يلعب الاستثمار الاجنبي دوراً هاماً في عملية التنمية الاقتصادية بما يوفره من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتشغيل للعمالة الوطنية في مختلف المجالات فضلاً عن جذب الاستثمارات الخارجية لتوظيفها في الداخل مما يساعد في دعم القدرات التنافسية للمؤسسات المحلية في مواجهة الشركات العالمية . ويسد الفجوة في الموارد والامكانيات التي قد لا تتوافر في الدولة ، او يمكّنها من توجيه الموارد لجوانب اخرى. والاستثمار الاجنبي له صور متعددة فاما ان يكون مباشراً في مشاريع طويلة الاجل او في الاوراق المالية او القروض والتسهيلات الائتمانية . وفي ضوء الاتجاه نحو العولمة وما يصاحبها من مظاهر تتمثل في تحرير التجارة وقيام منظمة التجارة العالمية وتحرير الخدمات المالية وحرية انتقال رؤوس الاموال وسعي الدول لتوفير مناخ مناسب للاستثمار العالمي، مع ضمان حرية التجارة الدولية التي نتجت عن توقيع اتفاقية الجات ، بدأ المناخ الاستثماري يتغيّر عالمياً حيث عمدت كثير من الدول الى تحرير اسواقها المالية ووضعت البرامج والسياسات التي من شانها تشجيع الاستثمار الاجنبي، ايمانا منها بدوره الهام في توسيع القاعدة الاستثمارية والحصول على التقنية والتكنولوجيا المتطورة التي تحتاج اليها والاستفادة من الخبرات التسويقية والادارية التي تمتلكها الشركات الدولية والمتتبع لهذا الامر يلاحظ ان الصين رغم أيديولوجيتها الاشتراكية قد تفوقت على الولايات المتحدة الامريكية في جذب رؤوس الاموال الاجنبية والتي فاقت التريليون دولار. وفي العالم العربي شهد الاستثمار الاجنبي نموا ملحوظا حيث بلغ في عام (2004 ) مبلغ (24.718 مليار دولار ) ثم ارتفع الى (45.830 مليار دولار ) في عام (2005 ) واستمر في تصاعده حتى وصل الى (62.407 مليار دولار ) في عام (2006 ) وهو ما يمثل نسبة (4.8% ) من اجمالي الاستثمارات الاجنبية المباشرة على المستوى العالمي والذي بلغ الى ( 1.3 ترليون دولار ) حسب تقرير مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد ) والذي صدر تحت عنوان ( تقرير الاستثمار العالمي 2007 ) . وقد جاءت المملكة العربية السعودية في المركز الاول حيث استقطبت (18.293 مليار دولار ) يليها جمهورية مصر العربية ( 10.043 مليار دولار ) ثم دولة الامارات العربية المتحدة باستثمارات بلغت (8.386 مليار دولار ) وتوقعت مؤسسة (اكسفورد بزنس غروب ) ان تتقدم مصر من المرتبة الثانية الى الاولى كأكبر سوق للاستثمار المباشر في القارة الافريقية متخطية جنوب افريقيا وتسعى مصر لجذب ما مجموعه (175) مليار دولار للاستثمار فيها حتى عام (2010) .
والكويت ايضا كان لها نصيب في تبوأ مراكز متقدمة في جوانب اخرى حيث حلت في المركز الاول عربيا والـ ( 30 ) عالميا في ( تقرير التنافسية العالمية 2007 ) الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي ( دافوس ) حيث اشار الى استقرار اقتصادها الكلي والذي عكسه الفائض الكبير في الميزانية وانخفاض المديونية وزيادة المدخرات القومية . كما ان الكويت في مقدمة الدول التي نجحت في جلب الشركات الأوروبية العاملة في مجال توليد الطاقة لنقل التكنولوجيا اليها والمساهمة في تقرير أمن الطاقة حسبما ورد في كلمة المفوضية الأوروبية للعلاقات الخارجية في مؤتمر الطاقة الذي عقد في شرم الشيخ بمشاركة ( 66 ) دولة ، كما حلت الكويت في المركز الثالث خليجيا في نسبة نمو الاستثمارات في صناعة الكيماويات والبتروكيماويات في الفترة من (2000 ـ 2006 ) بمعدل نمو بلغ (8.86% ) حسب الاحصائية الصادرة عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) .
