عزيزي القارئ هل تعرف أين يظهر الخطأ من خلال الحوار التالي بين البيّاع و مديره؟


- البيَّاع: تحدثت على الهاتف للتوّ مع الزبون المحتمل الذي أبدى اهتمامه بالجهاز الجديد...
- مشرف البيع: و هل جرت الأمور كما نتمنّى؟
- البياع: للأسف... لا! قال إن السعر يتجاوز توقّّعه المعقول تجاوزاً كبيراً...
- مشرف البيع: جهازنا غالٍ ! و ماذا قلت له؟
- البيّاع: شرحت له عن التصنيف الرفيع لجودة الجهاز، و بينت له كيف نقدم خدمتنا على مدار الليل و النهار كلّ أيام الأسبوع، و فصّلت كلّ المميزات التي لا توجد في غير أجهزتنا ...
لم أترك كبيرةً و لا صغيرةً من تفاصيل عرضنا إلاّ و تأكّدت من توصيلها إليه.


عزيزي القارئ أعتقد أنّك قدّرت موضع الخلل. أجل! موضع الخلل هو أن البيّاع مضى في عرض مميزات جهازه دون أن يكلف نفسه البدء بالتفهّم العميق لما يقصده الزبون بقوله "السعر أعلى بكثير ممّا أتوقّع".

ترى هل يقصد الزبون في مثالنا السابق أن سعر ذلك الموديل المحدّد المعروض عليه مرتفع؟ أم إن تكلفة الصيانة تتعدّى الميزانية المخصّصة؟ هل تكاليف توظيف وتأهيل مشغّل الجهاز هي التي عرقلت الصفقة؟ هل تدفق السيولة لدى الشركة هو الذي يمنعها من الالتزام بتأدية الثمن دفعةً واحدة؟...

لا ندري ماذا يقصد، و صاحبنا البيّاع لم يدرِ أيضاً و لم يسأل.

ترى هل يقع موظّفو البيع في شركتك في الغلطة ذاتها و ينسون طرح الأسئلة التي تدفع بالصفقة نحو الإبرام؟ إذا كانوا معرّضين لذلك ألا يسرّك أن يجرّبوا طريقة المفكّر الكبير سقراط في التفاهم و التمهيد لإبرام البيوع؟

طريقة سقراط؟... لا تتبعني! فلنسر معاً:
كان الفيلسوف الإغريقي سقراط يعلّم تلاميذه محاورة الطرف الآخر بطرح سلسلة من الأسئلة المنطقية التي تقوده إلى تحليل ومحاكمة افتراضاته بنفسه.


وبتطبيق هذه الإستراتيجية على مفاوضة البيع فإنّها تقنع الزبون المحتمل بعرض اهتماماته كلّها بصراحة و تفحّص كلّ نتائج موقفه وتعامله مع البائع من أجل تحديد عرض البيع الملائم لإبرام الصفقة عند التوصل إليه.

تدعى هذه الطريقة بالبيع السقراطي، و مبدؤها الأساسي هو جعل الزبون يتولى ثلاثة أرباع الحديث في الاجتماع. و لا شك في أن هذا مطلب صعبٌ جداً لدى الكثير من البيّاعين، فهم لا يكادون يطيقون التفكير في تبديد ثانية واحدة من الدقائق الثمينة التي فازوا بها لدى الزبون دون الإدلاء بما في جعبتهم الضخمة من المرغّبات و المواصفات و المزايا.


دع عنك التشبث بالعادة و اعلم أن من الخير لك افتتاح حواراتك بطرح أسئلة تستكشف ذهن الزبون. مثلاً: يمكن لصاحبنا البياع افتتاح الحوار مع زبونه بالقول: ".... سيد فلان أنا جاهز للحديث عن موضوعنا الفلاني الذي ابتدأناه على الهاتف. و إذا تكرّمت فأطلعتني على اهتماماتك و أفكارك حوله فسوف يعيننا ذلك في جعل الاجتماع مركّزاً على النقاط الأعظم أهميةً لديكم...".

لاحظ استخدام كلمة "أفكاركم" في المثال السابق و خذ في اعتبارك أيضاً كل ما يشبهها من الكلمات الذهنية المنتقاة مثل "وجهة النظر" "التصوّرات" التي تستحثّ التواصل.

