دخل مفهوم الهندرة إلى أدبيات الإدارة عام 1993م على يد كل من (مايكل هامر وجيمس تشامبي) في مؤلفهما الشهير «إعادة هندسة المنظمة Reengineering the Corpration», وقد ترجمه البعض «إعادة هندسة نظم العمل في المنظمات» (الهندرة) وكتاب مايكل هامر وستفين ستانتون في كتابهما الموسوم: «ثورة إعادة الهندسة» عام 1995م. ووفقاً لكل من «هامر وتشامبي», «تعد الهندرة أحدث صيحة في عالم الإدارة اليوم، فبعد أن تمكنت عدة مؤسسات رائدة في تحقيق نتائج لم يسبق لها مثيل في عالم التطوير والتحسين المستمر، سارعت مؤسسات أخرى في مختلف أنحاء العالم إلى اعتناق هذا الأسلوب الإداري الجديد, وتوظيفه لتطوير مختلف جوانب العمل فيها. من الناحية النظرية البحتة، فإن الهندرة أداة لتطوير المؤسسات التي تطبقها، وذلك من خلال التغيير الجذري لطرق أدائها لأعمالها».
مفهوم الهندرة «إعادة هندسة المنظمة»:
الهندرة هجين لفظي مركب من الحروف (هـ ن د) من كلمة هندسة والحروف (رة) الحروف الأخيرة من كلمة إدارة. وهي تمثل ترجمة لكلمتي Reengineering the Corporation, والترجمة الأدق للمصطلحات الإنجليزية- من وجهة نظرنا المتواضعةـ هي: «إعادة هندسة المنظمة», وفيما يلي عرض لبعض من مفاهيم الهندرة, كما ورد في بعض من أدبيات الإدارة:
1- الهندرة تعني: «البدء من جديد, أي من نقطة الصفر, وليس إصلاح وترميم الوضع القائم, أو إجراء تغييرات تجميلية تترك البني الأساسية, كما كانت عليه. كما لا يعني ترقيق الثقوب, لكي تعمل بصورة أفضل, بل يعني التخلي التام عن إجراءات العمل القديمة الراسخة, والتفكير بصورة جديدة, ومختلفة في كيفية تصنيع المنتجات, أو تقديم الخدمات لتحقيق رغبات العملاء».
2- الهندرة تعني: “إعادة تصميم العمليات بشكل جذري بهدف تحقيق طفرات كبيرة في الأداء”.
3- الهندرة تعني: “عملية إعادة التفكير المبدئي والأساسي، وإعادة تصميم العمليات الإدارية بصفة جذرية، بهدف تحقيق تحسينات جوهرية فائقة, وليست هامشية في معايير الأداء الحاسمة مثل: التكلفة، والجودة، والخدمة، أو السرعة”.
4- الهندرة تعني: “إجراء تحسين كبير دفعة واحدة عن طريق إعادة النظر الجذرية في العمليات والأنشطة التي تنفذها المؤسسة, وذلك ضمن فترة وجيزة”.
5- الهندرة تعني: “ذلك الانتباه الحاد, والحذر في الفجوة التنظيمية بين التنظيمات القائمة, فيما يتعلق بمستويات الأداء, والإنتاج من خلال العمل على تطوير وتحديث أساليب العمل بشكل يساعد على إحداث طفرة في الأداء خلال فترة زمنية قصيرة”.
وخلاصة القول أن الفكرة الأساسية وراء إعادة الهندسة (الهندرة): “هي أن المنظمات بحاجة إلى تحديد عملياتها الرئيسية, وجعلها مرشدة, وكفئاً قدر الإمكان, أما العمليات الثانوية (ومن ثم الأفراد الثانويين), فيلزم التخلص منها, وقد قال (هامر): لا تلجأ إلى الميكنة, بل المحو من الوجود”.
مفاتيح عملية الهندرة الإدارية:
وفقاً لمفهوم الهندرة هناك عدد من المفاتيح الفكرية التنظيمية لهذه العملية نشرحها كالتالي:
1- أساسي Fundamental: عند تطبيق الهندرة ينبغي طرح الأسئلة الأساسية عن المنظمة, وكيفية إدارتها وتشغيلها.
