"إقتصاد الأخوة" .. صيحة القرن الـ21 لانقاذ العالم من توحش الرأسمالية


وضع أسسه المصري ابراهيم أبو العيش .. فكرمه العالم بجائزة نوبل البديلة




فكرة "إقتصاد الاخوة" للعالم المصري الدكتور ابراهيم أبو العيش اعتبرتها لجنة "الحياة الحقة" السويدية المعروفة باسم "نوبل البديلة" وهي تكرمه عام 2003 اكتشافا للنموذج الامثل لقيادة الاقتصاد العالمي فى القرن الواحد والعشرين من واقع تجربة التنمية الاقتصادية التي أسسها بنفسه في مصر من خلال مبادرة "سيكم" التي تشمل نموذجا اقتصاديا ثقافيا وجتماعيا عملاقا.


بين النظرية والتطبيق الفعلي .. مسافات شاسعة تشغلها الخبرات والتجارب ومواجهة التحديات وصولا الى صياغة واقع ملموس على الأرض يخرج النظرية من حيز الفكرة الى نطاق الحقيقة .. هذا ما حدث مع فكرة "إقتصاد الاخوة" للعالم المصري الدكتور ابراهيم أبو العيش التي اعتبرتها لجنة "الحياة الحقة" السويدية المعروفة باسم "نوبل البديلة" وهي تكرمه عام 2003 اكتشافا للنموذج الامثل لقيادة الاقتصاد العالمي فى القرن الواحد والعشرين من واقع تجربة التنمية الاقتصادية التي أسسها بنفسه في مصر من خلال مبادرة "سيكم" التي تشمل نموذجا اقتصاديا ثقافيا وجتماعيا عملاقا.
ولعل الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي بقسوة تهدد بجرجرته والاقتصاد العالمي الى سنوات من الركود، قد ساهمت في طرح تساؤلات متعددة حول النموذج الاقتصاد الأمثل لقيادة العالم في ظل إنهيار النموذج الشيوعي الذي يقوم على ملكية الدولة لكل شئ - مع تفكك قلعته الحصينة الممثلة في الاتحاد السوفيتي - وتكرار فشل النظام الرأسمالي الحر وقيادته العالم الى هزات عنيفة متتالية، ودخول العالم الى ما اصطلح على تسميته بالرأسمالية الموجهة التي تفعّل فيها وسائل الرقابة الداخلية لمنع الممارسات الخاطئة التي تسود فيها روح المضاربة والمغامرة على القرارات الاقتصادية.. وسيطرة الاقتصاد التمويلي علي الاقتصاد الحقيقي.. الامر الذي يطرح نظرية "اقتصاد الأخوة" بصفتها البديل الأمثل.

بداية يقول الدكتور ابراهيم أبو العيش : أن الاقتصاد من وجهة نظره لا ينفصل عن العلاقات الاجتماعية والاخلاقيات التي تحكم السلوك الانساني والاجتماعي، وتنظم العلاقات بين الناس والتي تقرر الفارق بين التاجر الشريف ونظيره الذي لا يهمه سوى تحقيق الربح بغض النظر عن ضرر تجارته على المستهلك والبيئة أو تجاهله للدور الاجتماعي للمال باعتباره وسيلة أو أداة أتاحها الله لنا لتعمير الأرض وانماء البشرية التي تنمو بزيادة قدرتها على التطور والابتكار، وليست غاية في حد ذاتها.

ويحدد أبو العيش ملامح الدائرة الاقتصادية الحقيقية بانها تبدأ بتحويل الموارد الطبيعية الى منتجات تخدم البشرية وتوزيع هذه المنتجات وتحصيل عوائد من عملية البيع ثم إدارة تلك العوائد لاحداث التنمية المستدامة التى تعنى بناء المدارس وتطوير التعليم وانشاء المستشفيات وتشجيع البحوث الطبية والعلمية وبناء المرافق الثقافية وتحسين الطرق والبنية الأساسية وتوفير حد أفضل من الرفاهية للمواطنين وصيانة البيئة ومراعاة الأخلاقيات، وبالتالي فإنه بدون تواصل تلك الدائرة، تختل المنظومة الاقتصادية، ويحدث ما جرى في الولايات المتحدة الامريكية العالم عندما سيطر اقتصاد المضاربات في مقابل الاقتصاد الحقيقى، وتحول الهدف من استغلال الاقتصاد لادارة العوائد لاحداث التنمية الى جني الأرباح فقط دون قاعدة أخلاقية، فأصبح كل طرف في العملية الاقتصادية يستغل الأخر ويربح على حسابه.

