في سقوط الشركة العملاقة " جنرال موتورز" ترجع التحليلات السائدة المسؤولية إلى الإدارة الرديئة. إنّ هذا تحليل مبالغٌ في التبسيط . نعم في النهاية إدارة الشركة هي المسؤولة و لكن كيف تسبّبت بهذه الكارثة؟



الممارسة الرئيسة المسؤولة عن الكارثة الحالية هي " تسويق العلامة brand marketing". العيب في مبدأ العمل و ليس في جهد المسوّقين أنفسهم الذين يعدّ بعضهم من أبرع المسوّقين عالمياً.



يقوم "تسويق العلامة" على نظرية أن " العلامة brand" تتكوّن من كلّ جوانب "تجربة الزبون" و هكذا يمكن من خلال المناورة أو التلاعب بالتصورات imagery و بالإشارات و الرموز semiotics ربط العلامات بخصائص معينة مرغوبة لدى المستهلكين. عندما يقدّر المستهلكون هذه الخصائص فإنّهم لا محالة سيشترون العلامة.



انطلاقاً من قناعة أنّ الزبون إنّما يشتري العلامة، يصبح مبرّراً لدى الإدارات إنفاق المزيد و المزيد على ممارسات بناء العلامة مثل الإعلان الواسع القاعدة broad-based advertising، أو المنافذ المعلّمة branded outlets.



في مواجهة النظرية السابقة أضع مبدئين أسمّيهما "حقيقتيّ ممارسة الأعمال الواقعية"


- المنتج الجيّد = علامة جيدة


- المنتج الرديء = علامة رديئة



إن كل جهود التعليم في الكون لا تستطيع تغيير هاتين المعادلتين البسيطتين، و بناءً على ذلك يبدو إفلاس نظرية "التسويق بالعلامة" مبدئياً.



و لننظر الآن ماذا فعلت فكرة "التسويق بالعلامة" بشركة جنرال موتورز.



بريق العلامة لن يصلح ما تفسده المنتجات المتراجعة:


إن منتجات "جنرال موتورز" عموماً أخذت بالتراجع مقارنةً مع منتجات المصنّعين الآخرين المقاربة لها في السعر. صحيحٌ أنّها تطورت بعض الشيء في السنوات الأخيرة و لكن الحقيقة هي أن معظم السيارات الأمريكية كانت متأخرةً نسبياً و سيارات جنرال موتورز كانت من أشدّها تأخرًا.



بدلاً من معالجة هذه المشكلة الأساسية المتوسّعة التأثير، اتجه تركيز "جنرال موتورز" في جعل الزبائن يشترون إلى العلامة.



تملك الشركة 12 علامة و هي ( Buick , Cadillac, Chevrolet, GMC, GM Daewoo, Holden, Hummer, Opel, Pontiac, Saab, Saturn, Vauxhall ,Wuling )



وهكذا كانت وصفة "جنرال موتورز" المعتمدة طوال ثلاثين سنة:


كثير من التعليم مع الكثير من المنتجات المتراجعة المستوى.


مع أن هذه الطريقة أبقت آلافاُ من "المسوّقين بالعلامة" يعملون في وظائفهم، فإنّها كانت تستمر في إبقاء تركيز الشركة بعيداً عن قضية مؤسسات الأعمال الحقيقية، و التي هي: بناء منتج عظيم و بيعه بسعر معقول.



لو أن شركة "جنرال موتورز" قامت بواجبها تجاه أسواقها كما ينبغي فإن كل مشكلاتها كانت ستتلاشى و مهمّة "التعليم" ستكون شبه منجزةً تلقائياً. و لكن لأسبابٍ محيّرة فإن قضية العمل الحقيقي بقيت بعيدةً عن التناول الملائم حتّى في خضم ميزانيات التسويق الضخمة المقدرة بمئات الملايين من الدولارات.



إن كان أخصائيو التصنيع و البيع آخر من يصنع قرارات تطوير المنتجات فماذا ننتظر غير المشكلات؟


لا ينفك المسوّقون عن القول لي: " إن التسويق يعين الشركة على تفهّم ماذا يريد الناس أن يشتروا" و أقول أنا إذاً ما قصة جنرال موتورز؟! لماذا لم يصنّعوا السيارات التي يريد الناس شراءها؟



و يخبرني المسوّقون أيضاً " يهيّئ التسويق الشركات للأسواق الجديدة" فلا أستطيع إلاّ أن ألاحظ: كيف عجزوا عن ملاحظة أن الأسواق النامية تحتاج سيارات أصغر و أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة؟!



السبب بسيط: لم تكن فرق التسويق قادرةً على القيام بتلك المهمّات المفترض قيامها بها.



من خلال تجربتي رأيت أن المهندسين هم الذين يتفهّمون الأجيال الجديدة من المنتجات و التقنيات، لأنّ العمل و الاهتمام بهذه الأشياء يجري في عروقهم و يتنفّسونه كل لحظة. و فرق المبيعات هي التي تعرف ماذا يريد الزبائن اليوم و مستقبلاً لأنّهم هم المتعاملون مباشرةً مع الزبائن في عالم الواقع الحقيقي.



و في شركة جنرال موتورز كانت هاتان الزمرتان من مجموعات العمل تُدفعان إلى الخلف باستمرار لإفساح المجال أمام العلامات brands التي يعشقها عباقرة التسويق في جنرال موتورز و يدمنون على بناء المزيد منها.



بفضل " التسويق بالعلامة" نرى واحدةً من أعظم الشركات في أمريكا و العالم تتأرجح و توشك على السقوط. و هذه المأساة مرشّحةً للتكرار في شركات و صناعاتٍ أخرى في غضون الأشهر القادمة. فهل من معتبر؟



ألم يحن الوقت كي تحزم الشركات أمورها و تنطلق في صناعة منتجات ( لا علامات) يريد الناس شراءها؟



ملاحظة: توقعاً من الكاتب لحملات الاستنكار التي ستلقاها مقالته هذه - و خصوصاً من قبل المتحمّسين للتسويق بالعلامة- فإنّه أعدّ نبذة عن تاريخ جنرال موتورز و سلسلة انتصاراتها التسويقية و مآزق منتجاتها.