دراسة: ازمة البحث العلمى والتنمية

الخميس: 29 سبتمبر 2011

فى دراسة عن ازمة البحث العلمى والتنمية فى العالم العربى مقارنة بالدول الاخرى, للباحث, الدكتور"فهد العرابى الحارثى", يرى الباحث ان التقدم الهائل السريع الذي يشهده العالم اليوم له أسباب كثيرة، يقف في مقدمتها الاهتمام الشديد بالبحث العلمي، ففي الوقت الذي تقف فيه المشروعات العربية، في مجال البحث والتطوير، عند عتبة الدعاية البعيدة عن جدية الإنجاز، أو عند باب "الترف الأكاديمي" فحسب، نجد أن دول العالم المتقدم تكرس الكثير والوفير من إمكاناتها لدعم البحث والتجارب العلمية المختلفة من أجل التطوير، ومن أجل مستقبل أكثر ثباتاً, كما يرى ان البحث العلمي في المجتمعات المتقدمة يجد "الدعم" السخي من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المستفيدة، لأنه يُترجَم أو يتحول في العموم إلى "منتج" استثماري داعم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

فالبحث العلمي، في هذه الحالة، وبهذا المعنى، هو "استثمار" وليس ترفاً أكاديمياً عشوائياً. ولا نظن أن البحث العلمي في عالمنا العربي سيشهد الازدهار المأمول ما لم يعالج الخلل الكبير الذي لم يترك له أي فرصة ليأخذ المكان الأحق به اهتماماً، وأهمية، فيكون أحد أهم عوامل التنمية والتطور.

وتقول الدراسة:

الإنفاق على البحث العلمي في الدول المتقدمة

ذكر أحد الباحثين (1) أن العالم ينفق حوالي 2,1% من مجمل دخله الوطني على مجالات البحث العلمي، أي ما يساوي حوالي 536 بليون دولار. ويعمل في مؤسسات البحث العلمي في العالم ما يقارب 3,4 مليون باحث، أي بمعدل 1,3 باحث لكل ألف من القوى العاملة. وقد قدر إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والاتحاد الأوروبي على البحث والتطوير بما يقارب 417 بليون دولار، وهو ما يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العالمي بأسره على البحث العلمي. والولايات المتحدة وحدها تنفق سنوياً على البحث العلمي أكثر من 168 بليون دولار، أي حوالي 32% من مجمل ما ينفق العالم كله. وتأتي اليابان بعد الولايات المتحدة: 130 بليون دولار، أي ما يوازي أكثر من 24% من إنفاق دول العالم. ثم يتوالى بعد ذلك ترتيب دول العالم المتقدم: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، ليكون مجموع ما تنفقه الدول السبع أكثر من 420 بليون دولار. ففي هذه الدول السبع مليونان و265 ألف باحث، يمثلون أكثر من 66% من مجموع الباحثين في العالم، ويكلف كل باحث منهم حوالي 185 ألف دولار في السنة.

وقد تصدرت الدول الاسكندينافية قائمة الدول الأوروبية الداعمة للبحث والابتكارات، وذلك بالنسبة إلى نواتجها القومية، فجاءت النسب التي خصصتها تلك الدول للبحث والتطوير على هذا النحو: السويد 4.27%، فنلندا 3.51%، الدانمرك 2.6%. وتأتي بولندا بنسبة 0.59% في المرتبة الأخيرة بين الدول الأوروبية.(2)

وقد بلغت ميزانية الاتحاد الأوروبي للبحث العلمي من 2002م إلى 2006م 17.5 بليون يورو، وهي تمثل 3.9% من الموازنة الإجمالية للاتحاد الأوروبي في العام 2001م. وفي أقل من عقدين من الزمان تضاعف تمويل البرامج المشتركة للبحث العلمي 366%.(3) وفي مصادر أخرى بلغت ميزانية الاتحاد الأوربي للبحث العلمي خلال الفترة من 2007 إلى 2014م حوالي 300بليون يوروا.(4)

وتولي دول جنوب وشرق آسيا أهمية متزايدة للبحث والتطوير، فقد رفعت كوريا الجنوبية نسبة إنفاقها على البحث والتطوير، من 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1980م إلى 2.89% في العام 1997م، ووجهت اهتمامها نحو الإلكترونيات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات البيئة، وتقنيات المعلومات، وأدوات التقييس، والمواد الجديدة، وعلوم الفضاء والطيران. ووفق مصادر أخرى فقد رفعت كوريا الجنوبية ميزانية البحث العلمي إلى ما يقرب من 4% في العام 2010م لتصل ميزانيتها إلى 11.5مليار، ومن المتوقع أن تصل ميزانية البحث العلمي خلال العام 2012م 5% من الناتج القومي. وكوريا الجنوبية يحتل اقتصادها المرتبة الثالثة في آسيا.(5)