ويضيف أبو العيش أن "اقتصاد الأخوة" يعتمد على اقرار العدالة لكل أطراف العملية الاقتصادية، من منطلق أن الاقتصادي هو الذي ينتج سلعة أو خدمة لصالح أخوه المستهلك، وبالتالي فإن أهم قواعد "اقتصاد الأخوة" هو أن يبذل المنتج أقصى ما في استطاعته لانتاج سلعة صالحة ومفيدة، وتسعيرها بشكل عادل بحيث لا يتضرر أي طرف في العملية الانتاجية، وحفظ حق الفلاح الذي يزرع القطن أو البن على سبيل المثال في حياة كريمة، لأن انتاجه الذي يستخدمه كل من هم بعده في السلسلة الاقتصادية وصولا الى المنتج النهائي والمستهلك الأخير هو مصدر أرباجهم ورفاهييتهم، وبالتالي فمن العدل أن يحصل كل طرف على نصيبه العادل من ثمن السلعة وبنسب متساوية من العوائد، بمايسمح بوصول التنمية الى كل الأطراف.

ويعتمد النظام الاقتصادي الذي يتبناه أبو العيش على إنشاء مجلس يجمع ممثلين لجميع الفئات المشاركة في العملية الاقتصادية من منتجي المواد الخام كالمزارعين الى جانب الصناع والتجار والموزعين والمستهلكين، ليحددوا معًا سعر السلعة المباعة وبالتالي يتقرر بناء على ذلك النصيب الحق لكل منهم وعوائده".

وويعد الدكتور ابراهيم أبو العيش واحد من اهم مؤسسي آلية "التجارة العادلة" على مستوى العالم والتي تكونت بعد أن أدرك العالم أن التجارة بوضعها الحالي في ظل النظم الرأسمالية، أصبحت وسيلة غير عادلة للتنمية الاقتصادية في البلدان النامية، وآلية لفرض سياسات اقتصادية بعيدة كل البعد عن العدالة من قبل الدول المتقدمة باتجاه الدول النامية، بدلا من كونها أداة لخدمة التنمية، والقضاء على الفقر.. وتهدف "التجارة العادلة" الى إقرار نموذج للتبادل التجاري بين الدول المتقدمة والدول الأقل تقدما على أسس أكثر عدلا وإنصافا وذلك بحماية الطرف الأضعف، وتحقيق النمو عندما يحصل حصول كل فرد على حقه، وبالتالى محاربة الفقر بكل صوره ونتائجه.

وتقوم آلية التجارة العادلة على عدة مبادئ أبرزها محاولة تقليل مساوئ التجارة الحرة وتحقيق المساواة وتحديد سعر عادل للمنتجات من خلال النظر إلى الاحتياجات الحقيقية للمنتجين الصغار وعائلاتهم، مع الأخذ في الاعتبار أسعار تلك المنتجات في الأسواق، شريطة التزام هؤلاء الفلاحون بجودة الإنتاج، والانتقال الى نظام الانتاج بالزراعة الحيوية الخالي من المبيدات الكيماوية، وأن تكون المنتجات الزراعية المباعة غير ضارة بالبيئة أو بصحة الإنسان، على أن تمنح منظمات التجارة العادلة التي يحتفل بيومه العالمي في 31 مايو من كل عام، الفلاحين الصغار منحة سنوية تمكنهم من تمويل المشاريع التي تسعى إلى التطور المحلي الدائم.

ونجح أبو العيش حتى تأسست منظمة التجارة العادلة بمصر "Fair Trade Egypt" عام 1998، كمنظمة لا تهدف للربح، لمساعدة صغار الحرفيين والمزارعين المصريين، وتسويق منتجاتهم من خلال ممارسة أفضل أساليب التجارة العادلة التي لا يرتبط تنظيميا بأي دولة أو أي تمويل عالمي, ولكنها تمثل خيار المستهلك وحده بالانحياز الى مساعدة الفلاح الصغير حتى تحدث التنمية.

"اقتصاد الأخوة" والتنمية المستدامة التي طبقها أبو العيش في مبادرة سيكم جعلته المصري الوحيد وأحد عضوين عربيين بمجلس مستقبل العالم الذي أسسه 50 شخصية من حكماء العالم و القيادات الأخـلاقيـة في منتدى اعتبره البعض ضميرا كونيا لطرد هواجس هرولة البشـرية تســـير نحـو الصـدام مـع مســـتقبلهـا، والسلبيات الظاهرة مثل نضـوب المـوارد وتلوثهـا واتساع الهوة بين الأغنيـاء والفقـراء، رغم القـدر غيـر المســبوق من المعرفة والمهارات والموارد التي تنعم بها البشرية حاليا.

ويسعى هذا المجلس الى إجراء تغييرات كبيرة متسارعة في الاتجـاه الذي يمضـي فيـه التقدم، منهـا التأكيــد على أهمية مبـدأ الاســتدامة البيئية كقاعـدة للتنميـة البشــرية وتوفر عنصـر العدالة في تصـريف شـؤون العالم، وحماية لحقوق الأبنـاء والأجيـال القادمـة، من خلال تكوين جماعات ضغط من البرلمانيين والمجتمع المدني للمساعدة في نشر السياسات والحلول بعيدة الأمـد بين مختلف البلدان.

ويرى أبو العيش أنه وفقا للاقتصاد الرأسمالي المنهار فإن كل اقتصادي يسعى لأن يكون الأغنى وأن يستحوذ على الأرباح لنفسه، و يجمدها في صورة ودائع وسندات أو قصور فارهة وممتلكات باهظة، دون أن يعيد استخدامها في التنمية المستدامة، بينما يحمي "إقتصاد الاخوة" المستهلكين من تقلبات الأسعار في السوق صعودا وهبوطا، مما يكفل الأمن والطمأنينة لأعضاء العملية التجارية، ويحل التعاون محل المنافسة، كما يستثمر الربح في توسيع العمل وتدريب الموظفين وفي مشاريع تنموية تخدم المجتمع كالمدارس والمستشفيات والمعاهد العلمية ومراكز البحوث والمرافق الثقافية، وكما توفر ملايين من فرص العمل للشباب ليكتسب العلم والخبرة الكافيين وتنمي لديه الشعور بالمسئولية الاجتماعية".

ويقول أبو العيش أن تطبيق هذا النموذج ليس صعبا وأن أفكاره مستمدة من الفطرة والفكر الانساني الذي يكفل إنشاء وتنمية مجتمع سليم يقوم على التكاتف والتكامل الاجتماعى"، وهو ما يمكن معه تطبيق هذه المنظومة الاقتصادية في أي دولة، خاصة أنه يعتمد اسلوب التغيير المرحلي دون الدخول في معركة لتغيير الأنماط الاقتصادية السائدة بشكل سريع.

ويضيف أبو العيش أن أهم سبل نشر "اقتصاد الأخوة" هو التوعية بها، وتكوين علاقات مع السياسيين لترويج الفكرة وبناء اطار سياسي يخدم ويشجع الفكرة ومنح النماذج الإقتصادية التي تطبق مفاهيم "اقتصاد الأخوة" أفضلية في المعاملة الضريبية على سبيل المثال، طالما أن نسبة كبيرة من عوائدها مواجهة لتنفيذ خطط التنمية المستدامة، بدلا من معاملتها بنفس طريقة التعامل مع الكيانات التي لا تهتم سوى بتكديس الأرباح، من منطلق أنه لا يوجد شخص على الأرض الا وهو خادم للتنمية وسببا في دفعها وحريصا على استدامتها من وجهة نظره.

ويفضل صاحب نظرية "اقتصاد الاخوة" أن يؤسس رجال الأعمال منظمات مدنية "جمعيات" تتولى قيادة "أعمال التنمية" كبناء المدارس والمستشفيات ومراكز البحوث العلمية حرصا على استمراريتها من بعده.

ويفضل الدكتور أبو العيش تسمية نظريته بـ "اقتصاد الاخوة" في الوقت الذي تطلق عليه المنتديات الاقتصادية العالمية مسمى "اقتصاد المحبة"، مشيرا الى أن أهم دعائمها هو اتباع أسس "الاخوة" في الانتاج و"العدالة" في توزيع الأرباح واستغلال العوائد من أجل "التنمية الانسانية" المستدامة.

يذكر أن المنتدى الاقتصادي العالمي قد اختار أبو العيش عام 2004 ضمن أفضل 10 خبراء اجتماعيين، بعد عام واحد من حصوله على جائزة نوبل البديلة، والتي نالها أكثر من مائة فائز من 48 دولة على مدار الأعوام الماضية، كان أولهم المهندس المعماري المصري حسن فتحي عام 1980 لدوره في الحفاظ على المعارف والممارسات التقليدية في مجال البناء والتشييد وتطويعها لخدمة الفقراء واحتياجاتهم.

وتضم مبادرة سيكم مجموعة كبيرة من الشركات التى تنتهج التقنيات الحيوية فى الزراعة كما تحتضن مجتمع كبير بالمزرعة الام لسيكم بمحافظة الشرقية التى تجاور مصانعها ومزارعها مدرسة شاملة ودور حضانة وفصول للمعاقين ذهنيا ومستشفى كبير ومعامل أبحاث ومعاهد لتعليم الكبار ومسرح على الطراز الرومانى، فيما تضم إدارة الشركات الى جانب المقرات أكاديمية للعلوم والفنون تقدم أحدث المناهج العلمية فى العالم.