"لن يهتم الناس أبدًا بمقدرا ما تعرفه حتى عرفوا إلى أي حد تهتم بهم"
هانز فينزل
في يوم من الأيام جلس أستاذ جامعي عجوز من جامعة نوتردام الهولندية الشهيرة، وأخذ هذا الأستاذ يسترجع تاريخ حياته الطويلة في التدريس، ثم قال وقد ومضت عيناه ببريق عجيب: (كنت أشكو بأن عملي يتعرض دائمًا للمقاطعة، حتى اكتشفت أخيرًا أن تلك المقاطعة كانت من صميم عملي)
في ظل التكنولوجيا الحديثة وعالم الإلكترونات يستطيع المرء اليوم التخطيط لكل مقابلاته وارتباطاته اليومة وحتى تناول وجباته عن طرق التلفونات وأجهزة الكمبوتر المتصلة بأجهزة الرد على المكالمات التليفونية، ويستطيع البريد الإلكترون وأجهزة الفاكس تأدية نفس الغرض دون الحاجة للاتصالات الشخصية.
قد يكون من الشائع في هذه الأيام أن يكون الشخص مهتمًا بأنشطته اليومية المعتادة حيث يكون جدول أعماله مزدحمًا إلى درجة يصعب فيها التقاط الأنفاس، ولكننا لا نستطيع أن نؤثر في الناس تأثيرًا روحيًا ودائمًا سوى عن طريق الاتصال الشخصي الذي لا بديل عنه.
قد يكون الرد على الهاتف أو وضع جدول اليوم يحتمل أن تتعامل معه بشكل آلي، ولكن هل أنت تقود ـ عزيزي القارئ ـ جيشًا من الروبوتات يتكون من مئات من الآليين؟ ماذا عن أتباعك وفريق عملك؟ هل ستقودهم بالتحكم عن بعد كما تغير قنوات التلفاز عن طريق الريموت؟!
علامات تحذيرية:
وينبغي عليك ـ عزيزي القارئ ـ أن تحذر من مجموعة من العلامات التي تميز الشخص الذي يهتم بالعمل وروتينياته دون البشر، ومن أهم تلك العلامات ما يلي:
  1. يضايقني الناس إنهم يشكلون معوقات بالنسبة لي.
  2. أفضل أن أكون وحدي، وأن أنجز عملي.
  3. يكون بمنأى عن الاحتكاك بالآخرين والتيارات الفكرية في مكان العمل.
  4. يميل لعدم الاهتمام بالناس فهو غير مبالٍ بالآخرين.
  5. عندما يتحدث الآخرون لا ينصت جيدًا، هذا إذا استمع من الأساس لهم.
  6. نافذ الصبر ويميل إلى أن يقول: كفاك حديثًا.
  7. يجلس لوحده ويميل للابتعاد عن الآخرين تعاليًا ويعاني من الوحدة.
  8. يستمد القيمة الذاتة من تحقيق الذات.
اختبار للتقييم:
هناك اختبار بسيط نكتشف من خلاله إذا كان الشخص يفضل الاهتمام بالعمل حتى لو على حساب البشر ويعتبر البشر روبوتات تؤدي له عمله أم لا؟
فعندما يدلف شخص إلى مكتبك، أو حيثما كنت تعمل، وقاطع ما تقوم به من مهام لمجرد الحديث، ماذا يكون رد فعلك؟ هل تنظر إلى هذا الشخص كمعوق أو كفرصة؟ هل يشرق وجهك عندما يلوح في الأفق واحد من مرؤوسيك، أم أنك تشمئز بداخلك لهذه المقاطعة؟ فإذا استرخيت واندمجت في الحوار لكي يأخذ مجراه الطبيعي حتى نهايته فمن الواضح أن هذا يدل على توجهك نحو البشر، ولكن إذا اندفعت غاضبًا لتنسحب من الحوار بإطلاق سيل من الكلمات تدل على تأففك ونفاذ صبرك، فأنت إذا واحد من ذلك النوع من الأشخاص الذين يخشى جانبهم والذين يفضلون استخدام الناس دون اهتمام بأية علاقات شخصية.
لماذا يفضل البعض العمل المكتبي؟
ولذلك أسباب عدة، من أهمها ما يلي:
  1. لأن العمل له نتائج واقعية ملموسة ومرئية بينما العلاقات الإنسانية ليس لها نتائج ملموسة.
  2. لأن العمل يدفع الحديث الذي لا طائل منه جانبًا.
  3. لأننا نشعر بأنه يتم الحكم علينا وفقًا لما نعمله، وليس وفقًا لعلاقاتنا مع الآخرين والاهتمام بهم.
  4. لأنه لا تتناسب العلاقات الإنسانية مع عقلتنا المتسمة بإنجاز الأعمال في مواعيدها المحددة.
أبشر بالتوتر!
إن أكبر مصادر الصراع بين الأتباع وقادتهم له علاقة بدور كل منهم، فالدور الذي نرى أنفسنا نؤده يعبر عن أسلوب قيادتنا، إنه المظهر الخارجي لوظيفتنا، كيف نبدو للآخرن في بعض الأحيان، يتم التعتيم التام على كل خير نؤديه أثناء قيادتنا بسبب الأسلوب الذ يباعد بننا وبين مرؤوسينا.
ولذا بعد فترة من التركيز على العمل دون البشر، إليك النتيجة: لقد تم إنجاز واجبات المؤسسة، ولكنك أهملت تلك الواجبات غير الملموسة الخاصة بالاهتمام بالبشر، مجرد التواجد بين الناس وإظهار الاهتمام بهم، فأتباعك لا يريدون منك الاهتمام باحتياجاتهم المادية فقط ولكنهم أيضًا يريدون أن يروك في صورة من يربت على الأكتاف ويحل المشكلات ويسأل عن أحوالهم ويتفقدهم بصورة مستمرة.