إنها الكلمات المعاكسة في تأثيرها للكلمات البدهية مثل "المشكلات" أو "المصاعب" أو "الاحتياجات" التي يمكن أن تستحثّ ردود فعل سلبية مثل قول الزبون "و من قال لكم إنني بحاجة أي شيء!".

و لاحظ أيضاً أن السؤال الافتتاحي لم يكن شيئاً مثل "من فضلك! هلا تحدّثنا عن جوانب عملكم...".

لأن طرح أسئلة من هذه النوعية يمكن أن يقود الاجتماع إلى مناقشة جوانب في تاريخ الشركة لا علاقة لها و لا أهمية في القضية الحاضرة.

المطلوب هنا هو جعل الزبون هو من يحدّد نقطة البداية لكل حوارٍ تال، و حالما يقوم بذلك فإن البيّاع يتابع طرح أسئلته السقراطية.

مثل:
"ما الذي ينبغي عليّ أن أعرفه عن شركتكم في بداية موضوعنا هذا؟" "ما هي المصادر الأخرى التي ترونها مفيدةً لنا في التعرّف على شركتكم؟" "هل ثمة أمثلة إضافية على استخدام جهازنا لديكم؟" "ما هي الأسباب العامة التي ترونها لاهتمام الزبائن بمنتج كمنتجنا، و لماذا شركتكم –تحديداً- مهتمةٌ بهذا المنتج؟"


لعل كلمة السؤال "لماذا" هي الكلمة الأقوى في حوارات البيع. فالأسئلةٌ من هذا النوع لا تقتصر على توليد المعلومات للبيّاع، بل هي تساعد الزبون في التفكير أيضاً.

يمكن للبيّاع مساندة عملية التفكير لدى الزبون المحتمل من خلال تشجيعه على تفحّص امتدادات و ارتباطات المعلومات المستفادة.

تريد أن يفهمك الزبون ثم يوافقك؟... كيف يمكن ذلك و أنت لم تبدأ بتفهّمه؟
بعض البيّاعين غير المخضرمين يمكن أن يستخفّوا بالإصغاء التام لكل حرف و إشارة تصدر عن الزبون بسبب انصراف تركيزهم إلى ما يريدون قوله لاحقاً.


و آخرون تجدهم يطرحون أسئلةً تهدف إلى استعراض معرفتهم و ألمعيّتهم. و كذلك ترى بيّاعين يقاطعون انسياب المعلومات من الزبون بأقوال مثل: "أجل، أعرف ما تقول، لقد قرأت ذلك في الصحيفة (الفلانية) الأسبوع الماضي".

و تجدُ من يصلون في النهاية إلى تقديم عرض لا يلبّي كلّ احتياجات و رغبات الزبون ثم يحاولون تقليل أهمية بعض أو كلّ ما يشغل باله من اهتمامات و شكوك.

و بعض البيّاعين تضيق صدورهم ببطء تجاوب الزبون غير منتبهين إلى أن الزبون ما يزال في مرحلة استكشاف البيّاع و تقويمه.

في هذا الجانب من المهم جداً ترك الزبون ينفّس شكواه من متاعبه الحاليّة مع أحد المزوّدين و عدم القفز إلى تسكيته و طمأنته بأن الأمور ستكون على خير ما يرام هذه المرة.

يمكن للبياع أن يطرح على الزبائن المستائين أسئلةً مثل: "كم كان صعباً ذلك الموقف الذي وضعتم فيه؟" و ستحمل الإجابة إليه ما يعينه في تحديد دوافع الزبون الشخصية و اهتماماته و من ثم إثبات اهتمامه بها.


ينبغي على اختصاصيّ البيع الإصغاء لاستجابات زبونه بوجهه و رأسه و جسمه كلّه و ليس بأذنيه و حسب، فإشارات و تعابير الوجه والعينين واليدين والجسد كلّه تفصح عن الكثير.

و حتى يبقى الحوار مثمراً متطوّراً ينبغي أن يؤكّد للزبون أن اختصاصيّ البيع يستوعب كلّ ما يقوله. و يمكن تحقيق هذا عن طريق إعادة عرض الأفكار التي قدّمها الزبون من قبل البيّاع بعباراتٍ جديدة أصيلة.

