عجيب امر هذه الدنيا .. الانسان يعيش فيها وهو دائم الانتظار .. بعد تكوينه في بطن امه ينتظر اللحظة التي يأذن فيها الله لينزل الى الدنيا، وبعد أن يولد يظل يرضع من ثدي أمه في انتظار اللحظة التي يفطم فيها ثم يكبر وينتظر الحصول على شهادته ومن ثم ينتظر فرصة عمل تكفيه رغد العيش ثم ينتظر المرأة التي سيكمل معها الطريق وينتظر أن يرزق الله بالذرية وينتظر، وينتظر، وينتظر .. لنكتشف بعد كل هذا ان الانسان يعيش حياته نفسها وهو منتظرا اللحظة الموعودة التي اختارها له المولى عز وجل ليلاقي ربه.
وتتباين لحظات الانتظار دائما ويعيش فيها الانسان بين حالات من الفرح الشديد والحزن الشديد واللهفة والرغبة وغيرها من الاحاسيس والمشاعر المتلاحقة التي ترتبط بكل لحظة انتظار يعيشها الانسان .. ولكن أصعب أوقات الانتظار هو الوقت الذي ينتظره الانسان لتتحقق امانيه .. يكون هذا وقتا صعبا وطويلا ومملا .. يظل الانسان على شوق ورجاء في انتظار ان يستجيب الله لدعائه ويحقق له مراده .. احيانا يكتب له الله ذلك وتتحقق امانيه ويستجاب الى دعائه وبهذا يكون الله قد عوضه عن لحظات انتظاره خير العوض .. وأحيانا أخرى يظل الانسان منتظرا ولكن الله لا يستجيب و لا ينال الانسان حينها الا مرارة الانتظار وجزاء الصابرين إن صبر واحتسب.
كيف اصف هذه اللحظات العصيبة التي يظل فيها الانسان يعد الدقائق والثواني واللحظات في انتظار فرج الهي قد يأتي وقد لا يأتي .. ان تلك اللحظات التي يعيش فيها الانسان على حافة الصبر يعيش كل المتناقضات فبين رغبته في ارضاء ربه والصبر حتى يتحقق الأمل والمراد وبين أمله ورجاءه في تحقيق ما يرجوه وما يتمناه وهو يتوسل ويتذلل الى مولاه كي يحقق له رجاءه .. يحيا الانسان على شفا الايمان ولكنه أيضا لا يفصله عن النكران والجحود إلا شعرة واحدة .. وفي تلك اللحظات يكون الانسان أحوج ما يكون الى علامات واشارات من ربه ليتبعها.
فبينما قد ينقطع الأمل والرجاء اذا ما نفذ الصبر .. يكون كرم المولى عز وجل في صور عدة لعل أهمها العلامات والاشارات التي يرسلها الله الى عباده الصابرين .. وهي اشارات وعلامات تشحن طاقة الصبر لتزيد الصابرين صبرا على صبرهم .. وهذه العلامات هي التي تحميهم من ان ينقطع بهم الرجاء والأمل في كرم الخالق عز وجل، والكيّس من قرأ تلك الاشارات وفهم تلك العلامات ليعلم أن الله لا ينقطع كرمه أبدا ولكنه يؤخر الخير الى أجل معلوم .. يكون فيه الخير أخير ويكون فيه الحلم أجمل وتتحقق فيه الامنيات تلاحقها البركات .. فيكون الله سبحانه وتعالى بهذا قد حقق للعبد ما كان يرجو وكتب له الخير في ما كان يتمنى.
نسأل المولى عز وجل ان يجعل الخير في كل امانينا وأن يحقق لنا رجاءنا وينعم علينا بكرمه انه نعم المولى ونعم النصير