ينتظر الاقتصاد السعودي مستقبلاً مليئاً بالفرص الواعدة والآفاق الجديدة، التي ستعلب دوراً كبيراً في توطيد استقراره، وتعزيز مصادر نموه وتنويعها. ورغم أن المستقبل في خصوص أسواق النفط العالمية يُشير خلال العقدين المقبلين إلى الكثير من التوقعات، التي ستنعكس بإيجابية قوية على توسيع قدرات الاقتصاد الوطني، إلا أن بقية قطاعات الاقتصاد موعودة هي أيضاً بالاندفاع المتين في طرقٍ أكثر انفتاحاً وازدهارا لم يسبق أن شهدتها من قبل، ولعل ذلك بفضل النهج الإصلاحي الذي بدأت السعودية بالسير فيه خلال السنوات القليلة الماضية.

إننا نتمسك بالحقيقة الثانية ونشدد على ضرورة أن نلتفت بالكثير من الاهتمام، ذلك أنها الخيار الاستراتيجي الذي لا غنى لنا عن السير فيه، اتساقاً مع هدف تخفيف الاعتماد على النفط كمصدرٍ وحيد نعلم جميعاً أنه ناضب، ولتجاربنا السابقة معه التي من أبرزها انعكاس تذبذباته السلبية على الاقتصاد الوطني، وما تبعها من نتائج مريرة لا نزال نعاني منها إلى اليوم؛ كارتفاع معدلات الدين العام، وانخفاض نصيب الانفاق الاستثماري على المشاريع التحتية في وقت مضى، وأخيراً استشراء البطالة بين المواطنين! نعم، استطاع الاقتصاد السعودي اجتياز بعض تلك النتائج أو الإشكالات الاقتصادية، كإنجاز تخفيض مستويات الدين العام من نسبٍ فاقت حجم الاقتصاد الوطني في وقت مضى، إلى أن أصبحت تحت سقف الـ 26 في المائة من الاقتصاد. أيضاً مثلت القفزات الأخيرة للاقتصاد عن طريق ضخ مئات المليارات من الريالات في مشاريع تنموية عملاقة كالمدن الصناعية، والعديد من مشاريع البنى التحتية في أغلب مناطق السعودية المرتبطة بقطاع النقل والاتصالات والسكك الحديدية ومحطات الكهرباء وتوفير المياه الصالحة للشرب والمدارس والمعاهد والجامعات الجديدة، إلى آخر تلك المشاريع المهمة لحاضر ومستقبل الاقتصاد. وبالتأكيد إننا على موعدٍ مشروع لجني المكاسب الاقتصادية الحقيقية المصاحبة لمثل تلك التوجهات الجادة على طريق توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتسخير مقدراته المالية الحالية في خدمة الأغراض الحقيقية للاقتصاد والوطن. الأمر الذي نؤكد عليه هنا، يتمثل في ضرورة التخلص من براثن البطالة الجاثمة حتى الآن على صدور شباب وشابات الوطن، وأهمية العمل الجاد من قبل جميع الأطراف المعنية بوضع القضاء عليها أول الأهداف الثابتة لجميع المشاريع العملاقة، وأن يكون القاسم المشترك بينها. تبدأ المواجهة الفعلية والجادة لإشكالية البطالة من أروقة التعليم، وهذا الجانب الاستراتيجي من القضية! لذا يجب أن تنهض وتنتفض الجهات القائمة على أروقة التربية والتعليم؛ لترتقي بوسائلها التقليدية منذ الآن إلى مستوى وحاجات تلك التطلعات المراد لها أن تتحقق للاقتصاد مستقبلاً، وحتى لا تفاجأ بها غداً في وقتٍ لا نأمل و لن تقبل الأجيال المقبلة بسماع جملة "فات الأوان". الجانب الآخر في المنظور الزمني القصير الأجل؛ يتعلق بجانب التأهيل والتدريب، وتحديداً على رأس العمل، إذ لا بد من تخصيص الموارد المالية في ميزانيات تلك المشاريع الجديدة اللازمة لتدريب وتأهيل الموارد البشرية الخام، حتى إن أدّت إلى ارتفاع تكاليفها! إنه خيار لا بد منه للتخلص من آثارٍ سلبية مضت أدت إلى تفشي البطالة بيننا بسبب عدم كفاءتها العملية الموازية لحاجات سوق العمل، إنه جزءٌ من المسؤولية الملقاة على عاتقنا في الفترة الراهنة، كما أنه الطريق الأقل تكلفة للعبور نحو المستقبل المنشود. يجب أن ننظر إلى هذه القضية بجميع تحدياتها الجسمية على أنها الجانب الذي يجب أن يكون أكبر الكاسبين اليوم وغداً، كما يلزمنا أن نعي أن أي تأخير فيما يتعلق بالبطالة يمكن أن يكبدنا غداً المزيد من التكاليف الاقتصادية الباهظة الثمن، بل قد تصل إلى أن تكون عقبة كأداء تقف في وجه تقدم الاقتصاد نحو المستقبل المنشود، فلماذا لا نعمل من اليوم لأجل السعودة والاقتصاد الوطني، ليكونا أكبر الكاسبين في الغد الواعد؟! الاقتصادية