا يدخن أبدًا والحمدلله .. وأحيانًا يجمع أغلفة علب الشيكولاته والبسكويت ويصنع منها أشكالاً مختلفة وهكذا .

وسألني الأب الصديق وسحب القلق تتجمع داخله : تُرى هل تنصحني بعرضه على طبيب نفسي ليساعدنا في توجيهه إلى ما فيه خيره وصلاح أمره فابتسمت وأنا أستعيد في مخيلتي صورة هذا الابن الشاب الذي التقيت به أكثر من مرة وترك في نفسي انطباعًا طيبًا من اللحظة الأولى ثم سألت الأب المهموم :
هل تنكر على ابنك هذا شيئًا في دينه وخلقه أو التزامه بدراسته ورؤيته للحياة ؟

وفوجئ الأب بسؤالي للحظات ، وبدا لي كما لو كان يراجع في مخيلته "حساب" ابنه مع الحياة قبل أن يجيبني ، ثم قال لي مترددًا ، إنه لا ينكر عليه شيئًا من ذلك في الحقيقة ، فالحق أنه على الناحية الأخرى من كل هذه "الأطوار الغريبة" شاب متدين تدينًا صحيحًا باعتدال وسماحة ويؤدي صلواته ويصوم شهره ، وينفر من الحرام بكل أشكاله وأولها الكذب والخداع وإيذاء الغير ، كما أنه دمث الطبع ورضيُّ النفس ويتعامل مع الآخرين بحب واحترام ، وينطوي على قلب عطوف تجاه أخويه الأصغر منه وأبيه وأمه وأهله والضعفاء من الناس بصفة عامة ، كما أنه يحترم من هو أكبر منه سنًا ولا يناديه باسمه إلا مسبوقًا بكلمة "يا عم فلان" ولو كان أقل الناش شأنًا فهو لا يعرف الكبر والاستعلاء على من هم أدنى منه درجة اجتماعية ، ولا يشعر – في الوقت نفسه – بالنقص تجاه من هم أكثر منه ثراءً ومكانة اجتماعية ، ولا يعرف الحقد عليهم أو على أحد ، وإنما على العكس من ذلك يرى في أبيه أعظم الرجال مهما كانت قدراته المادية ، وفي أمه أفضل النساء مهما كان وضعها الاجتماعي ، وينجذب تلقائيًا وبخيط سحري خفي إلى أهل أبيه وأمه ويحبهم من قلبه ، كما أن رؤيته للحياة في إجمالها سليمة فهو لا يرى غاية الدنيا الأولى في الثراء الفاحش والملابس الغالية والسيارة الفخمة ، وإنما يراها في السعادة والحياة بين من يحبهم ويحبونه مهما كانت الأوضاع المادية والاجتماعية لهم ، كما أنه أيضًا "كريم" بما في يده ، و"شهم" ولا يتأخر عن أداء واجب مجاملة لأحد من الأهل أو الأصدقاء ولا عن زيارة مريض أو الوقوف مع صديق له في محنة طارئة ، وحين يكون "ميسورًا" في أول الشهر فإنه لا يبخل على أخويه بإعانة صغيرة أو سُلفة لا ترد .. أو هدية بسيطة ، وحين ينفد مصروفه قبل نهاية الشهر فإنه لا يطلب المزيد ولا يتذمر أو يتسخّط .. وإنما يحبس نفسه في البيت فقط ويستغني عن نزهته الخارجية إلى أن "يقبض" مصروفه ويرجع لممارسة نظام حياته المعتاد !

