يقال إن المال السائب يشجع على السرقة، والمال المتوفر يشجع على الصرف، لذا فإننا نجد النصيحة الدائمة لمن عنده بعض النقود أن عليه استثمارها ليستفيد منها، قبل أن تنتقل إلى جيوب الآخرين، لأن المال يتحرك دائما.
وتختلف احتياجات الناس وأفكارهم في استثمار المال، فهناك من يشتري بيتا ويقول إنه استثمار مربح، وهناك من يشتري سيارة ويقول إنها استثمار جيد لماله، والبعض يقضيها في السفر معتبرا أن متعة السفر هي أفضل استثمار للمال، ولكن هذا النوع من الاستثمار النفعي لا يقدم إضافات مالية مباشرة إلى الدخل، لعدم وجود دخل إضافي، أي أن العائد من هذه الاستثمارات هو عائد غير مباشر.
ونحن هنا نتحدث عن الاستثمار الذي يعطي عائدا ماليا سريعا أو في مدة قصيرة، وهو الاستثمار الذي يقول عنه الفكر الاقتصادي هو استخدام المال ليولد أموالا أخرى مع بقاء المال الأساسي، أي أن الاستثمار يعمل على إضافة موجبة إلى رأس المال المستثمر.
وهذا أمر ممكن لأن المال يمكن أن يشتري أملاكا ترتفع أسعارها عن قيمة شرائها مع الزمن أو مع الطلب المتوقع والمنتظر.
والأملاك التي يمكن شراؤها هنا هي الأملاك القابلة للمبادلة والبيع السريع، مثل الأسهم والسندات والاشتراك في صناديق المرابحات والاستثمارات المختلفة.

هل الاستثمار مقامرة؟

هناك الكثيرون من الناس الذين يحدث أن يمتلكوا أموالا فائضة عن حاجتهم، ولكن خوفهم يمنعهم من استثمارها، خوفا من ضياعها، فالاستثمار عند البعض نوع من المقامرة ومغامرة غير مأمونة الجوانب.
هناك فرق كبير بين الاستثمار والمقامرة، فالاستثمار غالبا هو أمر يقبله الجميع ويشجعون عليه، والمقامرة أمر مستنكر والكل يحذر منه، والمقامرة هي وضع المال في موضع خطر قد لا يعود منه، ولكن الاستثمار هو وضع المال في مكان لينمو ويكبر.
والأهم من كل ذلك فإن الاحتمالات في المقامرة هي في غير صالح المقامر، ولكن في الاستثمار هي غالبا في صالحه.
إضافة إلى أن المقامرة أمر غير مشروع في كثير من البلدان بينما الاستثمار أمر منضبط بقوانين، وتعمل الحكومات جميعها على تشجيعه وحمايته.

الزمن له ثمن!!

ومن المعروف اقتصاديا أن الأشياء ترتفع أسعارها، وليس ارتفاع الأسعار نتيجة لقيمة وتغير السلعة بل لأن النقود أصبحت أقل قيمة عما كانت عليه في السابق، فمن المعروف أن النقد لا يحافظ على قيمته ثابتة، فهو يرخص مع الزمن، لذا يقال إن الزمن له ثمن، لذا فإن مبلغ مائة دولار منذ عام كانت تشتري سلعا أو كمية أكثر مما هي عليه الآن، لذا فإن المال الذي لا يستثمر تقل قيمته الحقيقية، حتى ولو حافظ على رقمه العددي، وهذا ما يسمى بالتضخم المالي، الذي تسعى للحد منه جميع الإدارات والمؤسسات الاقتصادية والمالية في العالم، ويعتبر معدل التضخم الذي لا يتجاوز 2% مقبولا، ولكن عندما يتجاوز4% فإن ذلك يعني أن اقتصاد البلد يعاني من تضخم كبير. لذا فإن عملية الاستثمار تفيد أيضا في محاولة لإبقاء المال بنفس قوته الشرائية إذا لم تقدم إضافة موجبة إلى الرقم.
من هنا يجب أن لا يخزن المال أو يبقى كما هو رقما، فإن قيمته تتناقص سنويا، ويجب أن يستثمر المال الفائض عن الاستخدام العاجل، لكي يحافظ على قيمته الشرائية في المستقبل.