أما الصين فقد خططت لرفع نسبة إنفاقها على البحث والتطوير من 0.5% من إجمالي الناتج المحلي في العام 1995م إلى 1.5% في العام 2000م، ووجهت أيضاً أهداف خطتها الخمسية خلال تلك الفترة نحو تحسين تطبيقات التقنية في قطاع الزراعة، وتطوير البنية الأساس الوطنية للمعلومات، وزيادة التطوير في عمليات التصنيع.(6) وقد ارتفعت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الصين مؤخراً إلى ما يقرب من 2.5% من إجمالي الإنفاق القومي، فقد بلغت ميزانية الصين للبحث العلمي ما يقرب من 136 مليار دولار في الوقت الذي لم تتجاوز فيه هذه الميزانية 30مليار دولار فقط في العام 2005م.(7)

البحث العلمي في الدول العربية وإسرائيل

أما باقي دول العالم (ومنهم طبعاً العرب)، فلا يتجاوز إنفاقهم على البحث العلمي أكثر من 116 بليون دولار. وهذا المبلغ ليس لأمة العرب فيه سوى 535 مليون دولار ليس غير، أي ما يساوي 11 في الألف من الدخل القومي لتلك البقية من العالم!! ومعظم الدول العربية لا تظهر أرقامًا وإحصاءات عن الباحثين والبحث العلمي، فإذا ظهر شيء من ذلك فيكون غير مطمئن: الإمارات 0.6%، والكويت 0.2%، والأردن 0.3%، وتونس 0.3%، وسوريا 0.2%، ومصر 0.2%.(8) كما أن جملة الباحثين في الوطن العربي هم أقل من 16 ألف باحث، وتكلفة الباحث الواحد في السنة لا تتعدى 36 ألف دولار. وفي إحصائيات صادرة عن الجامعة العربية في العام 2006م أنه يقابل كل مليون عربي 318 باحث، في الوقت الذي تصل فيه النسبة في الغرب إلى 4500 باحث لكل مليون شخص.

ويذكر أن إسرائيل تنفق على البحث العلمي 9مليار دولار حسب معطيات العام 2008م وهو ما يوازي 4.7% من إنتاج إسرائيل القومي.(9) كما أن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي ما يوازي 34.6% من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، أما باقي الموازنة فهو للرواتب، والمنشآت، والصيانة، والتجهيزات.(10) وجملة الباحثين في إسرائيل حوالي 24ألف باحث. وأفادت مصادر بوجود حوالي 90ألف عالم ومهندس في إسرائيل يعملون في البحث العلمي وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة خاصة الإليكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية(11)، وتكلفة الباحث الواحد في الدولة اليهودية 162 ألف دولار في السنة (أي أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الباحث العربي). وفي الوقت الذي يوجد في العالم العربي 363 باحثاً لكل مليون نسمة، فقد بلغ عدد الباحثين في إسرائيل 25 ألفاً، بمعدل 5 آلاف باحث لكل مليون نسمة. وتلك أعلى نسبة في العالم بعد اليابان التي وصل العدد فيها إلى 5100 باحث.(12) وبالمجمل يبلغ إنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير تقريباً نصف ما تنفقه إسرائيل على الرغم من أن الناتج القومي العربي يبلغ 11ضعفاً للناتج القومي في إسرائيل والمساحة هي 649 ضعفاً. واحتلت إسرائيل المتربة الأولى عالمياً من حيث نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي وجاءت بعدها الولايات المتحدة الأمريكية ثم اليابان، أما الدول العربية، في هذا المجال من المقارنة، فهي مائة مرة أقل من إسرائيل (إسرائيل 1272.8 دولار سنوياً للفرد والدول العربية في آسيا بما فيها الدول النفطية نصيب الفرد 11.9 دولار فقط).

وبالنظر إلى نسبة الإنفاق على البحث العلمي، من حيث الدخل القومي، فإن إسرائيل تتساوى في الصرف على البحث العلمي مع اليابان والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. وإسرائيل هكذا تتقدم على دول مثل إسبانيا وتركيا. وفي مصادر أخرى فإن إسرائيل تنفق على البحث العلمي ما يساوي 1% مما ينفق في العالم أجمع، وإسرائيل تنفق ضعف ما تنفقه الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير.وإسرائيل هي أعلى دولة في العالم قاطبة من حيث نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي، فالولايات المتحدة تنفق 3.7%. وبريطانياً 1.8%. وألمانيا 2.6%.(13)