مثلما يجب الإصغاء للزبون و تفهّمه، تجب طمأنته إلى وصول أفكاره و مشاعره عن طريق إعادة صياغة و عرض ما فهمه البيّاع بعباراته هو.

دع الزبون يرشدك إلى ما يحتاج أن ترشده إليه... اهتم بطرح الأسئلة لا الإجابات:
إن كان القصد من أحد الأسئلة التي يطرحها الزبون غير واضح، فمن المفيد هنا أن يجيب البيّاع بسؤالٍ من جانبه مثل "إنني مهتم بالتفهّم الدقيق و الصحيح لأسباب اهتمامكم باستقصاء هذا الجانب، فما هي أبرز هذه الأسباب يا ترى؟" إن قيامك بهذا يحمي مناقشة الصفقة الجارية على الهاتف من التشتت و تضييع المسار.


لنفترض مثلاً أن الزبون يسأل موظف شركة التدريب "هل تقوم شركتكم بتفصيل برامج التدريب خصّيصاً لكل شركة؟" ثم يجيبه موظف الشركة" بالتأكيد تقوم بذلك! لا يمكن لأي شركتين أن تكون لديهما الاحتياجات نفسها و لذلك فإننا نعدّل برامجنا تبعاً للمواقف المختلفة".

ثم لنفترض أن الزبون ردّ بالقول "يسعدني أنّك أخبرتني بذلك! فنحن نريد برنامجاً مجرّب الفاعليّة".


ما الذي حدث؟ لقد أضاع البيّاع فرصة أن يبيّن للزبون أن شركته تقدّم كلاً من البرامج المفصّلة خصيصاً و العموميّة غير المفصّلة. لو أنّه أجابه أصلاً بسؤال عن الغاية من اهتمامه بمعرفة إن كانت الشركة تفصّل برامجها أم لا تفصّلها لوصل إلى غايته و غاية الزبون مباشرةً، و لربما استطاع أن يعرف هو و يعرّف الزبون على نقاطٍ مهمّة لم يتطرق إليها أيٌ منهما.

لا تدفع الزبون! سانده، لا تقف في وجه الزبون بل إلى جانبه:
تتبدّى ثمرات الأسئلة السقراطية أكثر فأكثر مع الاقتراب من اختتام التفاهم على الصفقة. في هذه المرحلة يطرح اختصاصي البيع سلسلةً من أسئلة "لو فرضنا أنّ" التي يرتاح الزبون كلّ الراحة في الإجابة عليها لأنّها لا تحاول دفعه إلى أيّ التزام. كأن يقول له مثلاً " في حال أنّكم قررتم المتابعة في برنامج صيانة، فمتى يمكن أن تبدؤوا ذلك البرنامج؟"


العبارة الأساسية في هذه الأسئلة هي "لو" أو "لو فرضنا" التي تتيح للزبون تصوّر بدء البرنامج دون تعكير فكره بمخاوف التوريط في التزامٍ ما.

والعبارة الأساسية الأخرى هي "تبدؤون أنتم" بدلاً من "نبدأ نحن" و هي التي تجعل الزبون و ليس البيّاع محورَ الحديث، و للسبب ذاته أيضاً لا يُستخدم هنا اسم الشركة.

وطرح سؤالٍ بدلاً من الإدلاء ببيان يفيد أيضاً عندما يطرح الزبون عرضاً مضاداً لا يمكن للبيّاع قبوله. بدلاً من مجابهة العرض المضاد بعرضٍ مضادٍ آخر يمكن للبيّاع أن يسأل "هل تمانعون في مناقشة ما أظنّه ممكناً؟" و نادراً ما تجدُ زبوناً يصدّ هذا الاقتراح.


في بعض الأحيان تجد البيّاعين ينظرون إلى عملية البيع كلعبةٍ يجب فيها التغلّب على قوة الزبون المتفوّقة. لكن في الأسلوب السقراطي يتخذ البيّاع موقف شريك الزبون و يستخدم تلك القوة لمصلحة الفريقين معاً. بعض البيّاعين يعتبر عملية البيع جهداً يبذل للتغلّب على ممانعات الزبون، و لكن لو جعلوا الزبون شريكاً في صياغة العرض فهل يبقى للممانعات وجود مؤثّر
؟