هل تحلم بامتلاك مؤسسة كبيرة؟ هل ترغب في إنشاء عملك بنفسك، وتأسيسه من الصفر، ثم رعايته حتى يغدو شركة عظيمة؟! هل لديك الموارد المادية وعندك رغبة في البدء بعملك الخاص، ولا تعرف من أين تبدأ؟ إذا كنت كذلك؛ فأنت تحتاج أن تتابعنا في هذه السلسلة، التي سنتعلم فيها سويًا كيف ننشئ مؤسسة، ونرعاها حتى تكبر وتستقر بإذن الله تعالى.
بداية, اعلم أنه يطلق على عملية بدء عملك الخاص وتنظيم الموارد اللازمة لذلك وتولي المسئولية عن المخاطر والمكاسب المحتملةمصطلح (المبادرة) (entrepreneurship)، والشخص المبادرentrepreneur هو الذي يقوم بعملية المبادرة.
و المبادر: شخص يقتنع بفكرة منتج أو خدمة معينة، ويتوقع نجاحها، ومن ثم يقوم بإخراجها للواقع ويتحمل المخاطرة في سبيل ذلك؛ على أن يكون له العائد من وراء نجاح هذه الفكرة.
ولكي يقوم بإخراج هذه الفكرة للواقع فهذا يعني أن عليه البحث عن الموارد اللازمة من مال وبشر وماكينات وموقع، ثم تحصيلها كي يخرج مشروعه إلى حيز الوجود.
وتختلف دوافع المبادرين الناجحين، ويمكن تقسيم شخصيات المبادرين إلى خمسة أصناف:
1- المثاليون (idealist): وهؤلاء يكون دافعهم للمبادرة هو حبهم للعمل من أجل فكرة جديدة أو مبدعة أو مفيدة.
2- المحسنون (optimizer): وهؤلاء يكون دافعهم للمبادرة إشباع الرضا عن الذات من جراء امتلاك عملهم الخاص.
3- المتحملون (sustainer): وهؤلاء يكون دافعهم للمبادرة حبهم لفرصة الموازنة بين العمل وحياتهم الخاصة، وغالبا لا يحبون أن ينمو عملهم بصورة كبيرة .
4- العاملون الجادون (hard worker): يحبون بذل ساعات طويلة من العمل لبناء عمل أكبر وأكثر ربحية.
5- المتحايلون (juggler): وهؤلاء يحبون فرصة وجود عمل يتيح لهم أن يقوموا بعمل كل شئ بأنفسهم، وهم أصحاب الطاقات العالية الذين تجدهم ينجحون بقوة في العمل تحت ضغط دفع الفواتير وتسليم العمل قبل وقته النهائي.
والإحصائية التالية تشير إلى توزيع نسب المبادرين بين الشخصيات المختلفة:
المثاليون (idealist)
24%
المحسنون (optimizer)
21%
المتحملون (sustainer)
15%
العاملون الجادون (hard worker)
20%
المتحايلون (juggler)
20%

إذن نستطيع تلخيص هذه الدوافع في النقاط التالية:
1. حب العمل في فكرة جديدة أو مبدعة أو مفيدة.
2. إشباع الرضا عن الذات من خلال امتلاك عملك الخاص.
3. زيادة فرصة الموازنة بين العمل والحياة الخاصة.
4. بذل ساعات طويلة من العمل لبناء عمل أكبر وأكثر ربحية.
5. وجود عمل يتيح لك أن تقوم بعمل كل شئ بنفسك.
ولا شك أن كل هذه الدوافع مشروعة، ولكن هناك دافع أكبر وأهم وأعظم يختص به المؤمن عن غيره، ألا وهو ابتغاء مرضاة الله تعالى بعمله، وتقديم شيء مفيد لدينه وأمته ووطنه، وهذا الدافع هو الذي يستجلب للإنسان توفيق الله تعالى في العمل، ويمكنه من أن يجعل لعمله قيمة حقيقية في الدنيا والآخرة.
فإن كنت ترغب في إنشاء مشروع جديد فقم باختيار أحد هذه الدوافع السابقة ـ بعد الدافع الأخروي ـ وقم بتقويتها في نفسك باستمرار، من خلال التأكيد عليها في عقلك، وتكرارها كثيرًا حتى يقوى الدافع لديك، ويكون وقودًا لحماستك في مشروعك الجديد .
وإذا كانت هذه هي الدوافع المحركة للشخصيات المختلفة, فلننظر في أهم الصفات الشخصية التي يتمتع بها أي مبادر لكي ينجح في عمله.
الصفات الشخصية للمبادرين:
لقد أجريت عدد من الدراسات للبحث في الصفات الشخصية للمبادرين، وكيف أنها تختلف عن صفات المديرين الناجحين في المؤسسات القائمة بالفعل، فالبعض يرى أن المبادرين بصفة عامة يريدون شيئا مختلفًا في الحياة عما يفعله المديرون التقليديون، فالمبادرون يولون اهتماما كبيرًا بأن يشعروا بالحرية لكي يحققوا ويعظموا من وضعهم، وعموما هناك 6 صفات أساسية للمبادرين:
1. الشعور بالتحكم الذاتي Internal Locus of Control
يتميز المبادرون بشعورهم بالتحكم في أمورهم وأن مستقبلهم إنما هو من صنع أيديهم، وأن بقدرتهم إخراج الأمور كما يريدون هم لا كما يريد غيرهم، أو كما تشاء الظروف، إنهم يؤمنون بقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، ويرون أن التغيير إنما يأتي من الداخل لا من الخارج.
إنهم يتميزون بأنهم ليس فقط لديهم رؤية؛ بل لديهم تلك المقدرة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس، ولديهم الإيمان الجازم بقدرتهم على ذلك.
2. الطاقة العالية High Energy Level
بدء مشروع جديد يتطلب جهدًا خارقًا، فالمبادرون لديهم الطاقة والإصرار على مواصلة العمل, مهما كانت التحديات والصعوبات التي تواجههم في الطريق إلى أن يصلوا إلى النجاح.
إنهم يعلمون أن الحياة الهادفة هي جد ونشاط، وتخطيط وتنظيم وإدارة، واستثمار للوقت والإمكانات والمواهب، ويتمتعون بالكفاح الإداري الذي يجعلهم يستمرون في المحاولة والتقييم والتعديل, إلى أن يصلوا إلى النتائج المطلوبة.
وفي بحث تم على ممتلكي الأعمال الخاصة وجد أن نصفهم يعمل 60 ساعة أو أكثر في الأسبوع، وفي بحث آخر وجد أن المبادرين يعملون لساعات طويلة، ولكن ذكر أن مابعد70 ساعة عمل في الأسبوع يثمر فائدة قليلة.
والإحصائية التالية تشير إلى متوسط ساعات عمل المبادرين:

