إدارة الموارد البشرية بشكلها الحديث ليست وليدة الساعة، إنما هي نتيجة لعدد من التطورات التي يرجع عهدها إلى بداية الثورة الصناعية، تلك التطورات التي ساهمت في إظهار الحاجة إلى وجود إدارة موارد بشرية متخصصة، ترعى شؤون الموارد البشرية في المنشأة, فهناك أسباب عديدة تفسر الاهتمام الزائد بإدارة الموارد البشرية كوظيفة متخصصة وكفرع من فروع الإدارة، ومن هذه الأسباب :
1-التوسّع والتطوّر الصناعي في العصر الحديث، ساعد على ظهور التنظيمات العمالية المنظمة؛ إذ بدأت المشاكل بين الإدارة والموارد البشرية، مما أدى إلى الحاجة لإدارة متخصصة ترعى وتحل مشاكل الموارد البشري في المنشأة.
2-التوسّع الكبير في التعليم وفرص الثقافة أمام العاملين، مما أدى إلى زيادة الوعي نتيجة ارتفاع مستواهم الثقافي والتعليمي، ممّا أدّى للحاجة إلى وجود متخصصين في إدارة الموارد البشرية ووسائل حديثة للتعامل مع النوعيات الحديثة من الموارد البشرية.
3- زيادة التدخل الحكومي في العلاقات بين العمال أصحاب العمل بإصدار قوانين وتشريعات عمالية، مما أدّى إلى ضرورة وجود إدارة متخصصة تحافظ على تطبيق القوانين لتجنب وقوع المنشأة في مشاكل مع الحكومة.
4- ظهور النقابات والمنظمات العمالية التي تدافع عن الموارد البشرية، وتطلّب الأمر ضرورة الاهتمام بعلاقات الإدارة بالمنظمات العمالية، مما أدى إلى أهمية وجود إدارة متخصصة لإيجاد التعاون بين الإدارة والمنظمات العمالية.
وأهم المراحل التاريخية التي مرت بها إدارة الموارد البشرية من منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن هي:
• المرحلة الأولى: تطورت الحياة الصناعية بعد الثورة الصناعية. قبل ذلك كانت الصناعات محصورة في نظام الطوائف المتخصصة؛ إذ كان مثلاً الصنّاع يمارسون صناعتهم اليدوية في المنازل بأدوات بسيطة. ومن ناحية إدارة الموارد البشرية كانت الثورة الصناعية بمثابة البداية لكثير من المشاكل الإنسانية إذ:
1. نظرت إلى العامل بصفته سلعة تُباع وتُشترى بعد أن اعتمدت الإدارة على الآلة أكثر من اعتمادها على العامل.
1. نشأة كثير من الأعمال المتكررة التي لا تحتاج إلى مهارة بسبب نظام المصنع الكبير.
وعلى الرغم من ذلك فإن الثورة الصناعية حققت زيادة هائلة في الإنتاج والسلع.
المرحلة الثانية: ظهور حركة الإدارة العلمية:
من التطورات التي ساهمت في ظهور أهمية إدارة الموارد البشرية- انتشار حركة الإدارة العلمية بقيادة (تايلور) الذي توصّل إلى الأسس الأربعة للإدارة وهي:
1-تطوير حقيقي في الإدارة: ويقصد (تايلور) بذلك استبدال الطريقة التجريبية أو طريقة الخطأ والصواب في الإدارة بالطريقة العلمية التي تعتمد على الأسس المنطقية، والملاحظة المنظمة، وتقسيم أوجه النشاط المرتبطة بالوظيفة، ثم تبسيط واختصار الأعمال المطلوبة، اعتماداً على أعلى المواد والمعدات المستخدمة.
2-الاختيار العلمي للعاملين: ويعدّه (تايلور) الأساس في نجاح إدارة الموارد البشرية، فبعد أن نتأكد من قدراتهم ومهاراتهم اللازمة لتحمل عبء الوظيفة-يتم اختيارهم.
3-الاهتمام بتنمية وتطوير الموارد البشرية وتعليمهم: إذ يؤكد (تايلور) أن العامل لن ينتج بالطاقة المطلوبة منه إلاّ بعد أن يكون لديه استعداد للعمل، وتدريب مناسب على العمل، وهو أمر جوهري للوصول إلى المستوى المطلوب من العمل.
4-التعاون الحقيقي بين الإدارة والموارد البشرية: يؤكد (تايلور) أنه بالإمكان التوفيق بين رغبة العامل في زيادة أجره وبين رغبة صاحب العمل في تخفيض تكلفة العمل، وذلك بزيادة إنتاجية العامل بأن يشارك في الدخل الزائد لارتفاع معدل إنتاجيّته.