ونظرت إلى محدّثي الذي نسي هواجسه ومخاوفه السابقة في غمار حديثه عن سمات ابنه الطيب المستقيم ، واتسعت ابتسامتي أكثر وأكثر وأنا أقول له لائمًا : وماذا تريد في ابنك الشاب هذا من فضائل جليلة ، ومثل عليا عائلية وإنسانية وأخلاقية أكثر من هذا؟ وماذا تطلب منه لكي يحقق لك الصورة المثلى لشاب في مثل سنه وظروفه وعصره ؟ إنه شاب طيب القلب ، رضيّ الخلق ، مستقيم الطبع سليم الوجدان يحيا في طاعة الله وضميره الأخلاقي والديني حيّ ومتيقظ ، وإحساسه العائلي قوي وحار ورؤيته للحياة صحيحة وسليمة وحكيمة ؟ أما بعض العادات الشخصية .. والسمات التي تنكرها عليه ، فحتى لو كانت غير صحية أو مخالفة للائحة الحياة داخل الأسرة ، فإنها في النهاية هنّات هامشية ولا تمس الجوهر الأصيل فيه ، ولا ينبغي لها أبدًا أن تنقص من جدارته بفخرك واعتزازك به ، فالكمال لله وحده يا سيدي ، وليس في الحياة كلها إنسان "كامل الأوصاف" تمامًا إلا في شعر الشعراء وغزل المحبين ، ولابد دائمًا من القبول ببعض الاختلاف في طبائع الشباب وعاداتهم الشخصية لأنهم مختلفون أصلاً عنا ولا يمكن لهم أن يكرروا صورتنا بكل تفاصيلها في الحياة ، ولا هو من العدل أن نطلب منهم ذلك ، وبالتالي فلابد أن تختلف بعض عاداتهم وسماتهم وطباعهم ، عن طباعنا وعاداتنا الشخصية ، وفي الاختلاف نفسه سر تجدد الحياة وتدفق المياه الجديدة في نهرها ، وعنصر أصيل من عناصر تفردهم وتميز شخصياتهم عن شخصياتنا ، فالبشر ليسوا كقوالب الطوب المتماثلة في كل شيء ، ولابد دائمًا من أن تختلف بعض عادات الكبار وطبائعهم عن بعض عادات الشباب وطبائعهم وأسلوبهم في الحياة ، وما دام هذا الاختلاف فيما لا يمس جوهر الالتزام الديني والخلقي والإحساس بالواجب فلا ضير فيه ولا ملام ، إذ ماذا يجدي الإنسان لو كان ابنه الشاب منحرفًا أو مستهترًا في قيمه الدينية والأخلاقية أو فاشلاً مثلاً في دراسته ، وكان على الناحية الأخرى ملتزمًا تمام الالتزام بنظام الحياة داخل الأسرة ، فيخلع ملابسه ويعلقها على الشماعة ، ويضع حذاءه في المكان المخصص له ، ويغلق أنبوبة معجون الأسنان بعد استخدامها ؟

ماذا يعوض الإنسان عن مثل هذا النقص الأخلاقي لو كانت كل عاداته بعد ذلك متوافقة مع النظام في البيت ومريحة للأهل والأسرة ؟

أما هذه العادات التي نراها "غريبة الأطوار" فإن تمسك بعض الشباب بها رغم انتقاد الأهل الدائم لها قد يعبر في أحد وجوهه عن رد فعل عكسي لخطأ بعض الآباء والأمهات في انتقاد كل ما يصدر عنهم من سلوكيات وتصرفات ولو كانت هيّنة بسيطة كهذه التصرفات ، إلى جانب أن هناك تأثيرًا لا شك فيه لنزعة جبر التكرار التي قد تسيطر على العقل البشري أحيانًا وتدفع الإنسان لتكرار بعض ما ينكره عليه الآخرون أو بعض ما لا يرضى هو نفسه عنه ويود لو يتخلص منه ، لكن الانتقاد الدائم لا يعينه على ذلك ، وإنما يدفعه من حيث لا يدري إلى تكراره .. أو نسيان تعليمات الأهل بشأنه كنوع من احتجاج العقل الباطن على جعله هدفًا دائمًا للانتقاد من جانب الأهل بحق وبغير حق .

إن بعض الشباب في الخارج يعبرون عن نزعة الاحتجاج هذه بتعمد الإغراب في مظهرهم وأشكالهم ووجوههم ، فيحلقون رءوسهم بالموسى أو يهملون قصها نهائيًا حتى تصبح كشعر البنات .. أو يرسمون على وجوههم دوائر وأشكالاً سيريالية عجيبة ، أو يطلون وجوههم بلون أبيض كلون الدقيق ، أو يتخذون شكلاً شيطانيًا في حواجبهم وقرون الشعر المدببة في رءوسهم ، لكن هذا بلاء آخر لا وجه لمقارنته بمظاهر الاحتجاج النفسي البسيطة المألوفة عندنا كنسيان تعليمات الأهل بشأن خلع الحذاء في المكان المخصص لذلك ، ومن ناحية أخرى فإن لكل إنسان عاداته وطباعه .. وتفرده الخاص الذي ينبغي لنا أن نعترف له بحقه فيه ونتسامح معه في ذلك ما دام لا يؤثر على التزامه الخلقي والديني ، أما "النقائض" و"العيوب" والهوايات الغريبة التي يتنقل بينها ابنك الشاب من سنة إلى أخرى ، فلا شيء في كل ذلك ، ولا هو مؤشر لأي انحراف نفسي أو خطر محتمل يمكن أن يؤثر على نجاح الشاب وتحقيقه لأهدافه وطموحه في الحياة وما أكثر الأمثلة على أشباه تلك "العيوب" و"النقائص" التي أنكرها بعض الآباء والأمهات على أبنائهم وتخوفوا على تأثيرها عليهم في المستقبل ، فإذا بهؤلاء الأبناء أنفسهم يحققون في الحياة من النجاح والتألق ما لم يحققه هؤلاء الآباء أنفسهم ، فالرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن مثلاً (1809 – 1865) كان لا يرتدي إلا الملابس الواسعة المتهدلة كابنك تمامًا وكان رثّ الهيئة وبشع الشكل والمنظر وقد عجزت زوجته عن أن تخلصه من مظهر المحامي الريفي الذي يبدو به ، ومع ذلك فلقد فاز برئاسة الولايات المتحدة ودخل التاريخ من أوسع أبوابه وارتبط اسمه بمشروعه العظيم لتحرير العبيد في أمريكا .

وعبد الناصر نفسه كان لا يهتم كثيرًا بمظهره وكانت بدلته من طراز تقليدي لا يساير الموضة السائدة في زمنه ، وبنطلونه واسعًا فضفاضًا حتى يتهدل وينزل عن وسطه كل حين فيرفعه مرة أخرى ، ولم يكن الناس يتعاملون مع ملابسه ، وإنما مع شخصيته ، وكانت هيبته تسكن القلوب .

والرئيس الراحل أنو السادات كان قصيرًا كابنك أيضًا على عكس ما يعرف الكثيرون عنه وعلى عكس ما كانت توحي به صورته في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ، ولم يحل قصره بينه وبين أن يقوم بما قام به من أدوار في تاريخ بلاده وتاريخ المنطقة كلها ، ونابليون بونابرت كان قصيرًا كلك قصرًا ملفتًا للنظر فعوض قصره ، بالتفوق العسكري وأصبح قائدًا لأحد جيوش فرنسا وهو في العشرينات من عمره .

والكاتب الألماني توماس مان (1875 – 1955) كان لديه مكتب فخم للكتابة كالمكتب الذي تخصصه لمذاكرة ابنك ويهجره ، ومع ذلك فلم يكن توماس مان يكتب عليه أبدًا وإنما يكتب على مائدة السفرة ، أو وهو مسترخً على شيزلونج طويل ، وفشلت معه أيضًا كل جهود الأهل لأن يجلس إلى مكتبه في وضع صحي ويكتب ما يريد من مؤلفات ومقالات !

ونجيب محفوظ لا يحب كابنك ارتداء ربطات العنق بل يكرهها ويذهب إلى أي مكان وأية مناسبة بالبدلة والقميص بدون كرافت ، وقد شهد حفل تكريم الدولة له بمناسبة فوزه بجائزة نوبل عام 1988 وألقى كلمة أمام الرئيس مبارك وهو بالبدلة وتحتها بلوفر صوفي بلا كرافت .

أما هوايات ابنك التي تراها غريبة ويتقلب بينها من عام إلى آخر فلو حكيت لك عن هوايات العظماء الغريبة وبعض عاداتهم غير المألوفة لاحتجت إلى صفحات طوال لأعدد لك بعضها لكن يكفي أن أقول لك فقط إن تجدد الهوايات وتعددها بل وغرابتها أيضًا لا شيء فيه ولا خطر ، فرئيس الوزراء البريطاني العتيد الذي قاد بلاده للنصر على الألمان في الحرب العالمية الثانية ، ونستون تشرشل لم يكن يحلو وقت وسط أعبائه الجسام إلا وهو يمارس هواية البناء بالطوب والأسمنت و"المسطرين" في ضيعته ببلدة تشارتويل ، وقد بنى سور بيته الريفي فيها بنفسه ، كما كان يمارس الرسم أيضًا ويجمع "قصافات" السيجار من كل الأنواع .. ويقضي بعض الوقت في تنظيفها وتأملها !