أقل من 50 ساعة
من 50-59 ساعة
من 60-69 ساعة
من 70-79 ساعة
أكثر من 80 ساعة
23%
23%
28%
13%
12%

كما هو واضح أن 23% فقط يعملون أقل من 50 ساعة أسبوعيًا، وهي ساعات العمل الطبيعية للمديرين في المؤسسات القائمة.
3. الحاجة للإنجاز: Need To Achieve
وهي الصفة التي تجعل لدى الإنسان الدافع للبحث عن المواقف الأقرب للنجاح واستغلالها بكفاءة، فالناس ذوو الحاجة للإنجاز يحبون وضع أهدافهم الخاصة والتي تكون أهدافا متوسطة الصعوبة، فالأهداف السهلة غير محفزة ولا تثير التحدي، والأهداف الصعبة يكون إنجازها غير واقعي، وأما الأهداف المتوسطة والتي تحوي على قدر من الصعوبات في تحقيقها تكون محفزة للتحدي، وتشبع قدرًا كبيرًا من الرضا الذاتي عند تحقيقها.
4. الثقة بالنفس Self-Confidence
المبادرون بحاجة لثقة عالية بقدرتهم على إدارة الأعمال اليومية بكفاءة، يجب أن يشعروا بقدرتهم على كسب عملائهم وعلى الإلمام بالأمور الفنية، وجعل العمل يسير باستمرارية, والمبادرون أيضا لديهم الشعور بالثقة بقدرتهم على التعامل مع أي شيء في المستقبل، فالأمور المعقدة والمشاكل المتوقعة بالنسبة لهم يمكن التعامل معها في أي وقت.
5. الوعي بمرور الوقت Awareness of Passing Time
المبادرون يميلون إلى أن يكونوا غير صابرين، عندهم شعور بشيء من الإلحاح، إنهم يريدون الأمور أن تنجز كما لو أنه ليس هناك غدًا, إنهم يريدون أن تنتهي الأمور فورا, إنهم "يمسكون باللحظة"، وفي مثل هؤلاء يقول د.إبراهيم الفقي (لدى كل شخص في هذه الحياة أحلام وطموحات, لكن منا من لا يهدأ إلا وقد تحقق هدفه وأصبح واقعا ملموسا).
6. تحمل الغموض Tolerance for Ambiguity
أكثر الناس يحبون التعامل مع مواقف واضحة، ووجود هيكل تنظيمي واضح وأوامر محددة، ومعلومات كاملة، ولكن يحتاج المبادر إلى أن يكون لديه تحمل لغموض المستقبل وعدم الوضوح التام لمآلات الأمور، وعدم التأكد من نجاح القرارات؛ وذلك لأن طبيعة المشروع الصغير والفكرة الجديدة يحيطها الكثير من الغموض واللبس، خصوصًا في أول نشأتها.
هذه هي أهم صفات المبادرين، والمطلوب منك الآن أن تعرض نفسك على هذه الصفات صفة صفة، فإذا وجدت هذه الصفات كلها فيك فاحمد الله تعالى واستبشر وتفاءل بالنجاح، أما إذا كانت تنقصك بعض الصفات، فاختر أهمها بالنسبة لك وابدأ بإصلاحها في نفسك من خلال تكلف صفة المبادرين لمدة من الوقت .
يعني مثلًا إذا كانت تنقصك الطاقة العالية في العمل ومقدار ساعات عملك في الأسبوع 30 ساعة فقط، تكلف ما يتصف به المبادرون من طاقة عالية في العمل وعود نفسك على العمل لمدة ستين ساعة في الأسبوع خلال هذا الشهر حتى تتكون فيك هذه الصفة وتصبح متأصلة فيك ثم انتقل إلى الصفة التي تليها بنفس الطريقة وهكذا حتى تتكون فيك صفات المبادرين الست.
في المرة القادمة إن شاء الله سنعرض عليك مراحل نمو أي مؤسسة، فإن كنت ترغب أيها المبادر في إنشاء مؤسسة ضخمة من الصفر؛ تابع معنا في المرة القادمة وستعرف المراحل التي ستمر بها لكي تصل إلى ذلك