الإيمان ( الشيك الذي لا تحاول صرفه )
في أحد كتب المحاضر الإداري إبراهيم الفقي, وأنا أقراء بعضا من مواضيعه إذ بي أصل إلى قصة التاجر الذي أوشك على الإفلاس, وبينما هو في أرق وهم كبيرين جلس إلى جانب أحد أسوار الحديقة وأتاه رجل كبير السن ودار بينهما حوار أفضى إلى أن قام ذلك الرجل العجوز بتوقيع شيك لذلك الرجل على أن يعيده إليه بعد عام إلى نفس المكان. التوقيع كان باسم رجل ملياردير مشهور.
في نهاية القصة بعد أن استعاد الرجل عافيته في تجارته واستعاد مكانته في عمله, كان الشيك غير حقيقي, والرجل العجوز ليس بالرجل الملياردير الذي اسمه موقع على الشيك, وعليه فلم يكن في حساب الشيك أي رصيد, لم يكتشف كل ذلك إلى في نهاية الأمر. هنا لم يكن ثمة شيء حقيقي عدا شيء واحد, وهو نجاحه في استعادة وضعه المادي.

هذه القصة استوقفتني... نعم لم يكن هناك ثمة شيء حقيقي على ما يبدو عدا شيء واحد وهو الإيمان هو النجاح.
نعم إنه الإيمان, الإيمان الذي جعل ذلك الرجل يباشر نشاطه التجاري من جديد دون خوف أو قلق أو تردد. كان يتعامل بثقة كبيرة وسلوك جسور, كان يمارس علمياته في البيع والشراء وعقد الصفقات دون وجل أو تردد.
إنه الإيمان, أيمانه بما يحويه ذلك الشيك التي يحمله في جيبه أينما حل أو رحل. كانت ورقة الشيك إيمانه وهو يفاوض ويعقد الصفقات, كانت ورقة الشيك أيمانه وهو يرى مقدار الديون المتراكمة للغير عنده ولا يخاف, كانت ورقة الشيك إيمانه حين يغدو إلى عمله ويروح منه.
كان إيمانه مطلق بأنه متى أراد أن يصرف ذلك الشيك سوف يحصل على ما هو مسجل فيه, أيمانه ذاك منبثق من إيمانه بالشخص الذي حمل الشيك توقيعه.
هنا تخيل لو أن الاسم الذي كتب في مكان التوقيع, اسم عادي غير معروف, أكان إيمان ذاك الرجل سيبقى كما هو حاله..؟ بالتأكيد لا.... لأنه كان سرعان ما يكتشفه وهو أمام نافذة الصراف في البنك حين يعاد إليه الشيك مكتوب عليه التوقيع ليس مطابق, أو الحساب بدون رصيد. كان سوف يفقد إيمانه وسرعان ما سيعاوده اليأس والإحباط والفشل.
لكنه حين رأى اسم الشخص الموقع, أمن أنه من المستحيل أن يكون حساب ذك الرجل صفراً, فلم يبادر في صرفه مكتفيا به في جيبه إلى أن تكون الحاجة إليه شديدة.

هنا كان الإيمان هو القوة التي جعلته يواصل طريقة في عملة دون يأس أو خوف أو تردد أو قلق. ليس لأنه لا يملك القوة والإرادة, ولكنه نسيها أو تناساها. وهذا الشيك أعاد إليه تلك القوة واليقين بذاته وإمكانياته.
إن إيماننا هو دافعنا, هو محررنا من الخوف ومن القلق ومن اليأس.
إن لدى كلاُ منا إيمان قوي بداخله, لدينا إيمان بذاتنا لكننا ننساه ونتجاهله, هذا الإيمان هو الذي دفع بذاك التاجر إلى أن يحتفظ بالشيك دون صرفه, بل أستـــثار إيمانه وقوته بذاته وإمكانياته, هو لم يمارس سوى قوته الداخلية وإمكانيته الذاتية في ممارسة عمله. لكن الشيك جعله أكثر إيمانا بقدرته وإمكانياته.
خلاصة ما وقفت عنده في هذه القصة هو أنه يجب أن يكون لدينا إيمان بذاتنا, إيمان بمهاراتنا, أيمانا بنجاحنا, فمتى ما قررت الخوض في طريق ما, أو الدخول في عمل ما, يجب أن تعقد إيمانك بذاتك, بما تحمله من فكرة ومن طموح.
يجب أن لا تبادر بصرف شيكك. إن شيكك هو إيمانك بما تحمله من فكرة ومن طموح ومن مهارة.
إن سارعت وصرفت شيكك فهو الفشل والإحباط واليأس. إن صرف الشيك لك هو الاستسلام و التراجع عند أول محطة.
(حاول قدر الإمكان أن تجد لك شيكا تحمله في جيبك أينما تذهب. ستجد أنك أكثر قوة وأكثر رباطة للجأش, ستجد أنك أكثر حرية وأقوى عزيمة, ستجد أن هامتك دائما مرتفعة وعاليه).
فأين شيكك( إيمانك) ...؟
إذا لم يكن لك شيك... حاول أن تجد لك شيك, ربما يكون شيكك فكرة تحملها أو مهارة تمتلكها أو طموح تحاول تحقيقه. شيكك ربما هو حاجتك لأن تصبح أفضل من الأمس, وأقوى من اليوم. شيكك ربما يكون خوفك أن تستمر على ما أنت عليه اليوم. شيكك ربما يكون رغبتك أن تصبح أفضل, شيكك ربما يكون شخصا أبوك , أخوك أو صديق لك صارحته بما يمكنك تحقيقه ومن خوفك أن تكون وحيداً, فسارع كي يكون شيكا لك, لا لتصرفه ولكن لتحمله معك.

هذا أنا وإن لم يكن لي ثمة نجاح ظاهر. إلا أنه حدث تغير في حياتي ما كان ليحدث لو لا فضل من الله, ثم لشيك الذي حملته معي.
نعم فقد كان شيكي هو أخ لي صارحته بما يمكنني فعله, أردت أن أنتقل من وظيفة إلى أخرى, لكني لم أكن واثقا مما سوف تنجم عنه الوظيفة الأخرى. لكنه سرعان ما كان لي شيكا حملته معي. لقد كان جوابه أنا معك أنا شيكا لك متى واجهت ظرفا طارئ غير ما تتوقعه. وفعلاً كان لهذا الشيك الأثر البارز في تقدم مسيرتي فقد حصلت على وظيفة أفضل من سابقها وتمكنت وها أنا على وشك إنهاء مرحلة علمية في دراسة الماجستير إدارة الأعمال. كان من الصعب علي في وظيفتي الأولى أن أجد الوقت والمال لمثل هذه الدراسة, لكنه الإيمان بالطموح والإيمان بأخي ( الشيك الذي لم يصرف بعد).حملته معي وبدأت أخطط معتمدا على إيماني بهدفي وشيكا لم أصرفه.

الزبير الغشيمي
16 – 1 – 2012