عندما طُبق النظام الرأسمالي في الواقع؛ أسفر عن بعض العيوب، وذلك نتيجة لصعوبة توفر الشروط اللازمة لنظام رأسمالي مثالي، بمعنى أنه حتى يتحقق نظام رأسمالي مثالي، يكون فيه جهاز الثمن هو المتحكم في الأسعار وفي الكميات المنتجة؛ لا بد من وجود المنافسة الكاملة التي تتمثل في وجود أعداد كبيرة جدًا من البائعين والمشترين، بحيث لا يكون لأي واحد منهم بمفرده القدرة على التأثير على السعر وظروف السوق، مع وجود حرية الانتقال الكاملة لعناصر الإنتاج، وحرية الدخول والخروج في السوق، والعلم الكامل بأحوال السوق.



وقد كشفت التجربة الرأسمالية أن هذه الشروط قل أن تتوافر مجتمعة، وأن تلك الصورة المُثلى لم تتحقق في الواقع العملي إلا لفترة وجيزة من الزمن .



ولكن من باب الإنصاف علينا أن نعترف بأن النظام الرأسمالي يتمتع بمرونة وقدرة على التكيف، وقد أضيفت له الكثير من الإصلاحات مع الزمن، مما جعله يستمر حتى الآن، ويحقق نجاحات أكبر من النظام المنافس له وهو النظام الاشتراكي، وأبرز عيوب النظام الرأسمالي هي:







1- نمو ظاهرة الاحتكار:



يقصد بالاحتكار انفراد مشروع من المشروعات بعمل إنتاج معين يقوم به، بحيث لا يستطيع مشروع آخر منافسته فيه، ويترتب على ذلك أن المحتكر يستطيع السيطرة على السوق من حيث تحديد الأسعار والكميات، ويتعطل جهاز الثمن ويفقد فاعليته في توزيع وتخصيص الموارد بشكل يحقق الكفاءة، ومن مساوئ الاحتكار أن المحتكر يلجأ إلى تحديد حجم الإنتاج، وحرمان السوق من السلعة لرفع أسعارها, وتحقيق أرباحه الاحتكارية, ورغم أن في إمكان المصانع والمزارع أن تنتج المزيد وبأسعار منخفضة، إلا أن المحتكرين يفضلون بقاء آلاتهم عاطلة ومزارعهم يابسة حتى يقل المعروض من السلعة وترتفع أسعارها، وهكذا يؤدي الاحتكار إلى سوء استخدام للموارد الاقتصادية.



وهكذا يؤدي الاحتكار إلى استغلال المستهلكين لصالح أصحاب رؤوس الأموال، ويؤدي أيضًا إلى سوء استغلال للموارد، مما جعل كثير من الحكومات الرأسمالية تتدخل لمنع الاحتكار من خلال إصدار تشريعات وسن قوانين لمنع الاحتكار، والتقييد من سلطاته لصالح المستهلك.







2- سوء توزيع الدخل والثروة:



يرتكز النظام الرأسمالي على عدد من الدعائم أهمها الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج، ونظرًا لندرة عناصر الإنتاج بالنسبة لعدد السكان في كل دولة؛ فإنه من المشاهد أن تتركز عناصر الإنتاج في أيدي فئة قليلة من المجتمع، ويبقى جمهور المجتمع من الطبقة العاملة الكادحة، وهكذا يربح أصحاب رؤوس الأموال من عناصر إنتاجهم مباشرة، كما هو الحال بالنسبة لأصحاب الأراضي مثلاً الذين يحصلون الريع أو الإيجار، أما العمال الذين لا يملكون عناصر الإنتاج؛ فإنهم يحصلون على دخلهم مقابل المجهود الذي يبذلونه، ومن الطبيعي إزاء هذا الوضع أن يزداد أصحاب رؤوس الأموال ثراء نتيجة لارتفاع دخولهم، ومن ثم يمكنهم ادخار جزء من هذا الدخل، وإعادة استثمار مما يؤدي إلى زيادة ملكية عناصر الإنتاج وتراكمها في أيدي عدد قليل من الأفراد، وعلى الجهة الأخرى تطل الطبقة العاملة في مستوى معيشي منخفض؛ لأن العامل الذي يحصل على دخل منخفض لا يتمكن من الادخار، ومن ثم لا يملك عناصر الإنتاج.



ولا يتوقف ذلك على النواحي الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل يتعدى إلى النواحي السياسية؛ حيث يسيطر الأغنياء على مقومات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يمتد نفوذهم إلى النواحي السياسية؛ فيصل نفوذهم إلى إدارة شؤون الدولة، والحصول على أعلى مراكز فيها، وذلك من خلال السيطرة على الأحزاب وانتخابها، بما يملكون من أموال تتفق من الإعلام والدعاية وشراء الذمم.