2- لماذا نقوم بهذا العمل؟ أو لماذا نتبع أسلوباً معيناً في الأداء؟
3- جذري Radical: تعني التغيير من الجذور, وليس مجرد تغييرات ظاهرية وسطحية، أي التخلص من القديم.
4- فائق Dramatic: نسف التراتيب القديمة تماماً واستبدال الجديد بها بغرض تحقيق طفرات فائقة وهائلة في معدلات الأداء، لأن الهندرة تعد ملحة في حالة الحاجة إلى تغييرات جذرية في مستويات وأساليب الأداء, لأن التحسينات البسيطة لا تحتاج إلى أكثر من عملية ضبط بسيط لأوتار العمل.
5- العمليات Processes: مجموعة الأنشطة التي تستوعب واحداً أو أكثر من المدخلات لتقديم منتج ذي قيمة للمستفيدين.
وللبدء في عملية الهندرة “لا بد للمنظمة أن تحضر ورقة خالية, وترسم خريطة عملياتها، وبعد أن يصبح لديها خريطة دقيقة توضح الكيفية التي ينبغي بها تسير أعمالها، يمكن للمنظمات عندئذ أن تحاول ترجمة النظرية المكتوبة على الورق إلى واقع ملموس).
مرتكزات وأسس عملية الهندرة:
تبنى عملية الهندرة على الأسس والمرتكزات التالية:
1- إعادة تصميم الهيكل التنظيمي من النمط الهرمي إلى النمط الأفقي.
2- إعادة تصميم مهام وأدوار وصلاحيات ومسؤوليات الوظائف والأعمال, وتحويلها من أدوار فردية إلى أدوار جماعية على شكل فرق عمل تتمتع بالاستقلالية, والمرونة, والتطوير في أدائها.
3- منح فرق العمل قدراً كبيراً من الصلاحية لممارسة أعمالها بكل مرونة وحرية, مما يستلزم دفع تخويل السلطات من أعلى الهرم الإداري إلى قاعدته, ما يساهم هذا التخويل في رفع أداء الرؤساء والمرؤوسين, وإنجاز الأعمال في الزمن المحدد.
4- إعادة تصميم دور الإدارة الوسطى بتقليص عدد وظائفها, بحيث يصبح التشكيل التنظيمي أفقياً وليس رأسياً.
5- إعادة تصميم أنظمة الحوافز من النظام الفردي إلى النظام الجماعي كاستجابة طبيعية لتغير المهام والأدوار الفردية إلى المهام والأدوار الجماعية.
6- إعادة تغيير معايير الأداء بما يتلاءم مع أسلوب العمل الجماعي.
7- إدخال تقنية المعلومات على العمل في المنظمة.
خصائص نظم العمل بعد هندرتها:
تتسم نظم العمل بعد عملية الهندرة بالخصائص التالية
1- دمج عدة وظائف في وظيفة واحدة.
دمج عدة وظائف منفصلة في وظيفة واحدة بقصد إلغاء تعدد جهات الاختصاص للتخلص من الأخطاء, وخفض التكاليف الإدارية غير المباشرة.
2-الموظفون يتخذون القرارات
الموظف يتخذ القرار المناسب, لأن القرار جزء من العمل ذاته, وليس حكراً على المديرين.
3-تنفيذ خطوات العمليات حسب التدفق الطبيعي لها
التخلي عن أسلوب الخطوات المتتالية, وإخضاع الترتيب لطبيعة العملية لتضيق الفارق الزمني بين الخطوات.
4-تعدد خصائص العمليات
تصميم كل عملية بحيث تتناسب مع الحالات الإنتاجية المتباينة.
5-إنجاز العمل في مكانه
في المنشآت التقليدية يرتكز نظام العمل على التخصص الكامل, بينما في مفهوم إعادة الهندسة يتم نقل العمل من خلال الوحدات التنظيمية المناسبة لتحسين الأداء العام.
6-خفض مستويات الرقابة
استخدام الضوابط الرقابية في حدود جدواها وفاعليتها فقط.
7-تقليل الحاجة إلى مطابقة المعلومات
التقليل من جهات الاتصال الخارجية لكل عملية, وهذا التقليص يخفف من فرص التباين في المعلومات والمطابقة.
8-الجمع بين المركزية واللامركزية
تتمكن المنظمات التي تطبق الهندرة من الاستفادة من مميزات المركزية واللامركزية في عملياتها باستخدام تقنية المعلومات للإدارات والأقسام بصورة مستقلة, وفي ذات الوقت ربطها بشبكة اتصالات مركزية.
9-مدير العملية (منسق العمليات)
توفير مدير واحد للعمليات يوفر جهة اتصالات موحدة, ويعمل كمنسق بين العمليات, ويظهر أمام المستفيد كجهة مسؤولة عن العملية برمتها.
مراحل عملية الهندرة الإدارية:
تمر عملية الهندرة بعدد من المراحل المتداخلة نوردها في الآتي:
المرحلة الأولى: التحضير, وتتضمن المهام التفصيلية التالية:
1- الإحساس بالمشكلة. 2- موافقة الإدارة. 3- تدريب الفريق. 4- تخطيط التغيير.
المرحلة الثانية: التحديد, وتتضمن المهام التفصيلية التالية:
1-نماذج العملاء (المستفيدن الداخليين والخارجيين). 2- قياس الأداء. 3- تحديد طبيعة كل عنصر من العناصر المتفاعلة في المنظمة. 4- نماذج العمليات. 5- تحديد النشاطات. 6- تعديل العمليات. 7- الخريطة التنظيمية والمالية. 8- تحديد الأولويات.
المرحلة الثالثة: الرؤية, وتتضمن المهام التالية:
1- فهم بنية العمليات. 2- فهم تدفق العمليات. 3- تحديد مقاييس الأداء وتحقيق دوافعه. 4- تقدير الفرص المتاحة. 5- التصور المثالي للأداء.
المرحلة الرابعة: التصميم الفني بغرض تصميم حل قادر على تحقيق الرؤية: ويشمل المهام التالية:
1- نموذج للعلاقات. 2- إعادة فحص روابط العلاقات. 3- إدارة المعلومات. 4- توحيد نقاط المعلومات. 5- تحديد البدائل. 6- تصميم الرقابة. 7- إعادة الانتشار. 8- توظيف التقنية.
المرحلة الخامسة: التصميم الاجتماعي: وتتضمن المهام التالية:
1- تمكين الموظفين.
2- تحديد خصائص مجموعات العمل. 3- بناء فرق العمليات. 4- بناء الهيكل الإداري. 5- رسم الحدود التنظيمية. 6- رسم نظام للمسارات الوظيفية مبني على الخبرة والمهارة والمعرفة والفاعلية بدلاً من نظام الأقدمية.
المرحلة السادسة التحول: وتتضمن المهام التالية:
1- اختبار النظام الجديد. 2- تقييم أداء الموظفين. 3- تركيب النظام وبدء التشغيل. 4- التصحيح والتحول.
المنظمات التي تحتاج إلى الهندرة:
1- المنظمات ذات الوضع المتدهور.
2- المنظمات التي لم تصل إلى التدهور بعد.
3- المنظمات التي بلغت القمة في النجاح.
الأجهزة التي تتولى عملية الهندرة: هناك عدد من الأجهزة التي تقع على عاتقها عملية إعادة الهندسة:
1- قائد العملية: المسؤول الذي لديه الصلاحية لإحداث التغيير اللازم في التنظيم الإداري.
2- صاحب العملية: المدير الذي يتولى مهام توجيه عملية الهندرة.
3- فريق الهندرة: مجموعة الموظفين المكلفين بهندرة عملية محددة.
4- اللجنة الموجهة: لجنة من كبار المديرين مسؤولة عن رسم وتطوير سياسات الهندرة ومراقبة تنفيذها.
5- منسق الهندرة: المساعد الرئيس لقائد العملية.
إيجابيات الهندرة: يمكن أن تحقق الهندرة الإيجابيات التالية:
1- السعي نحو تحقيق الجودة, والسرعة, وتخفيض التكاليف.
2- تحديد غايات واستراتيجيات المنظمة بشكل عملي.
