الآن وقبل أن تفقدهم.. اكتشف قيادات المستقبل في مؤسّستك
اطلبهم اليوم وقد تجدهم غداً اطلبهم غداً ولن تجدهم أبداً

ميكاييل ماكوبي

ندرك جميعاً أنّ الابتكار المستمرّ هو تغيير للمنتجات والعمليات والتنظيم والعلاقات.

وإلى جانب ذلك ينبغي أن ندركَ أيضاً أنّ الابتكار يقتضي التغيير في مزيج المهارات والاستعدادات الأكثر قيمةًً في السوق. وتبعاً لذلك فإن الشركات الأقدر والأنجح تنافسياً هي تلك القادرة على اجتذاب واستبقاء العناصر البشرية المتميّزة بمهاراتٍ جديدة تختلف عمّا كان لديها.

بعض الناس تستثيرُ البيئةُ الجديدة حماسهم وقدراتهم ويجدونها وكأنّها خلقت لهم، ويرى آخرون فيها تهديداً مقلقاً ويسعون إلى مقاومة التغير. وهنالك مجموعةٌ ثالثة تدرك الحاجة إلى التغيير، والتكيّف مع البيئة الجديدة حتّى لو كان ذلك مؤلماً لهم بسبب إدنائه قيمة رأسمالهم الفكري، أو حتّى تهديده اعتدادهم بكياناتهم.

هكذا تسبّب بيئة الأعمال المتغيّرة نوعاً من الاصطفاء الاجتماعي. وهكذا نرى أنواعاً معينةً من الناس تزدهر في كلٍ من البيئات الجديدة. مثلاً: مبرمجو الحاسوب الذين أكلت البرمجيات ألبابهم وأكسبتهم عقلياتٍ ومظاهر خاصةً خارجةً عن المألوف الاجتماعي، الذين يعملون في آخر الليل وينفرون من نظام اللباس والإتيكيت السائد في الشركات، لم يكونوا محتملين إلاّ اضطراراً في أمكنة العمل الصناعية البيروقراطية القديمة. وأمّا في مكان العمل المعاصر فإننا نجد الشركات تسعى وراءهم سعياً، ونرى نماذج من هذا النمط –مثل بيل غيتس، وستيف يوبز- يصبحون القدوات المحتذاة وتصبح طرائقهم في اللباس والتصرّف جزءاً من الإتيكيت السائد لدى كثير من الشركات الكبرى.

تصطفي بيئة الأعمال الجديدة بعض الأصناف من الناس وتقصي آخرين كان ازدهارهم ممكناً في الماضي. إنّها تنتقي الروّاد المقدامين الذين يترجمون ابتكاراتهم إلى منتجات ناجحةٍ تسويقياً. وهي تنتقي المقتدرين تقنياً الحائزين على المهارات والقيم والاستعدادات العاطفية الملائمة للمنظّمات الإبداعيّة.

وتقصي هذه البيئة الناس الذين يمكن برمجة مهاراتهم على الحواسيب، كما تقصي المديرين البيروقراطيّين المتخوّفين المتردّدين.

في مكان العمل المستمرّ بالتطوّر تتبيّن المهارات الأكثر طلباً على امتداد بعدين، هما: بُعد المعرفة وبُعد الخدمة. وعلى امتداد المقياس الخاص بكل بُعد تُبيّن قيمةُ المهارات في سوق العمل.

- بُعد الخدمة:
على بُعد الخدمات نجد وظائف خدمية مثل – حرّاس الأمن، أو موظّفي استقبال وتوجيه الزبون في مداخل الشركات- تتلقّى قيمةً متدنية في السوق لأن ما فيها من مهارات ومعارف يسهل اكتسابه، ولأنّ العملاء أكثرُ تقبّلاً لمستوياتٍ عاديّة من الخدمة فيها. ونجدُ أن الوظائف الخدميّة المتلقّية للقيمة الأرفع هي تلك التي تتطلّب مستويات نادرةً من الموهبة أو الأداء، ونرى الناس يدفعون مبالغ طائلةً لقاء أداء أصحابها مثلما يدفعون لمشاهدة أداء رياضييهم وفنّانيهم المفضّلين.

