وها نحن نقبس من مشكاة المعلم الأول لهذه الأمة، بل للبشرية كلها، وننهل من نبع قيادته الحكيمة لسفينة الإسلام، ونختار لك ـ عزيزي المؤمن الفعال ـ موقفًا من السيرة النبوية الشريفة. إنه موقف غزوة بدر، أو بالأحرى مواقف عدة من تلك الغزوة المباركة الميمونة، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بنبأ خروج قافلة أبي سفيان بتجارة قريش، فكان لابد للنبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ قرار واضح بشأنها، هل يهجم على القافلة؟ أم يدعها تعبر وينتظر موقفًا آخر يقاتل فيه قريش؟! فلننظر ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
  • جمع المعلومات:
حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه، بسبس بن عمرو وعدي بن الزغباء؛ لجمع المعلومات عن القافلة.
كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يتسقطون له الأخبار عن جيش قريش، فوجدوا غلامين يستقيان لجيش المشركين، فأتوا بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كم القوم؟)، فقالا: (كثير)، قال: (ما عدتهم؟)، قالا: (لا ندري)، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كم ينحرون كل يوم؟)، قال: يومًا تسعًا ويوم عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (القوم ما بين التسعمائة والألف).
(فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على معرفة جيش العدو والوقوف على أهدافه ومقاصده؛ لأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصدِّ عدوانه، فقد كانت من أساليبه في غزوة بدر في جمع المعلومات تارة بنفسه، وأخرى بغيره).
  • توليد البدائل المختلفة واختيار البديل المناسب:
فحينما استقر المقام بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وعسكر الجند، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مجالًا للشورى مع أصحابه، فخرجت بدائل مختلفة، منها ما كان من رأي الحباب بن المنذر، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: (يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأى والحرب والمكيدة).
قال: (يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامضِ بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبنى عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقد أشرت بالرأي).
  • العزيمة في التنفيذ:
فحين أشار الحباب بن المنذر بذاك الرأي، (نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار، حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضًا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية).