الممارسة الأولى وهي وضع نموذج للأداء، وتتضمن شقين هامين:
  1. أظهر صوتك من خلال التعبير عن قيمك ومبادئك.
  2. كن قدوة عن طريق ربط الأفعال بالقيم المشتركة.
أولًا ـ أظهر صوتك القيادي:
ويسرد لنا ماكس دي بري مالك ورئيس مجلس إدارة هيرمان ميلر لصناعة الأثاث بولاية ميتشجان قصة مؤثرة تُوضح الارتباط بين الصوت المميز والفعل، فيقول:
(لدي حفيدة تسمى ذو، ولدت قبل اكتمال نموها وكانت تزن رطلًا واحدًا ونحيفة جدًا لدرجة أن خاتم زواجي يمر من ذراعها إلى كتفها، والمسئول عن ولادتها والذي فحصها فال لنا إن فرصة بقائها على قيد الحياة تترواح بين خمسة إلى عشرة بالمائة فقط.
وبعد أن عقمنا أنفسنا أنا وزوجتي لكي نزورها، رأيناها في الحضانة في وحدة العناية المركزة للمواليد المبتسرين حيث تم توصيل أداتين من أدوات الحقن في سرتها وفي قدمها وشاشة عرض على كل جانب من صدرها وأنبوب تنفس وأنبوب تغذية في فمها، ومما زاد الأمر تعقيدًا أن والد ذو سافر قبل شهر من ولادتها.
وعندما لاحظت ذلك ممرضة رزينة تسمى روث أعطتني بعض التعليمات لعدد من الشهور القادمة، قالت: "على الأقل أنت الأب بالإنابة، أريدك أن تأتي إلى المستشفى كل يوم لتزور ذو، وعندما تأتي أريدك أن تلمس جسمها ورجليها وذراعيها بأطراف أصابعك، وبينما تداعبها بحب يجب أن تخبرها مرة تلو أخرى كم تحبها؛ لأنه ينبغي عليها أن تربط بين صوتك ولمساتك".
وكانت روث تفعل شيئًا صحيحًا في صالح ذو، وفي صالحي بالطبع، ودون أن تلاحظ كانت تعطيني أفضل الصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد، فإن من أهم صفات القائد أن يربط بين نبرة صوته ولمسته).
فمن خلال تلك القصة السابقة أخبرنا ماكس بدرس عظيم للقائد المؤثر وهو "ضرورة إظهار صوتك في المقام الأول".
وليس معنى إظهار الصوت القيادي أن تُكثِر من نقل الكلمات الرنانة والخطب العصماء، عن القيم والمبادئ والرسالة والرؤية، وإنما أن تعبر عن قيمك القيادية التي صغتها بنفسك، حتى تعبر عن أسلوبك القيادي وتقودك ومن وراءك نحو أهدافكم، فكما يقول كوزس وبوسنر: (لو أن الكلمات ليست كلماتك ولكنها كلمات غيرك فلن تستطيع على المدى الطويل أن تكون منسجمًا مع الآخرين، وبالتالي فلن تكون ذا مصداقية ... وإظهار الصوت يعني أن تحترم آراء الآخرين حتى يمكنهم احترام آرائك).
أركان الصوت القيادي المؤثر:
ولكي تُظهر صوتك القيادي المُؤثر فلابد من أمرين هامين، وهما:
  1. بوصلة القيم.
  2. التعبير الصادق عن الذات.
بوصلة القيم:
هل يمكنك ـ عزيزي القائد الجديد ـ أن تتحرك في الصحراء من دون بوصلة تحدد طريقك؟ ربما تصل إلى مقصودك مرة، ولكن لن تصل كل مرة، وحتمًا ستُضيِّع في سبيل ذلك أوقاتًا كثيرة، وجهدًا كبيرًا.
وكذلك رحلة القيادة المؤثرة لابد لها من نموذج أداء مبني على قيم توضح الطريق لك ولأتباعك.
ففي دراسة بحثية نشرها كوزس وبوسنر في كتابهما "القيادة تحد"، طلب من آلاف الناس أن يُصنفوا قادة التاريخ المشاهير الذي يحبونهم، والذين يستطيعون أن يتخيلوا أنهم يسيرون على نهجهم، لم يحصل قائد على الأغلبية ولكن أكثر قائدين تم ذكرهما هما: "إبراهام لينكولن"، و"مارتن لوثر كينج"، وجاء في القائمة أيضًا "ونستون تشرشل" و"غاندي"، "مانديلا" .... إلخ.