واقع البحث العلمي عند العرب

تشير التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة في العام 2008م، إلى أن الدول العربية تنفق 14.7دولارا على الفرد في مجال البحث العلمي، بينما تنفق الولايات المتحدة 1205.9 دولار لكل مواطن، والدول الأوروبية حوالي 531 دولار.(14) ويؤكد التقرير الصادر عن منظمة اليونسكو في العام 2010م أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي ضعيف للغاية حتى في دولة كبرى مثل مصر؛ إذ لا يتجاوز ما ينفق فيها على البحث العلمي 0.23% من الموازنة العامة.(15) كما بلغ الإنفاق على البحث العلمي في الأردن 0.34%، وفي المغرب 0.64% وفي سوريا 0.12% ولبنان 0.3% وتونس 1.02% والسعودية 0.05%، والإمارات 0.6%، والكويت 0.09%، من إجمالي الناتج القومي.(16)



بل إن المقلق أن نسبة ما تنفقه البلدان العربية الغنية من دخلها الوطني على البحث العلمي يقل بكثير عما تنفقه البلدان العربية الفقيرة أو متوسطة الدخل!

وتشير الإحصائيات، إلى أن إجمالي الإنفاق على البحث والإنماء في الجامعات، وفي مراكز البحث والإنماء العربية، قد بلغ 3.2 مليار دولار في العام 1990م، بعد أن كان في حدود 2.3 مليار دولار في العام 1985م، أي ما يعادل 0.57% من إجمالي الناتج القومي في المنطقة العربية. وهذه النسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بما هو عليه الحال في الدول المتقدمة، إذ لا يقل متوسط ما ينفق على البحث العلمي عن 2.92% من إجمالي الناتج القومي لتلك الدول.(17)

ويؤكد أحد الباحثين أن العالم العربي يصرف 0.4% في الألف مما يصرفه العالم على البحث العلمي، ولا يتجاوز تمويل البحوث في العالم العربي 0.2% في الألف من التمويل في الدول المتقدمة.(18) وفي نسبة البحوث العلمية المنشورة دولياً، تصل الحصة العربية إلى 0.15% في الألف فقط، مقارنة بـ 34% لدول الوحدة الأوروبية، و36% للولايات المتحدة.(19)

و بعد ان يستعرض الباحث مهمة الحكومات والجامعات وبعض النماذج التى تطور البحث العلمى لديها فى السنوات الاخيرة ,يختتم الكاتب الدراسة بالقول:

مسألة علاقة البحث العلمي والتعليم بالتنمية الاجتماعية تضعنا، من جديد، أمام الملاحظة الجديرة بالتأمل والفحص وإعادة التركيب، وهي الملاحظة التي ما يفتأ يلوك الحديث فيها كثيرون اليوم، إذ ظل الحديث عنها مقتصراً على الجانب "الإنشائي" من جهة المنظرين، وعلى الجانب "الإدعائي" من جهة القائمين على العمل، ونعني بتلك الملاحظة مسألة تعميق الارتباط بين المدرسة والجامعة من جهة، والمجتمع من الجهة الأخرى، فالأطروحة التي مازال يلح عليها المثقفون من خارج المدرسة والجامعة، هي أنهما، أي: المدرسة والجامعة، ظلتا تعيشان واقع انفصال مخيف عن المجتمع، فهما بعيدتان عن مشكلاته، وعن طموحاته وتطلعاته، وعن احتياجاته الصميمية، ولذا فهما مصابتان بحالة يائسة من العقم، وهما لا تضطلعان بأي مسؤولية اجتماعية حقيقية، ولاسيما من حيث الإسهام في قيادة المجتمع نحو رفاهية الإنتاج، ومن حيث الأخذ بيده نحو مزيد من تطوير مفهوماته تجاه الحياة، وتجاه علاقاته بالكون والأشياء. والسبب في كل ذلك ليس سراً من الأسرار، فالذي يعرقل دور المدرسة والجامعة في المجتمع، هو أن هناك من يستبد بهم الخوف من تدخل الجامعة في التنمية الاجتماعية، فيرون في ذلك تجاوزاً لأهدافها التعليمية!، فيعمدون إلى تكريس المفهوم "البارد" للعلم والتعليم، وهو أن تتخذ المدرسة والجامعة موقفاً محايداً من التنمية "وذلك لكي تؤدي مهمتها العلمية في هدوء وإبداع!!". ولا ندري بأي منطق توصل هؤلاء إلى مثل هذه النتيجة المخيفة، فعميت أبصارهم، ومازالت تعمى، عن إدراك حقيقة أساسية، وهي أنه ينبغي أن يكون للمدرسة والجامعة دور ناهض في تحسس شروط نمو المجتمعات.

المصدر: مركز اسبار للدراسات والبحوث والاعلام