المبلغ المستثمر:

ان مقدار المبلغ المستثمر يحدد كثيرا الأماكن التي يمكن أن يتحرك إليها هذا المال، وقلة المال لا تعني عدم إمكانية استثماره، فأي مبلغ مهما كان صغيرا يمكن استثماره بدلا من تركه عاطلا في البنوك، أو في صندوق في البيت، فإذا كان المبلغ كبيرا فإن هناك قنوات استثمار كبيرة ترحب بهذه المبالغ الكبيرة وتستثمرها، ولكن إذا كانت المبالغ صغيرة، فإن وسائل الاستثمار متوفرة ولكن بربحية قليلة، وهذا لا يجب أن يكون محبطا، بل إنه الدافع الذي يجب أن يدفع كل إنسان على الاستثمار، فهذه الزيادات الطفيفة هي التي أوجدت البيوت التجارية الكبيرة.

الحساب الأرقام يختلف:

إن توفير مبلغ شهري صغير وليكن مائة دولار شهريا، أمر مقدور عليه من كثير من ذوي الدخل الثابت، ولكن هذا المبلغ وصغره هو الذي لا يقبل عليه الناس بدعوى أن هذا المبلغ الصغير لن يعطيهم أي عائد مجز، وأن متعة صرفه وقضاء حاجة فيه تعطي عائدا أفضل من توفيره واستثماره، ولكن الحساب يقول غير ذلك، فإن هذا المبلغ الشهري البسيط، يمكن أن ينمو ليصبح كبيرا حتى ولو تمت تنميته بأقل عائد ممكن، فهذا المبلغ الذي لا يتجاوز 1200 دولار في السنة سيتراكم مع عوائده الاستثمارية ليصل إلى 8000 دولار بعد خمس سنوات، ولو امتد الزمن إلى عشر سنوات فان أجمالي المبلغ المستقطع مع عوائده الاستثمارية ستصل الى 21000 دولار.
هذه الحساب تم على أساس ان المبالغ الشهرية المستقطعة، استثمرت في قطاعات آمنة جدا، والاستثمار فيها لا يمثل أي خطورة، كما أن صاحب المال يمكن له أن يستعيد ماله في أي وقت يريد.
ولو أن صاحب هذا المبلغ المستقطع أراد ان يستثمر أمواله في أماكن استثمارية تدر عائدا أعلى بدون أن يجعلها تحت طلبه متى أراد فإن المبلغ على هذه المدة الطويلة سيعود عليه بمبلغ إضافي أكبر، يصل إلى عشرة أضعاف خلال سنوات عشر في الاستثمار.
لهذا فإن على كل إنسان أن يسعى إلى استقطاع جزء من راتبه والعمل على تنميته، فخلال سنوات سريعة تمضي سيجد أن لديه مبلغا من المال يستطيع فيه أن يقفز به إلى مرحلة استثمارية أعلى.

لا تبحث عن الثروة في المضاربات في الأسهم
يذكر التاريخ الموثق - والذي يشهد عليه عشرات الآلاف من المستثمرين والذين لا يزالون يذكرونه ويعاصرونه- أنه كان في أواخر القرن الماضي(1995-2000) فترة نمو وازدهار اقتصادي ومالي غير متوقع، ولم يسبق أن مر على الأسواق المالية طفرة مثل طفرة الاتصالات والإنترنت، فقد ظهرت شركات كبيرة وعديدة، وتكاثرت بسرعة كبيرة واشتهرت ونالت إقبالا منقطع النظير، وكانت أسهمها تباع بأغلى الأسعار، وكان الطلب لا يتوقف عند حد، بل إن بعض الشركات الجديدة فاقت قيمتها الكثير من شركات التصنيع القديمة والتي لها أصول ملموسة ولها بضائع معروفة، ومع ذلك فإن هذه الشركات الجديدة غير منظورة السلعة كانت الأكثر استجلابا للمستثمرين. وخلال هذه الفترة كانت النصيحة التي يرددها جميع الخبراء الاقتصاديين للمستثمرين وخاصة الحديثي عهد بالاستثمار بأن عليهم التنويع، وأن لا ينصرف اهتمامهم واستثماراتهم في مكان واحد من قطاع الخدمات الجديدة.

شراهة المستثمر

إن المشكلة التي واجهت خبراء الاقتصاد هي عدم قناعة المستثمر المبتدئ بنصائحهم، لأن إقدامهم على الاستثمار كان نتيجة رغبتهم في تحقيق أرباح وثروة من هذا التيار الذي يرمي بالملايين لكل مشارك فيه.
وإن أي إنسان تخيره بين أسهم ترتفع أسعارها يوميا وبين أسهم شركات قد لا يزيد الارتفاع فيها والعائد منها سوى 5% مما تقدمه الشركات الجديدة، سيختار وبدون تردد شراء أسهم الشركات النامية، على الرغم من المحاولات لتوضيح الأخطار المترتبة على الاندماج والانغماس في الكسب من هذا النمو غير الطبيعي والذي حدث أول مرة في التاريخ المالي للاستثمار، إلا أن الجميع يرغب في الاكتساب من هذه الفرصة النادرة.
ويشبه الخبير المالي (مارك ريب Mark Riepe) في مركز شواب للاستثمار (أحد بيوت المال الشهيرة بأمريكا) عملية الاستثمار المتنوع فيقول: هي كأكل الخضار، قد لا تعجبك ولكنها مفيدة لك، وأما عن الاستثمار في أسهم شركة واحدة أو معينة فأنها مقامرة خطرة أكثر من كونها مغامرة واستثمارا.
ويقول إن من يظن أنه سيكون بل جيتس آخر(صاحب شركة مايكروسوفت العالمية) يكسب البلايين، فيجب عليه أن يعلم أن هذه حالات شاذة في التاريخ، ولا يمكن أن تكون لكل من حاول أو عمل من أجل ذلك.