والكويت في الوقت الحاضر تسعى لأن تكون مركزاً اقتصادياً واستثمارياً في المنطقة وتدرك مدى اهمية الاستثمارات الاجنبية والدور الذي يمكن ان تلعبه في تغيير المناخ الاستثماري، وصدور القانون رقم ( 8) لسنة (2001) في شان تنظيم الاستثمار المباشر لراس المال الاجنبي ما هو الا تاكيد على اهتمام الدولة باستقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة للبلاد وتحفيز الاستثمارات المحلية وتذليل العقبات التي قد تواجهها من خلال ما تقدمه من اعفاءات ضريبية كلية او جزئية من الرسوم الجمركية على الآلات والمعدات والمواد الأولية مع تخصيص الاراضي والعقارات اللازمة لاغراض الاستثمار ويهدف القانون الى حماية مناخ الاستثمار والحرص على تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والاجانب . وقد تكفلت مواده بتحديد راس المال الاجنبي المستثمر وارباحه ومكاسبه التي يتم توظيفها في اقامة مشروعات استثمارية جديدة . واشترط القانون ان يتم توظيف راس المال الاجنبي في نشاط مرخص له كما ان قرار مجلس الوزراء رقم ( 1006/1 ) لسنة ( 2003 ) في شأن الانشطة والمشروعات الاقتصادية التي يجوز للمستثمر الاجنبي مزاولتها وقرار مجلس الوزراء رقم (1006/2 ) لسنة (2003 ) في شان تأسيس شركات كويتية تبلغ حصة الاجانب فيها (100% ) من راس المال انما جاءت مكملة للرغبة الجادة في تشجيع الاستثمار الاجنبي في البلاد حيث حدد مجلس الوزراء الانشطة والمشروعات الاقتصادية التي يجوز للمستثمر الاجنبي مزاولتها وفقا لسياسة الدولة وخطة التنمية الاقتصادية المعتمدة وذلك اما بالاستثمار المباشر بصورة مستقلة او بالاشتراك مع مستثمر محلي ، فقد اعطى القانون للمستثمر الاجنبي الحق في تأسيس شركة محلية تبلغ حصة الاجانب فيها (100% ) من راس مالها طبقا للشروط التالية :ـ
● ان يكون راس مالها كافيا لتحقيق اغراضها ، وان يكون مكتتبا فيه بالكامل من المؤسسين.
● يتبع في تاسيسها الاجراءات والقواعد والشروط المبينة في قانون الشركات رقم(15) لسنة ( 1960 ) .
● ان تباشر نشاطها في المشروعات المحددة بقرار مجلس الوزراء رقم (1006/1 ) لسنة (2003 ) . مع مراعاة ان يترتب على تاسيس الشركة تحقيق الاهداف التالية:ـ
● نقل التقنية والادارة الحديثة والخبرة العملية والفنية والتسويقية .
● توسيع وتفعيل دور القطاع الخاص الكويتي .
● خلق فرص عمل للعمالة الوطنية والمساهمة في تدريبها .
● العمل على تشجيع المنتجات الوطنية .

