اعثر على عملٍ تحبه واكسب لحياتك ستة أيّامٍ كلّ أسبوع


لدى كثيرٍ منّا يعتبر الحصول على الوظيفة التي نهوى -أي التي لا يبقى طعم عملها عملاً- خيالاً مستحيل المنال. إنّنا نرى كثيراً من الرياضيين المحترفين والكشّافة المتزلّجين على الثلج يفلحون في القيام بما يعشقون وتقاضي المال لقاء القيام به، لكن هل هناك من يحلم بالجلوس على المكتب وإنجاز المعاملات الورقية، أو بالوقوف أمام خط الإنتاج ومراقبة القطع المتدفّقة، أو بالعمل على حل مشكلات الآخرين؟

أحلام العمل شيء والحقيقة الواقعية شيء آخر. وعندما تتحقق مصادفة التقائهما السعيدة فعليك أن تمسك بالفرصة بكل جوارحك وتعيش سعادتها. ولحسن حظّنا فإنّه عندما لا تجتمع أحلام العمل وحقائق الواقع فإنّه يبقى بالإمكان تحقيق الرضا الوظيفي من خلال الاختيار العمليّ للمسار المهنيّ.

تحقيقُ الرضا الوظيفيّ لا يعني حتماً العمل تحت أضواء الشهرة أو جني المال جنياً سهلاً لذيذاً بممارسة هوايتك المفضّلة. يمكنك تحقيق الرضا الوظيفيّ بنفسك إن لم يأتِ إليك بنفسه وأن توجده في أكثر المواضع استبعاداً.

جوهر الرضا الوظيفي هو موقفك وتطلّعاتك. إنّه مسألة كيفية نظرك وتعاملك مع وظيفتك أكثر منه مسألة ماهية الواجبات التي تقوم بها فعلاً. سواء أكنت تعمل في مزرعة أو على خط إنتاج أو في مكتب خلفي أو على ميدان كرة سلة فالسر يبقى معرفتك وتفهّمك المكوّنات الرئيسية لخلطة رضاك الوظيفيّ الخاصةّ.

استكشف أوّلاً..
ما الذي يملؤك بالرضا؟ ولماذا؟
هناك ثلاثة اتجاهات لتصرّف المرء ونظره إلى عمله:
1- عملي هو وظيفة job (منقطعة)
2- عملي هو مهنة career (مسار مهني)
3- عملي هو شغفٌ passion (مطلوبٌ لذاته).

وبناءً على أيّ نوعٍ من العمل ترى نفسك ستختلف الأشياء التي تؤمّن لك الرضا الوظيفيّ.
إن كنت تعمل في "وظيفة" فإنّ جوانب التعويض المختلفة (الأجر وملحقاته والمزايا..) ستكون عنصر الجذب الأكبر من أيّ شيء آخر وهي العنصر الأكثر حسماً في تقرير استمرارك أو مغادرتك.
• وإن كنت ترى نفسك تعمل في "مسار مهني" فستركّز على الترقّي وفرص التطوير، وسيغدو رضاك مرتبطاً ارتباطاً أوثق بما تحقّق على صعيد المكانة والصلاحيات أو المنصب.
• وإن كنت تقوم بعملٍ تعشقه ويملك نفسك كلّها فإنّ قيامك بالعمل بحدّ ذاته هو ما يقرّر رضاك الوظيفيّ بغض النظر عن متع المال أو الأضواء أو السلطة..

بالتأكيد، ما ذكرناه سابقاً عموميات، وكثيراً ما يجد المرء رضاه الوظيفيّ نابعاً من أكثر من اتجاه. وفي كلّ الأحوال فإنّ وعيك لنوعية العمل الذي تقوم به (وظيفة، أم مسار مهني، أم شغف) والأشياء اللازمة لتحقيق رضاك الوظيفي سييسر لك تحديد توقّعات رضاك الوظيفيّ وتكييفها مع الواقع الذي أنت فيه.

كيف تصنع رضاك الوظيفي؟
بعد تحديد مزيج المكانة والسلطة أو السعادة الذاتية الذي تحتاج توفّره في عملك حتى تشعر بالرضا ستجد أمامك واجب الاشتغال على سبعة عناصر مختارةٍ لتحقيق الرضا الوظيفيّ المنشود، هي:
- وعي الذات
- التحدّي
- التنوّع
- الموقف الإيجابي
- معرفة خياراتك
- نمط الحياة المتوازن
- الشعور بالهدف

1- وعي الذات
الخطوة الأولى في البحث عن الرضا الوظيفيّ هي أن تعرف نفسك. حتّى تصبح سعيداً أو ناجحاً لا بدّ لك من تفهّم نقاط قوّتك وضعفك. سيساعدك هذا التفهّم على تحديد أنواع المهن التي تتيح لك بناء نقاط القوّة وتقليص نقاط الضعف. ومن الأدوات الشائعة في إجراء هذا النوع من تحليل الذات تحليل سوت الشخصي Personal SWOT analysis .

يكادُ يستحيل الشعور بالرضا من خلال شيءٍ لا تعرفه ولا تتقنه. وإذاً، بدلاً من أن تمضي الوقت وأنت تضني نفسك أو تجلدها تمهّل وانظر نظرةٍ متفحّصة عميقة في الأشياء التي تبرع فيها وحاول البحث عن موقعٍ يستخدم أقصى قدر من تلك المهارات.