فماذا كان القاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا؟
بعد مراجعة قائمة أكثر القادة جذبًا للإعجاب، فإن هناك ميزة تطغى على كل المزايل، لقد كان لهؤلاء جميعًا مجموعة من القيم لا يحيدون عليها مهما كانت الظروف؛ فلو لم يكن لك ثقة في حامل الرسالة، فلن تؤمن أو تصدق محتوى تلك الرسالة، وكذلك إن لم تثق في قائدك فلن تثق بأدائه القيادي، ولن تثق حقيقة في قائد إلا إن كان أداؤه القيادي مبني على قيم راسخة وفعالة.
القيم، لماذا؟
ولا تتوقف أهمية القيم في حياتك ـ عزيزي القائد الجديد ـ عند حد ثقة أتباعك فيك، ولكن تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، فهي:
  1. مصباح يُنير طريقك القيادي:
شغلت ليلاس بروان في سنة 1993م منصب مدير برامج العمل والقيادة في جامعة ساسكاتشوان، وكان لها حياة عملية ناجحة كمدير ناجح لتنمية الموارد البشرية في إحدى شركات تجارة الجملة، ولكنها قررت أن تتحول ليكون لها دور أعمق في العمل مع الناس في مواقع شتى.
تقول ليلاس: (أردت أن أُحدث اختلافًا في حياة القادة ومساعديهم وأماكن عملهم)، لقد كانت جديدة على مجال العمل في الجامعة، تقول: (مثل أي قائد جديد، كان علي أن اكتسب المصداقية، ولكنها عملية شاقة تحتاج إلى وقت طويل وعمل شاق وتكريس وصبر)
ولابد أن ينتاب أتباعك شك في قدراتك ونِيَّاتك مع كل عمل جديد تسعى إلى إنجازه معهم، وكذلك كان الأمر في حالة ليلاس، فقد جوبهت برفض من العاملين معها، حتى أنهم نعتوها بأنهاـ "غير الصالحة للقيادة"، ووصفوها بأنها غير صالحة لأي شيء، فماذا كان رد فعلها؟
تقول: (كان الأمر مُؤلمًا في أوله، ولكن لم يُؤثِّر على روح التحدي لدي بل جعلني أكثر تحملًا، وقوَّى ذلك من رغبتي في زيادة خبرتي أكثر مما كانت عليه)، فاستعملت ليلاس مذكرات شخصية، تكتب بها ملاحظاتها على سلوكها مع العاملين، وفي كل مساء تسأل نفسها:
ما الشيء الذي قمت به اليوم والذي أظهر قيمي القريبة والعزيزة علي؟
ما الذي فعلته لأوضح ذلك ولم يكن يمثل قيمة بالنسبة لي؟
ماذا يجب علي أن أفعله أكثر وأكثر لكي أعبر عن قيمي بصورة كاملة؟
وبواسطة التوضيح والتأكيد اليومي لقيمها استطاعت ليلاس أن تُقوي قدرتها على المشاركة واستطاعت بدرجة كبيرة أن تفوز على المتشككين، وتُنجز ما يهم الجامعة ويهمها حقًا.
  1. بناء الأرضية المشتركة بين القائد وأتباعه:
حيث يعد اتفاق القائد وأتباعه على جملة من القيم المشتركة من أهم العوامل التي تساعد القائد في توجيه أتباعه، وتسيرهم نحو الهدف المنشود، فهي تجعل من القائد وأتباعه لحمة واحدة.
تمامًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالكل على قلب رجل واحد، له رسالة واحدة، ويتحرك من أجل رؤية واحدة، ولما نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بناء هذه القيم المشتركة، رأينا صحابته رضوان الله عليهم قد امتزجت رسالة الإسلام بأجسادهم، وسرت كالدماء في عروقهم.
ولنا في موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه دليل دامغ على الأثر العظيم الذي يتركه بناء القيم المشتركة عند الاتباع، حينما وقف رضي الله عنه أمام رستم قائد جيوش فارس يوم القادسية، فسأله رستم: (ما جاء بكم؟)، فرد عليه ربعي رضي الله عنه قائلًا: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، فقد لخص رضي الله عنه رسالة الإسلام في تلك الكلمات الموجزة؛ لأنه تربى في مدرسة القائد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي رباهم فيها على تلك القيم المشتركة.