كما أجاز القانون للمستثمر الاجنبي مزاولة الانشطة والمشروعات التي حددها مجلس الوزراء في مشاريع البنية التحتية والمصارف وشركات الاستثمار والتامين وتكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات ، والمستشفيات والصناعات الدوائية، والنقل بانواعه ومشروعات البتروكيماويات. وقانون تنظيم الاستثمار المباشر لراس المال الاجنبي رقم ( 8 ) لسنة (2001 ) يهدف الى جذب راس المال الاجنبي للاستفادة مما يحققه من مزايا عديدة في حال مشاركته في المشاريع الوطنية، وفي نقل الاساليب الحديثة اليها ، والكويت التي تجد الفرصة مؤاتية لجذب المستثمرين الأجانب الذين بدأوا بالاهتمام بالاسواق الخليجية لما تتمتع به هذه الاسواق من عوامل الثقة وثبات التعاملات وبعدها عن المشاكل السياسية المحيطة بالمنطقة وتحقيقها لفوائد استثمارية قياسية خلال السنوات الاخيرة . ولعل من اهم الحوافز المؤثرة في تدفق الاستثمارات الاجنبية بدولة الكويت والتي تعمل على جذب المستثمر الاجنبي تمتعها بالاستقرار الاقتصادي والسياسي ، وتخفيف القيود المفروضة على حركة رؤوس الاموال ووضع القوانين والنظم التي تساعد على تدفق الاستثمار الاجنبي من حيث اتاحة مهلاً ضريبية وتسهيل دخول العمالة الاجنبية الى البلاد ، والعمل على توفير الضمانات في مواجهة نزع الملكية دون تعويض مناسب ، وحماية سرية المعلومات المتعلقة بالمشروع ، مع تأكيد مبدأ المساواة بين المستثمر الوطني والمستثمر الاجنبي امام القانون وخصوصا في مجال سرية المعلومات الفنية الخاصة بالمشروع ، مع اعطاء الضمانات للمستثمر الاجنبي وحمايته من أي تعديلات قد ترد على القوانين القائمة التي اقام مشروعه في ظلها ، وضمان حقه في تحويل استثماره الى مستثمر اجنبي او وطني او التخلي عن المشروع لشريك اجنبي ، وازالة القيود المفروضة على هذا النوع من الاستثمار والتي تشمل التضارب في القوانين واللوائح ذات الصلة.
ومن الهيئات التي تمارس انشطة ذات علاقة بالاستثمار الاجنبي برنامج العمليات المقابلة (الاوفست ) حيث انشىء هذا البرنامج بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ( 694) لسنة(1992) لتسهيل عملية بلورة الفرص الاستثمارية وتاسيس مشاريع تنفذ من خلال الشركات الاجنبية التي ترسى عليها عقود المناقصات الحكومية ، وذلك لتشجيع المتعهدين الاجانب على الدخول في شركات تجارية مع شركات القطاع الخاص بـدولة الكويت مما يعود بالفائدة على الطرفين ، اذ يمكن للمتعهدين الاجانب الاستفادة من برنامج الاوفست لتنظيم انشطتهم التجارية في الكويت وتدعيم جهودهم في انشاء تحالفات تجارية مع شركاء كويتيين وتبعا لذلك تحسين تواجدهم في اسواق الكويت بشكل خاص والخليج بشكل عام . وتسعى الحكومة لان يكون برنامج العمليات المقابلة احد الوسائل الفعالة لجذب الاستثمارات الاجنبية الى مشاريع تنموية داخل البلاد تساهم في خلق وتنمية الوظائف التحويلية والتعليم المميز والبحث العلمي ، ومشاريع الخدمات الصحية ، وتعمل على تشجيع انشاء المشاريع التي تؤدي الى نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة في دولة الكويت . وبموجب الاتفاقية الخاصة بادارة برنامج الاوفست (عقد الادارة ) تقوم الشركة الوطنية للاوفست بالاشراف على ادارة وتطبيق اجراءات البرنامج نيابة عن حكومة دولة الكويت (وزارة المالية ) وتسهيل اقامة تحالفات وشراكات فعالة بين المتعهدين الاجانب والقطاع الخاص الكويتي ونقل وتوطين التقنية المتطورة والمناسبة وتسهيل دمجها وتكييفها في الاقتصاد المحلي ودعم التقدم العلمي في قطاع التعليم والتدريب المهني مع خلق وظائف عالية المهارة للكوادر الوطنية . ومن الجدير بالذكر ان حجم اجمالي التزامات الشركات الاجنبية الخاضعة لبرنامج الاوفست وفقا للتقرير الصادر من الشركة الوطنية للاوفست عن سجل انجازات برنامج الاوفست الكويتي خلال الفترة (1992 ـ 2006 ) (2.173 مليار دولار امريكي) ، وعدد مشاريع الاوفست المنفذة ( 28 ) مشروع وحجم التزامات الشركات الاجنبية التي تقوم بتنفيذ مشاريع الاوفست (مليار ونصف المليار دولار امريكي) . وعدد العمالة الكويتية في المشاريع المنفذة ( 281 ) كويتي واجمالي التزامات الشركات الاجنبية التي انهت التزاماتها ( 987 مليون واربعمائة الف دولار امريكي ) . وجنسيات الشركات الاجنبية الرئيسية المشاركة في برنامج الاوفست (الشركات الامريكية [25% ] ، البريطانية [ 21% ] والفرنسية [14% ] ) . والقطاعات الرئيسية التي استقطبت الجانب الاكبر من استثمـارات مشاريـع الاوفسـت هي الصناعات التحويليـة ( 31 %) ، والتعليم (29% ) ، وخدمات الاعمال ( 13 % ) .