- بُعد المعرفة:
وعلى بُعد المعرفة نجد وظائف أشخاص مثل كتّاب البرمجيات، والمحلّلين القادرين على اكتشاف الأنماط المترابطة ضمن محيطات المعطيات، ومبتكري المنتجات الجديدة. حتّى تكونُ منافسة مقتدرة لا بدّ لشركات لمعرفة من أناسٍ تتوفر لديهم هذه المهارات، وبما أنّ المعروض من هؤلاء غالباً ما يقصّر عن تلبية الطلب فإّن قيمتهم ترتفع.

شيئاً فشيئاً يتصاعد توليد القيمة على امتداد المحور المشترك بين بعديّ الخدمة والمعرفة، ويصف هذا المحور المهارات اللازمة من أجل اقتباس المعرفة وتكييفها.
في الماضي كان هنالك طلبٌ كبير على المهارات التشغيلية –مثل موظفي الصناديق والهاتف- والآن، بعد أتمتة الكثير من هذه التعاملات فإنّ الوظائف المتبقية –بانتظار أتمتتها هي الأخرى عبر الإنترنت- تحتاج مهاراتٍ استشارية.

إنّ عميل البنك الذي يستخدم الصرّاف الآليّ، ويستخدم الهاتف أو الإنترنت لإنجاز تعاملات بسيطة يحتاج إلى موظّفي البيع لمساعدته في اختيار حلول المشكلات المالية. وأصبح موظّف السنترال –البدّالة- اختصاصيّ تسويق يأخذ احتياجاتك في الاعتبار عند اقتراحه أفضل السبل المتاحة أمامك لإجراء المكالمات البعيدة المدى. وأدوار البيع الاستشارية تتطلّب المقدرة على استخدام الحواسيب من أجل مواصلة الاطلاع على الجديد من المنتجات و من احتياجات العملاء. وهي تحتاج برامج معقدةً تقدّم لهؤلاء الموظّفين المعلومات التي يحتاجونها.

وفي كل الأحوال، ما لم تتوفر المهارات الخدمية مثل: الإصغاء، والتفهّم، والتواصل فإنّ المعرفة بالبرامج وبالمنتجات تبقى عديمة القيمة. إن حضور هذه المهارات شرط لازم لتيسير الحصول على المعلومات والمعارف ولإرضاء العملاء.

من هم قادة المستقبل؟ وكيف نجدهم؟
إن القيمة الأرفع على محور الإحداثيات المشترك بين بعدي الخدمة والمعرفة إنّما تولّدها المهارات القيادية مثل: صياغة إستراتيجية الشركة، التحفيز، التدريب والإرشاد، وتكوين مؤسّسات تثبت نجاحها في السوق.

في العالم الجديد المعرفي-الخدميّ لا بدّ لقادة المؤسسات البحثية والتقنية من تفهّم بيئة الأعمال وكيفية تسيير الشركة مثل تفهّمهم الجوانب التكنولوجيّة. يجب أن يحيطوا بديناميكيات العمل في حقلهم والتي تتضمّن الأسعار، وسلوك الشراء، والسرعة التي يتطلّبها السوق. ويحتاجون أيضاً إلى مقدرة التواصل الفعّال داخلياً مع طواقمهم، وخارجياً مع بقية القادة الذين يفتقرون إلى المعرفة التقنية الرفيعة. ينبغي أن يكونوا قادرين على تبيين آرائهم بوضوح أمام الجميع.

علاوةً على ما سبق يجب على القادة اكتشاف المواهب واجتذابها واستبقاؤها وتطويرها. وبشكل خاص ينبغي أن يكونوا قادرين على اكتشاف المقدرات القيادية القيّمة النادرة لدى الباحثين والاختصاصين التقنين الشبّان. إن لم يفعلوا ذلك فإنّ عيون المواهب الواعدة لن تبقى في الانتظار طويلاً. وما لم تندثر فإنّها ستجد بالتأكيد شركاتٍ أقدر وأنشط تنافسيةً تقدّرها وتعرف كيف ترعاها وتطوّرها.