ولعل بناء هذه القيم المشتركة كانت من أهم أسباب نجاح عملاق من عمالقة شركات الكمبيوتر ألا وهي شركة Hewlett-Packard، حيث يقول "مارسيلوبولارا" مدير العمليات الدولية بجناح الكمبيوتر الشخصي بها:
(إن القيم الجوهرية التي آمنتُ بها أنا ومجموعتي وشعرنا بأهميتها؛ هي المشاركة، وجماعية العمل، والاتصال، والمرونة، والاتصالات الإنسانية، ولقد تمت مناقشة هذا النسق القيمي من خلال مجموعة كبيرة من البشر لتحديد آرائهم في هذه القيم الخمسة، وفي النهاية ازداد يقيني بأنه من الأكثر أهمية وإيجابية مناقشة القيم الجوهرية التي ينبغي الإيمان بها).
  1. طاقة تمنحك الالتزام والوفاء المستمر:
وقد قام كل من كوزس وبوسنر بالتعاون مع وان سكمديت على دراسة العلاقة بين وضوح القيم الشخصية ووضوح قيم المؤسسة، فجاءت نتائج البحث مشيرة إلى أن القيم تخلق اختلافًا مميزًا في السلوك أثناء العمل خاصة فيما يتعلق بالالتزام والانضباط، كما يبين الشكل التالي:
وضوح قيم المؤسسة
منخفض عال
وضوح القيم الشخصية








فكلما ارتفعت نسبة تَمثُلك للقيم في شخصيتك، كان وضوح قيم المؤسسة أكثر وضوحًا، وكان قدر التزامهم بتلك القيم أعمق.
ويحكي وليام كوهين وهو لواء في القوات الجوية الأمريكية تجربة مع وضوح القيم في قائده وأثرها على التزامه والتزام زملائه بذلك، فيقول:
(عندما كنت ضابطًا شابًا، أحمل رتبة الملازم أول في القوات الجوية، كنت ضمن أعضاء جناح القاذفات الحادي عشر بقاعدة أطلس الجوية بولاية أوكلاهوما، كان هذا الجناح واحدًا من أحسن أجنحة القاذفات ب ـ 52 تدريبًا، فقد كان الجناح الوحيد الذي أحرز كأس فيرتشايلد تروفي المرموق ثلاث مرات في مسابقة دقة إلقاء القنابل.
ولكن أخذت الوحدة في الانحراف طيلة عدة شهور، فقد أخفقنا في أداء متطلبات تدريبنا بنجاح، وتأخرنا مرات في الإقلاع؛ بسبب مشكلات في الصيانة، وتوارى إحساسنا بالرسالة، والأكثر من ذلك أننا أخفقنا في تفتيش الاستعداد التنظيمي وأصبح تصنيفنا الأخير بعد أن كان الأول.
وفي إحدى الأمسيات، وأنا وطاقمي في حالة استعداد، تلقيت مكالمة هاتفية عاجلة من عمليات القاعدة تقول: "حضر إلى القاعدة قائد جديد اسمه العقيد كايس، ابتعد عن طريقه".
لم نستطع الابتعاد عن طريق العقيد كايس؛ لأنه زارنا تلك الليلة، لقد ألغى كل إجازات الغياب وألغى جميع أنواع الوقت الحر إلى أجل غير مسمى، والتقى مع جميع أفراد الطاقم الذي يعمل تحت قيادته، والبالغ عددهم 1500 من الضباط والرتب الأخرى وأخبرنا جميعًا بأننا نستعيد مكان الصدارة في القيادة الجوية الاستراتيجية وكيفية الوصول إلى ذلك.
في البداية شعرنا بالكراهية تجاه كايس وكرهته زوجاتنا ولكن بعد مرور شهرين على وصوله خضعنا لتفتيش مفاجئ من تفتيشات الاستعداد التنظيمي، ولم ننجح فحسب في هذا التفتيش، ولكن أحرزنا نتيجة تفوق أي نتيجة أحرزناها فيما مضى وأصبح تصنيفنا رقم واحد).