اتبع النصيحة

يقول مارك ريب: إن المشكلة التي تواجه المستثمرين هو الرغبة في استغلال الفرص النادرة، أو البحث عن ثروة من السماء، ويعتقد الكثيرون بأن حدسهم غالبا ما يكون صائبا. ويؤكد أن هذا الحدس كثيرا ما يخيب، بسبب أن الحدس مبني على الرغبة في تحقيق ثروة كبيرة، فينصرف التفكير إلى تحقيقها، ويرى المستثمر أن طريق الثروة هو ما يفعله وما يدله عليه تفكيره، وأن الثروة تحتاج إلى المغامرة والجرأة وهو هنا يقدمها، وغالبا بل إن نسبة تصل إلى 80% من هذه المغامرات الجامحة تنتهي لغير صالح المستثمر.
يقول الخبير المالي إن النصائح التي يقدمها رجال المال للمستثمرين هي نتيجة دراسة الأحوال الاقتصادية والمالية على مدى زمن طويل، ومع معرفة نتائج تفاعلات الظروف المختلفة مع بعضها، فالاقتصاد والمال والصناعة والسياسة والحياة الاجتماعية تصنع شبكة مترابطة من العلاقات، كل منها له طرف يشد الآخرين إليه، لذا فإن النصيحة التي يقدمها رجال المال وخبراؤه هي نتيجة علم تأثير هذه الأطراف على بعضها، وقوة كل منها في ظروف معينة أو في بيئة أو زمن معين، وليس نتيجة حدس ورؤية.
ويقول إن الخبراء ليسوا جميعهم معصومين من الخطأ، ومثلهم مثل الأطباء الذين قد يخطئون بالتشخيص، ولكن هذا لا يعني عدم الذهاب إلى الطبيب.
لذا فإن النصيحة التي يوجهها الخبراء هو بأن تكون الاستثمارات في أنواع مختلفة من الأسهم والسندات، وينصح الكثير منهم بأن تكون التشكيلة تحتوي على عشرة أنواع مختلفة من الأسهم والسندات في قطاعات منوعة. ومن الخطأ الكبير حصر الاستثمار في شركة واحدة أو قطاع واحد، وإن نظرية التركيز وعدم تشتيت المال لا ينطبق على هذا النوع من الاستثمار للمال، وهو خاص غالبا باستثمار المدخرات الشخصية للفرد العادي. فكلما تنوعت حافظة الاستثمار كلما كان ذلك أكثر أمنا للمستثمر على ماله، بل وإن التحليلات المالية للمحافظ المتنوعة هي الأكثر نموا من غيرها.

البحث عن الثروة في مكان آخر!!

وفي مقالة كتبها فريد بارباش ( Fred Barbash )، الخبير الاقتصادي في جريدة واشنطن بوست، ذكر بأن فكرة الاستثمار في السندات والأسهم هي للمحافظة على المال الذي يوفره الأشخاص لأيام الكبر أو للأيام الصعاب، لذا فإن الفكرة ليست تكوين ثروة وطفرة، بل هي للمحافظة على هذا المال بعيدا عن الصرف، وفي الوقت نفسه العمل على تنميته.
والبحث عن الثروات الكبيرة، يجب أن لا يكون في مدخرات الأفراد، لأنه لا يوجد ولا يتحقق في المضاربات في الأسهم والسندات، لأن العائد قليل، ولأن البحث عن الثروة الكبيرة فيها يدفع الإنسان إلى المقامرة، وهنا تبدأ الخطورة على المال، فقد يفقد كله، لأن المقامرة هي تعريض المال إلى الأخطار الكبيرة مقابل أرباح كبيرة، وقد يحدث أن يعود المال ومعه مكاسبه الكبيرة، ولكن في أكثر الحالات كما يقول التاريخ المالي والتحليلات الاقتصادية على مر أزمان طويلة بأن مال المغامرات قلما يعود سالما.