هناك مطالبات بتصحيح اقتصادي يحجم نفوذ الرأسمالية، ولذا لم يكن مستغربا أن تنطلق قبل عدة أشهر بمدينة نيويورك، «حركة احتلوا وول ستريت» التي ما لبثت أن امتدت شعاراتها الاحتجاجية لتصل إلى عدد من العواصم الأوروبية والآسيوية والاسترالية، مطالبة بتعزيز العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل، والتخلص من هيمنة القطاع المالي الذي ساهم في خلق فجوة بين الأغنياء والفقراء.

ورغم أن سلوك تلك الجماعات والفئات المختلفة خالطه الكثير من الانفعالات، وبعض الاضطرابات، إلا أن الحقيقة الماثلة للعيان تكرس حقيقة الهدف ونقاء الغاية، فهي لم تكن سوى رسالة إلى الحكومات ورجال الأعمال والمنظمات الاقتصادية الدولية، تدعوهم فيها إلى المحافظة على كوكب الأرض، وإنقاذ شعوبه الفقيرة.

هذه المبادئ والقيم هي آمال وطموحات يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وذلك بإعادة التفكير العميق حول سلبيات العولمة، وقدرة المواءمة بين ضرورة النمو الاقتصادي ومخاطر الظلم الاجتماعي. وهو ما يقتضي التنسيق الجاد بين الحكومات والقطاع الخاص لمحاولة ردم الفجوة ما يحقق توازنا بين مصالح الشركات وحاجيات الشعوب.

غير أن الغاية الإنسانية في تقديري لهؤلاء المتظاهرين، ترمي إلى إيجاد سياسات اقتصادية جديدة تراعي الظروف الاقتصادية الداخلية وذلك بالضغط على الحكومات، لأن اقتصاد السوق يلعب دورا مؤثرا على الاقتصاديات الوطنية ـ على سبيل المثال (إلغاء الدعم الحكومي أو الإعانات على بعض السلع) ما يعني أن هناك تداخلا وتمازجا بين السياسات الاقتصادية التي تضعها الحكومات وشروط آليات اقتصاد السوق الحر.

ومع ذلك فهم لا ينادون بإلغاء الليبرالية الاقتصادية أو محو آثارها، إلا أن دعواتهم تتمثل في خيار التعامل معها بطريقة ما تؤدي إلى التقليل من آثارها. وحين التعامل مع المفهوم الفائت، نجد أن النتائج إحراق الدول الفقيرة، وتضخيم الفجوة الطبقية ما بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الواحد، وبنفس الأسلوب بين الدول (الشمال والجنوب)، (الصناعي والنامي). ولذلك فإن تجمع هذه الحشود البشرية سيساهم بلا شك في تغيير المشهد وإحداث الفارق، وبالتالي تخفيض الفارق الطبقي ومساعدة الدول الفقيرة بإلغاء ديونها طالما توفرت الرغبة الجادة لدى المعنيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي.

تلك الحشود البشرية تنادي بقيم العدل والحق والمساواة، وتكرس المطالبة باحترام قيمة الإنسان وتحارب من أجل ذلك، ورغم عدم اكتراث الساسة، فإنهم يؤكدون بإصرارهم وعزيمتهم بأن القيم والمبادئ والضمير سوف تنتصر وتبقى ما بقيت الحياة.

*نقلا عن صحيفة عكاظ السعودية.