3- التوجه نحو المستفيد باعتباره المحرك للأهداف.
4- التعرف على العمليات ذات القيمة المضافة.
5- التركيز على العمليات وليس الوظائف.
6- التعرف على العمليات الهامشية التي لا تضيف قيمة ثم تحليلها.
7- الاستخدام الملائم للأدوات الإدارية للتأكد من دقة المعلومات المساندة لها.
عوامل فشل وسقوط عملية الهندرة:
هناك عدد من العوامل الجذرية التي أدت إلى خمود موضة الهندرة, نشير منها إلى التالي:
1- الاعتقاد بأن الهندرة علاج عالمي, وشامل للأمراض الإدارية: “تشير البحوث التي جرت في معهد (MIT) إلى أن البدع الإدارية تتبع حياة منتظمة, حيث تبدأ باكتشاف أكاديمي ثم تصاغ الفكرة الجديدة في صورة تقنية, وتنتشر في مطبوعة أكاديمية، ويتم بعد ذلك الترويج لها على نطاق واسع، كوسيلة لزيادة الإنتاجية, وخفض التكاليف.. ويلتقط الاستشاريون الفكرة بعد ذلك, ويعاملونها كعلاج عالمي شامل لكل العلل والمشكلات الإدارية، وبعد أن تخفق المحاولات العملية في تحقيق النتائج المبهرة والواعدة. يتضح مدى صعوبة تحويل الفكرة اللامعة إلى ممارسة مستدامة. وأخيراً يأتي الاستغلال الملتزم من جانب عدد صغير من الشركات. ولا شيء يجسد هذا النمط أفضل من صعود مفهوم إعادة هندسة عمليات العمل إلى العالمية وسقوطه المحتوم”.بالنسبة (لتشامبي وهامر)، كانت إعادة الهندسة تعني ما هو أكثر من التعامل مع عمليات وحسب, وحرص الاثنان على تفادي استخدام عبارة “إعادة هندسة عمليات العمل” معتبرين إياها مقيدة أكثر مما ينبغي. وكانا يعتقدان أن نطاق إعادة الهندسة الحقيقية وصفة شاملة لثورة مؤسسية. وقال (هامر): “في عالمنا المعاصر الذي يعج بالبشر المحرومين، يعد عدم الكفاءة إثماً.. وللأسف, فقد اتضح أن كثيراً من الشركات المعاد هندستها آثمة”.!!
2- التجاهل لسنوات أو حتى عقود من الثقافة التنظيمية التي جعلت منظمة ما, تؤدي شيئاً ما بطريقة معينة, وليس من السهل التخلص من مثل هذه الثقافة التنظيمية المتراكمة السابقة.
3- إعادة الهندسة بدت لا إنسانية في توجهاتها, فقد عومل الأفراد بصورة بالغة السوء باسم إعادة الهندسة في بعض الأحوال, ومثل ما يوحي الاسم, فإن مفهوم إعادة الهندسة يرى المنظمة كآلة أكثر من رؤيتها كمصفوفة إنسانية. ولقد أثبت الجانب الإنساني أنه أكبر عقبة في طريقها.
4- لقد أصبحت الهندرة غطاء مرادفاً للفصل من العمل, وخفض حجم المنظمة.
5- فشل إعادة الهندسة على التأثير في مستوى الإدارة العليا, لأنهم غير مستعدين لتطبيقها على أنفسهم: “يباشر رجال الإدارة العليا إعادة الهندسة بشغف وحماسة متقدة, فيهدمون الهياكل المؤسسية التي لم يعد بمقدورها دعم المنظمة, ومع ذلك فقد أفلتت ممارسة الإدارة العليا من الهدم بدرجة كبيرة، وإذا تركت وظائفهم وأساليبهم على حالها سيقوض المديرون دعائم هيكل منشآتهم المعاد بناؤها ذاته في نهاية المطاف”.)!!
6- من يتأمل مفهوم الهندرة بتعمق يجد أن الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه الهندرة كان عدم التعامل مع إدارة الهندرة أولاً.!!
الدكتور/ محمدبنعليالخليوي
رد مع اقتباس