ونود ان نشير الى ان تقرير البنك الدولي في (مارس 2001 ) قد اقترح ادخال برنامج الاوفست تحت مظلة مكتب الاستثمار الاجنبي نظراً للترابط الوثيق بينهما . ونقترح بدورنا ان يتم دمج الاختصاصات المتشابهة ( لبرنامج العمليات المقابلة الاوفست) مع ( مكتب الاستثمار الاجنبي ) الذي انشىء بموجب القانون رقم ( 8 ) لسنة (2001) وانشاء كيان مستقل للاستثمار الاجنبي يتضمن اطار مؤسسي واداري لتنفيذ سياسة الدولة واهدافها في جذب المستثمر الاجنبي ، واتباع نهج استباقي لجذب الاستثمار الاجنبي المباشر عبر تحديد طبيعة الاستثمارات المتاحة بالكويت وتسويق المشروعات المختارة محليا ودولياً .
ان ارتفاع اسعار النفط والازدهار الاقتصادي وانتهاج الكويت لمبدأ الاقتـصاد الحر تعد من المحركات الرئيسية لجذب راس المال الاجنبي اليها . الا انها تواجه الكثير من التحديات حيث تبقى سوقاً صغيرة نسبياً مع امتلاكها لما يوازي (8% ) من الاحتياطيات النفطية العالمية المؤكدة وتعداد سكانها يقل عن ثلاث ملايين نسمة (وفقا للارقام التي ذكرتها ادارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الامريكية ) ، الا ان فتح السوق الكويتية امام المستثمرين الأجانب في مشاريع تنمية وتطوير جزيرتي ( فيلكا وبوبيان ) على سبيل المثال يعد خطوة ايجابية تتماشى ومقتضيات التحرير المالي والاقتصادي في ضوء الاتفاقيات التي وقعتها الدولة مع منظمة التجارة العالمية (اتفاقية WTO واتفاقية الخدمات GATS ) كما ان اعطاء المستثمر الاجنبي حرية الخيار بدخول السوق اما عن طريق وكيل كويتي او عبر مشاركته مع شريك في تكويـن شركة لا تقل نسبة الشريك الكويتي فيها عن ( 51% ) او تاسيس شركة كويتية تبلغ حصص الاجانب فيها (100% ) من راس مالها يجعل من الكويت سوقاً ذات آفاق مستقبلية قابلة للنمو وقد نص في القانون رقم ( 8 ) لسنة (2001) في شان تنظيم الاستثمار المباشر لراس المال الاجنبي على انشاء لجنة تختص باعداد دراسة طلبات الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية المتاحة في الدولة ومنح الحوافز لتشجيع المستثمر الاجنبي وتسهيل اجراءات الترخيص للمشروع ، وازالة العقبات التي قد تواجهه عن طريق جمع كل الجهات ذات الاختصاص في مكان واحد وانهاء الاجراءات في دورة مستندية قصيرة ومثل هذا التوجه يمكن ان يشكّل بداية واعدة قوية لجذب الاستثمار الاجنبي ويساعد على الانطلاق في نطاق اكثر اتساعاً وفي مناخ اوسع ومنافسة اكثر حدة ويعزز من قوة الكويت كسوق اقليمي جاذب للاستثمار الاجنبي ليساهم في تطوير العملية التنموية بالبلاد خصوصا مع التوجه لاقرار قانون الضرائب الجديد الذي نرجو ان يرى النور في عام (2008 ) والذي يتوقع ان يجعل السقـف الاعلـى للضرائـب في حدود الـ (15% ) .
محمد التويجري
محامي ـ محكم