جانبٌ آخر مهمّ في وعي الذات هو امتلاك فهم صحيح لملكاتك الشخصية ونمط عملك المفضّل. ومن الأدوات المفيدة في تحليل هذا الجانب تحليل Schein"s Career Anchors الذي يساعدك في معرفة الأشياء الأعلى قيمةً لديك والأشياء التي تمثّل دافعاً محرّكاً في عملك (كما يبيّن لك ما لا تقيم له قيمةً وما يثبّط اندفاعك في عملك).

مع تصاعد وعيك لذاتك self awareness يمكنك العمل لتحقيق المزيج المثالي من تعويض ومكانة ومكافأة داخلية ذاتية الذي يلائمك والذي يمكنك تحقيقه في الواقع فعلاً. إنّ معرفة هذا سوف تساعدك في رسم أهدافٍ ملائمة وفي إدارة توقّعاتك ومطالبك إدارة واقعية مثمرة.
وكلّما ازداد التوافق بين تفضيلاتك الخاصة وبين متطلّبات الوظيفة التي تقوم بها كلّما كبرت فرصة تحقيقك الرضا الوظيفي.

وبعد وعي الذات تأتي عناصر الرضا الوظيفي الستة الباقية لتقرّر كم يمكنك أن تحقّق فعلاً من تلك الفرصة المتاحة.

2- التحدّي
في بعض الأيام قد تنكر ذلك، ولكنّنا نحن البشر نزدهر ونتدفق حيويةً في ظل التحدّيات المُحرّكة. هل يعني هذا أنّ عليك القيام بوظيفة رئيس قسم الهندسة في ناسا؟ بالطبع لا، فالأشياء المختلفة تمثّل تحدياتٍ مختلفة للأشخاص المختلفين في الأوقات المختلفة. وما عليك إلاّ أن تكتشف ما ينبغي فعله حتّى تضمن عدم وقوعك في فخّ الركود في عملك.

حتّى لو كانت وظيفتك بحد ذاتها غير متحدّية فأنت قادرٌ على جعلها متحدّية. جرّب هذه الأفكار:
• ضع لنفسك بنفسك معايير أداء رفيعة واجتهد في تجاوز كل الحدود السابقة. أو اعقد مسابقةً ودّيةً بينك وبين بعض زملاء العمل.
• علّم مهاراتك للآخرين. لا شيء يعادل ما تجده من تحدٍّ ومن رضاً ومكافأة في نقل معارفك ومهاراتك للآخرين.
• اطلب مسؤولياتٍ جديدة. فهذا سيمنحك فرصة توسيع واستنفار كلّ مقدراتك.
• أطلق، أو التحق بمشروعٍ يتطلّب مهاراتٍ تحبّ استخدامها أو ترغب في تطويرها
• التزم بالتطوير الاحترافي. التحق بدورات التدريب، طالع الكتب والمجلات التخصصية. افعل كلّ ما يبقي مهاراتك نشيطةً متجدّدة.

3- التنوّع
ترتبط بحاجة التحدّي السابقة حاجة التخلّص من السآمة أو تقليصها. السآمة علّةٌ لها دورٌ دائم (كبير أو صغير) في كل مشكلات الرضا الوظيفيّ. إن كان دماغك ضجراناً فسوف تفتقد الاهتمام والحماسة، وستجدُ أيّ وظيفةٍ مهما كانت ملاءمةً لك وظيفةً غير مرضية.

ومن أساليب إزالة السآمة أو تقليصها في عملك:
• التدريب المختلط وتعلّم المهارات الجديدة
• اطلب نقلك إلى مهمّة جديدة أو قسمٍ جديد يحتاج تلك المهارات
• اطلب العمل في ورديّة مختلفة
• تطوّع للعمل في مهمّات جديدة
• ادخل في العمل التعاوني الاجتماعي أو الخيري
• خذ أيّ شكلٍ ممكن من أشكال التغيير والخروج من جو العمل: بعثة، أو إجازة طويلة..

- إن كانت وظيفتك تكرارية بطبيعتها فيمكنك إدخال التنويع إليها بتغيير روتينك اليومي. فلا تجلس في قاعة الطعام لتناول غدائك إلى اذهب إلى الخارج. أو غيّر ترتيب جلوسك لترى مناظر مختلفة.

- تضمّ كل الوظائف جوانب أو مهمّات مضجرة. وإن أردت القيام بوظيفتك على أحسن وجه فلا بدّ لا من القيام بتلك المهمّات المضجرة قياماً حسناً (تذكّر أنّه حتى مديرك لديه مهمّات لا يكادُ يطيق القيام بها). والمهمّ في الأمر أن يتوفّر مقدارٌ من المهمّاتٌ الممتعة يكفي لمحو أو تعديل مرارة ومشقّة المهمّات الكريهة المضجرة.

عزيزي القارئ: في الجزء المتبقي من هذه المقالة نتابع مع بقية عناصر بناء الرضا الوظيفيّ. فحتّى ذلك الحين دمتم صنّاعاً لسعادة ونجاح أنفسكم في وظائفكم وفي كل مكان.