وبمرور الوقت تجد الأسر الغنية تزداد قوة وأحكامًا، بفضل ما توفره لأبنائها وأعضائها من فرص الحياة والتعليم والترقي، وفي الوقت نفسه تتوارث الطبقات الكادحة فقر آبائها.







3- تزايد البطالة ووجود الأزمات الدورية والتقلبات الاقتصادية:



لقد ساد الاعتقاد أن جهاز الثمن في إطار من الحرية الاقتصادية، كفيل بتحقيق الاستخدام الأمثل والكامل والكفء للموارد، إلا أن السير الطبيعي للنظام الرأسمالي أدى إلى ظهور البطالة، ودخول الاقتصاد في أزمات دورية متلاحقة، فمع توسع النشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي تزداد أرباح المنتجين؛ مما يؤدي إلى استخدام الأرباح في توسيع وزيادة الطاقة الإنتاجية؛ من معدات ومصانع وآلات بزيادة هائلة، إلا أن هذه الزيادة في الطاقة الإنتاجية لا يقابلها عادة، ولا يصاحبها زيادة مماثلة في دخول العمال؛ ومن ثم لا تزداد قدرة العمال الشرائية بالقدر الكافي لاستيعاب الزيادة في الطاقة الإنتاجية، مما يحدث تكدس للمنتجات، ومن ثم يتجه رجال الأعمال إلى تخفيض حجم الإنتاج عن طريق الاستغناء عن أعداد من القوة العاملة؛ وبالتالي تظهر البطالة، والبطالة تؤدي إلى زيادة الأزمة حدة.



ومن أسباب الأزمات في النظام الرأسمالي أيضًا أن المنتجين لا يمكن أن يتوقعوا بدقة عالية طلب المستهلكين في الأجل الطويل، وخصوصاً في ظل حدوث تغيرات سياسية واجتماعية متلاحقة، ويترتب على ذلك أن الطلب الفعلي على سلعة معينة قد يزيد وقد ينقص عما كان يتوقعه المنظمون، مما يؤدي إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.



ولذلك يمكن القول: إن التقلبات الاقتصادية رواج وكساد، هي في الواقع سمة من سمات النظام الرأسمالي الحر، ففي فترة يزداد حجم النشاط الاقتصادي ويحدث رواج وانتعاش، وفي فترة أخرى يقل حجم النشاط الاقتصادي ويحدث كساد وركود.







4- الحرية الوهمية:



الحرية التي افترضها أنصار المذهب الرأسمالي ليست مطلقة، إذ لا تتمتع بها سوى فئة محدودة من الأفراد هي فئة ملاك عناصر الإنتاج؛ فحرية العمل على سبيل المثال، لا يتمتع بها العامل الأجير الذي غالبًا ما يعجز عن إيجاد العمل الذي يرغب فيه، وذلك بسبب اشتداد المنافسة بين الطبقة المعاملة التي تكوِّن غالبية الشعب، مما يجبرهم على قبول أجور منخفضة؛ حتى لا يتعرضوا للبطالة والتشرد، فأي حرية كان يملكها أكثر من 12 مليون عامل في الولايات المتحدة، كانوا في حالة بطالة خلال الثلاثينات، حيث ساد العالم أزمة عالمية كبرى .



أما حرية الاستهلاك فليست مطلقة كذلك، وإنما يحد منها الدخل الذي يحصل عليه كل فرد في المجتمع، ويترتب على ذلك أن طبقة العمال التي تحصل على دخل منخفض؛ لا تحصل إلا على الضروريات.



ويمكن تشبيه النظام الرأسمالي بنظام المرور في مدينة كبيرة، حيث إن الشوارع قد أعدت لسير السيارات فيها، ثم تركت السيارات بمختلف أنواعها للسير في الشوارع بدون تنظيم المرور، ففي هذه الحالة سيقع الكثير من الحوادث، وتعم الفوضى، وترتبك حركة المرور، وستكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الحالة أن يحصل سائقو السيارات الصغيرة، الذين يحصلون على قدر بسيط من الحرية يهددون به حياة راكبي الدراجات، وهؤلاء بدورهم يحصلون على قدر طفيف جداً من الحرية يعرضون بها حياة المشاة للخطر، وهكذا نجد أنه في هذا النظام يحصل القوي على حريته، أما الضعيف فلن تكون حريته إلا كلمة خالية من كل معنى، وبذلك ينتصر قانون الغابة حيث تعيش الذئاب الحرة مع الخراف الحرة.