هناكثلاث خطوط عامة يمكن أن تعد مدخلاً لهذا النقاش ولعل قضية أساليب القيادة الإدارية (Leadership) هي الأكثر إلحاحاً لما أثبتته الدراسات من الارتباط المباشر بين أسلوب القيادة وبين أداء الموظفين إجمالاً وبالأخص على سلمي الأداء (performance) والإبداع (Innovation).
التقرير الذي أصدرته "هاي جروب" (Hay Group) بعنوان: "الرفع لأعلى: تحرير الأداء في الشرق الأوسط" (Lift off: Unleashing Performance in the Middle East) يعد نموذجاً جيداً ومبسطاً لهذا التوجه في دراسة وتحليل الأساليب الإدارية. ويذكر أن "هاي جروب" شركة استشارات إدارية عالمية لديها 85 مكتباً في 47 دولة ونتائج تقريرها مبنية على مسح معلومات أولية (first-hand research) قامت بها في المنطقة مع 500 من قادة الشركات بهدف معرفة كيف يقودون وتأثير هذا على موظفيهم.
وكما ذكرنا في المقال السابق فإن التقرير أوضح أن أبحاثهم كشفت "أن الشركات في الشرق الأوسط ترقد على مخزون هائل من الفعالية (efficiency) والإنتاجية (productivity) غير المستغلة والتي يجب عليهم تحريرها في موظفيهم. للوصول لهذا المخزون فإن على المؤسسات إنشاء مناخ للعمل يعزز ثقافة الأداء المرتفع داخل المؤسسة. هذا النوع من المناخ يعتمد على أسلوب القيادة التي يتبعها المديرون في تعاملهم اليومي مع الموظفين".
التقرير أكد أن 70% من قادة الشركات في الشرق الأوسط يرتكزون على أسلوب القيادة القسري أو الجبري (coercive style) رغم وجود أساليب قيادية أخرى. والنتيجة أن 62% من القادة في الشرق الأوسط يوجدون مناخاً غير محفز للعمل
(de-motivating work climate) مقارنة مع 32% فقط في الولايات المتحدة. في المقابل فإن 37% يوجدون مناخاً للأداء المرتفع في الولايات المتحدة في مقابل 15% فقط في الشرق الأوسط. ويرى التقرير أنه رغم شيوع الانطباع بأن السلطة والتحكم (Command and Control) مطلوب في الشرق الأوسط إلا أن هذه المنهجية ليست أكثر فعالية في الشرق الأوسط من أي مكان آخر.
"هاي جروب" بخبرتها العملية وجدت أن هناك 6 أساليب (Styles) عامة للقيادة:
1ـ الجبري أو القسري (Coercive): هذا الأسلوب يعتمد على الطاعة. القادة الذين يتبعون هذا الأسلوب يؤمنون بشكل عام أن أي مساهمة أو مشاركة من موظفيهم ليس بالأمر الضروري.
2ـ الرسمي أو الموثوق (Authoritative): القادة الذين يتبعون هذا الاسلوب لديهم القدرة على الالهام وعلى شرح كيف تساهم جهود موظفيهم في تحقيق "الرؤية" (Vision). ويقومون من خلال الوضوح (Clarity) والتعاطف (Empathy) بتحريك الناس نحو النتائج المطلوبة.
3ـ الانضمامي (Affilative): يخلق القائد نوعاً من التجانس والتناغم الذي يرفع المعنويات ويحل المشاكل.
4ـ الديموقراطي: لدى القائد إيمان بأن فريقه قادر على اتخاذ القرارات التي لها تأثيرعليهم. ومن ثم يصبح القائد مجرد عضو في فريق اتخاذ القرار.
5ـ واضع الخطوات (Pacesetting): هؤلاء القادة لديهم استثارة عالية لتحقيق شيء من خلال جهودهم. معاييرهم الشخصية مرتفعة ولديهم الكثير من المبادرات. في المقابل لديهم غالباً صبر قليل ويميلون لطريقة القيادة من خلال النموذج
(Lead through example).
6ـ التدريبي (Coaching): القائد يستمع كثيراً ويساعد الأشخاص على تحديد نقاط قوتهم وضعفهم ويقوم بالتشجيع وتفويض الصلاحيات وتحسين الأداء من خلال بناء بعيد الأمد لقدرات الأشخاص.
إذا كان الأداء المرتفع مرادفاً للإبداع والمسؤولية في العمل فإن مربط الفرس هنا هو أسلوب القيادة ومدى ما يدفع به نحو هذه الوجهة. إن الأسلوب الجبري الغالب على أساليب القيادة في المنطقة يتسبب في إنشاء حلقة مفرغة حيث إن هذا الأسلوب يقتل أي رغبة لدى الموظف في الحصول على الاستقلالية (autonomy) التي تغذي التحفيز. في المقابل كلما نقصت مطالبات الموظفين في الحصول على استقلالية وتحمل المزيد من المسؤولية كلما كان الدافع أقل لدى القادة للتخلي عن هذا الاسلوب الجبري. الخاسر في النهاية هي المؤسسة – أيا كانت – التي يديرها مثل هذا القائد حيث إن نسبة قيامه بإيجاد مناخ للأداء المرتفع لا تتعدى 3.5% بينما إنشاء مناخ محفز للعمل يمكن أن يرفع الأداء في المؤسسات بنسبة 30%.
يقول التقرير إنه حان وقت التغيير وأن يعي القادة أن أسلوب القيادة هو أكبر مؤثر في مناخ العمل. وبالتالي بات من الضروري أن يتم التركيز على تطوير مهارات القيادة لدى المديرين. 86% من القادة الذين يوجدون مناخاً للأداء المرتفع يستخدمون مزيجاً من 3 أساليب أو أكثر وتكمن المهارة في كيفية استخدام الأساليب بحسب الأوضاع المختلفة والمتطلبات المختلفة سواء للعمل أو لكل موظف. على أن أبحاث "هاي جروب" تكشف أن الأسلوب الموثوق عند إضافته للأساليب الأخرى يؤدي إلى نتائج فعاّلة. فالقادة الذين يتبعون هذا الأسلوب يضعون أهدافاً موحدة ويشرحون المنطق خلف قراراتهم ويقومون بالإقناع حول فوائد قراراتهم وأفعالهم. ثلثا القادة الذين يوجدون مناخاً للأداء المرتفع في المنطقة يستخدمون هذا الأسلوب.
السؤال الآن: إلى أي مدى يرتبط ضعف أداء أجهزتنا الحكومية بقضية القيادة الإدارية فيها؟ وهل القيادة الإدارية لدينا سبب لهذا الضعف؟ أم أنها مجرد ظاهرة للفشل الذي يعود لأسباب أخرى؟