ولعل أهم نقطة ينبغي التركيز عليها هنا هي أن العمل المبنى على الاختصاص يتطلب تحديد مسؤولية المرؤوس أمام رئيسه المباشر عن استخدام السلطة المفوضة، إذ لا يمكن لرئيس أن يتهرب من مسئوليته عن الأنشطة التنظيمية الخاصة بالمرؤوسين، فالمسؤولية لا تفوض، أى لا يجوز أن يتخلص الرئيس من مسئوليته بالادعاء أن الخطأ هو خطأ المرؤوسين.
ولهذا فإن مسئول التنظيم عندما يبنى هيكل أيه منظمة عامة ويرتب وحداتها وفقا للتسلسل القيادي داخلها، نجده بين اختصاصات كل موظف، واضعا نصب عينيه عدة اعتبارات متعددة كطريقة اختياره وموضعه في التنظيم ومركزه الوظيفي وتأهيله ومدى ما يتمتع به من خبرات علمية.
غير أن هذا لا يعنى أنه يتعين على الرئيس أن يستأثر بالسلطة ولا يفوضها لمعاونيه، فالانفراد بالسلطة يؤدى إلى الكثير من المساوئ والتعقيدات من الناحية العملية في ممارسة الاختصاصات المتعددة مما يعطى في النهاية نتائج متواضعة قد تؤدى إلى تعطيل سير المرافق العامة، كما انه يفترض أ لكل إنسان جهدا وطاقة محدودة، وأن ما يطلب من هذه الجهود من أجل تحقيق الأهداف الكاملة داخل أى قطاع أو منظمة لا يستطيع أن يقوم به شخص واحد بل لا بد من الجهد المتكامل والتعاون والتنسيق بين مختلف الوحدات داخل القطاع الواحد، وبالتالي تظهر أهمية تفويض السلطة أو الاختصاص في جزء منه، إلى أشخاص في نفس الوحدة، حيث يخول لهم القيام بهذه الأعمال بضوابط وشروط معينة ليتفرغ الرؤساء لأعمال الإدارة ووضع السياسات العامة والتخطيط داخل المنظمة التي يرأسها.
وهذا ما حدا بالكثير من الدول إلى التخلي التدريجي عن النظام المركزي المتشدد، ذلك أن النظام الذي تستأثر فيه الحكومة المركزية بالوظيفة الإدارية، ولا تشاركها في ذلك أيه سلطات أخرى قد أصبح في حكم المستحيل أن يتمكن أى مسئول من متابعه جميع أعمال أدارته، لذا لجأت غالبية الدول ومنها المملكة العربية السعودية محل دراستنا إلى التخفيف من حده المركزية، ومنها من اخذ بنظام اللامركزية الإدارية الذي يهدف إلى توزيع السلطة الإدارية بين جهات متعددة، ومن ثم يجيء التفويض محتلا مركز الصدارة في هذا الشأن باعتباره أحد الوسائل التي يتم بمقتضاها توزيع جزء من الواجبات وجزء من السلطة اللازمة لتنفيذ ذلك القدر الذي تم التفويض فيه.
ومما تقدم يتضح أن عملية تفويض السلطة مرتبطة إلى حد كبير بنظام اللامركزية في الإدارة، كما أن للتفويض صلة قوية بما يسمى بالصلاحيات وتحمل المسئوليات، فعند تفويض الصلاحية لابد من تحمل المسئولية، ولابد من المحاسبة أو المساءلة للتوازن بين الصلاحية والمسئولية، فالصلاحية تعطى حق الممارسة، والمسئولية تشكل الالتزام بممارسة الصلاحية المفوضة بين موثقيه سلامة ممارسة المهام المتوقعة بين المرؤوسين.
وهنا تكمن المشكلة التي أجريت من أجلها هذه الدراسة حيث تتركز السلطة في مجتمعاتنا العربية في يد عدد محدود من الرؤساء، الأمر الذي يترتب عليه حدوث اختناقات في العمل، وتعطيل مصالح المستفيدين من أنشطة تلك الأجهزة، وتأثر الروح المعنوية للمرؤوسين، ونتيجة لذلك تتراكم المشاكل وتنخفض وتيرة العمل بسبب عدم التصدي للمشاكل في حينها، ويكمن جوهر المشكلة كما أشار الباحث في صعوبة التحرك دون الحصول على موافقات الجهات العليا، وذلك خوفا من تجاوز الصلاحيات وعدم الحصول على تفويض أعلى.