والعالم الألماني العبقري آينشتاين كان يهوى العزف على الكمان ويحب مشاركة العازفين المحترفين عزفهم في الحفلات الخاصة رغم تذمرهم من مشاركته لهم في ذلك لعجزه عن ملاحقة أدائهم المحترف للعزف الموسيقي ! والجنرال دوايت أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الخمسينات ، كان يحتفظ في محفظة نقوده ، بسبع قطع من العملة البرونزية التي لا تزيد قيمتها عن ملاليم ويعدّها من حين لآخر ويلهو بها ثم يعيدها لمحفظته ويتفاءل بها وقد رافقته معظم مراحل حياته !

ومعظم هؤلاء .. بل ومعظم الناجحين في حياتهم .. لم تخل حياتهم من اتقاد ذويهم لبعض تصرفاتهم وعاداتهم وسلوكهم ، ومع ذلك فقد دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه ، فلماذا تريد لابنك أن يكون مثالاً نادرًا للانضباط العسكري في كل شيء .. مع أنه والحمدلله شاب ملتزم دينيًا وخلقيًا ومتفوق في دراسته وطيب القلب ومحب للناس وللحياة ؟ ..

وتوقفت عن الحديث برهة لأدقق في اختيار كلماتي حتى لا أجرح مشاعر صاحبي ثم قلت له :
إنني أقدر مشاعرك الأبوية ورغبتك الطبيعية في أن يكون ابنك أفضل الأبناء وأجدرهم بالسعادة والنجاح في الحياة ، لكنني أخشى أن تكون انجرفت كما ينجرف كثيرون إلى "الفخ" الذي عبر عنه المفكر الفرنسي فولتير حين قال على لسان "كانديد" في الرواية التي تحمل نفس الاسم : ثمة متعة في انتقاد كل شيء .. وفي كشف الأخطاء فيما يراه الآخرون جميلاً !

فالحق أننا كثيرًا ما نقع في هذا الفخ إذا لم نحترس له فنتورط في انتقاد كل شيء في أعزائنا والمقربين منا وفي الآخرين جميعًا ونسعد بكشف الأخطاء فيما يراه غيرنا جميلاً ولا ضير فيه ، فتكون النتيجة هي أن نتصادم مع من نتمنى لهم "الكمال" ولا كمال إلا للخالق العظيم وحده وتحدث فجوة نفسية ومعنوية بيننا ، وبين من نحبهم ونريد لهم أفضل الأشياء في الحياة ، فإذا بنا بدلاً من أن نحقق ذلك نرهقهم بالانتقاد بالحق والباطل .. ونكلفهم من أمرهم رهقًا ونطالبهم بأن يكونوا ملائكة من ذوات الأجنحة لا بشرًا كالبشر !

فأطرق صديقي برأسه مفكرًا ومتأملاً للحظات ثم رفع رأسه إليّ وقد انبسطت ملامحه واختفت منها آثار القلق السابق وقال لي متسائلاً : إذًا بماذا تنصحني أن أفعل ؟

فأجبته بأنني أنصحه بأن يشكر ربه كثيرًا .. آناء الليل وأطراف النهار وفي الأسحار على ما أنعم به عليه من نعمة يفسد على نفسه التمتع بها بتركيز انتباهه على التوافه من الأمور حتى لو كانت صائبة ، وبأن يجعل من عادات ابنه التي يستنكرها هذه .. نادرة من نوادر الأسرة الخاصة التي تتندر بها وتضحك لها مع الابن ، لا أن تتسخط عليها وتعل منها سببًا للملاحاة والنزاع والشجار معه ، وبذلك فقط قد يتخلص الابن تدريجيًا منها أو من بعضها مع تعمق خبرته بالحياة ، ومع اقتناعه الذاتي وليس الخارجي ، بأن حياته سوف تصبح أفضل وأكثر يسرًا لو ازداد إيمانًا بأهمية النظام لتحقيق النجاح . ومددت يدي لصديقي وهو يغادرني راضيًا ، فتذكرت فجأة ذلك البيت القديم من الشعر المدرسي الذي كان مدرس اللغة العربية يكرره علينا وقتًا كثيرًا :
نعم الإله على العباد كثيرة وأجلَّهن .. نجابة الأبناء

و"النجابة" لغويًا هي "النباهة وظهور فضل الولد على أترابه" لكننا للأسف لم نكن ولا كانت أعمارنا تسمح لنا وقتها بأن نفهم هذا البيت حق فهمه ، ولا أن نقدر هذه النعمة الجليلة حق قدرها ، ثم علمتنا الأيام وتجربة الحياة ما لم نكن نعلم ، وعرفنا كم كان هذا البيت الذي نتندر به أحيانًا صادقًا وجميلاً ومعبرًا عن أعظم المعاني والنعم الحقيقية .

وإذا كنت أرجو الآباء والأمهات دائمًا أن يقبلوا ببعض السمات والعادات الهينة التي يتصورونها غريبة في طبائع أبنائهم ، فلا بأس بأن أرجوك أنت أيضًا يا صديقي ألا تنسى إعادة غطاء أنبوبة معجون الأسنان إلى موضعه لكي تكتمل سعادة الآباء والأمهات "بنجابة" أبنائهم ويستريح الجميع !
(من الكتاب الرائع سلامتك من الآم لعبد الوهاب مطاوع انصحكم بقراءته)
التعديل الأخير تم بواسطة علاء الزئبق ; 29/3/2012 الساعة 07:56

#2
الصورة الرمزية علاء الزئبق
علاء الزئبق غير متواجد حالياً مشرف المهارات النفسية ومهارات التفكير
نبذه عن الكاتب
 
البلد
مصر
مجال العمل
أعمال ادارية
المشاركات
5,604

رد: لا تنس وضع الغطاء

السلام عليكم
سمحت لنفسي أن انسق تلك الكليمات الرائعة
جزيتم عنا كل خير ولمزيدك المثمر رانيا

#3
الصورة الرمزية رانيا رونى
رانيا رونى غير متواجد حالياً مستشار
نبذه عن الكاتب
 
البلد
مصر
مجال العمل
تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
المشاركات
1,525

رد: لا تنس وضع الغطاء

جزاك الله خيرا على التنسيق يا أستاذ علاء
وفقك الله لما فيه الخير دائما

إقرأ أيضا...
دورات تدريبية نرشحها لك

برنامج اودوو – اي ار بي Odoo ERP Solution

هذا البرنامج التدريبي يشرح برنامج Odoo وهو واحد من اشهر نظم تخطيط الموارد للشركات او ما يعرف ب ERP يحتوى هذا الكورس على مجموعة تطبيقات المحاسبة فى اودو والتى تضم تطبيقات المحاسبة والمبيعات والمشتريات والمخزون


دبلومة كبير المراجعين لمواصفة ادارة الجودة ISO-9001

بحصولك على هذا الدبلوم التدريبي ستكون مؤهلا تماما للقيام بالمهام الوظيفية الكاملة لوظيفة كبير المراجعين لمواصفة الأيزو 9001، هذا بالاضافة الى تعرفك على جميع انواع مراجعات الجودة ووسائل وتقنيات المراجعة واطلاعك على مهام رئيس فريق المراجعين وآلية التخطيط لعملية لمراجعة والتعرف على الاجراءات التصحيحية والعديد من الموضوعات المتعلقة بالجودة.


ورشة تخطيط الأحمال والتأهيل الرياضي

ورشة تدريبية متخصصة تساعدك على فهم واستيعاب مفاهيم تخطيط الاحمال والتأهيل الرياضي، حيث يقدم للمشاركين تعريف متكاملا بمجال التأهيل الرياضي والاسلوب الاحترافي لتخطيط الاحمال التدريبية.


برنامج الممارسات الصحية في مستودعات المواد الغذائية

برنامج تدريبي يشرح الممارسات الصحية في مستودعات المواد الغذائية ويعزز وعي المتدربين بالاشتراطات الصحية كدرجات الحرارة ونسبة الرطوبة المناسبة واشتراطات المباني والارضيات وطرق مكافحة الحشرات وادارة النفايات وتطبيق الممارسات الحديثة في ادارة مستودعات المواد الغذائية.


دبلومة اعداد وتأهيل وكلاء اللاعبين فى كرة القدم

برنامج يتناول بالشرح محددات لائحة اللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولى لكرة القدم (FIFA®) وطبيعة عمل وكيل اللاعبين وتراخيصها وعقود لاعبى كرة القدم وقواعد انهاءها ولوائح عمل وكلاء اللاعبين ببعض الاتحادات العربية لكرة القدم وادارة وفض المنازعات والتسوية فى عقود لاعبى كرة القدم وادارة التفاوض مع لاعبى وأندية كرة القدم ( قبل التوقيع وابرام العقود ) ومكونات عقود احتراف لاعبى كرة القدم وممارسات وتطبيقات وخبرات عملية فى وكالة اللاعبين .


أحدث الملفات والنماذج