· وقد أكد (تايلور) على معايير العمل، وقوبل بهجوم، وركز هذا الهجوم على مطالبته للعمال بأداء معدلات إنتاج دون أن يحصلوا على أجر بنفس الدرجة، كما أهمل الجانب الإنساني.
• المرحلة الثالثة: نمو المنظمات العمالية:
في بداية القرن العشرين نمت وقويت المنظمات العمالية في الدول، خاصة في المواصلات والمواد الثقيلة، وحاولت النقابات العمالية زيادة أجور العمال وخفض ساعات العمل، و ظهور حركة الإدارة العلمية (التي حاولت استغلال العامل لمصلحة رب العمل) ساعد في ظهور النقابات العمالية.
• المرحلة الرابعة: بداية الحرب العالمية الأولى:
أظهرت الحرب العالمية الأولى الحاجة إلى استخدام طرق جديدة لاختيار الموظفين قبل تعيينهم مثل (ألفا وبيتا)، وطُبّقت بنجاح على العمل تفادياً لأسباب فشلهم بعد توظيفهم. ومع تطور الإدارة العلمية وعلم النفس الصناعي بدأ بعض المتخصصين في إدارة الموارد البشرية الظهور في المنشآت للمساعدة في التوظيف والتدريب والرعاية الصحية والأمن الصناعي، ويمكن اعتبار هؤلاء طلائع أولى ساعدت في تكوين إدارة الموارد البشرية بمفهومها الحديث. وتزايد الاهتمام بالرعاية الاجتماعية للعمال من إنشاء مراكز للخدمة الاجتماعية والإسكان؛ ويمثل إنشاء هذه المراكز بداية ظهور أقسام شؤون الموارد البشرية، واقتصر عمله على الجوانب السابقة، وكان معظم العاملين في أقسام الموارد البشرية من المهتمين بالنواحي الإنسانية والاجتماعية للعامل.
ثم أُنشئت أقسام موارد بشرية مستقلة، وأُعد أول برنامج تدريبي لمديري هذه الأقسام عام 1915 وقامت (12) كلية بتقديم برامج تدريبية في إدارة الموارد البشرية عام 1919 وعام 1920 أُنشئت كثير من إدارات الموارد البشرية في الشركات الكبيرة والأجهزة الحكومية.
• المرحلة الخامسة: ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية:
شهدت نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من هذا القرن تطورات في مجال العلاقات الإنسانية؛ فقد أُجريت تجارب (هوثورن) بواسطة (التون مايو)، وأقنعت الكثيرين بأهمية رضاء العاملين عن عملهم وتوفير الظروف المناسبة للعمل.
• المرحلة السادسة: ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن:
·في هذه المرحلة اتسع نطاق الأعمال التي تقوم بها إدارة الموارد البشرية؛ إذ شملت تدريب وتنمية العاملين، ووضع برامج لتحفيزهم وترشيد العلاقات الإنسانية، وليس فقط حفظ ملفات الموارد البشرية، وضبط حضورهم، وانصرافهم، والأعمال الروتينية.
· مازالت الاتجاهات الحديثة في إدارة الموارد البشرية تركز على العلاقات الإنسانية، والاستفادة من نتائج بحوث علم النفس والانثروبولوجيا، وكان نتيجة ذلك تزايد استخدام مصطلح العلوم الإنسانية؛ إذ إنه أكثر شمولاً؛ لأنه يضع في اعتباره جميع الجوانب الخاصة ببيئة وظروف العمل والعامل وأثرها على سلوكه، ويجب التأكد من أن العلوم السلوكية ما هي إلاّ مجرد أداة معاونة للإدارة في الكشف عن دوافع السلوك الإنساني للعاملين، وأثر العوامل على هذا السلوك، وتضيف نوعاً من المعرفة الجديدة التي يُستفاد منها في مجالات إدارة الموارد البشرية، مثل: سياسة التحفيز والتنظيمات غير الرسمية.
و مستقبلاً يمكن النظر إلى إدارة الموارد البشرية على أنها في نمو متزايد لأهميتها في كافة المنشآت نتيجة التغيرات السياسية والتكنولوجية، وهناك تحديات يجب أن تتصدى لها إدارة الموارد البشرية مثل: الاتجاه المتزايد في الاعتماد على الكمبيوتر، والأوتوماتيكيات في إنجاز كثير من الوظائف التي كانت تعتمد على العامل. وأيضاً الضغوط السياسية والاقتصادية، والتغيّر المستمر في مكونات القوى العاملة من حيث المهن والتخصصات، ويجب التأكيد على استخدام المفاهيم الجديدة، مثل: هندسة الإدارة، والجودة الشاملة في مجال إدارة الموارد البشرية.