غضب الأمير أهون من غضب الله

جاء في "العقد الفريد" لابن عبد ربه (4/25) ما نصه:

«دخل جامع المحاربي على الحجاج – وكان جامع شيخًا صالحًا خطيبًا لبيبًا جريئًا، وهو الذي قال للحجاج حين بنى مدينة واسط: بنيتها في غير بلدك. وتورثها غير ولدك.

فجعل الحجاج يشكو له سوء طاعة أهل العراق وقبح مذهبهم،

فقال جامع: أما إنهم لو أحبوك لأطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك، ولا لذات نفسك، فدع عنك ما يبعدهم منك إلى ما يقربهم إليك، والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.

فقال الحجاج: ما أرى أن أردَّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف.

قال جامع: إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار.

قال الحجاج: الخيار يومئذ لله.

قال جامع: أجل، ولكنك لا تدري لمن يجعله الله.

قال الحجاج: إنك من محارب يا هناه.قال جامع:
وللحرب سُمِّينا وكنا محاربًا

إذا ما القنا أمسى من الطعن
قال الحجاج: والله لقد هممت أن أخلع لسانك فأضرب به وجهك.

قال جامع: إن صدقناك أغضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، وغضب الأمير أهون علينا من غضب الله.

قال الحجاج: أجل، وسكت».