ماذا يجب على القادة –في المؤسسات التقنية والبحثية خصوصاً- أن يفعلوا حتّى يحتفظوا بقادة المستقبل ويشجّعوا ازدهارهم؟
1- قبل كل شيء، يجب تقييم عناصرك البشرية التقنية على ضوء مهاراتهم في دنيا الأعمال وفي الإدارة جنباً إلى جنب مع تقييمهم بناءً على أدائهم التقنيّ.

ينبغي أن يركّز تقييم مهاراتهم الإدارية على مقدرة المرء على تيسير نجاح الفريق. وفي هذا التقييم يجدر الاحتراز من الوقوع في مزالق تقييم الزملاء بعضهم بعضاً، وتذكّر أنّ المدير الجيّد كثيراً ما يبدو قاسياً ومتطلّباً، وكثيراً ما يتدخل حسد الزملاء في تقييمه والتعامل معه.

ويتناول تقييم مهارات الأداء مدى استيعاب المرء لاحتياجات الزبائن –أوالأفضل من ذلك: تمكّنه من إنشائها- كما يتناول تكوين الشراكات وشبكات العلاقات.

2- ابحث عن الناس الذين يتصرّفون بدلاً من انتظار الإذن لدى كل حركة. قادة المستقبل هم أولئك الذين لديهم أفكار يعلمون كيف ينبغي تنفيذها ويقومون بذلك فعلاً. إنّهم أولئك الذين يمضون بمنظّماتهم في اتجاهاتٍ جديدة.هم الذين يدركون مبكراً أن طلب الصفح عن الخطأ أو التسرّع في بعض الخطوات أهون من طلب الإذن في كل خطوة. إنّهم يمكّنون أنفسهم بأنفسهم ولا ينتظرون أحداً ليقوم بذلك من أجلهم.

3- ابحث عمّن يريدون تحدّياتٍ كبيرة وليس من يريدون القيام بما يهوون وحسب. إن قادة المستقبل يختلفون عن عباقرة التكنولوجيا والبرمجيات الخارقين الذين يحلّون أصعب المشكلات التقنية المطروحة أمامهم بسرعاتٍ مدهشة ولكنّهم لا يملكون المقدرة ذاتها في استكشاف ومعالجة أهمّ قضايا ومشكلات عمل الشركة وحياتها.

4- ابحث عن القادرين على تأسيس علاقات زمالة وسلطة وليس من يحتاجون إلى علاقة رعائية على نمط علاقة الوالد بولده، لا يستغني فيها المسترشِدون عن موافقة المرشِد الراعي على تحرّكاتهم. قادةُ المستقبل يسعون إلى النتائج ويخاطرون بتحمّل معارضة إدارتهم، وفي كثير من الأحيان يعتقدون أنّهم يعرفون أكثر ممّا يعرفه رؤساؤهم. وبالرغم من ذلك فإنّهم يتقبّلون الإرشاد حيثما يحتاجون إليه.

5- ابحث عمّن يدركون أنّهم لا يستطيعون النجاح من دون الآخرين، ويشغّلون أفكارهم بحثاً عن أفضل السبل لتحفيز زملاء العمل.

حسب قول باري هوروفيتز المدير التنفيذيّ المخضرم لشركات تكنولوجية وبرمجية فإن القادة الإستراتيجيين هم الأندر من بين كل العناصر البشرية في المجالات التقنية.

ويقول " إنهم أولئك الذين يبرعون في شيءٍ ما ويريدون أن يعرفوا كلّ شيء عن كل شيء يمسّ شركتهم. إن وجدت أمثال هؤلاء فاحرص على ألاّ يكبّلوا في حدود قسم معين، ولا يُقيّدوا ضمن آفاق مديرٍ معين لا يريد أن يفقد خدماتهم. امنحهم الفرصة للانطلاق والتجوّل ومعرفة كل شيء عن كل شيء لديك"

في سوقٍ يكافئ الابتكار ويهدّد الشركات البيروقراطية البطيئة "بالتدمير الإبداعي" أصبحت المهارات البشرية مميّزاتٍ إستراتيجية. وقبل كل شيء، أصبحت الشركات بحاجةٍ إلى مهارات القادة المقتدرين في تنظيم وتطوير الموهبة.