ولذا فإنك مايسترو مؤسستك أو مجموعتك ولست ضابطًا حربيًا مع جنوده، فكما قول كارلو ماريا جوليني: (كان هدفي دائمًا الوصول إلى علاقة إنسانية دون فرض السيطرة، فالاهتمام الأكبر يجب أن ينصب على الاحتكاك بالبشر، والسر الأكبر في الإبداع القيادي يتطلب صداقة حقيقية بين أولئك الذين يعملون معًا فكل فرد يعرف بأني معه بقلبي).
ولذا يؤكد الخبراء أن معظم القادة الأكفاء يقضون معظم وقتهم متواجدين مع الناس يحلون مشكلات الناس، وهذا ما تؤكده الأبحاث القيادية كما يلي: (اكتشفنا أنه كلما علت الرتبة الوظيفية زاد الاهتمام بالعلاقات الإنسانية والشخصية، حيث يقضي المديرون التنفذيون الكبار 90% من وقتهم اهتمامًا بأعقد مشكلات الناس).
مشكلة واحدة على المنضدة:
أسس توماس واطسون، مؤسس شركة (IBM) للكمبيوتر، واحدة من أنجح الشركات في التاريخ الحديث؛ لأنه لم يسمح أبدًا للمؤسسة أن تستعيض عن البشر بالآلات كهدف رئيسي له، وخلال أحد الاجتماعات في الأيام الأولى من تأسيس شركته، كان عدد من المديرين يبحثون مشكلات العملاء مع مستر واطسون، كانت هناك ثماني أو عشرة أكوام من الأوراق فوق المائدة، تحدد مصادر المشكلات: مشكلات خاصة بالتصنيع ومشكلات هندسية وما شابه ذلك، وبعد كثير من النقاش، دلف واطسون، المدير العام، إلى مقدمة الحجرة وبحركة خاطفة من يده أزاح كل ما على المنضدة مما جعل الأوراق تتطاير في كل أنحاء الحجرة، ثم قال: (ليست هناك أي مشكلات هنا، هناك فقط مشكلة واحدة، بعضنا لا عبر كثيرًا عن الالتفات إلى عملائنا)، ثم استدار بخفة على عقبيه وخرج من الحجرة، تاركًا عشرين من الزملاء بتساءلون عما إذا كانوا سوف يحتفظون بوظائفهم أم لا.
ففي نموذج القيادة الخادمة، يجب أن يحتل البشر الأولوية على الأوراق والإنتاج، صحيح إننا قد نميل نحو أسلوب معين بسبب طبيعة شخصياتنا، ولكن لا يصح أن نتخذ من ذلك ذريعة لتجاهل وتجنب الناس.
روزفلت والسيارة كرايزلر:
صنعت شركة كرايزلر الأمريكية سيارة من طراز خاص لفرانكلين روزفلت رئيس أمريكا، الذي لم يكن يستطيع استخدام سيارة من طراز عادي بسبب شلل في ساقيه، وقام تشامبر لين ومعه أحد الفنيين من الشركة لتسليم السيارة للبيت الأبيض، فكيف يا ترى تعامل معهم روزفلت؟!
يقول تشامبرلين: علَّمت الرئيس روزفلت كيفية استخدام السيارة ذات المواصفات الخاصة لكنه علَّمني الكثير عن فن رفيع يسمى التعامل مع الناس، عندما وصلت إلى البيت الأبيض كان الرئيس سعيدًا جدًا ويتمتع بروح عالية، وناداني باسمي وجعلني أشعر بالألفة والراحة وأبهرني لأنه كان يهتم بأشياء علي أن أشرحها له وأعلمها أياها.
وعندما أبدى أصدقاء روزفلت ومن حوله أعجابهم بالسيارة قال لتشامبرلين في وجودهم: (يا سيد تشامبرلين أقدر لك الوقت والجهد الذي بذلته معي في إعداد هذه السيارة، إنه عمل رائع جدًا).
منتهى الاهتمام من الرئيس الأمريكي بأحد المهندسين في شركة سيارات، ولكنها القيادة الخادمة دائمًا ما تهتم بالبشر.
سلة المهملات:
كم مرة تجد نفسك تائهًا في خضم الأعمال المكتبية والأعمال الإنتاجية الخاصة بالخدمة، وتنسى الإبقاء على التواصل مع الناس؟! ولذا حتى تتخلص من الأعمال المكتبية وتهتم بالناس بصورة أكبر، اجعل سلة المهملات صديقك الأول؛ كي تتخلص من أوراق المشكلات المادية والإنتاجية وتهتم بالأشخاص التي ستقدم لك آلاف الحلول لمشاكلك المالية والإنتاجية لو قدمت لهم الاهتمام الذي يرجونه.
ولذا أخيرًا إليك مجموعة من النصائح الهامة:
  1. تناول طعام الغداء بعيدًا عن مكان العمل.
  2. اقض وقت فراغك في مكان بعيد عن المنزل مع زوجتك وأطفالك وأصدقائك.
  3. خطط للاستمتاع بقسط من الراحة مع من ذكرناهم آنفًا.
  4. اخرج للمشي والتنزه مع زملائك.
  5. أوكل المزيد من المهام لمعاونيك.
  6. أعط الناس الأولوية على كل ما عداهم.
  7. قم بجولة للترويح عن نفسك.